أصدرت دار النهضة العربية كتاب الدكتور شوقي أبو لطيف الأخير بعنوان "فلسفة المنهج وإشكالية العقل والحدس عند بيرغسون" ، عَـبْـرَ ذلك الكتاب يَجوب القارىء على طوفٍ مَعَارفيٍّ فلسفي فوق صفحة مياه نهر تزدان ضفتاه بصنوفِ متنوعة من ورودِ التحليل ومنطق الخبير العارف، وتنداح بين مقدمة الكتاب الغنيَّة عن التقديم، ونبذة المؤلف المزروعة بعناية كروضة حِكَمٍ على مرج الغلاف الأخير للكتاب.
هناك تومض لآليءُ ثريات العقل والحدس حيث يضيء الدكتور أبو لطيف بمهارة المدرك المُبدِعِ بما يُبدع، على حيز هام وحساس تراه البصائر المستنيرة، يقول لنا بأن ما: "بين عقل الحداثة وعقل المستقبل يقع الحدس، الذي فلسف به هنري بيرغسون حقيقة الحياة، كصيرورة لا تتوقف أبداً، ليتجاوز الكم الكبير من المُدرَكات المُتسمةِ بثبات اللحظة وسكون الملاحظة إلى رؤية الديمومة وصخب الإبداع، وإلى فهم الحياة كتَيّارٍ حيويٍّ مستمر لا يتجزأ، يُـسَـهِّـلُ تبيانَ كونها حرَّة من غير قيد".
في المقطع الثاني من النبذة، وباقتدار جراح متمكن، يطلق د. أبو لطيف النص من عتمة شرنقة اللغة إلى فضاءات الفلسفة الرحبة: "وبما أن مشكلة المنهج هي مشكلة التغيّر؛ أي مشكلة الحياة المبدعة باستمرار، والمتجدّدة باستمرار، فإن العقل مع المنهج العلمي يبقى حبيس الملاحظة والإداة التي تُـكـيِّف أداءه النظري في الواقع المحسوس، إذا لم يلتحم بحدسٍ يخطره بنبوءة جديدة للبناء العلمي".
في المقطع الثالث من المقدمة يقول د. أبو لطيف : "أما الحدس من الوجهة العلمية المعاصرة، فينبغي أن يكون عقل المستقبل، الذي يتم الخروج به من إطار المنهج والمقولات نحو رؤيةٍ تتجاوزُ محسوسيةَ الملاحظةِ إلى محدوسيّةِ الحياة، أي إلى عقل الكون بالكون".
بعد أن يزودنا الدكتور أبو لطيف بالسيرة الشخصية للفيلسوف هنري لويس بيرغسون، (ص. 15) ، الذي رغم تفوقه بالعلوم، آثر السير في دروب الفلسفة وأغنى سنابل حقولها بأكثرَ من عشرين مؤلفاً، ينتقل بنا إلى مندرجات "العقل والحدس البيرغسوني"، وفي سعيه لسبر غور ماهية الفلسفة البيرغسونية، بما فيها الأسئلة الثلاثة التي يطرحها بيرغسون : من أين جئنا؟ ، وماذا نفعل هنا؟ وإلى أين نحن سائرون؟ يفيدنا د. أبو لطيف بتفصيل أكثر عن وجهة نظر بيرغسون الذي يقول :
"فإذا كان لدى الفلسفة ما تجيبه، استحقت أن تكون، أما إن كانت عاجزة عن الإجابة على هذه الأسئلة ذات الأهمية الحيوية، أو إذا كانت عاجزة عن توضيحها بصورة تدريجية كما توضح مسألة من مسائل البيولوجيا أو التاريخ، وإذا كانت لا تستطيع تفسيرها بواسطة تجربة يزداد عمقها، وبنظرة أكثر فأكثر دقة فيما خص الواقع، وإذا كانت ستكتفي بتأجيج الصراع بين الذين يؤكدون ، والذين ينفون الخلود، بواسطة براهين مستقاة من الجوهر الفرضي، للنفس أو للجسد، عندها يصح القول، إذا حرَّفنا كلمة باسكال عن معناها : إن كل الفلسفة لا تستحق لحظة عناء".
يحتوي كتاب الدكتور أبو لطيف على العديد من المراجع، ونرى بأن كتابه بدوره سوف يكون مرجعاً لمن يرغبون في خوض غمار الكتابة عن الفلسفة وسبر غور النفس البشرية.
0 comments:
إرسال تعليق