من وحي زيارة لبنان/ جورج الهاشم

منذ وصولي الى استراليا سنة 1975  زرت لبنان أربع مرّات.  في كل مرة كنت أجد  تراجعا ملحوظاً في شتّى الميادين. ومن ضمنها تراجع الحلم الذي رافقني طوال مدة اغترابي بالتقاعد بين لبنان واستراليا حتى كاد يتلاشى. وهذه بعض الانطباعات التي سجّلتها خاصة خلال الزيارة الاخيرة:                                                                                   
يا مهاجرين ارجعوا! وسمعت الصوت ورجعت. وبما ان "الوطن غالي" كما يقول وديع. فاجأني أنّ كل شيء قيه معروض للبيع في مزاد علني.  من المواقف الى مستفبل أبنائه. إلّا منتوجاته الزراعية فهي إما بأبخس الاثمان أو تُترك في أرضها. اثنان يتميَّز بهما لبنان: طبيعة رائعة تهجم عليها البشاعة من كل ناحية، وعلاقات اجتماعية رغم التآكل تبقى، في بعض تجلياتها، الاروع في العالم. عدا ذلك فكل شيء آخر يمشي الى الوراء. اللبناني، بعد الاعتذار من حضرتي، مدعٍ، يحتكر الذكاء، عنده لكل مشكلة حل، والمشاكل تزنِّره كما الاسوارة للمعصم. سيئات لبنان كثيرة. وأسوأ السيئات: نظام سير لا أثر للنظام فيه، ونظامه السياسي المشابه لنظام سيره.                                                                     
لبنان بلد التناقضات: حرارة خانقة في الصيف مصحوبة برطوبة مرتفعة على السواحل، وبرودة منعشة في الجبال. غنى فاحش وفيلات وقصور وخدم وحشم مقابل خيام النَوَر، وعائلات مكدَّسة في غرف صغيرة تفتقر الى الضروريات، وفقر مدقع يلفّ الكثير من العائلات. طرقات فيها المعقول والمقبول لولا "شطارة" السائق اللبناني، وفيها المحفَّر الضيِّق خاصة في الجرود. دولة غائبة عن كل ما يهم المواطن، وحاضرة في الرشاوى والفساد والتنفيعات وسرقة المال العام. مقابل دويلات الامر الواقع. مما اضطر كل لبناني أن يعلن نفسه دولة شبه مستقلة يقلِّع شوكه بيده. ويحاول ان يؤمِّن لدولته الاكتفاء الذاتي. سيارات فخمة تحاكي سيّارات الملياردير دونالد ترامب، قرب هياكل معدنية لا تعرفها انها سيّارة لولا  انها "تجاحشك" لتتجاوز سيارتك على الاوستراد. غلاء فاحش في الكثير من الضروريات مقابل رخص "مريب" خاصة في المنتوجات الزراعية ومواقف السياسيين. واحدة لتُبقي المزارع على شفير الجوع والعَوَز. والثانية لتُبقي الوطن على شفير الهاوية. شعارات مرفوعة في كل مكان عن الشرف والتضحية والامانة والاخلاق الرفيعة مقابل ممارسات تتنكّر لتلك الشعارات وتتبرّأ منها صبحاً وظهراً ومساء. واليك بعض الملاحظات:                       
  
نظام السير

تسمع الجميع يتكلمون عن مهارة السائق اللبناني. فهل هذا صحيح؟ السائق اللبناني بالاجمال لا يتقيَّد بقانون ولا يحترم أحداً على الطريق. الافضلية له. يجب أن يمرَّ أولاً. ينتقل من خط الى آخر ساعة يشاء، لا يستعمل الاشارة ولا يعرف مهمتها أصلاً. وتساءلت أكثر من مرة لماذا تتعذّب شركات صنع السيارات وتزوِّد السيارات المصدرة الى لبنان بالاشارات؟ عندما أصل إلى أيّ اتوستراد يركبني الهمّ. فخط اليمين ليس آمناً. تجد سيارة مسرعة أتية من أحد الشوارع الفرعية، بدون انذار، وبدون تخفيف سرعة، وبدون تأمين الطريق "تشكُّ" أمامك وعليك أن تتدبر أمرك. أو أخرى قادمة عن يسارك، وبمجرّد ان تتجاوزك، وبدون اشارة أيضاً، تقتحم خطَّك وعليك أنت أن تتفادى التصادم. أما خط الوسط فهو متساوٍ في السوء أيضاً لأن الاقتحامات تأتيك من اليمين ومن اليسار دائماً. عينك يجب أن تغزل شمالاً ويميناً، خلفاً وأماماً إذا أردت أن تصل سالماً الى مقصدك. خط اليسار يبقى الافضل ( طبعاً لا دخل للخيارات السياسية بالموضوع). فلا مفارق تصب فيه بسبب الحاجز الاسمنتي عن يسارك فتأمن الاقتحامات المفاجئة من تلك الجهة. دون ان تتوقف الاقتحامات من اليمين أو زمامير سيارات مسرعة من خلفك لتترك لها الخط. كنت مرة مغادراً برج حمّود باتجاه الاتوستراد. الطريق لا تتسع إلا لمرور سيارة واحدة في اتجاه واحد. على المرآة شاهدت سيارة ورائي تقترب مني مسرعة. السائق يطلق لزموره العنان. كنت أقود سيارتي بسرعة 50 كلم بالساعة لأن الشارع مكتظ بالمارة ولا يمكن الاسراع أكثر وإلا تعرضتُ والمارة لخطر كبير. الزمور متواصل. السائق يؤشِّر ولا شك يهدد ويشتم ويتوعد. خففت أكثر. ارتفعت حرارته وازداد زعيقه وتسارعت حركات يديه واقتربت سيارته من سيارتي حتى كادت تلامسها. وأي توقّف مفاجىء من قبلي سيؤدي حتماً الى اصطدام كبير. وكلما ازداد غلياناً ازددت برودة وخففت السرعة أكثر حتى وصلنا الى قرب الاوتستراد حيث الطريق تسمح بالتجاوز. فتجاوزني بسرعة جنونية، وخرج أكثر من نصفه من الشباك. وأغرقني بوابل من الشتائم التي وصلتني واضحة تماماً، أقلّها أنت حمار سواقة يا ابن ...                                                  
اشارات المرور لا يحترمها إلا بعض "الحمير" مثل حضرتي. فإذا توقفت على الاحمر سمعت زمامير الاحتجاج التي تطالبك بمتابعة السير. الزمّور ممنوع في البلدان الراقية إلا في الحالات القصوى. أمّا في لبنان فالزمور من مستلزمات القيادة: زمور على الكوع للتنبيه، زمور لافساح المجال للتجاوز، زمور مرحبا يا خال، زمور بخاطرك، زمور لا تقترب أكثر من ذلك، زمور سياسي، زمور للافراح، زمور غاضب يحتوي على عدة شتائم من نص امك الى نص اختك الى نص ام الذي أعطاك رخصة القيادة. ودائماً الام والاخت وباقي نساء العائلة هن فشّة الخلق. والانكى أن المرأة التي تقود السيارة تنافس الرجل في كل شيء وخاصة الشتائم. وتفشّ خلقها بنص امي أيضاً. وزمور خاص مميز يعلن عن وصول صاحبه الى عرينه.                                                                

الضوء العالي بين البيوت أو في وجهك أو في قفاك. وإذا سألت أحدهم لماذا تستعمل الضوء العالي في هكذا حالات يجيب: "وشو المشكلة؟ إذا ما حطّيت الضو بوجهه فهو رح يحطلك ياه. والشاطر يدبّر حاله".                                                                         
المطبات لا تراها ولا تشعر بها الا عندما ترتفع بك السيارة وتخبط.  لا شيء يشير الى وجودها. لا  لوحة أو اشارة تنبهك. لا رسم او لون يميّزها عن بقية الطريق. وإذا كنت مثلي لا تعرف أماكنها فكثيراً ما تفاجئك وانت على بعد أمتار منها. وفي معظم الحالات لا تستطيع تفاديها.                                                                                               
الحفر، خاصة في الطرقات الجبلية تنسيك الجمال الطبيعي الذي تتميز به تلك المرتفعات من لبنان، وينحصر كل همك في كيفية تفادي معظمها. كنت مرة مدعواً الى غداء، عند صديق في بلّونه . قررت الذهاب عن طريق الجرد من تنورين الى شاتين، بلعا، اللقلوق، العاقورة، لاسا، أمهز... وصولاً الى ريفون، عجلتون فبلونة. هذه الطريق  غنية بالمناظر الطبيعية الرائعة وبالحفر أيضاً. لا يمكنك تفاديها لكثرتها. وبعد أن نزلت في الحفرة الخمسين بعد الألف رفعت رأسي لأستنزل الشتائم على رؤوس المسؤولين فوجدت أحدهم على أعلى عامود الكهرباء يبتسم وينظر اليك من عليائه مع هذه العبارة المكتوبة على صورته: نعمل من أجلكم!                          
                              
عجقة السير أبدية في لبنان. ولا يوجد أي حل فعلي في الافق.  سنة 1975 قطعت المسافة من برلين الى بيروت بأقل من أربع ساعات. وقضيت وقتاً مماثلاً بين بيروت وشكا. وتزداد العجقة مع الحواجز الامنية التي تمر عليها  مروراً شكلياً. لا توقيف ولا سؤال. ربما الهدف الوحيد من هذه الحواجز هو اظهار هيبة الدولة غير الموجودة أصلاً. هذا إضافة الى القطع السياسي للطرقات أو إذا هطلت الامطار فعندها لن ترجع الى البيت إلا وتكون قد "غسَّلت" جميع المسؤولين حتى جدهم الأكبر لأنهم يعملون من أجلك.                                               
إذا صدف ومرّت سيارة اسعاف فأقلية قليلة جداً تعطيها الطريق. وأغلبية لا تبالي أو  تزاحمها لتمرّ قبلها. حوادث السير مرتفعة جداً. ضحاياها شباب بعمر الورود. هذا يقود موتوسيكلاً بسرعة جنونية. وذاك ينقل جميع أفراد العائلة عليه . وآخر يستعمله كشاحنة لنقل البضائع أو الحيوانات. لم أر أحداً يرتدي الخوذة الواقية. فهذا سائق يتباهى بالقيادة بعد الكأس العشرين، وذاك يضع ابنه، ابن السنتين، أمامه وراء عجلة القيادة، وذاك يركن سيارته في مكان ممنوع الوقوف أو بموازاة سيارتك حتى يمنعك من المغادرة. وآخر يضع في صندوق سيارته حشداً من الاولاد او الحيوانات. سيارات تزايد على الشاحنات بحمولتها. والكل يزاحم الكل .  أضف الى كل سيئات نظام السير مواكب الزعماء العظام الساهرين على هذا البلد المغلوب على امره.  كنت قاصداً رميش الجنوبية ، ضيعة زوجتي.  وأنا على اهبة  الخروج من بيروت سمعت زمور سيارة جيب شرطة ورائي تلح عليَّ لترك الطريق. وفد أحد الزعماء ورائي. أعجبتني الفكرة. سأقوده ورائي. وتتابعت الزمامير من أكثر من سيارة. أُعجبتُ لأهميتي المفاجئة وخففت من سرعتي المقيَّدة أصلاً  بزحمة معقولة. ليس قليلاً أن تحجز زعيما   خلفك لدقائق بعد أن حجز ، هو وامثاله، تطور لبنان لعقود وعقود. لم يكتفِ الشرطي السائق بالزمامير، بل كاد بخرج كلّه من الشباك ويمطرني بوابل من الشتائم.: افتح الطريق يا حيوان! ولكن الحيوان "تَيَّس" وابتسم للشرطي الهائج وخفّف السرعة أكثر. كنت قادراً على الصمود لهذا الهجوم الخارجي لعدة دقائق اخرى، لو لم  يترافق مع هجوم داخلي من زوجتي : اترك لهم الطريق! انهم وحوش ربما يطلقون النار عليك، لن تستطيع تقويم المقتاية، إذا بدك تموت موت وحدك! نزِّلني هون... عندها تدفق الموكب على جثة النظام والقانون وعلى دفق الاهانات والشتائم الموجهة الى مواطن لم يخالف قوانين السير. بل اتت هذه  المخالفات من حُماة النظام.                                                                                         
حادثة سير اخرى كان بطلها رجل أمن. مرة أخرى كنت خارجاً من بيروت باتجاه الجنوب, كنت أسير على خط اليسار بينما هناك سيارة عن يميني في خط الوسط. لمحت، على المرآة، سيارة صغيرة مسرعة تقترب مني. لا مجال للتجاوز. ولكنه لا زال مسرعاً باتجاهي. أخذت أقصى اليسار. السائق عن يميني لا شك لاحظ ما لاحظت فأخذ أقصى اليمين.  اصبح هناك فسحة بيني وبين السيارة التي عن يميني. دخلتها  السيارة الاتية من الخلف. لكنها لم تكن كافية لتفادي الحادث. "شحَطَ" بابَي سيارتي افقياً. توقَّفنا وتوقّف السير في يوم حار خانق. نزل رجل أمن  من السيارة المعتدية. عندما شاهدت على كتفه شارته التي تدل عليه، فار الدم في عروقي وفقدت أعصابي وأغرقته بالشتائم هو ودولته،  التي أول من يخالف القانون فيها هم رجال أمنها. أجاب بمنتهى التهذيب وقال: آسف لما حصل. هذا اسمي وعنواني ورقم تلفوني. وعرض خيارَين: نتصل بخبير ليحدد نسبة الخطأ أو صلِّحها واتصل بي. قلت لن انتظر الخبير في هذا الجو الخانق ولكني لا شك سأتصل بك. عدت الى السيّارة ولما ابتعدنا  علَّقَ عديلي: انت محظوظ عن جد. لا تتصرف أبداً كما تصرفت اليوم. ولمّا استفهمت منه أكثر فال: عندما رآك هذا الضابط تتصرف  بهذا الاندفاع لا شك قال في نفسه انك مدعوم، واعتقد انك من حزب الله لأن الحادث وقع في منطقة نفوذه. وإلا لأراك نجوم الظهر. وأسفت مرة اخرى لآني، وعن غير قصد، استقويت بنفوذ احدى الميليشيات على الدولة ولو كانت هي المخطئة. وتساءلت: هل أن الاستقواء المقصود من قبل الكثيرين بحزب الله هو أيضاً من مستلزمات المقاومة؟ صلَّحت السيارة المستأجرة على نفقتي ولم أتصل بمسبب الحادث.                                                                                            
 الشاحنات التي يجب ان تتحول الى المكبّات في دول العالم، تسير محملة بالنياشين على طرقات لبنان. على طريق صيدا كنت اسير وراء احداها. قديمة، متآكلة،  صدئة، متداعية، تخاف ان تذهب كل قطعة باتجاه. اخفف السرعة وابتعد عنها حتى لا تتفكك في وجهي. ولكني أبقى وراءها لأقرأ شهادات التقدير التي تحملها على مؤخرتها كما يحمل السياسيون النياشين على صدورهم. وأقرأ: سيري وعين الله ترعاك، من راقب الناس مات هما، عين الحاسد تبلى بالعمى، لا تسرع الموت أسرع، بابا نحن بانتظارك، والكثير من حكم مماثلة. وعلى مكان بارز من قفاها تطالعك: يخزي العين! و... ما شاء الله!... انقل نظري صوب البحر فيطالعني جبل من القمامة، فأغلق النافذة لتفادي الروائح الكريهة متسائلاً: هل يخزي العين وما شاء الله تنطبقان على الشاحنة المخلّعة أم على جبل النفايات أم على سياسيِّ النفايات الذين أوصلوا الوضع الى هذا المستوى؟                                                         
                                            
النظام السياسي

لا أدري أيهما أسوأ في لبنان: نظام السير فيه أم نظامه السياسي؟ فكل أنظمة المنطقة القمعية، الدكتاتورية،  والمذهبية قابلة للتطور والتقدم إلا نظامنا الطائفي فهو عصيُّ على التطور. أو هكذا أرى على المدى المنظور. كنا نختلف سابقاً ما بين مسلم أو مسيحي ، صرنا اليوم نقول: شيعي، سني، علوي، روم، ماروني، سلفي، وهّابي، حبشي، قاعدي، نصرة، داعشي... أو درزي تقدمي اشتراكي. وكيف تركب هذه التقدمية الاشتراكية على الدرزية لا تسأل. ففي لبنان كل شيء يركب. الشعب وحده الذي لا يركب بل يُركَب.                                    
عندما يعرف أحدهم أنك استرالي ينافسك في التغني بحسنات النظام الديموقراطي "عندكم".  ولما تسأله وماذا يمنع لبنان من انتهاج الديمقراطية يتململ في مقعده، يتنحنح، ينظر الى اليمين ثمّ الى اليسار، يقترب منك ويهمس بالسر الخطير:" ما بينعاش معهم".                  
بين النظام السياسي ونظام السير أكثر من وجه شبه. فهذا سياسي يخرج من خط ويدخل في خط دون اشارة ولا تنبيه. وذاك يعطي اشارة الى اليسار ويقفز الى اليمين. وثالث يمشي على خط الوسط. يضع عيناً  على خط اليسار وأخرى على خط اليمين يتأهب للقفز في اية لحظة الى أي اتجاه. ورابع يمشي على أي خط ويعطي اشارات في كل الاتجهات. السيارة السياسية لهذا الزعيم معطَّلة في وسط الطريق، لكن أنصاره يحرسون عدم صلاحيتها للسير ويكتبون عليها: يخزي العين وما شاء الله! وسيارة اخرى تصدم هذا، تتجاوز ذاك، تقطع الطريق على آخر، تسرع، تتوقف، ودائماً تخالف. والانصار يصفقون ويهللون. سيّارات سياسية مهترئة من كثرة الاستعمال يُعاد تسويقها بشعارات جديدة حسب الطلب. ويرثها حفيد عن أب عن جد او عم او خال وتجد من المثقفين من يروِّج لهذه العبقرية التي لا تجدها الا في هذه السلالة التي أوصلت لبنان، مع غيرها من السلالات، الى هذه المكانة التي لا تليق الا بهذه القيادات. السيارات السياسية القديمة والمستعملة كلها مستوردة. لم يبق مكان في العالم لم يصدِّر لنا نفاياته. حتى قطر "الديموقراطية" جداً تعمل جاهدة على "دَمَقْرَطتنا".                                   
لو طبَّقت الدولة قانون من أين لك هذا؟ لما بقي مسؤول من رتبة بوّاب وما فوق خارج السجن. باستثناء عدة عشرات فقط على امتداد اتحاد المزارع اللبنانية كلها. في استراليا رفضت الاشتراك بالفضائيات حتى لا اتعرف الى المسؤولين بالصوت والصورة. روائحم، التي تزكم الانوف، تكفي. في زياراتي الى لبنان لم يعد لي عذر. تعرَّفت اليهم بالصوت والصورة وسفالة الخطاب السياسي. والمشكلة ان كل واحد منهم يحاضر بالعفّة. ويتّهم الاخرين بالفحش والرذيلة. لا حرمة لمال عام. فهو مباح للمسؤول ولاولاده ولزوجته وللاتباع حتى الخادمة السرلنكية. كل وزير، عندما يستلم وزارته، يصطحب معه جيشاً من المستشارين والاتباع حتى ولو كانوا بدون اختصاص. معظم المستشارين انتهت صلاحيتهم ولا يفهمون في مجال الوظيفة التي احتلّوها. فلا هم يشيرون ولا هو يستشيرهم. فقط للعَلْف وللمحسوبية.  في استراليا، عندما يفوز حزب ما بالسلطة لا يتغيّر شيء في سير عمل الوزارة. فقط المدير العام، في بعض الوزارات، يُستبدل ليطبّق سياسة الحزب الفائز..                                     
النظام الانتخابي مفصّل على مقاسهم. عدد قليل من النواب، منذ الاستقلال وحتى اليوم،  كانوا نواب امة والباقي نواب أحياء وزواريب واقطاعيات وعائلات وتسويات ومحادل وابناء زنى محارم بين رأس المال والاقطاع السياسي.  وعدد أقل من الوزراء كانوا على قياس الوطن. حتى الذين أتوا بهم ضاقوا بهم ذرعاً. كشربل نحّاس مثلاً.                                    
بالاختصار: نظام سياسي عفن وسياسيون فاسدون لوطن من اروع الاوطان. لم يستطيعوا الصعود الى مستواه فأنزلوه الى مستواهم. أعاده الله الى المكانة التي تليق به. وهذا لن يحصل دون البدء بنظام انتخابي عادل التمثيل يضع من يهمهم الوضع العام في غرفة القيادة.       

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق