بدأتُ الحَجْـرَ الكوروني الطوعي في 20/12/2020 وأنهيته في 05/01/2021. كان الكتاب خلال تلك الفترة، وما بعدها بأيام قلائل خير جليس، إذ قرأت ثلاث روايات: "العمى" لجوزيه ساراماغو، "بناية ماتيلد" لحسن داود، و "صاحب الظل الطويل" لجين ويبستر.
في الروايات الثلاث الكثير من العبر والعظات، أقتبس منها ما لفت نظري، وباختصار وإيجازٍ شديدين:
1- في رواية "العمى" حيث يتفشى وباء العمى بشكل واسع يمكن مقارنته إلى حد كبير بحالنا مع كورونا في هذه الأيام، أكان لناحية العزل أو العدوى و/أو ما شابه. الرواية مشوقة ومتماسكة رغم ثغرات لم أعثر على أغطية منطقية لها،على سبيل المثال لا الحصر:سبب تفشي الوباء، سبب عدم إصابة زوجة طبيب العيون بالوباء، وسبب الشفاء من الوباء.
أ- أثناء مخاطبتها للعميان الآخرين الموضوعين قسراً في الحجر قالت زوجة طبيب العيون :"إن كنا غير قادرين على العيش ككائنات بشرية، فدعونا على الأقل أن نفعل ما بوسعنا كي لا نعيش كالحيوانات تماماً". صفحة 115.
ب- في ومضة عن العلاقة الجدلية بين السبب والنتيجة يقول المؤلف: "ويمكن لأي شخص قادر على التذكر (....) أن يسجل بروية ذلك التناقض الصارخ بين الكمية الضئيلة التي يأكلها النزلاء وذلك الكم الكبير الذي يطرحونه". وربما يرينا هذا أن العلاقة الشهيرة بين السبب والنتيجة، كما تسمًى، ليست صحيحة دائماً" صفحة 156.
ت- بعد أن تم وضع الذين طالهم وباء "العمى" في محجر صحي قال طبيب العيون الأعمى لزوجته:" إن المفاتيح معي (مفاتيح منزلهم). قالت: كيف حصلت عليها وقد وضعتها أنا في الحقيبة التي تركناها هناك؟ قال" : لقد أخرجتها من الحقيبة، كنت خائفاً أن تضيع، شعرت أنها ستكون أكثر أماناً إن أبقيتها دائماً في حوزتي ، ثم إنها كانت طريقة لإقناع نفسي أننا سنعود يوماً ما" . صفحة 230. ( ذكرني هذا الأمل بأمل عجوز فلسطيني إلتقيته في الأردن في سبعينات القرن الماضي والذي كان يحمل مفتاح منزله في فلسطين، ويأمل بالعودة).
ث- وعن وضع مدخرات المودعين في المصارف وما يعانونه يقول المؤلف: "ففي النهاية، لم يكن هناك مناص من أن تفلس البنوك، أو بطريقة أخرى، أن تغلق أبوابها وتستنهض حماسة رجال الشرطة، لم ينفع هذا الإجراء، لأنه بين الجمع الغفير الصاخب أمام البنوك كان هناك رجال شرطة بثيابهم الرسمية يطالبون بمدخراتهم بكل ما أوتوا من جهد". صفحة 258.
2- في رواية "بناية ماتيلد" ، يخبرنا المؤلف عن مجموعة من الناس من بيئات مختلفة يسكنون بناية قديمة، وعن العلاقات بينهم. ويخبرنا عن جشع أصحاب العمارات، وعن الهجرة والمهجرين وتفاصيل أخرى.
3- في رواية "صاحب الظل الطويل" حيث بطلة الرواية لقيطة ترعرعت في ميتم، تقوم بمحاولات لتصبح مؤلفة قصص وروايات وتبعث للوصي عليها، والذي لا تعرفه، بعشرات الرسائل، وتخاطبه باسم "صاحب الظل الطويل" ، تبث المؤلفة العديد من الرسائل والأفكار، ولها أسلوبها المميز في السرد،
أ- تقول البطلة في إحدى رسائلها إلى وصيها: "نقضي أمتع الأوقات على طاولة الطعام، فالجميع يضحكون ويمزحون ويتحدثون في آن واحد، وليس علينا تلاوة صلوات الشكر قبل الأكل. من المريح ألا تشكر أحداً لكل لقمة تأكلها. (أجرؤ على القول أني مجدَِفة، لكنك ستكون كذلك أيضاً لو طُلِبَ منك تقديم الكثير من الشكر كما أفعل."
ب- في رسالة أخرى إلى وصيها طلبت البطلة منه أن يرسل بمساعدة إلى عائلة فقيرة حيث قالت الأم (ربة الأسرة الفقيرة بعد أن وصلتهم المساعدة) :"حمداً للرب المنعم" فردت عليها بطلة الرواية:"لم يكن الرب المنعم أبداً، لقد كان صاحب الظل الطويل". قالت الأم:"ولكن الرب المنعم هو الذي ألهمه لفعل ذلك" فردت البطلة:" مطلقاً! أنا الذي ألهمته ذلك بنفسي". صفحة 205.
ت- وعن السعادة ومعاييرها النسبية تقول البطلة :"أعرف الكثير من الفتيات (جوليا مثلاً) اللاتي لم يعرفن أبداً أنهن سعيدات، لأنهن اعتدن السعادة حتى ماتت أحاسيسهن بتمييزها" صفحة رقم 210.
ث- لن تنسى البطلة تأثير المثابرة والتصميم والإرادة حيث تقول لوصيها في إحدى الرسائل:" ما نشاطي الأخير برأيك يا عزيزي؟ لا بد أن تبدأ بالإيمان بمثابرتي، فقد بدأت بتأليف كتاب جديد، وقد بدأته قبل ثلاثة أسابيع وقطعت فيه شوطاً كبيراً، لقد عرفت السرّ، وقد يكون السيد جيرفي وذلك المحرر محقين، إذ بوسعك أن تكون أكثر إقناعاً إن كتبت عن الأمور التي تعرفها". صفحة 213.
عيحا في 13/01/2021
جزيل الشكر لموقع الغربة والقيمين عليه.
ردحذف