كل السياسيين يريدون بناء وطن. منذ أربعينيات القرن الماضي وهم يعمِّرون. أجدادهم من قبلهم ثم الآباء واليوم الاحفاد. كلّهم يريدون بناء الوطن. ولكن السؤال لماذا لم يرتفع هذا البناء بعد؟
بمناسبة الاحتفال في جريدة النهار تحت عنوان "الكل في جريدة" في السابع من شباط الجاري، اجتمع ممثلو معظم الفرقاء السياسيين مع نخبة من الاعلاميين ورجال المال والأعمال والفنانين ورجال المجتمع وسيداته، واتفق الجميع على ضرورة بناء الوطن. مَن لم يحضر صرَّح لاحقاً للنهار بضرورة بناء الوطن.
نبيه برّي يصرِّح: "لكي نستحق لبنان، لا بدَّ لنا أن نبني الوطن معاً". حزب الله يريد أن يبني الوطن أيضاً وبناء الدولة القوية. التيار الوطني الحر يريد بناء وطن الشفافيّة والتغيير والاصلاح. الحريري يرى لبنان الغد "بعيوننا وأحلامنا". وسيبنيه كما رآه على قياس أحلامنا. جعجع "من أجل لبنان الذي نريد". ستريدا جعجع: لنصنع وطناً. نورا جنبلاك: بناء وطن. وليد جنبلاط مع بناء وطن "قبل فوات الاوان".
ألنواب جميعهم، الحاليون والسابقون والمنتقلون الى رحمته تعالى واللاحقون، يريدون بناء وطن. الوزراء الحاليّون والسابقون يريدون بناء الوطن. جميع المسؤلين لا همَّ لهم إلا بناء الوطن.
هذا الاجماع على ضرورة بناء وطن أستنتج منه التالي: أولاً هناك قناعة بعدم وجود وطن. هناك أَشكال بدائيّة، سَمِّها ما شئت، ولكنها ليست وطناً. باصرارهم، جميعهم، على ضرورة بناء وطن، اعتراف بعدم وجوده. فلو كان الوطن موجوداً فلا ضرورة لبنائه من جديد. والاستنتاج الثاني أن المسؤلين جميعهم، منذ الاستقلال وحتى اليوم، قد فشلوا في بناء وطن. لم يقولوا ذلك، ولكن إذا كانوا يجمعون على ضرورة البناء، فهذا يعني أن السابقين لم يبنوا. أو بنوا شكلاً مهزوزاً لا يصلح ليضمّ جميع أبنائه وأن يسمّى وطناً. والاستنتاج الثالث: أنهم يصرّون، هم الذين فشلوا في بناء وطن، على أن يتولّوا، هم أنفسهم، عملية بناء الوطن.
طبعا كان هناك محاولات من قبل أقلية هنا أو هناك، لبناء وطن، ولكن الواقع يثبت أن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح.
أكثر من سبعين سنة مرَّت على استقلال لبنان. وقبيل كل انتخابات نيابية يعدنا المسيطرون أنهم سيبنون لنا وطناً ولا أحلى، ولا يفعلون. كذب علينا الاجداد ثم الآباء، ووصل الكذب مع الاحفاد الى الذروة. صحيح أنهم كذبوا كثيراً من قبل، ولكن، هذه المرّة، صدِّقوني، سَيَصْدقون. لذلك سأعطيهم صوتي في الانتخابات القادمة وأدعوكم لانتخابهم، كما نفعل في كل دورة. ثمّ نقعد وننوح، لأربع سنوات أو أكثر، على وطن فقدناه.
أما مَن الذي منعهم من بناء وطن؟
فواللهِ أحرجوني. ولا مجال للتهرّب من الاجابة بعد الآن. لذلك، وبكل خجل، ولأول مرة في التاريخ، سأعترف بالحقيقة المرّة: أنا مَن منعهم من تحقيق هذا الحلم. فهل يعذرني اللبنانيون، ويسامحوني؟ أكرر: أنا مَن منعهم من بناء وطن.
أما هم، فأقسم بشرفهم، أنهم أبرياء ، أبرياء، أبرياء.
0 comments:
إرسال تعليق