يدور جدل حاد، هذه الايام، في استراليا، كما في غيرها من الدول الغربية، حول مواطنيها العائدين، بعد أن أدوا "واجب" الجهاد في صفوف داعش وبقية التنظيمات الارهابية. هل يجب السماح لهم بالعودة أصلاً؟ أو السماح بعودتهم وتوقيفهم فور دخول البلاد ومحاكمتهم وسجنهم مدى الحياة؟ ماذا عن عائلاتهم؟ هل نحاكم زوجاتهم أيضاً ؟ وماذا لو لم يجاهدوا حتى بالنكاح؟ وهل نكاح الجهاد عمل ارهابي؟ وماذا عن أولادهم؟ هل نتركهم يروون لرفاقهم في المدرسة عن الرؤوس المقطوعة، والرجم بالحجارة حتى الموت، وحرق الاحياء، أوالسحل في الشوارع؟
معظم الاذاعات، المحطات التلفزيونية، الصحف، وسائل التواصل الاجتماعي ومعظم المنافذ الاعلامية تدلي بدلوها في هذا الامر الخطير. وهو خطير فعلاً وبحاجة لمعالجة فوريّة. فالعائدون على الابواب، وربما الشبابيك. ويجب أن نعرف كيف "سنستقبلهم" قبل أن "يستقبلونا" بآخر ما اكتسبوه من مهارات التفخيخ والتفجير والبتر والذبح والحرق والقتل والتدمير. والتي يدافع عنها البعض ويعتبرها قيما اسلاميّة بامتياز.
أكثر من سبعين جهادياً استرالياً قُتِلوا في سوريا والعراق. أما الناجون، ولا نعرف أعدادهم بالتحديد، فكثير منهم سينقلون مسرح جهادهم الى عقر دار حياتنا اليوميّة. فهل نتركهم يفعلون؟ الجواب البديهي طبعاً لا. أما المعالجة فسأتركها للقوى السياسيّة التي لا تنظر الى أبعد من أنفها، والى القوى الامنية والقضائية الاسترالية التي نحترمها وهي على قدر كبير من الكفاءة والفعاليّة. السؤال الذي يقلقني، ولم تتطرق اليه أبداً أية جهة استرالية هو: الارهابيون العائدون كانوا عندنا. وذهبوا ارهابيين من عندنا. أي أن مجتمعنا هو الذي أنتجهم. أنتج أكثر ممن ذَهَبَ بكثير. كثيرون لم يستطيعوا الالتحاق باخوانهم. كمنوا متربصين ليعلنوا عن اجرامهم بأول فرصة. وقع بعضهم بيد العدالة، ونأمل أن تتمكن القوى الأمنية من اكتشاف الباقين قبل أن يعلنوا عن أنفسهم من خلال الضحايا الابرياء. معظمهم وُلِد ونشأ وترعرع في استراليا. تعلَّم في مدارسنا وعمل في مؤسّساتنا. مجتمعنا لا زال يضم "فقّاسات" ارهاب كثيرة. فكيف نستأصلها ونجفف منابع الارهاب؟
نزع فتيل الارهاب العائد مهم جداً. وسهل جداً لأنهم أصبحوا معروفين ولهم سجلات لدى القوى المختصّة. الصعب هو الارهاب النائم والمنتظِر. ونأمل أن يُكشَفوا قبل أن يَكشِفوا هم عن أنفسهم من خلال عمليات ارهابية يدفع الابرياء ثمنها. ولقد أبْلَت القوى الامنية البلاء الحسن في هذا المجال. أما ألأصعب فهو تعطيل فقّاسات الارهاب التي لا زالت تعمل بكفاءة عالية، ولا زالت تنتج ارهابيين يغطّون السوق المحليّة وما فاض يصدَّر للخارج.
هناك بيئة حاضنة للارهاب في استراليا، والخارج. من المؤسف أنّها لا تحظى باهتمام جدّي من قبل القوى السياسيّة. وإذا لم نجفف منابع الارهاب الداخلي، والخارجي، فكل المعالجات الاخرى ستبقى علاجات سطحيّة لن تصل الى الجذور رغم كل الجهود الجبّارة التي تبذلها القوى الامنية للحد من نتائجها الكارثيّة في بعض الحالات.
هذا الارهاب العائد كان عندنا. نحن مَن صدَّره الى الخارج. واليوم يعود بعضه. فهل حاولت الحكومات الاسترالية معرفة أسباب نشوئه؟ هل عيَّنَت فريق عمل مختص لإعداد دراسة ميدانيّة وتقديم توصيات تنفّذها؟ لم تفعل ولن تفعل. وللحديث تتمة.
0 comments:
إرسال تعليق