في ظل انتشار انتشار جائحة كورونا التي شلّت معظم الأعمال وأدت إلى تجميد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتبدل سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية وعدم استقراره وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السلع بصورة متزايدة، أصبح المواطن يعيش أزمة صحية وأخرى اقتصادية اجتماعية. وفي هذا الإطار، أصبح الأجراء (العمال) يعيشون القلق المستمر على أوضاعهم خلال هذه الفترة الصعبة في البلاد.
من هنا، لا بد من الإشارة إلى أنه يقتضي حماية الأجر والأجراء كي لا نصل إلى الانهيار المتزايد على كافة الصعد. وقد أشارت المادة السابعة من الاتفاقية العربية رقم 15 بشأن تحديد وحماية الأجر (انضم إليها لبنان وتم نشرها في الجريدة الرسمية العدد 28 بتاريخ 8/6/2000) إلى أنه يستحق العامل أجره كاملاً حتى وإن لم يقدم عملاً لأسباب خارجة عن ارادته، على أن تحدد التشريعات الوطنية تلك الأسباب. وإذا كانت القاعدة القانونية تحتمل التفسير على أكثر من وجه، يجب الأخذ بالتفسير الذي هو أكثر حماية لمصلحة العامل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 575/71). وأشارت المادة 43 من قانون العمل على إعطاء الأجراء حق الاستفادة من الاتفاقيات والأنظمة الأكثر فائدة لهم (محكمة التمييز المدنية، رقم 130 تاريخ 31/7/1997). كما أنه لا يجوز، وفقاً لقرار وزير العمل رقم 193/2006، صرف الأجراء لأسباب اقتصادية أو القوة القاهرة أو التوقف النهائي، من دون التشاور مع وزارة العمل وإلاّ يعتبر كل انهاء لعقود الأجراء بمثابة صرف تعسفي أي يقتضي الالتزام بمضمون المادة 50 الفقرة " و " من قانون العمل بصورة عامة (محكمة التمييز المدنية، رقم 99 تاريخ 31/5/2007 ورقم 70 تاريخ 26/4/2006).
وإن توقف مؤسسة عن تسديد أجور مستخدميها وصرفهم من العمل بسبب العجز المالي غير الثابت وعدم مراجعتها وزارة العمل والتشاور معها عند تعثر أوضاعها وفقاً للمادة 50/و من قانون العمل، يؤدي إلى اخلالها بموجباتها تجاه الأجراء واعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 48 تاريخ 24/4/2006. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). ويتوجب على صاحب العمل الذي يتذرع بالقوة القاهرة كي يبرر فسخ عقد العمل، أن يثبت توافر عنصر القوة القاهرة وبنوع خاص عليه اثبات حصول الطارئ بمعزل عن خطأه (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967).
بالمقابل، أكدت محكمة التمييز المدنية في قرارها رقم 116 تاريخ 31/10/2013 على أن إقدام صاحب العمل على فسخ العقد من دون اثبات إقدام الأجير على ارتكاب أي فعل جرمي يرمي إلى الحاق الضرر به وعدم ابلاغ وزارة العمل، يشكل قرينة على اساءة وتجاوز في فسخ عقد العمل. ولا يفترض الادعاء بجرم جزائي أمام مجلس العمل التحكيمي الذي هو محكمة مدنية، بل يقتضي على صاحب العمل أن يراجع المحاكم الجزائية المختصة ويستحصل على حكم جزائي مبرم بحق الأجير (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 760 تاريخ 9/7/1965. ورقم 190 تاريخ 24/2/1949 ورقم 105 تاريخ 27/1/1949). كما أشارت محكمة التمييز الفرنسية- الغرفة الاجتماعية في قرارها الصادر بتاريخ 26/10/2010 على أن المخالفة المسلكية بحق الأجير غير قانونية إذا لم تكن فادحة ومخالفة للنظام الداخلي. وبالتالي، يجب الأخذ بعين الاعتبار فداحة عمل الأجير بالنظر إلى الظروف التي وقع فيها ارتكاب الفعل (في حال وجوده) وإلى نوع ووظيفة الأجير والخطأ والاهمال وقياس نتائجه بالنسبة لفداحة النتائج السلبية على صاحب العمل. إذ يجب أن يكون السبب المبرر لصرف الأجير جدياً وعلى شيء من الخطورة (محكمة التمييز المدنية، رقم 70/2007 ورقم 60/91).
وفي كافة الأحوال، لا يمكن لصاحب العمل التذرع بأحكام المادة 74 من قانون العمل تبريراً لفسخ عقده مع الأجير دونما تعويض أو علم مسبق، ما لم يقم بإعلام وزارة العمل بالمخالفة المنسوبة إلى الأجير خلال مهلة ثلاثة أيام من تاريخ تثبته من ارتكابها (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 21/2/2018). ولا مبرر للقول بارتكاب الأجير مخالفات جوهرية تبرر صرفه، في حال عدم تقديم الاثبات على ذلك (محكمة الاستئناف المدنية في لبنان الشمالي، رقم 659 تاريخ 20/11/2008). وبمقتضى المادة 579/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية، يختص قاضي الأمور المستعجلة بوضع حد للتعدي الواضح على الأوضاع والحقوق المشروعة. فله لهذه الصفة، أن يوقف تنفيذ قرارات الصرف التأديبي عندما تتجاوز بشكل واضح ما نص عليه عقد العمل أو القواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي الذي يحيل إليه العقد (محكمة التمييز المدنية، رقم 75 تاريخ 11/5/2004).
وبعد، يقتضي الأخذ بتطبيق القانون الأفضل لمصلحة الأجير (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 176/98) ويجب تفسير القواعد القانونية وفقاً لما هو أصلح للعامل (محكمة التمييز المدنية، تاريخ 13/4/1993) وترجيح مصلحة الأجير عند وجود الشك كونه الأضعف اقتصادياً واجتماعياً (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 15/2/1989. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، تاريخ 13/1/1969) في ظل عدم تمكنه من الاستحصال على كامل أمواله الموجودة لدى المصارف. إذ أن الهدف عادة من عقد العمل هو الحفاظ على الرابطة واستمرارية العمل تحقيقاً للاستقرار المنشود.
أضف إلى ذلك، ان المادة 43 من قانون العمل أعطت الأجراء حق الاستفادة من الأنظمة الأكثر فائدة لهم (محكمة التمييز المدنية، رقم 130/97). كما أنه لا يجوز، وفقاً للمادة 7 من الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 95، الاستقطاع من الأجور إلاّ بالشروط والمدى الذي تقرره القوانين أو اللوائح الوطنية أو تحدده الاتفاقيات الدولية أو قرارات التحكيم.
لذلك، يقتضي التنبه إلى ضرورة عدم توقيع أي مستند أو تنازل عن حق أو عن راتب أو نصف راتب في هذه الظروف حفاظاً على حقوق الأجراء. مع التأكيد، على أنه لا يجوز تعديل الراتب من دون موافقة الأجير وفقاً لنص المادة 59 من قانون العمل. إذ أن العمل ليس سلعة. وهذا ما أكده اعلان فيلادلفيا للعام 1944. مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة تخفيض عدد ساعات العمل التي من شأنها تعديل في ظروف أو بنود عقد العمل وتنعكس عليه بصورة عامة.
وقد أشارت المادة 38 من اتفاقية العمل العربية رقم 1 على أن أجر العامل دين ممتاز على صاحب العمل. علماً بأن هذه الاتفاقية أبرمت بموجب القانون رقم 183/2000 وأصبحت ملزمة للبنان، لا سيما أن الرأي الاستشاري لهيئة التشريع والاستشارات رقم 1801/95، أشار إلى أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعربية التي يوقع عليها لبنان وينضم إليها تتمتع بقوة القانون ويقتضي تطبيقها. كما أوجبت المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية تقديم أحكام المعاهدات على أحكام القانون العادي عند التعارض بينهما. واستطراداً، صدر عن وزيرة العمل مذكرة رقم 1/5 (شباط 2021) حذّرت فيها أصحاب العمل من مغبة تخفيض الأجور من دون أي مبرر قانوني، واعتبرت أن المبالغ المحسومة من الأجر دون أن يقابلها تخفيض للدوام تبقى ديناً بذمة صاحب العمل لمصلحة الأجير.
ويعتبر الصرف التعسفي موجوداً إذا كانت أسبابه تعود إلى مطالبة العامل بحقوقه (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 62 تاريخ 5/2/1973). وإذا أدخل صاحب العمل على العقد شروطاً أو تعديلات جوهرية لم يقبل بها الأجير، عندها يكون سبب فسخ عقد العمل على مسؤولية صاحب العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 596 تاريخ 25/4/1967).
لذلك، في حال رفض الأجير الاقتطاع من راتبه، وقيام صاحب العمل بصرفه، عندها نكون بصدد تعسف في استعمال الحق ويكون فسخ العقد على مسؤولية صاحب العمل، حتى ولو كانت لأسباب اقتصادية. إذ أن المادة 50/و من قانون العمل أكدت على ضرورة التشاور مع وزارة العمل قبل شهر من تنفيذ الصرف. وبما أنه، يقع عبء اثبات القوة القاهرة على صاحب العمل وعليه اثبات ظروف التدبير المتخذ والمسببات والمبررات، فإذا لم يفعل صاحب العمل هذا الإجراء، اعتبر مسؤولاً عن فسخ العقد واستحق للأجير التعويض عن صرفه من الخدمة وعن الانذار (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). وبطبيعة الحال، إذا كان خوف الأجير خلال تواجده في مكان العمل وقّبل استقالته من الخدمة، قد وقّع على كتاب ابراء ذمة، عندها يمكن عدم الأخذ بهذا الإبراء (محكمة التمييز المدنية، رقم 5 تاريخ 28/2/1967). إذ أن كتاب ابراء الذمة الموقع في ظل علاقة العمل وخلال فترة عمل الأجير، يجوز أن يعتبر غير صادر عن ارادة حرّة، ويمكن أن يدخل ضمن خانة الإكراه المعنوي خاصة إذا تم التوقيع داخل مقر العمل وضمن الدوام، مما يحول دون الأخذ به (مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 101 تاريخ 24/2/2010 ورقم 64 تاريخ 26/1/1998 ورقم 431 تاريخ 16/5/1972).
أما طلب الوساطة المُقدم من الأجراء أمام وزارة العمل، لا يحل محل الأصول الشكلية التي فرضتها على صاحب العمل الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل. وبالتالي، في حال مخالفة تلك الأصول، نكون بصدد صرف تعسفي يستوجب التعويض (محكمة التمييز المدنية، تاريخ 11/5/2010). وإن ممارسة التهديد من قبل صاحب العمل بصرف الأجراء الذين تقدموا بشكوى أمام وزارة العمل، يدخل ضمن إطار الإساءة في استعمال الحق (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 144 تاريخ 10/3/2008).
وأكثر، إن الظروف الاقتصادية المتردية لا تشكل سبباً لانهاء عقد العمل في حال عدم التشاور مع وزارة العمل، مما يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 39 تاريخ 31/3/2003. ومجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 865 تاريخ 2/11/2004). كما أن عدم مراجعة صاحب العمل الوزارة والتشاور معها وفقاً لما تفرضه الفقرة " و " من المادة 50 من قانون العمل، يؤدي إلى اعتبار الصرف بمثابة تعسفي موجب للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 48 تاريخ 24/4/2006. ورقم 11 تاريخ 29/6/199 وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 241 تاريخ 8/5/2006). وإن عدم مراعاة تطبيق هذه الفقرة يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً (محكمة التمييز المدنية، رقم 17 تاريخ 22/2/2011. ورقم 40 تاريخ 11/5/2010. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 156 تاريخ 16/3/2015. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 82 تاريخ 1/12/1992).
ويقتضي التوضيح هنا، إلى أنه إذا قام صاحب العمل بصرف الأجير خلال فترة التشاور مع وزارة العمل وقبل التوصل إلى الحل المناسب، عندها يعتبر هذا الصرف تعسفياً. إذ أن العبرة ليست فقط في ابلاغ وزارة العمل، بل أن المادة 50/و من قانون العمل أكدت على مسألة التشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء. وفي حال مخالفة صاحب العمل القيام بهذا الإجراء، عندها يعتبر تصرفه تعسفياً ويلزمه تجاه الأجير بالآثار الناتجة عنه (محكمة التمييز المدنية، رقم 102 تاريخ 21/12/1993. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 165 تاريخ 13/12/1999 ورقم 39 تاريخ 24/3/1997).
وعلى سبيل المثال، إذا قام صاحب العمل بتنفيذ قرار صرف الأجير بعد يوم من ابلاغ وزارة العمل، ومن دون الانتظار المدة المحددة في المادة 50/و من قانون العمل وعدم انتظار نتيجة التشاور مع الوزارة، يكون قد خالف الأصول المرعية الإجراء ويعتبر صرف الأجير من قبل الإشارة أو التجاوز في استعمال الحق ويحق للأخير المطالبة بالتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 115 تاريخ 29/6/1999). فهناك فارق تقني وعملي بين الابلاغ والتشاور، وعلى صاحب العمل الالتزام بهما معاً. ولو أراد المشترع الاكتفاء بمسألة الابلاغ لكان نص على ذلك صراحة من دون التطرق إلى عملية التشاور مع وزارة العمل. لذلك، إن عدم انتظار نتيجة التشاور مع الوزارة، وقيامه بصرف الأجراء، يؤدي إلى افراغ المادة 50/و من مضمونها وروحها وأبعادها (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 673/2018 ورقم 475/2018).
كما نشير إلى أن عدم تسجيل قرار تصفية شركة حسب الأصول يستتبع عدم الجواز لها بالتذرع بوجه أجرائها من تاريخ حصول التصفية (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 655 تاريخ 9/5/1967). وبطبيعة الحال، لا يُطلب من الأجير مشاركة صاحب عمله في خسائر مؤسسته (محكمة التمييز المدنية، رقم 29 تاريخ 21/3/2006). كما أن افلاس الشركة نتيجة خطأ أصحابها الجسيم الثابت، يؤدي إلى تحميلها مسؤولية عند انهاء عقود أجرائها واعتبار الصرف من قبيل الإساءة أو التجاوز في استعمال الحق (محكمة التمييز المدنية، رقم 62 تاريخ 22/4/2008). وبصرف النظر عما إذا كانت الدعوى قد أقيمت قبل شطب الشركة من لائحة المصارف أم بعده، فإن المداعاة من قبل الأجير في شأن عقد العمل المنفذ في لبنان تظل من اختصاص المحاكم اللبنانية (محكمة التمييز المدنية، رقم 126 تاريخ 31/12/2003).
كما تحتفظ الشركات التجارية بشخصيتها إلى ما بعد تاريخ حلّها وأثناء مدة التصفية في سبيل تأمين عمليات التصفية، وإذا كان حل الشركة لم يُسجل في السجل التجاري، فلا يسري على الغير (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 655 تاريخ 9/5/1967). وإن مجرد افلاس صاحب العمل، لا يؤدي حتماً إلى فسخ عقد العمل، وفي حال عدم متابعة تنفيذ العقد من قبل وكيل التفليسة، يقتضي منح العامل تعويضات الصرف المتوجبة. وإن أجور الأجير بالنسبة للسنة الأخيرة قبل اعلان الافلاس تعتبر ديناً ممتازاً عملاً بأحكام المادة 48 من قانون العمل (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 279 تاريخ 24/7/1974).
واستطراداً، إن القوة القاهرة على فرض وجودها، تؤدي إلى " تعليق " عقد العمل وليس إلى تبرير صرف الأجراء من الخدمة مع وجوب ابلاغ وزارة العمل عن الرغبة بإنهاء عقد العمل قبل شهر من التنفيذ، وفي حال عدم الالتزام بذلك نكون بصدد صرف غير مسند إلى سبب مقبول، ونكون في حالة صرف تعسفي (محكمة التمييز المدنية، رقم 40 تاريخ 11/5/2010. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 72 تاريخ 13/8/1991 ورقم 16 تاريخ 23/4/1991)، خاصة ان القواعد المتعلقة بقضايا العمل غايتها اجتماعية التي توجب الأخذ بالتفسير الأكثر رحمة وفائدة للأجير (مجلس العمل التحكيمي في لبنان الشمالي، رقم 254 تاريخ 23/12/1998). وفي هذا الإطار، إذا أراد صاحب العمل صرف أجير بسبب الإقفال المفروض بسبب حالة التعبئة العامة ولأسباب اقتصادية، عليه ابلاغ وزارة العمل قبل شهر من صرف الأجير والتنسيق مع الوزارة على آلية وكيفية الصرف. وإن وضع الأجير نفسه تحت تصرف صاحب عمله، ينشئ له حقاً بالأجر، بغض النظر عن استعمال خدماته فعلياً أم لا، ارادياً أم قسرياً من قبل هذا الأخير، خاصة أن النظام العام في قضايا العمل، وضع مبدئياً لصالح الأجراء، بحيث يمكنهم الاستفادة من الاتفاقات والأنظمة الأكثر فائدة لهم. وعلى صاحب العمل اثبات القوة القاهرة التي تؤدي إلى توقفه عن الاستمرار (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). وعلى سبيل الاستئناس، نشير إلى أن عقد العمل في مرحلة الإضراب يكون سارياً ومدفوع الأجر (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 10/3/1993).
كما أوجب قانون العمل أن يتم انذار الأجير مسبقاً وأن يبلغ إلى صاحب العلاقة، ولم يقصد القانون بهذا التبليغ مجرد ارسال كتاب بهذا المعنى بالبريد المضمون أو ما شابه، بمعزل عن مصير هذا الكتاب، وإنما أن يتم ابلاغه من صاحب العلاقة وفقاً للأصول (محكمة التمييز المدنية، رقم 78 تاريخ 23/7/1993). وبالتالي، يجب التنبه إلى هذه النقطة الجوهرية. وقد أكدت المادة السابعة من اتفاقية العمل رقم 158 على أنه لا ينهى استخدام عامل لأسباب ترتبط بسلوكه أو أدائه قبل أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه ضد الاداعاءات الموجهة إليه. مع الإشارة هنا، إلى أنه يمكن أن يكون الانذار شفاهياً. وفي حال، عدم تبيان أسباب الصرف، فإن ذلك يدخل يدخل ضمن خانة التعسف في استعمال الحق ونكون بصدد صرف تعسفي (محكمة التمييز المدنية، رقم 5 تاريخ 3/9/2009. ورقم 70 تاريخ 16/7/1998. ورقم 69 تاريخ 16/7/1998). وإن عبء اثبات براءة ذمة المؤسسة (الشركة) من رصيد أجور الأجير يترتب على صاحب العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 471 تاريخ 4/4/1967. ورقم 469 تاريخ 4/4/1967. وأيضاً: رقم 39 تاريخ 17/1/1967. ورقم 26 تاريخ 17/1/1967). ويحق للأجير الموجه إليه الانذار، أن يطلب توضيح أسباب الفسخ في حال عدم ورودها.
ويمكن القول أنه، خلال اقفال المؤسسة أبوابها ضمن فترة التعبئة العامة أو لأسباب صحية طارئة، يظل الموظف قيد تصرف صاحب العمل إذا لم يعيّن في وظيفة أخرى ولم يؤجر خدمته لشخص آخر. ولا يؤثر وقف العمل موقتاً في الحقوق المقررة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ووفقاً لنص المادة 634 من قانون الموجبات والعقود، يجوز للمحكمة أن تخفض الأجر المعين بحسب مقتضى الأحوال.
وأكثر، أكد الاجتهاد على عدم جواز صرف الأجير أثناء اجازته، وإلاّ يعتبر تصرف صاحب العمل مخالفاً للقانون ونكون بصدد صرف تعسفي مسنداً إلى سبب غير مقبول ومنطوياً بالتالي على التعسف في استعمال الحق بالصرف من العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 396 تاريخ 1/7/1999. وأيضاً: رقم 119 تاريخ 11/4/1994. وأيضاً: رقم 72 تاريخ 13/8/1991). مع الإشارة إلى أن الأحكام المتعلقة بالاجازات تتعلق بالانتظام العام وقد حرّم المشرع مخالفتها تحت طائلة البطلان (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 346 تاريخ 28/3/1967 ورقم 165 تاريخ 7/2/1967)، خاصة إن المادة 51 من اتفاقية العمل العربية رقم 1 لعام 1966، المصادق عليها من قبل الحكومة اللبنانية بموجب القانون رقم 183/2000، أكدت على أنه لا يجوز التنازل عن الاجازة السنوية، وللعامل في حال انتهاء علاقة عمله الحصول على الأجر المقابل لمدة الاجازة المستحقة له. ولا يجوز لصاحب العمل أن يدغم الإجازة السنوية مع فترة الانذار، إذ أن هذه الاجازة هي مستقلة تماماً عن سواها. وقد أكدت اتفاقية العمل الدولية رقم 2/36، التي صادق عليها لبنان بموجب المرسوم رقم 9824 تاريخ 22/6/1962، على استقلالية الاجازة السنوية وعدم احتسابها من ضمن أيام الأعياد الرسمية والأعياد التي أقرها العرف، وبالزامية تسديد أجرها.
وفي هذا السياق، لا يُطلب من الأجير الذي يدلي بعدم استفادته من اجازته السنوية المستحقة والذي يتناول ادلاؤه واقعة سلبية، أن يقوم باثبات هذه الواقعة لعدم جواز اثباتها بحسب أحكام الفقرة 2 من المادة 132 أ.م.م. وبالتالي، يقع على عاتق صاحب العمل عبء هذا الاثبات (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، تاريخ 21/2/2018). وأشار الاجتهاد إلى عدم جواز صرف الأجير أثناء اجازته، وإلاّ يعتبر تصرف صاحب العمل مخالفاً للقانون ونكون بصدد صرف تعسفي مسنداً إلى سبب غير مقبول ومنطوياً بالتالي على التعسف في استعمال الحق بالصرف من العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 396 تاريخ 1/7/1999. وأيضاً: قرار رقم 119 تاريخ 11/4/1994. ورقم 72 تاريخ 13/8/1991).
وبطبيعة الحال، يستحق للأجير أجراً لقاء عمله عن بُعد أي من منزله، حتى ولو لم يذهب إلى مقر العمل، في ظل أزمة الكورونا وضرورة الحفاظ على سلامته. ولا يمكن لصاحب العمل هنا ايقاف راتب الأجير، وإلاّ كان تصرف هذا الأخير في غير محله. وعند حصول الصرف من العمل، يحق للأجير أن يستحصل على شهادة (إفادة) عمل يذكر فيها الوظائف التي قام بها وتواريخها وطبيعتها. ولا يجب أن تتضمن أي اشارة ليست لصالح الأجير ومسيئة إليه وتلحق له ضرراً (محكمة التمييز الفرنسية، الغرفة الاجتماعية الرابعة، تاريخ 9/1/1985). كما يحق للأجير أن يطالب صاحب العمل تسليمه كافة المستندات والأوراق المتعلقة بتعويض نهاية الخدمة (النماذج الخاصة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) مُوقع عليها أصولاً من قبل صاحب العمل أو المفوض بالتوقيع عنه أو عن المؤسسة.
أما بالنسبة إلى موجبات صاحب العمل فيما خص سلامة العمال، فقد شددت الاتفاقية الدولية رقم 120 (مؤتمر العمل الدولي) على اعتماد القواعد الصحية في التجارة والمكاتب وتزويد جميع الأماكن التي يستخدمها العمل بتهوية كافية ومناسبة بحيث يكون الهواء فيها متجدداً أو مطهراً. إضافة إلى توفير مياه صالحة للشرب بكميات كافية ومرافق صحية كافية وتصان صيانة تامة. وعلى صاحب العمل أيضاً اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أي أخطار. وأكدت توصية مؤتمر العمل الدولي رقم 97 على أهمية حفظ صحة العمال في أماكن العمل واعتماد التدابير التقنية لمكافحة المخاطر التي تهدد صحتهم. كما دعى المؤتمر في توصيته رقم 31 صاحب العمل إلى تجهيز منشأته وأن يدير أعمالها بطريقة تكفل حماية كافية للعمال. أما الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 135 فقد أشارت إلى حماية العمال من مخاطر التعرض للمواد أو العوامل المسببة للسرطان. وفي السياق عينه، نصّت الاتفافية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 136 على أهمية اتخاذ الوقاية من مخاطر التسمم الناجم عن البنزين. وهذا الأمر، ورد أيضاً في مضمون الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 170 التي أشارت إلى ضرورة تزويد العمال بالمعلومات عن المواد الكيميائية في أماكن عملهم وعن التدابير الوقائية المناسبة لكي يتمكنوا من المشاركة بفعالية في برامج الحماية. كما ورد في هذه الاتفاقية، ضرورة ضمان عدم تعرض العمال للمواد بما يتجاوز حدود التعرض أو غيرها من معايير التعرض لتقييم بيئة العمل ومراقبتها، التي تحددها السلطة المختصة أو هيئة تقرها أو تعترف بها السلطة المختصة وفقاً للمعايير الوطنية أو الدولية. أما المادة 13 من الاتفاقية أعلاه، فقد أوجبت توفير الاسعافات الأولية لحماية سلامة وصحة العمال. كما يحق للعامل أن يبتعد عن خطر ناجم عن استعمال مواد كيميائية إذا كان لديه اعتقاد معقول بوجود خطر وشيك وشديد على سلامته وصحته. وأشارت الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 155 ورقم 161 إلى أهمية قيام بيئة عمل مأمونة وصحية. أما الاتفاقية العربية (مؤتمر العمل العربي) رقم 7 بشأن السلامة والصحة المهنية فقد أشارت إلى وجوب أن تشمل التشريعات العربية الأحكام الخاصة بالسلامة والصحة المهنية في جميع مجالات العمل وقطاعاته.
وفي هذا الإطار، إن الاتفاقيات والمعاهدات التي صادق عليها لبنان تسمو على القوانين الداخلية عملاً بمبدأ تسلسل القواعد المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية فقرتها الثانية، حيث يقتضي تقديم أحكام المعاهدات الدولية على أحكام القانون العادي عند التعارض بينهما (محكمة التمييز المدنية، رقم 94 تاريخ 30/11/2010).
وفي لبنان، أشارت المادتين 61 و62 من قانون العمل إلى أنه يجب على صاحب العمل وقاية الأجراء والحفاظ على الصحة والسلامة، ويجب أن تكون المؤسسات نظيفة ومستوفية لشروط الصحة. أما المادة 647 من قانون الموجبات والعقود، فقد أكدت على وجوب قيام صاحب العمل السهر على توفير شروط السلامة والصحة للعمال وحماية حياتهم. كما أشارت المادة 648 من ذات القانون إلى أن صاحب العمل يكون مسؤولاً عن النكبات والحوادث التي يصاب بها الأجير أثناء عمله. كما فرض المرسوم رقم 11802/2004 المتعلِّق بتنظيم الوقاية والسلامة والصحة المهنية في المؤسسات كافة الخاضعة لقانون العمل، على صاحب العمل القيام بعدة إجراءات وتدابير لوقاية العمال وتأمين سلامتهم. ووفقاً للمادة 604 من قانون العقوبات، من تسبب عن قلة احتراز أو اهمال أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة في انتشار مرض وبائي من أمراض الانسان عوقبل بالحبس حتى ستة أشهر. وإذا أقدم الفاعل على فعله وهو عالم بالأمر من غير أن يقصد موت أحد، عوقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات وبغرامة مالية. بالمقابل، يعاقب، وفقاً للمادة 606 من قانون العقوبات، بالحبس حتى ستة أشهر وبغرامة مالية من لا يراعي الأنظمة الخاصة لمكافحة الأوبئة. ووفقاً للمادة 18 من قانون الأمراض المعدية، يعاقب بالحبس وبغرامة مالية أو باحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف أو يعرقل تدابير العزل وسائر التدابير الوقائية. وكل مخالفة للتدابير الوقائية المنصوص عليها في قرارات وزارية صادرة بموجب هذا القانون والمتعلقة بالمخالطين يعاقب مرتكبها بغرامة مالية (المادة 21 من القانون المذكور أعلاه).
وإذا ارتكب صاحب العمل أي مخالفة، تقرر الجهة المختصة العقوبات المناسبة إلى أن يزيل صاحب العمل هذه المخالفة وصولاً إلى حد الاغلاق الموقت. ولا يجوز تحميل العامل أي نفقات تترتب على توفير أسس السلامة أثناء العمل. بالمقابل، إن توفير وسائل وقاية العمال من مخاطر العمل يكون من التزامات صاحب العمل. أما الالتزام باستخدام تلك الوسائل وما يتعلق بها من تعليمات فإنه يكون من التزامات العامل التي قد يعرضه تجاهلها إلى نتائج سلبية على صحته وصحة من معه.
وفي إطار التخفيف من انتشار الجائحة، لا بد من نشر التوعية الصحية والحقوقية المعجلة وضبط أسعار السلع والمواد بصورة فعلية ووضع حد للتفلت الحاصل وإعفاء المواطنين والمؤسسات المتعثرة من بعض الرسوم والنفقات. وأكثر، يمكن أن يتم إجراء تعاون فعلي عاجل وواضح بين السلطة والمصارف يقضي بإعفاء المواطنين المتعثرين من تسديد بعض السندات الشهرية المتوجبة عليهم لفترة معينة لحين الانتهاء من الأزمة الراهنة (يمكن اعتماد مبدأ جدولة الديون من دون فوائد) على أن تبادر السلطة بالمقابل، إلى إعفاء المصارف المتعاونة من تسديد بعض الضرائب السنوية. فنكون عندها قد طبقنا مبدأ التضامن والتكافل الاجتماعي في ظل الظروف الطارئة سيما وان الوضع جماعي وليس افرادي.
ختاماً، يقتضي توجيه تحية تقدير إلى كافة الهيئات والمؤسسات والجمعيات التي تعنى بالشأن الانساني وإلى كل من يقدم خدمة في هذه الظروف الدقيقة، وكل من يصبر على ألمه ووجع عائلته، مع ضرورة دعمهم وتأمين الحماية القانونية لهم إلى جانب دعم المؤسسات المتعثرة والمواطنين بصورة فعلية من قِبل كافة أجهزة الدولة، ومع الأخذ بمبدأ التضامن الاجتماعي بصورة فعلية.
المحامي شادي خليل أبو عيسى
رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية - فِكر ICIP
عضو الاتحاد العربي لحماية حقوق الملكية الفكرية واتحاد المحامين العرب
0 comments:
إرسال تعليق