لا ادافع هنا لا عن فرنسا ولا عن ماكرون ولا عن الغرب، بشكل عام، الذي كان له الفضل الأكبر، ولا زال، في "تفريخ" هذه الحركات الاسلامية المتطرفة التي تدافع عن الاسلام ظاهرياً وكلامياً بينما دورها الفعلي هو الاساءة الى الاسلام واعطاء ذريعة للغرب لمحاربة "الارهاب"، الذي كان له الفضل الأكبر في اطلاقه ورعايته وتوجيهه ابتداء من الوهابية الى القاعدة وداعش وأخواتهما مروراً بالاخوان ونسختهم الجديدة الأردوغانية. وهدف الغرب هو استمرار تجهيل المسلمين والمحافظة على تخلفهم ليتمكّن من السيطرة عليهم وعلى بلدانهم وثرواتها. ولا اؤيّد وجهة النظر الفرنسية، والغربية عامة، والتي تدّعي ان تحقير النبي يندرج تحت باب حرية الرأي. فالغرب المسيحي له صولات وجولات في تحقير رموز المسيحية من خلال الكتب والرسوم والافلام والاغاني. والكثير منا يتذكر الفيلم الشهير الذي يصوّر المسيح مثلياً جنسياً ويصور امه مريم مدمنة مخدرات. وبغض النظر ان كنت تؤمن بالمسيح او بمحمد او بأي رمز ديني آخر، فلا يحق لأحد ان يهين رمزاً يؤمن به ملايين البشر. والملفت في الأمر ان حرية الرأي في الغرب لا تقف عند محرمات الا اذا كانت يهودية أو تتعلّق بالصهيونية واسرائيل وبحق الشعب الفلسطيني بأرضه. وتهمة معاداة السامية جاهزة لالصاقها بكل من ينتقد السياسة الاسرائيلية. وكم من سياسي وكاتب ومؤرخ وفنان غربي عانى ويعاني بسبب محاولته الوقوف مع الحق الفلسطيني أو لأنه أبدى رأياً لا يتطابق مع الرواية الصهيونية.
هذا لا يعني ان "الغاضبين" المسلمين كانوا على حق في ردات فعلهم. انهم وبكل بساطة يمثلون دورهم الذي يريده الغرب لهم: أن يتصرفوا بهمجية ليقنع قاعدته انهم الارهاب ويجب الاستمرار بمحاربتهم. لماذا لا يخيبون ظن الغرب بهم ويتصرفون بأخلاقية ويتمثلون بنبيهم الذي تعرض للكثير من الاهانات والاساءات التي يبقى الرسم الكاريكاتوري "كاريكانوراً" جنبها. من هذه الاساءات ما وقع له مع زيد بن سعنة اليهودي.
ملخص الحادثة كما رواها الطبراني أن محمداً اقترض مالا من زيد على ان يعطيه تمراً بالمقابل في موعد اتفقا عليه. قبل الموعد شاهد زيد الرسول بين أصحابه فتوجه نحوه غاضباً ومسكه من ثوبه قائلاً: "أدِّ ما عليك من دَين يا محمد. فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب الا مطلاً في سداد الديون". فانتفض عمر وقال:" يا عدو الله، تقول لرسول الله ما أسمع وتفعل برسول الله ما أرى. والله لولا انني أحذر غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا". التفت النبي الى عمر وقال: "لا يا عمر. لقد كان من الواجب عليك ان تأمرني بحسن الاداء وان تأمره بحسن الطلب. خذه واعطهِ حقّه وزده عشرين صاعا من تمر جراء ما روعته." وكانت النتيجة ان دخل زيد "الحبر اليهودي" في دين محمد لما رآه من حلمه وسعة صدره.
كل دين "حمّال أوجه". أي يمكن للمصلح أن يرى فيه المواقف المشرقة ويسعى لتطويرها للتعايش مع الآخر. كما يرى فيه المتعصب المواقف التي تدعم اتجاهه وتشجعه على المضي في نبذ الآخر وتكفيره وذبحه وتفجيره. فكيف اذا ابتلي الاسلام بهذا الكم الهائل من الحركات المتطرفة التي تقف ضد الآخر وضد العلم والتقدم والتطور؟ وكلها من نتاج الغرب نفسه لتأبيد سيطرته على ثروات الشعوب.
ما العمل اذن؟ هل نسكت ونحني الرؤوس؟ لا أبداً. لقد سكتّم قرونا عن التزوير الحاصل بحق دينكم وبحق شعوبكم. وحنيتم رؤوسكم أمام أنظمة عميلة تنهب ثرواتكم لصالح حماتها وتترككم فقراء. انكم تخوضون المعركة الخطأ في المكان الخطأ. عدوكم ليس رسام الكاريكاتور المغرر به مثلكم. ولا الحركات العنصرية المتطرفة البيضاء المزروعة كحركاتكم. عدوكم هو الجهل والفقر والأميّة والتخلف والاستبداد وفقدان العدالة... وكلها مسؤول عنها نظامكم السياسي. فهل تخرجون مرة عن الخط الذي رسمه لكم الغرب وتوجهون السهام الى العدويين: الأصيل والوكيل؟ فان فعلتم عندها تردون الاساءة عن دينكم ونبيكم.
سدني في 1/11/2020
0 comments:
إرسال تعليق