تعكس خطوة إسرائيل بالسماح لنائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس السيد صالح العارورى دخول غزة وضمان سلامته حتى الخروج منها على الرغم من أنه على رأس قائمة الاغتيالات للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية مدى تطور المفاوضات الغير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس حول وضع تسوية فى قطاع غزة لأمد طويل برعاية مصرية. وخطوة من هذا القبيل لم تكن إسرائيل لتسمح بها إلا إذا كان هناك تقدم ملموس فى القضايا الأمنية التى تخص إسرائيل فى القطاع وعلى رأسها صفقة تبادل الأسرى والتهدئة على الحدود بين القطاع وإسرائيل، وفى المقابل تعكس هذه الخطوة مدى قوة الدور المصرى كلاعب رئيسى ووازن ومسموع الكلمة لدى كافة الأطراف فى الصراع الفلسطينى الاسرائيلى .
ورغم التكتيم الشديد عن المباحثات المارتونية التى تجرى فى القاهرة خلال الأسبوعين الماضيين وشح وتضارب المعلومات الآتية من القاهرة عن تطور ملف المصالحة والتهدئة مع إسرائيل؛ إلا أنه من الواضح أن ثمة تقدم كبير قد حدث فى تلك المفاوضات؛ والتى من الواضح أن الطرف المصرى آثر أن تكون بعيدة عن عدسات الكاميرات، ولكن التطورات اليومية العملية على الأرض من قبيل الخطوة الإسرائيلية تشي بأن هناك شوطا كبيرا قد قطع فى تسوية وضع قطاع غزة على صعيد الهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل وكذلك فى ملف المصالحة الفلسطينية.
وبالتأكيد فإن أى هدنة مقترحة اليوم لن تكون كسابقاتها؛ وكذلك لن تكون تفاهمات شفهية بل اتفاق موقع بضمانات إقليمية؛ ولن يكون غريبا أن يكون هناك ضمانات دولية، وفى وضع كهذا مهما قيل عن هذا الاتفاق باعتباره كسابقاته فهو بالتأكيد سيكون لسنوات طويلة.
ومن البديهى أن تحصل حركة حماس فى هذا الاتفاق على شرعية ما تنقلها من قوائم الارهاب الدولية إلى قوائم اللاعبين الشرعيين . فحركة حماس تدرك جيدا أن اتفاق الهدنة هو تذكرة العبور الدولية لها من مرحلة الثورة إلى مرحلة السياسة؛ وهى تدير اللعبة بحكمة وتأنى محسوب الخطوات بدقة، ولكن الأخطر فيما يجرى أن تكون الشرعية الإقليمية والدولية التى ستحصل عليها حركة حماس بموجب اتفاق التهدئة على حساب شرعية الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى( منظمة التحرير الفلسطينية).
لكن جمهورية مصر العربية الشقيقة بقيادتها ومؤسساتها العريقة والمخضرمة فى السياسة الإقليمية والدولية أدركت باكرا هذا الخطر الاستراتيجى على القضية الفلسطينية، وهو ما تجلى فى ربط الهدنة فى غزة بعودة الشرعية الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطينى، لأن فصل القضيتين يعنى ببساطة تحويل الانقسام إلى انفصال سياسى وضرب التمثيل الفلسطينى الموحد للقضية الفلسطينية، وعليه فإن أى تقدم فى اتفاق الهدنة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية سيترافق مع خطوات مماثلة فى التقدم فى ملف المصالحة وإنهاء الانقسام .
وهو ما يدفعنا إلى الاستبشار وإن كان استبشارا حذر فى إنهاء الانقسام الفلسطينى، والشقيقة مصر اليوم تقوم بجهد استراتيجى كبير لصالح القضية الفلسطينية، وإن كان البعض لا يرى هذا الجهد القيم، إلا أن الوقائع على الأرض تبرهن أن القيادة المصرية الحكيمة تدرك جيدا الأبعاد الاستراتيجية لما يجرى وانعكاساتها الاستراتيجية على الأمن القومى المصرى؛ والتى تعد القضية الفلسطينية تاريخيا ركيزة أساسية فيه، ولن تسمح جمهورية مصر العربية لأى أطراف بالاقتراب من أمنها القومى بمحاولة حتى الانتقاص من دورها التاريخى والأساسى فى القضية الفلسطينية؛ وقد رأينا كيف أبطل الأشقاء المصريين كل تلك المحاولات وكيف أن الدور المصرى فى نهاية المطاف أصبح هو الدور الأساسى والوحيد القادر على تحريك القضايا المفصلية فى التهدئة والانقسام الفلسطينى .
إن الدور المصرى فى الإقليم وفى الصراع الفلسطينى الاسرائيلى هو دور يستمد زخمه من التاريخ والجغرافيا وليس دورا آنيا ينتهى بنهاية المصالح السياسية؛ فدور الشقيقة مصر مستمد من اعتبارها أحد أهم الركائز الحضارية والتاريخية فى المنطقة والعالم، ولا يمكن لأي كان أن يستبدله ورغم ما تمر به مصر من أزمات اقتصادية وضغوطات دولية إلا أن النهج السياسى للدولة المصرية لم ينحرف قط عن مساره التاريخى تجاه القضية الفلسطينية وذلك ببساطة لوحدة المصير بين مصر وفلسطين فمصر اليوم تبدو أكثر فلسطينية من أطراف فلسطينية تدعى ذلك.
إن الكرة اليوم فى ملعبنا نحن الفلسطينيون؛ في أن نستعيد وحدتنا السياسية لكى يكون بمقدورنا استعادة التضامن العربى بأقوى زخمه العملى والسياسى لدعم قضيتنا ... وتلك هى مهمة القادة الحقيقيين.
0 comments:
إرسال تعليق