في ساعة متأخّرة، من ليلة أمس، قرأتُ نعيكَ على صفحة شقيقتك السيدة لورنس، وأنا في جبيل، منذ يومين، مشاركًا في ورشة عمل، فكان لهذا الخبر وقعٌ عليَّ أليم، ولم تعرف النومَ عيناي!..فأنتَ، عزيزي أنطوان، من تلك الصفوة، التي تؤول، يومًا بعد يوم، إلى نفاد!
أنطوان رحّال عرفتُه، منذ أربعين عامًا، فقد جمعتنا الحرب الأهلية، في "نادي الجامعيين"في طرابلس، حيث شكّلنا، مع كوكبة من أصدقاء العمر، فريقَ عمل ناشطًا، لمواجهة تداعيات تلك الحرب. وقد أبلينا بلاءً حسنًا، كرأس حربة في المجتمع المدني: إغاثيًا صحّيًا، وتموينيًّا، وتربويًّا، وثقافيّا، وعلى صُعُدٍ أخرى. كنّا، إلى انطوان، المرحوم د.حسن المنلا، والقاضي نبيل صاري، والمرحوم د.محمد حافظة، والإعلامي الراحل عبد القادر الأسمر، والمرحوم د.عبد القادر قصير، والأستاذ خضر شبّو، والداعي..وإلى عشرات المتطوعين، في لجان متعدّدة.
في بداية تسعينيات القرن الماضي، حين وضعت الحرب أوزارها، راح عقدنا ينفرط، فترك "النادي" من ترك، وارتحل عن الدنيا من ارتحل، وبقي أنطوان الوحيد، من"الحرس القديم"، صامدًا كالطود، في "النادي"، بل في بيته الثاني.. بقي فيه حتى رحيله!
أنطوان رحّال، على رُغم وضعه الصحّي، كان أكثرنا التزامًا، وأكثرنا اندفاعًا وحميّة وإتقانًا للمهمات، التي تُسنَدُ إليه. لم تُفارق الابتسامة مُحيّاه يومًا، هي ابتسامة الرضا، والمحبّة، التي يكنّها للجميع.
منذ أسبوعين، خلال حضوري لإحدى فعاليات "النادي" الثقافية، إستفقدتُه، سألتُ عنه الصديق الرئيس غسان الحسامي، فصعقني حين أسرّ إليّ بأنّ حالته الصحية جدّ متدهورة.
اليوم، وأنت مُسجّى، يُلقون عليك النظرة الأخيرة، رأيتُ طيفكَ في كنيسة مار يوحنا (أُنطش جبيل)، وفي جامع السلطان عبد المجيد (جبيل)، حيث كنتُ مشاركًا في إحياء عيد سيّدة البشارة، وقد أحيته الطائفة المارونية مع الطوائف الاسلامية، في مدينة الحرف، التي تشكّل نموذجًا في العيش الوطني الواحد!..وأنت، عزيزي أنطوان كنتَ رمزًا، من رموز ذلك العيش الوطني الواحد..كنتَ إنسانًا إنسانًا!
رحمك الله أنطوان، وجعل الجنّة مأواك، والعزاء لعائلتك، لزوجتك، لشقيقك، ولشقيقتيك، لا سيما الصديقة الصابرة لورنس، ولكل محبيّك. والعزاء لناديك، لأعضاء الهيئة الادارية، وفي مقدّمهم الرئيس غسان الحسامي. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
0 comments:
إرسال تعليق