لن أبكيكَ يا غسان علم الدين لأنني مرتاحةُ الضمير/ د. بهية ابو حمد

   أيها المبدع !.. سمعتُ عنكَ الكثيرْ الكثيرْ،  وكم تمنيتَ ان ألقاكْ . لكن بُعد المسافات كانت العائق الأكبر. انها الغربةُ يا صديقي التي تفرض ظروفاً قاسيةً على الانسانْ وأحكاماً صارمةً لا تقبل أبداً طرق المراجعة. 

ما زلتُ اذكرُ صوتَكَ على الهاتف تُعَرِّفُ عن نفسكَ وتقولْ: انا الفنان غسان علم الدين ... أني متواجد الآن في سيدني.... لقد تحدثتُ عنكِ مطولاً مع الشاعرة سوزان عون.... كم نحنُ فخورون بكِ وبالأعمالْ التي تقومينَ بها.... أنتِ نورٌ للشعر والتراث وأنتِ من حركَ ساكنه ... أتوق ان اراكِ ولي الفخر بذلك....ارجو منكِ ان تحددي لي موعداً للقائك في مكتبك ... سأتي مع الشاعرة سوزان عون ... لديَ الكثير من الاعمال والكلام والمشاريع التي سأتحدثُ عن تفاصيلها عندما اراكِ. 

وحضَّرت للتو موعداً للقائهما . وكانَ الموعد . ماثلانِ كلاهما امامي.  هامتان شامختان من لبنان في الشعر والفن. وارزتان باسقتان لا تنحنيان الا لخالقهما.  

كان اللقاء جميلاً ، ومثمراً. كم فرحتُ بصمود هاتين الارزتين اللتين تصارعان الريح وتجاهدان دوما لتحقيق النجاح والارتقاء الى الإبداع والمجد رغم حقد وكيد الحاسدين. 

تلت لقاءنا لقاءات أخرى تحدثنا خلالها  كثيرا عن لبنان،  والفن ، والشعر،  والتراث ، وكيفية حفظهم من الاندثار. تحدثنا عن المشاريع المستقبلية  وعن إنشاء الأكاديمية للفنون التي لطالما حلم علم الدين  بتأسيسها. تحدثنا عن تكريم المبدعين ، والشعراء،  والفنانين،  والحفلات التكريمية التي من الواجب ان تقام دوماً لهم لتقديم الدعم والتقدير والشكر على إبداعهم. 

فرحتُ عندما علت البسمة اشراقاً على  وجهه،  وعندما ضحكَ مسروراً وقال: أصحيحٌ ما تقولين؟ هل أنت جدية؟ انا؟... ستقيمين حفل عشاء تكريميا لي؟ كيف لي ان اشكركِ ؟ انكِ حقا سيدة فاضلة تعمل جاهدةً على تكريم المبدعين. لا أستطيعُ ان اعبرَ لكِ عما يجول في خاطري وعما اشعر؟ أقول لكِ يا سيدتي وبكلِ فخرٍ بان الفنان والشاعر والمبدع يحلقُ الى عالم المجد عندما يشعر بان هناك تقديرا لهُ ولأعماله وإنتاجه الفكري. انه شعور نبيل لطالما حلمتُ ان اشعر به . وها أنت الان تمنحينني هذا التكريم وتقدرين ما قمت به من أعمال فنية. شكراً والف شكر لكِ وكثرَ الله من امثالكِ. 

وكانَ الحفل التكريمي الذي ابدعَ فيه الفنان غسان علم الدين عزفاً،  وغناءً ، وشعراً،  وطرباً،  وصوتاً شنف الأذان. 

واصريتُ على حفل عشاء اخر يؤمن لهُ اللقاء مع الموسيقار الكبير وعازف التشيللو الأستاذ مجدي فؤاد بولس بشكل غير رسمي .  وكان اللقاء وأُعجِبَ الموسيقار بولس بفنه، وبعزفه، وبصوته ، وإبداعه. 

وكم كانتْ فرحتي عامرة عندما حَضَرْتُ حفلَ افتتاح أكاديمية الفنون التي أسستها يا صديقي، وكم كنتُ فخورة بأعمالكَ الفنية المشرفة وأحلامكَ التي تعبر الأفق فخراً وإبداعاً. 

كمْ خسرَ الفن برحيلكَ المبكرْ ؟!.  انها بالطبع خسارة جسيمة لا تعوض. 

نمْ قريرَ العينْ يا صديقي فلنْ أبكيكَ لانني مرتاحة الضمير . فلقد قمتُ بواجبي تجاهكَ وكرمتكَ عندما كنتَ حياً وانحنيتُ خشوعاً وإجلالاً لأبداعكّ الفني والموسيقي الذي لم ولن يتكرر.  

ارفعُ صلواتي للخالق بان يرحمكَ ويسكنكَ فسيحَ جناته. كما أتقدم من عائلتكَ باسمي وباسم جمعية إنماء الشعر والتراث وبكافة أعضائها بالتعازي القلبية لرحيلك المفاجى.  أني على كامل اليقين بانكَ ستكونُ مكرماً في جنة الله وفي سمائه لانه الوحيد الذي يُقَدِّرُ ابداعكَ وفنكَ وثقافتكَ من دون أيةِ منافع شخصية ونفاق . انه الوحيد الرؤوفْ والرحوم ْ والعادلْ.  

وأخيراً - هناك َ من خلف الغيوم ومن مكانٍ طاهرٍ ونقي حيث تتواجد أنتَ،  وحيث لا يتواجد فيه الأشرار والحساد والمراؤون او اداة تصوير تتحكم بعقولهم الفارغة،  اطلِعْ علينا ايها الفنان المبدع من الإعالي ، ورنمْ لنا  تراتيل صلاةٍ تمجدُ الخالقْ الذي لا يعرفُ الا الخير والمحبة . 

 رحمكَ الله يا صديقي

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق