استكمالا للقاء الامني الذي عقد في العقبة في 26 شباط الماضي، يعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية لقاء ثان، بهدف بحث الاوضاع الامنية في الضفة الغربية خلال الايام القادمة، لضمان عدم حدوث اية توترات امنية خاصة خلال شهر رمضان، كما نقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية..
في متابعة لمواقف مسؤولي السلطة الفلسطينية وبعض المسؤولين الاسرائيليين، خاصة من شارك منهم في لقاء العقبة، فان اسرائيل لم تنفذ بندا واحدا مما اتفق عليه في ذلك اللقاء، سواء تعلق الامر باقتحامات المدن والمخيمات او ما يطلق عليه مناطق (أ) او بوقف ممارسات الاحتلال التي عادة ما يطلق عليها مصطلح (اعمال آحادية) مثل الاستيطان وغيرها، والتزامات مطلوبة من السلطة حددتها اسرائيل ب 12 مطلبا على السلطة اما تنفيذها او الامتناع عن تتفيذها.
الغريب ليس فيما يصدر عن مسؤولي السلطة من مواقف تدين وتستنكر وتحتج على ما قامت به اسرائيل من خطوات ازعجتهم واحرجتهم، بل الغريب ان المسؤولين الاسرائيليين يتبجحون ويفتخرون بأنهم لم يقدموا اي تنازل، بينما هذا المسؤول الفلسطيني يصر على الذهاب الى اي مكان تحت عنوان "الدفاع عن قضيتنا"، وكأن ما حصل في جنين ونابلس وفي غيرهما من ميادين المواجهة في الضفة الغربية هو امر عادي وروتيني لا يستحق صرخة احتجاج.
بعيدا عن الاهداف الحقيقية لمسار العقبة الامني، والذي من شأنه ان يخرج القضية الفلسطينية من مسارها السياسي ويحشرها في زاوية امنية، وليضع سقفا للمطالب الفلسطينية في تحسينات اقتصادية وبمد الاجهزة الامنية ببعض الدعم اللوجستي وتكليفها بمهام من شأنها ان تضعها في مواجهة شعبها، فهي ليست المرة الاولى التي نسمع فيها شكاوى وتهديدات فلسطينية لم يعد لها اية صدقية، ومواقف اعلامية تعتبر ان اسرائيل لم تلتزم بما عليها، والامر طبعا ليس مفاجئا لأحد، فتلك المواقف قد تكون مستنسخة عن مواقف وتصريحات اعلنت قبل اكثر من ربع قرن لم تنفذ فيها اسرائيل اي بند من الاتفاقات التي وقعت معها.. ومهما فعلت اسرائيل، فلن تقود افعالها، بنظر هؤلاء الى خطوة تغضب احدا، الامر الذي يدفع بعضنا الى التساؤل، من باب المعرفة، عن النقطة الخطرة التي تعتبرها القيادة الرسمية الفلسطينية خطوطا حمراء تجعلها تقلب الطاولة، او بالحد الادنى تنفذ ما تتخذه من مقررات ونقصد هنا قررارات من المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية التي جف حبرها ولا زالت تنتظر من يتذكرها، وربما نعود ونستحضرها عندما نغضب قليلا من تصرف او اجراء اسرائيلي لنعود في اليوم الثاني وكأن شيئا لم يحدث...
المشكلة ليست في مواقف ادانة مطلوب من قوى دولية ومن اطر واحزاب عربية واجنبية شقيقة، بل ان اصحاب القضية مطالبين بأفعال ميدانية، وفي جعبتهم الكثير ليخرجوه. ليس مطلوبا منهم مواقف تدين تصرفات وممارسات وسياسات اسرائيلية، فهذ امر كان الجميع واثقا منه من اسرائيل لن تنفذ شيئا، واذا ما نفذت فهي ستأخذ ما يتناسب مع مصالحها.. الاساس هنا هو ان بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية يصرون على استكمال مسار العقبة الامني والذهاب الى شرم الشيخ لمتابعة ما تم تنفيذه باعتبار ذلك مصلحة فلسطينية.. وكنا نتوقع، كما غيرنا، بأن المشاركين من قبل السلطة الفلسطينية سيتخذون مواقف احتجاجية على ما قامت به اسرائيل خلال الفترة الماضية، حين اقتحمت وقتلت وحرقت وسنت قوانين عنصرية وفاشية واعتقلت وهدمت منازل، ويقاطعون او يعتذرون عن المشاركة، لكن شيئا من هذا لم يحصل..
اذا كان العنوان المباشر لمسار العقبة الامني هو الاستيطان باعتباره اعمالا آحادية، وفقا للتصنيف المتداول وكما جاء على لسان اكثر من مسؤول، فان نتنياهو واركان حكومته لم يتأخروا كثيرا ليعلنوا استراتيجيتهم الحقيقية بشأن الاستيطان. ولا نريد التوسع في شرح ما ارتكبته اسرائيل من جرائم بعد لقاء العقبة وهو امر لا يخلو حديث رسميين فلسطينيين منه، لكن هل سمعتم بمصادقة الكنيست بقراءته الاولى على مشروع قانون يسمح بإعادة أربع مستوطنات في شمال الضفة، وهل سمعتم ايضا احاديثهم الصريحة بأن عمليات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس لم ولن تتوقف، وهل سمعنا بما يحصل داخل مدينة القدس من اجراءات تصنف وفق معاييرهم ومعاييركم "اعمالا آحادية"..
هل نحتاج لنكرر ان الاستيطان بالنسبة للكيان هو الرئة التي تمد معظم الاحزاب الفاشية في اسرائيل بالاوكسجين، وهل نسيتم ما سمي "قانون الدولة القومية لليهود في اسرائيل" الذي اقره الكنيست عام 2018 ويعتبر الاستيطان قيمة قومية ويطبق بأدف تفاصيله دون ادنى اعتبار لمواقف وقرارات دولية ؟ هل نحتاج لكثير عناء كي نقول ان اسرائيل تلعب على عامل الوقت: تمرر ما تريد من مخططات ميدانية، فيما التزاماتها السياسية والامنية والعملانية تبقى مؤجلة التطبيق، بينما التزامات السلطة عاجلة التطبيق، والا فالعقوبات الامريكية بالانتظار.. اليس هذا ما يتكرر منذ العام 1993، ويخرج بعضهم ليدافع عن لقاء العقبة ومساره الامني ويصر على الذهاب الى شرم الشيخ لمتابعة ما تم تطبيقه من التزامات!
بغض النظر عن نوايا البعض، فمن الواضح ان المشكلة ليست في قراءة خاطئة لدى هذا وذلك او في مبالغة في تقدير الموقف، فما يحدث على مستوى العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية لم لم يبدأ اليوم، بل هو مسار سياسي يمتد الى اكثر من ربع قرن من رهانات خاطئة اوصلتنا الى ما نحن فيه. وقد آن الاوان لنقف ولو لمرة واحدة نراجع فيها مسيرتنا النضالية ونستخلص الدروس والعبر بأن اسرائيل دولة محتلة وهذا يترتب عليه واجبات وطنية، وان الولايات المتحدة هي شريك كامل في العدوان على حقوقنا وهذا ايضا يترتب عليه اجراءات ومسؤوليات وطنية.. وان بعض النظام الرسمي العربي لم يعد يعتبر القضية الفلسطينية اولويته، وان في يدنا الكثير من نقاط القوة يمكن الاستفادة منها واستثمارها وطنيا .. لكن كل هذا يحتاج الى مسألة واحدة وهي ارادة سياسية على المواجهة وصمود في تحمل تداعيات ذلك، وربما يكون هذا الخيار الاسهل بين عديد الخيارات التي لجأنا اليها سابقا وكانت النتائج كارثية على كافة المستويات..
0 comments:
إرسال تعليق