كيمياء الذهب عند العرب/ د. عدنان الظاهر

 أولا : جابر بن حيّان وعلم الصنعة / كيمياء الذهب

لكي نعرف من هو جابر بن حيّان أرى من الأفضل تقديمه بلغة من سبقنا من مؤرخي العلوم العربية. ففي الفهرست قال إبن النديم (1) :
(( هو أبو عبد الله جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفي العروف بالصوفي...، وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان منهم، وله في المنطق والفلسفة مصنّفات. وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة إنتهت إليه في عصره )). 
يذكر إبن النديم أسماء كتب جابر حيث يقول للرجل فهرست كبير يحتوي على جميع ما أُلِّف في الصنعة فقط ، أي صنعة تحويل المعادن الرخيصة كالرصاص والنحاس إلى فضة وذهب. 
 قبل أن يُنهي إبن النديم قائمة مؤلفات جابر بن حيان ينقل عن جابر قوله :
(( قال أبو موسى : ألّفتُ ثلثمائة كتاب في الفلسفة وألف وثلثمائة في الحيل وألف وثلثمائة رسالة في صنائع مجموعة آلات الحرب ثم ألّفتُ في الطب كتابا عظيما وألّفتُ كتبا صغارا وكبارا وألّفتُ في الطب نحو خمسمائة كتاب مثل كتاب المجسّة والتشريح. ثم ألّفتُ كتب المنطق على رأي أرسطوطاليس ثم ألّفتُ كتاب الزيج اللطيف نحو ثلثمائة ورقة، وكتاب شرح إقليدس، كتاب شرح المجسطي، كتاب المرايا، كتاب الجاروف. ثم ألّفتُ كتبا في الزهد والمواعظ وألّفتُ كتبا في العزائم كثيرة حسنة وألّفتُ كتبا في النيرينجات وألّفتُ في الأشياء التي يُعمل بخواصها كتبا كثيرة ثم ألّفتُ بعد ذلك خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة ثم ألّفتُ كتابا في الصنعة يعرف بكتاب الملك وكتابا يعرف بالرياض )).

الكتب والمخطوطات المتوفرة تيُبين أنَّ ما عناهُ جابر بالكتاب هو عبارة عن مقالة قد تكون قصيرة وقد تكون طويلة. صحيح قد ضاع أكثر مؤلفات جابر إلاّ أنَّ الموجود منها الآن في مصر وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران والهند ولننغراد ( بيترسبورغ في روسيا ) ليس بالقليل حتّى أن العالم هولميارد  E. J. Holmyard    (2) يعتقد أنَّ رجلا قام بوضع هذا العدد من المؤلفات لا بُدَّ وأن كان قد عُمِّر حتى الخامسة والتسعين من عمره. ويذكر الأستاذ الدكتور محمد يحي الهاشمي (2) أن جابرا قد إمتدَّ به العمر حتى خلافة المأمون. فإذا قبض عام 200 للهجرة كما تذكر بعض المصادر (3) فسيكون مولده بين 105 - 110 للهجرة.
ومن لا يعرف جابر بن حيّان ومقدار علمه يكفيه قول الرازي (1) في كتبه التي ألّفها في الصنعة : (( قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيّان... )).
 وقول أبن خلدون في مقدمته (4) :
(( وصورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجساد - الرصاص والقصدير 
والنحاس - المستعدة إلى صورة الذهب والفضة هو علم الكيمياء. وما زال الناس يؤلفون فيها قديما وحديثا وربما يُعزى الكلام فيها إلى من ليس من إهلها. وإمام المُدوّنين فيها جابر بن حيّان حتّى أنهم يخصّونها به فيُسمّونها علم جابر وله فيها سبعون رسالة )).
  
ليس مستبعدا زعم أهل صناعة الذهب والفضة من أنَّ الرئاسة قد إنتهت إلى جابر بن حيان في عصره, إذ أنه هو نفسه كان قد أفاد بذلك. ففي المخطوطة الموسومة ( كتاب الموازين الصغير تأليف جابر بن حيان ) التي عثر عليها ونشرها المستشرق الفرنسي المعروف  M. Berthelot   في الجزء الثالث من كتاب " تأريخ علم الكيمياء في العصر الوسيط " (5) يقول جابر بن حيان : 

(( لم يزل علم الموازين من عند جرجس يوصي به عالمٌ العالمَ عند موته بعد أن يعاهده عليه ألاّ يذكره ولا يذاكر به إلاّ حكيما مثله فقط سوى ساير الناس إلى أن إنتهى ذلك إلى أواني وأحتاجت الوصية إليَّ في زماني لمّا لم يوجد لها سواي إذ كنت بقية القوم الذين تقدّموني فطُلِبَ مني المعاهدة على ستره حتى لا يُسَمعُ بذكره فإمتنعتُ من قبول الوصية مع المعاهدة ثم دَفَعتْ الضرورة بعلم خازن الوصية إلى أنْ سلّمها إلي لما لم يجد لها مستحقا غيري )).

هنا من حقّنا أن نتساءل عن هوية " خازن الوصية " ، من هو، من أي بلد أتى جابرا، ما هي ملّته وقومه ودينه؟؟؟؟ لا أحد يعرف شيئا عن ذلك، وإن جابرا نفسه لم يشأ أن يكشف النقاب عن هذه الأسرار. 

ثانيا : إبن خلدون وكيمياء الذهب / 

ربط إبن خلدون (6) بين طبيعة تكوّن عنصر الذهب وما أسماه بدورة الشمس الكبرى التي تستغرق حسب زعمه ألفا وثمانين سنة. فما هي دورة الشمس الكبرى ومن أين أتى إبن خلدون بهذا الرقم وكيف إفترض أنَّ هذا المقدار من الزمن هو الزمن اللازم لتكوّن الذهب بشكل طبيعي ؟؟؟ لم يذكر إبن خلدون مصادر هذه المعلومات، فهل إعتمد في ذلك على المنجّمين وقتذاك وقارئي الحَدَثان وهم فئة من مدّعي العلم والقدرة على التنبؤ وحسابات أعمار الدول والسلاطين والخلفاء والملوك ؟ لم يثق إبن خلدون بالمختصّين بعلم الحدثان أبدا. ولقد أفرد فصلا مستقلا في مقدمته حول هذا العلم.

ابن خلدون والطغرائي /

يتبنى إبن خلدون جزئيا فلسفة الطغرائي (6) الذي إعتقد بإمكانية تحوّل المعادن الرخيصة إلى معادن نبيلة أو ثمينة حيث قرر :

((  بأنَّ التدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه وإنما هو في إعداد المادة لقبوله خاصة والفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النور على الأجسام بالصقل والإمهاء )). 
يعلّق إبن خلدون على هذا الكلام بأنه " صحيح " ، ثم يستأنف قائلا : (( لكن لنا في الرد على أهل هذه الصناعة مأخذ آخر يتبين منه إستحالة وجودها وبطلان مزاعمهم أجمعين لا الطغرائي ولا إبن سينا )). 
إذن فإبن خلدون ينكر إمكانية تحوّل المعادن لكنه يتخذ موقفا آخر هو أحد قوانين علم الميكانيك الحديث. فلقد قرر أنه بمضاعفة القوى الفاعلة - التي يشترطها الطغرائي على ما يبدو - يمكن إختزال الزمن الطبيعي اللازم لتكوّن الذهب ( وهو 1080 سنة حسب زعم إبن خلدون ). وبكلماته هو (( مضاعفة قوّة الفاعل تنقص من زمن فعله )).

إذا كان هذا القانون صحيحا بالنسبة لعلم الفيزياء وقوانين الميكانيك فإنه ليس صحيحا فيما يخص نظريات تكوّن المعادن وجيولوجيا طبقات الأرض. فعمر الأرض وفق آخر الحسابات حوالي أربعة بلايين عاما ونصف البليون، فما قيمة الألف عام اللازمة حسب إبن خلدون لتكوّن الذهب إزاء هذا الرقم الفلكي؟ عمر الذهب هو عمر الأرض. والذهب الذي أُكتشف في سومر وتحت أنقاض بابل وداخل إهرامات الفراعنة في مصر كحليّ وزينة وأقنعة وسواها كان موجودا في باطن الأرض أو في قيعان بعض الأنهار منذ بلايين السنين. فأية قوّةٍ ، عدا النيوترون كما سنرى ( أُنظر الملحق ) ، قادرة على إختزال الزمن اللازم لتكوّن عنصر الذهب بشكل طبيعي ؟ 
خلاصة رأي إبن خلدون بهذا الصدد هو إنكار إمكانية تحوّل المعادن. ولقد جرّه هذا الرأي عَرَضا إلى إتخاذ موقف غاية في الغرابة ويتعارض مع منطقه العلمي المادي في تفسير التأريخ ونشوء الدول وتطورها وإستفحال شوكتها بالعصبية ثم تفسخها وإنقراضها بعد أن تبلغ أقصى درجات النعيم. خلاصة رأي إبن خلدون أنَّ الموسرين من عليّة القوم يُنكرون صنعة الكيمياء ضاربا من إبن سينا مثلا. علما بأنه سبق وأن إختلف مع إبن سينا   حول هذا الموضوع كما قد إختلف مع الطغرائي كما سنرى لاحقا. يمضي إبن خلدون قُدُما في وجهة نظره الطبقية هذه ليقول : أما الفقراء المدقعون (( الذين تعوزهم أدنى بلغة من العيش وأسبابه فإنهم يقولون بأسبابها )), ويضرب من الفارابي مثلا. 
هل فات إبن خلدون أنَّ الموسرين بدورهم يطمحون ويسعون جاهدين إلى زيادة ثرائهم ثراء ويسلكون لذلك شتى السبل والوسائل لبلوغ مآربهم وتكديس المزيد من الثروات مالا وعقارا وجاها وحسبا !! لماذا يستكثر إذن على الفقراء في أن يحلموا - أجل مجرد حُلُم - في بعض المال وشيء من جاه ووجاهة في هذه الدنيا الزائلة ؟؟ 
هل حقّا أنَّ الفيلسوف والمفكّر الفذ الفارابي آمن بقدرة المعادن على التحوّل بدافع من فقره وهو المشهور بزهده وإعراضه عن مظاهر الحياة الدنيا؟؟.

إبن خلدون والفارابي وإبن سينا / 

صنّف إبن خلدون المدارس التي إنشغلت بعلم وصناعة الكيمياء إلى مدرستين هما :

1- مدرسة قادها الفيلسوف الفارابي ، صديق حلب وسمير أميرها سيف الدولة الحمداني، الذي رأى أن العناصر المنطرقة ( وهي العناصر المعروفة اليوم بالفلزّات ومن أهم خصائصها إستعدادها للطرق والسحب ولمعانها وقدرتها الفائقة على توصيل الحرارة والكهرباء...) 
وهي سبعة : الذهب والفضة والرصاص والقصدير والنحاس والحديد والخارصين ( وهو الزنك، ومن هذا الأسم أُشتُقت كلمة زنكوغراف والجينكو ) ... رأى أنها نوع واحد وأختلافها إنما بالكيفيات. ويعدد أبو نصر الفارابي الليونة والصلابة والألوان المختلفة بإعتبارها هذه الكيفيات المتباينة. لذا فإنها حسب رأيه قابلة للتحوّل. أي أن في المستطاع تحويل الرصاص مثلا إلى ذهب. هذه هي خلاصة نظرية الفارابي.

2- وثمة مدرسة ثانية كان على رأسها الشيخ الرئيس إبن سينا. لقد ذهبت هذه المدرسة إلى القول بأن هذه المعادن السبعة مختلفة الفصول وأنها ليست نوعا واحدا بل إنها أنواع متباينة وكل نوع منها قائم بنفسه. وعليه فلا حظَّ لها في إمكانية التحول من معدن إلى آخر.
يتضح من هذا الكلام أن كلا الرجلين قد أخطأ وقد أصاب في عين الوقت : 
أخطأ الفارابي إذ إعتبر هذه المعادن نوعا واحدا. وأصاب إذ رأى إمكانية تحوّل بعضها إلى البعض الآخر. وهذا الأمر قد أثبته العلم الحديث ( أنظر الملحق ).
أمّا إبن سينا فلقد أصاب إذ جعل هذه المعادن أنواعا متباينة وأخطأ إذ قرر إستحالة تحوّلها. 
ملحق (1) / كيمياء الذهب

للذهب ثلاثة وعشرون نظيرا  Isotopes    والنظائر هي ذرات العنصر نفسه لكنها تختلف في أعدادها الكتلية   Mass Numbers    أي أنها تختلف في عدد ما فيها من نيوترونات  Neutrons    وبالتالي ستختلف لا بخصائصها الكيميائية لكن بخصائصها الأشعاعية إنْ كانت مشعّة ، كالعمر النصفي  Half Life     ونوع الأشعاع الصادر عنها وطاقة هذا الأشعاع. 

ليس في نظائر الذهب هذه نظير مستقر، أي لا يتحول بالأشعاع، إلاّ النظير ذو العدد الكتلي  197 . أما باقي النظائر ( 22 نظيرا ) فجميعها نظائر مشعّة تتفكك فتتحول إلى عنصر آخر مغاير هو الزئبق إما بإنبعاث دقائق بيتا  Beta Particles   وهي ألكترونات نووية المنشأ ، أو أنها تتحول بعملية آخرى مغايرة بأنْ تلتقف نواة نظير الذهب واحدا من ألكترونات المدارات ( مستويات الطاقة ) الأقرب للنواة. تسمى هذه الطريقة  Electron Capture Process     .
نعود ثانية لمسألة الزمن. لكل نظير نشط إشعاعيا مقياس خاص لطول عمره أو فترة بقائه مشعّا يُسمّى العمر النصفي  Half Life   . تتراوح هذه الأعمار النصفية لنظائر الذهب بين    3,9  ثانية للنظير   193 m   و  183 يوما للنظير  195 m  . واضح من مجمل هذا الكلام أنْ لا مجال للتفكير في أزمان تتجاوز الألف عام. 

ملحق ( 2 ) / النيوترون : حجر الفلاسفة المنشود 

إنَّ حُلُم البشرية القديم وأوائل المشتغلين بصناعة الكيمياء كالمجريطي والطغرائي والمغيربي والفارابي وجابر بن حيّان الذي يسمّيه إبن خلدون إمام المدونين وله سبعون رسالة في صناعة الكيمياء ، ... إنَّ حلم هؤلاء جميعا قد تحقق في أوائل النصف الأول من القرن الماضي بفضل التطور الأسطوري في حقل علم الفيزياء النووية وهندسة وبناء المفاعلات والمعجّلات النووية. ففي ستة تفاعلات نووية يمكن تحويل الرصاص الثابت غير المشع ذي العدد الكتلي  206  إلى ذهب ثابت ذي عدد كتلي  197 . 
يمكن إختصار هذه التفاعلات النووية الست إلى معادلة واحدة تيسيرا لفهم العملية :
           197           4                 -            1             206  
               Au   +     He   3  +    B 3    =    n 3   +       Pb     
                  79             2                           0                 82


ومعنى المعادلة أنَّ ذرة رصاص واحدة تمتص ثلاثة نيوترونات لتعطي ذرة ذهب واحدة وثلاث ذرات من غاز الهيليوم وثلاث من دقائق بيتا السالبة المسماة  Negatrons (7).

مصادر البحث
1- إبن النديم ( الفهرست ). الناشر : مطبعة الإستقامة بالقاهرة، شارع نوبار باشا رقم 12 .
2- الدكتور محمد يحيى الهاشمي / كتاب ( الإمام الصادق ملهم الكيمياء ). منشورات المؤسسة السورية العراقية 1959.
3- F. Sezgin, Geschichte des Arabischen Schrifttums .   
Band 1V , PP. 134 , Leiden 1971       
4- إبن خلدون ( المقدمة ). الصفحات 420 - 421 / دار العودة، بيروت 1981.
5- M. Berthelot , Historie des Sciences la Chemie au Moyen Age ( Band 111 ). Imprimerie National, Paris 1893. 
6- إبن خلدون ( المقدمة ). الصفحة 439 / دار العودة، بيروت 1981
7- Chemistry, by : J. Bailer, T. Moekker, J. Kleinberg , et al. Publisher : Academic Press 1978 / PP. 224 - 225
                            
د. عدنان الظاهر                                                           مايس 2003 

                             كيمياء الذهب عند العرب 
                               (( خلاصة البحث ))  
                                       
صناعة الذهب والفارابي وإبن سينا /

صنّف إبن خلدون المدارس التي إنشغلت بعلم وصناعة كيمياء الذهب إلى مدرستين هما :

1 - مدرسة الفيلسوف الفارابي : 
رأى الفارابي أن العناصر السبعة القابلة للطرق ( المنطرقة ) وهي الذهب والفضة والرصاص والقصدير والنحاس والحديد والخارصين ... رأى أن هذه المعادن هي نوع واحد وإختلافها إنما بالكيفيات المتباينة. لذا فإنها حسب رأيه قابلة للتحول. أي أن في المستطاع تحويل الرصاص مثلا إلى ذهب.

2 - ثمَّ مدرسة الشيخ الرئيس إبن سينا :
ذهبت هذه المدرسة إلى القول أنَّ هذه المعادن السبعة مختلفة الفصول وأنها ليست نوعا واحدا بل إنها أنواع متباينة وكل نوع منها قائمٌ بنفسه. وعليه فلا حظَّ لها في إمكانية التحول من معدن إلى آخر. 

يتضح من هذا الكلام أنَّ كلا الرجلين قد أخطأ وقد أصاب في عين الوقت :
أخطأ الفارابي إذ إعتبر هذه المعادن نوعا واحدا. وأصاب إذ رأى إمكانية تحوّل بعضها إلى البعض الآخر ، وهوما أثبته علم الفيزياء النووية الحديث.
أما إبن سينا فلقد أصاب إذ جعل هذه المعادن أنواعا متباينة وأخطأ إذ قرر إستحالة تحوّلها. 

ملاحظات وتعليقات /
1- أصل كلمة ( كيمياء ) :
1-1 / كمي أو خمي // مصرية قديمة ( فرعونية ؟ ) تعني التراب الأسود. التراب الذي يحوي شوائب قليلة من الذهب (( محمد يحيى الهاشمي.الإمام الصادق، مُلهم الكيمياء.المؤسسة السورية العراقية. الصفحة 29 ))ز
1-2 / عربية مشتقّة من الفعل " كميَ يكمى " أي إستترَ يستترُ. هولميارد يعتقد أن أصل هذه الكلمة عربي . كتابه CHEMISTRY   الصفحة 17 .
 Holmyard, E.J. Chemistry. London 19567 . 

1-3 / مصرية قديمة مشتقة من " كيم و كِمْتْ " وتعني التربة السوداء.
1-4 / كلمة كيمياء  CHEMISTRY  مأخوذة من الكلمة اليونانية CHYMA   وتعني السبك من السباكة CASTING 

1-5 / اللفظة معربة من اللفظ العبري " كيم يهْ " التي تعني من الله.
المصادر 2و3و4 و 5 : (( الكيمياء عند العرب / د. حكمت نجيب عبد الرحمن. أبحاث الندوة العالمية الأولى لتأريخ العلوم عند العرب / جامعة حلب نيسان 1976 . الصفحات 301 - 302 )). 
2-
G.G. Lord Byron ( 1788 - 1824 ) / Poetical Works             
DON JUAN / Canto the Tenth / P. 779 :
                               - 1 -
When Newton saw an apple, he found
In that slight startle from his contemplation - 
Tis said ( for I will not answer above ground
For any sage s creed or calculation ) - 
A mode of proving that the earth turned round
In a most natural whirl, called gravitation,
And this is the sole mortal who could grapple,
Since Adam, with a fall, or with an apple.

                                  - 11 -
Man fell with apples, and with apples rose,
If this is be true, for we want deem the mode
In which Sir Isaac Newton could disclose
Through the then unpaved stars the turnpike road,
A thing to counterbalance human woes :
For ever since immortal man hath glowed
With all kinds of mechanics, and full soon
Steam - Engines will conduct him to the moon.

3- محاولة ( عباس بن فرناس ) للطيران بأجنحة من شمع . 
4- العلماء والمفكرون والفلاسفة القدماء : فكّروا وإختلفوا ولم يحصل بينهم نزاع أو مهاترات. حرية الأختلاف والتنوع.
4-1 / الروح الباحثة عن الخلود :  Oswald Spengler  
من كتابه ( سقوط الغرب )
(( ... في المدنية الإسلامية وُلِد الجبرُ وولدت معه روح خفية باحثة عن سر الخلود في الكون )). 
((... فالذي كان يحاول أن يسعى إليه العربي قديماً مستنيراً بنور هذه الفكرة ليس إدراك ظواهر المادة بل معرفة سرها الخفي وكيفية إنقلابها من عنصر إلى عنصر )).

4-2/ الذهب والخلود 
الفاني والثابت / المتحول والخالد : الرصاص والفضة والنحاس عناصر متبدلة فانية. الذهب ثابت خالد.
4-3 / الخلود في سومر / جلجامش وعشبة الخلود ( رومانسية السومريين ). موت أنكيدو.
4-4 / ذهب الفراعنة وفلسفة الخلود / الأقنعة الذهبية / خلود الجسد. 
4-5 /  جابر بن حيان وقلب ما يبلى إلى ما لا يبلى. البحث عن الخلود : البقاء الأبدي.
هل كان يسعى إلى إطالة عمر الإنسان أو جعله خالدا في الحياة ؟؟ ثبات الذهب ومقاومته البلى هو الوجه الآخر لخلود الإنسان. الطب الحديث يحاول ذلك. 

5- إبن خلدون والصنعة : 

5-1 / إبن خلدون وإبن سينا والفارابي / الأغنياء والفقراء (( المقدمة / ص 437 - 442 )).
5-2 / إبن خلدون والطغرائي (( ص 439 ))./ الطغرائي : ( الإستعداد الأول لقبول صورة الذهب والفضة ثم المحاولة بالعلاج إلى أن يتم فيها الإستعداد لقبول فصلها ). 
يُعلّق إبن خلدون على هذا الكلام قائلاً ( وهذا الذي ذكره في الرد على إبن سينا صحيح، لكن لنا في الرد على أهل هذه الصناعة مأخذ آخر يتبين منه إستحالة وجودها وبطلان مزعمهم أجمعين لا الطغرائي ولا إبن سينا وذلك أن حاصل علاجهم أنهم بعد الوقوف على المادة المستعدة بالإستعداد الأول يجعلونها موضوعاً ويُحاذون في تدبيرها في تدبيرها وعلاجها تدبير الطبيعة في الجسم المعدني حتى إحالته ذهباً أو فضةً ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتم في زمانٍ أقصر لأنه تبين في موضعه أن ((( مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبين أن الذهب إنما يتم كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى. فإذا تضاعفتْ القوى والكيفيات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ...))). 
5-3 / إبن خلدون (( ... إن الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأعوص والأبعد. فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون أنه صحيح وأنه أقرب من طريق الطبيعة في معدنها وأقل زماناً لما تركته الطبيعةُ إلى طريقها الذي سلكته في كون الذهب والفضة / ص 441)). 
5-4 / أبن خلدون وصنعة الكيمياء بالسحر والكرامات ( ص 441 ) :

(( ... ذلك أن الكيمياء إنْ صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان ومسلمة بن أحمد المجريطي وأمثالهم فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعي وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره ...)). 
((... فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعياً ضيع ماله وعمله. ويقال لهذا التدبير الصناعي التدبير العقيم لإن نيلها إنْ كان صحيحاً فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع فهو كالمشي على الماء وإمتطاء الهواء والنفوذ في كثائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة. أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء . قال تعالى ( وإذ نخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني ) ... وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها فربما أُوتيها الصالحُ ويؤتيها غيره... )). 
((... ومن هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها تقع بتأثيرات النفوس وخوارق العادة إما معجزة أو كرامةً أو سحراً ... )). 
يبدو لي أن إبن خلدون واقع تحت تأثير الآية السابعة من سورة الأنعام (( ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوهُ بأيديهم لقالَ الذين كفروا إنْ هذا إلاّ سِحرٌ مُبين )). وإلا كيف يؤمن رجلٌ متميز مثله بفعل السحر والخوارق والمعجزات وكرامات الأولياء ؟! إنه يُنكر الكيمياء إلاّ إذا كانت فعلَ سحرٍ أو معجزة أو نتيجة أمرٍ خارق للعادة. 
5- 5 / إبن خلدون والزمن : 
1080 عام / دورة الشمس الكبرى / هذا هو الزمن اللازم لتكون الذهب بشكل طبيعي. 
((...كذلك لا يتدبر ذهبٌ من مادة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد مما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع ...ص 441)). 
((... إن مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبين أن الذهب إنما يتم كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى. فإذا تضاعفت القوى والكيفيات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ...)). 
5-6 / إبن خلدون والحيات من الشعر والعقارب من التراب وتكوين القصب من قرون ذوات الظلف... 
((      والذي حارتْ البريةُ فيهِ       حيوانٌ مُستحدثٌ من جمادِ // أبو العلاء المعري )).
                                                                                                                                                                                                                                                                                                          
6- مواقف من صنعة الكيمياء ( المصدر: المسعودي / الجزء الرابع ، ص 169 ).
6- 1 /الكندي 
(( وقد صنف يعقوب بن إسحق بن الصباح الكندي رسالة في ذلك - الكيمياء - وجعلها مقالتين يذكر فيها تعذر فعل الناس لما إنفردت الطبيعة بفعله، ... وخُدَع أهل هذه الصناعة وحيلهم. وترجم هذه الرسالة بإبطال دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة من غير معادنها )).
6- 2/ أبو بكر محمد بن زكريا الرازي
((... وقد نقض هذه الرسالة على الكندي أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الفيلسوف صاحب الكتاب المنصوري في صناعة الطب الذي هو في عشر مقالات )).
6- 3 / المسعودي
((... وأرى القول أنَّ ما ذكره الكندي فاسد. وأن ذلك قد يتأتى فعله )). 

7- الجاحظ ( المصدر : كتاب الحيوان، الجزء الثالث ص 115 // نقلا عن كتاب د. محمد يحيى الهاشمي / الإمام الصادق ملهم الكيمياء، ص 87 ).
... يعالج الجاحظ صراحةً قضايا الكيمياء كمشكلة من المشاكل العلمية فيقول في كتاب الحيوان ج3 ص 115 (( ينبغي أن تعرفوا الفرق ما بين الحال الممتنع وما يستحيل كونه من الله عزَّ وجلَّ وما يستحيلُ كونه من الخلق. فإذا عرفتم الجواهر وحظوظها من القوى فعند ذلك فتعاطوا الإنكار والإقرار وإلاّ فكونوا في سبيل المتعلّم أو في سبيل إثْر الراحة ساعةً على ما يورثُ كدَّ التعلّم من راحة الأبد. قد يكونُ أو يجيءُ على جهة التوليد وشيء يبعُدُ في الوهم من غيره، لأن حقائق الأمور ومُغيباتِ الأشياء لا تردُ إلى ظاهر الرأي وإنما يردُ إلى الرأي ما دخل في باب الجزم والإضافة وما هو أصوب وأقربُ إلى نيل الحاجة )).
((... وأن الذهب لا يخلو من أن يكونَ ركناً من الأركان قديماً منذُ كان الهواء والماء والأرض. فإذا كان كذلك فهو أبعدُ شيء من أن يولِدَ الناسُ مثله )). 
8- شيء عن تأريخ الكيمياء 
8-1 / مصر الفرعونية / قارون / اليونان والرومان 

((... قال محمد بن إسحق -إبن النديم -: والكتب المؤلفة في هذا الشأن -الكيمياء- أكثر وأعظم من أن تُحصى. لأن المؤلفين لها تنحلوها عنهم. ولأهل مصر في هذا الأمر مصنفون وعلماء. والبرابي المعروفة وهي بيوت الحكمة ومارية -القبطية- من بلاد مصر.// عن فهرست إبن النديم ص 521 )).
((... وقالت طائفة أخرى من أهل صناعة الكيمياء أن ذلك كان بوحي من الله. وقال آخرون كان هذا بوحي من الله إلى موسى بن عمران وإلى أخيه هرون وأن الذي كان يتولى ذلك لهما قارون، وأنه لما كثر ما عنده من الذهب والفضة كنز الكنوز...
 ص 508 )).
((... يرجع تأريخ الكيمياء إلى نحو ثلاثة آلاف أو يزيد من السنين قبل الميلاد. وأن أقدمَ الحضارات التي يُستوحى منها شيءٌ عن الكيمياء وكيفية نشؤها كانت حضارة مصر القديمة حيث نشأت صناعات عديدة أهمها صناعة التعدين وعلى الأخص تعدين المعادن الثمينة وفي مفدمتها الذهب وكان يقوم بها الكهنة داخل المعابد حفظاً على أسرارها.

أما اليونانيون فقد إهتموا بالأبحاث النظرية أكثر من إهتمامهم بالعلوم التجريبية. ولهذا لم يكن لديهم جهودا بارزة في الكيمياء. إلا أن المركز الذي نشأ فيه هذا العلم كان مدرسة الإسكندرية حيث تكونت فيها النواة الأولى لعلم الكيمياء إذ كانت الكهنةُ تشتغل به كما أنهم توسعوا كثيراً فزعموا أنهم تمكنوا من تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة.
... ولما جاء الرومان خشي بعض حكامهم أن يتمكن أهلُ هذه الصنعة من الحصول على المال الكثير ويقوى نفوذهم في الثروة والسلطان فأمر " ديوقليدس " حوالي سنة 290 م بطردهم وحرق كتبهم فتفرقوا وذهبوا إلى مناطق مختلفة في الشام والعراق. إلاّ أنه بالرغم من ذلك لم يستطعْ الرومان القضاء على هذا الإتجاه إذ بقي في مصر بعض الذين إشتغلوا بهذه الصنعة سرّاً. وإستمرّتْ شهرة مدرسة الإسكندرية حتى الفتح الإسلامي لمصر حوالي سنة 624 م. ومن هذه المدرسة إستقى العربُ معلوماتهم في الكيمياء فكانت المصدر الأول لهم في هذه الصنعة، مع العلم أن المنبع الأول لها لم يُعرفْ حتى الآن. / د. حكمت نجيب عبد الرحمن ، الندوة العالمية / جامعة حلب ص 303 - 305 )). 

8-2 / الصين والهند والفرس والإكسير ( عن فهرست إبن النديم ص 521 ) :

((...وقيل أنَّ أصل الكلام في الصنعة للفرس الأُوُل. وقيل أول من تكلم عليه اليونانيون. وقيل الهند وقيل الصين والله أعلم )). 

((... أما تيلر فيرى أن موضوع إكتشاف إكسير الحياة فكرة موجودة في الأدب الهندي قبل الميلاد بما يزيد على الألف سنة. وربما إنتقلتْ إليهم هذه الصنعة عن طريق الصين. إذ إهتم الصينيون بتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة منذ القرن الرابع قبل الميلاد. إلا أن إهتمامهم الأكبر كان نحو إكتشاف إكسير الحياة الذي يُطيل العمر. وبهذا يبدو أن علم الصنعة هو علم صيني. أما اليونانيون فقد إهتموا بالأبحاث النظرية أكثر من إهتمامهم بالعلوم التجريبية. ولهذا لم يكن لديهم جهوداً بارزة في الكيمياء )).
المصدر : د. حكت نجيب عبد الرحمن: الكيمياء عند العرب/ أبحاث الندوة العالمية الأولى لتأريخ العلوم عند العرب / جامعة حلب نيسان 1976 / ج 1 الأبحاث باللغة العربية .  

8-3 / هرمس الحكيم البابلي ( عن فهرست إبن النديم/ ج العاشر المقالة العاشرة الصفحات 507 و 508 ) : 
((... زعم أهل صناعة الكيمياء وهي صناعة الذهب والفضة من غير معادنها أن أول من تكلم على علم الصنعة هرمس الحكيم البابلي المنتقل إلى مصر عند إفتراق الناس عن بابل. وكان حكيماً فيلسوفاً وأن الصنعة صحّتْ له وله في ذلك عدة كتب. وأنه نظر في خواص الأشياء وروحانياتها. وضّحَ له بحثه ونظره علم صناعة الكيمياء ووقف على الطلسمات وله في ذلك كتب كثيرة. وقد قيل إنَّ ذلك قبل هرمس بألوف سنين على مذهب أصحاب القِدَم . 
... ذكر هرمس البابلي : قد أُختُلِفَ في أمره : فقيل إنه كان أحد السبعة السَدَنة الذين رُتِّبوا لحفظ البيوت السبعة. وأنه كان إليه بيت عطارد وبإسمه يُسمى. فإن عطارد باللغة الكلدانية هرمس. وقيل إنه إنتقل إلى أرض مصر بأسباب وإنه مَلَكها وكان له أولاد عدة... وأنه كان حكيم زمانه.  

وزعم أبو بكر الرازي وهو محمد بن زكرياء أنه لا يجوز أن يَصُحَ علم الفلسفة ولا يُسمّى الإنسانُ العالم فيلسوفاً إلاّ أنْ يَصُحَ له علم الكيمياء )).


8-4 / اليونان / ( المصدر : كارل بروكلمان / تأريخ الأدب العربي ج الرابع ص 89 - 90 / دار المعارف بمصر 1975 ).

(( ... إن الثقافة الهلينستية التي وجدت موطيء قدم لها في سوريا وأرض الرافدين تحت حكم الإسكندر الأكبر وخلفائه لقيت في إنتشار المسيحية عَضُداً قوياً. وفي سوريا وهي تابعة للإمبراطورية البيزنطية كانت الأديرة مرابع للثقافة اليونانية التي إكتسبها سكان هذه الأديرة من طريق ترجمات عديدة وأنْ لم يكونوا قادرين على تنميتها وزيادتها. وقد غلبتْ إلى جانب ذلك دراسة اللاهوت وإن لم تُهمَل الفلسفة والطب. 
كان الطب اليوناني بخاصة موضع تقدير في الإمبراطورية الساسانية، ولرعايته أنشأ كسرى أنو شروان سنة 531 م في جنديسابور بخوزستان أكاديميةً وجدتْ الفلسفة أيضاً موطناً لها. وقد ظلتْ مُزدهرةً إلى العصر العباسي.
ووجد العلم اليوناني موطنا ثالثاً في مدينة حرّان بأرض الرافدين. كان سكانها على الرغم من البيئة المسيحية الخالصة التي حولهم قد إحتفظوا بوثنيتهم الساميّة القديمة التي تأثرتْ بدين هرمس تأثراً قوياً. وقد إزدهرتْ فيها بخاصة الدراسات الرياضية والفلكية التي أنبتتها الحضارة الأكدية من قبلُ ثم رعتها الحركة الهلينستية )). 

((... ويقول شبنجلر في كتابه " سقوط الغرب " إنَّ مبدأ العلوم العربية لم يكن في عهد الخلفاء الأمويين ولا العباسيين، بل يرجع إلى القرن الرابع الميلادي إلى مدارس الأديرة السريانية حتى أن صلة العرب بهذه المدارس قديمة جداً. ويحدثنا إبنُ أبي أُصيبعة في كتابه " عيون الأنباء في طبقات الأطباء " أنه كان لمدرسة جندي سابور أثر كبير في إنتقال العلوم إلى العرب في العهد العباسي. ولم تنقطع الصلة في العهد الأموي والذي قبله. وأن أفراداً قلائل درسوا الطب في تلك الجامعة من بينهم الحارث بن كِلْدة الذي عاصر النبي وبقي حياً حتى أيام معاوية بن أبي سفيان./ يحيى الهاشمي / ص 78 - 79 )).

((... إذا دققنا حركة الإعتزال فإننا لنجدها في بدئها ذلت صلة قوية بالفلسفة اليونانية.  ومما يؤثر عن أبي الهُذيل العلاّف الذي توفي عام 235 للهجرة أنه أدهشَ النظّام بتعمقه بالفلسفة اليونانية، بالرغم من أنَّ النظّام نفسه درس الفلسفة اليونانية في الكوفة، مركز نشاط جابر بن حيان.
ويذكر الشهرستاني في الملل والنِحل أنَّ النظّام زار الأهواز من أهم المدن في الدولة الساسانية ومركز النساطرة حيث كان يوجد عددٌ من المؤلفات اليوناينة والسريانية. وبهذا يمكن البرهان أيضاً على إتصال مفكري الإسلام المباشر بالنساطرة الذين حفظوا التراث اليوناني قبل بدء الترجمة في عهد المأمون وقبل إنتشار الترجمات العربية على ما يظهر. ويذكر بروكلمان في كتابه تأريخ الأدب العربي ( ليدن، 1928 ج1 ص 220 ) بأن طبيباً وُجِدَ في بلاط المنصور وترجم كتب طب إلى اللغة العربية )).

8-5 / خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ( توفي العام 85 الهجري/704 م )

8-5-1 / ( عن كتاب الفهرس لإبن النديم، ص 511 و 521 )

((... قال محمد بن إسحق الذي عَنيَ بإخراج كتب القدماء في الصنعة خالد بن يزيد بن معاوية. وكان خطيباً شاعراً فصيحاً حازماً ذا رأي وهو أول من تُرجِمَ له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء. وكان جواداً، يُقال إنه قيل له : لقد فعلتَ أكثرَ شغلك في طلب الصنعة فقال خالد : ما أطلبُ بذاك إلاّ أنْ أُغني أصحابي وإخواني. إني طمعتُ في الخلافة فإختُزِلتْ دوني فلم أجدْ منها عوضاً إلا أنْ أبلغ آخرَ هذه الصناعة فلا أُحوِجُ أحداً عرفني يوماً أو عرفته إلى أن يقف بباب السلطان رغبةً لأو رهبةً. 
ويقالُ والله أعلم إنه صحَّ له عمل الصنعة وله في ذلك عدة كتب ورسائل وله شعر كثير في هذا المعنى رأيتُ منه نحو خمسمائة ورقة ورأيتُ من كتبه : الحرارات، كتاب الصحيفة الكبير، كتاب الصحيفة الصغير، كتاب وصيته إلى إبنه في الصنعة )). 

8-5-2 / ( الجاحظ / عن إبن النديم ص 83 )

((... في القصيدة التي يذكرها الجاحظ لصفوان رداً على بشار بن برد في كتاب البيان والتبيين، ج1 ص 38 ، بأن النار أكرم من الأرض... فيها بعض الأسامي المتداولة في الكيمياء مثل الزئيق الحي بما يقابل الزئبق المقتول. وإن ذكر الزنجفر مثلا وكذلك النوشادر والزرنيخ والمَكْر والمُرتُك لدليلٌ على أن قضايا الكيمياء هي أقدم مما تصوره المحققون في تأريخ هذه الصنعة.
ويذكر لنا الجاحظ خالد بن يزيد وإشتغاله في الكيمياء ويَعُدّه من المترجمين ( الحيوان 
ج 1 ، ص 38 ). ويقول عنه في كتاب البيان والتبيين ( ج1 ص 260 ) : وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيباً شاعراً فصيحاً جامعاً وجيد الرأي كثير الأدب وكان أولَ من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء )). 

8-5-3 / روسكا ( عن كتاب د. يحيى الهاشمي ص 92 ) :

((... مما يقوي زعمنا بأن الكيمياء عُرِفتْ في القرن الثامن الميلادي الدراسة التي قام بها روسكا Julius Ruska   في كتاب نشره بعنوان كيميائيو العرب ( ج1، هايدلبرغ 1924 )  Arabische Alchemisten   ذكر فيه إسم كتاب عُرِفَ بإسم 
" القراطيس " قد تُرجِم من اليونانية إلى اللغة العربية فيه ذكرث بعض المستحضرات القديمة مثل المرتك ( أُكسيد الرصاص وهو عبارة عن صفائح بللورية لامعة ) والمرداسنج
( PbO ) والأسفيداج والكبريت والنحاس والآبق وهو الزئبق وذهب فرفير وذهب بسل وآبر النحاس وبزاق القمر وخمير الذهب والفضة والمُغرة وغير ذلك )). 

8-5-4 / ( عن يحيى الهاشمي ص 28 و 29 )

((... إن المناسبات التجارية بين جزيرة العرب وبين باقي الأقطار وخاصةً سورية جعلت نفوذ كثير من المذاهب حتى في العهد الجاهلي ( كما يدعي ذلك مؤرخ الكيمياء هولميارد
Holmyard   ) ممكناً. وقد تسربت أيضاً مفاهيم الكيمياء. ويؤكد العرب أنهم ورثوا هذا العلم عن خالد بن يزيد....، ومن المحقق أن المسلمين تعرفوا على هذا العلم بصورة سريعة جداً. وقد إستقوه من منابع عديدة وأن أهم مصدر لهم كان مدرسة الإسكندرية:
كان يعيش في الإسكندرية راهب يُدعى ماريانوس كان يشتغل في الكيمياء. وقد سمع به الأمير العربي خالد بن يزيد وإستدعاه إلى دمشق ليتعلم منه الصنعة. وبعد أخذٍ ورد قبل هذا الراهب المجيء إلى سورية ليعلمَ خالد الكيمياء. وقام  بترجمة عدة كتبٍ إلى اللغة العربية )).

8-5-5 / حاج خليفة / أبو الفرج الأصبهاني / وصاعد الأندلسي وإبن خلّكان وإبن الطقطقي وبرتيلو ( عن محاضرة د. حكمت نجيب عبد الرحمن / ص 309 و 310 ) : 

((... فقد أشار حاجي خليفة صاحب كشف الظنون قائلا بأن خالد بن يزيد هو أول من تكلم في علم الكيمياء وإشتغل فيها حيث وضع بعض المؤلفات وبيّن صنعة الإكسير والميزان ( جاجي خليفة، كشف الظنون ج2 ص 1531 ).
بالإضافة إلى ذلك فقد أورد الكثير من المؤلفين العرب علاقة خالد بن يزيد بالكيمياء. فذكر الجاحظ بأن خالداً كان أول من قام بترجمة كتب النجوم والطب والكيمياء 
( الجاحظ، البيان والتبيين، ج1 ص 314 ).
أما الأصبهاني فيقول عنه بأنه كان قد أمضى معظم سني حياته بطلب الكيمياء ( أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني ج16 ص 88 ).
كما وذكر صاعد الأندلسي بأن خالداً كان متضلعاً في أمور الطب والكيمياء وقد وضع فيها رسائل وأشعاراً بارعة مما يدل على تمكنه من هذا العلم ( صاعد الأندلسي، طبقات الأمم ص 75 ). ويؤيد ذلك إبن خلّكان في كتابه " وفيات الأعيان " فيذكر بأن خالد كان متضلعاً في الكيمياء والطب وله رسائل تدلُّ على ذلك وأخذ هذه الصنعة عن رجل من الرهبان يقال له مريانوس الراهب الرومي. وله فيها ثلاث رسائل تضمّنتْ إحداهنَّ ما جرى له مع مريانوس المذكور وصورة تعلمه منه والرموز التي أشار إليها وله فيها أشعارٌ كثيرةٌ مطولات ومقاطيع دالة على حسن تصرفه وسعة علمه ( إبن خلكان / وفيات الأعيان، ج5 ص 146 ).  
كما أنَّ إبن الطقطقي بين في كتابه " الفخري " ما يؤيد هذا القول من أن خالد بن يزيد كان بليغاً وفصيحاً. وأنه في نفس الوقت قد إشتغل في الكيمياء وأصاب فيها.( إبن الطقطقي/ الفخري، ص 87 و 88 ).
يُعتبر الإمام جعفر الصادق ( 80 - 148 هجرية / 700 - 765 م ) ثاني من إشتغل في الكيمياء، إلا أنه لم تظهر أيةُ مستندات تبين معرفة طبيعة العمل الذي قام به كلٌّ من جعفر الصادق وخالد بن يزيد في الكيمياء ولا مذهبهما في هذا العلم. وبالرغم من ذلك فإنَّ لهما تأثير كبير في تأريخ العلوم لما لهما من منزلة سامية بين الناس جعلتهم يُقبِلون على هذا العلم وعلى رأسهم الرائد الأول في الكيمياء جابر بن حيان ( محمد محمد فياض / جابر بن حيان وخلفاؤه، ص 34 و 35 ).

إن تأريخ كيميائيي العرب ينقسم إلى قسمين كما يذكر برتيلو 
Par. M. Berthelot ( la Chemie Au Moyen Age ) , 
Tom iii , L,a Alchmie Arabe. Paris 1893 .

في كتابه " الكيمياء في القرون الوسطى " :  القسم الأول ينحصر في نقل المباحث الكيميائية التي قام بها فطاحل علماء الإسكندرية. والقسم الثاني ينحصر في إبتكارات العرب في هذا العلم وعلى الأخص الإبتكارات التي قام بها جابر بن حيان حيث قال فيه برتيلو " إنَّ لجابر بن حيان في علم الكيمياء ما لأرسطوطاليس من قبله في علم المنطق. 
( إسماعيل مظهر / تأريخ الفكر العربي، ص 65 ) )). 

8-5-6 / إبن خلدون وخالد بن يزيد ( مقدمة بن خلدون ص 505 )

... أورد إبن خلدون في مقدمته (( وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم. ومن المعلوم البين أن خالداً من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب. فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة. فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تتُرجمْ اللهم إلا أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه بإسمه فممكن )).  

8-5-7 / بروكلمان وخالد بن يزيد ( كارل بروكلمان /تأريخ الأدب العربي / الجزء الأول، دار المعارف بمصر ص 263 ).

(( ... وليس إبن خلدون على حق، في التشكيك في خالد وعلمه )).

8- 6 / جابر بن حيان الكوفي الأزدي الصوفي ( ولد بين100 - 105 وتوفي في حدود 200 للهجرة ). 

8-6-1 / ( عن كتاب محمد يحيي الهاشمي/ الإمام جعفر الصدق ملهم الكيمياء / ص 31 )
((... إن إهتمام جابر كان في الكيمياء.  وقد سرد إبن النديم جدول الكتب التي ألفها. فبجانب العلم الذي إشتهر به إهتم أيضاً بعلوم عديدة. من الغامض معرفة إتصاله الأول في بغداد، بيد أننا نعلم أنه قضّى حقبةً من الزمن في الكوفة ثم إنتقل إلى بغداد. وعند نكبة البرامكة فرَّ من العاصمة العباسية وعاش في الكوفة أيضاً. وبقيَّ فيها على ما يظهر إلى أن مات. وأن تأريخ وفاته لا يزال غامضاً أيضاً. ويذكر الجلدكي الذي إهتمَّ أيضاً بتأريخ الكيمياء أنه كان لا يزال حياً حتى عهد المأمون. وأن العمل الذي قام به في أُخريات حياته هو تقريب الإمام الشيعي علي الرضا من الخليفة العباسي. ويُقّدِر هولميارد الزمن الذي عاش فيه خمساً وتسعين سنةً. ودليله على ذلك أن المؤلفات التي ألفها لا يمكن إنجازها بأقل من هذا الزمن )). 
(( أخذ جابر مادته الكيمياء من مدرسة الإسكندرية التي كانت تؤمن بإمكانية إنقلاب العناصر، وقد كان تطورها من النظريات إلى العمليات. وكان هو أول من ساهم في السير في هذا الطريق. ولم يهمل الجانب النظري الذي يمتُّ إلى الفلسفة اليونانية والتصوف الشرقي بصلة قوية.وفي الحقيقة فإن جابراً هو بطل الميدانين في هذا العلم : النظري والعملي )).
8-6-2- / ( د. زكي نجيب محمود / كتاب جابر بن حيان الصفحات 48 - 52 ).

((... وعلى رأس المثبتين لعلم الكيمياء بالقول وبالفعل معاً هو جابر بن حيان الذي كان أول من إشتهر عنه هذا العلم. فهو يتساءل في عجب : كيف يُظنُ العجزُ بالعلم دون الوصول إلى الطبيعة وأسرارها ؟ ألمْ يكنْ في مستطاع العلم أن يجاوز الطبيعة إلى ما
وراءها ؟ فهل يعجز عن إستخراج كوامن الطبيعة ما قد ثبتت قدرته على إستخراج السر مما هو مستور وراء حجبها ؟ ( جابر بن حيان / كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل / نشر كراوس ).
ويمضي جابر في حديثه عن إمكان العلم الكيمياوي أو إمتناعه فيقول إن أسرار الطبيعة قد تمتنع على الناس لأحد سببين، فإما أن يكون ذلك لشدة خفائها وعسر الكشف عنها، وإما أن يكون للطافة تلك الأسرار بحيث يتعذر الإمساك بها. وسواء كان الأمر هو هذا أو ذاك كان في وسع الباحث العلمي أن يلتمس طريقاً إلى تحقيق بغيته. فلا صعوبة الموضوع ولا لطافته ودقته مما يجوز أن تحول العلماء دون السير في شوط البحث إلى غايته.
( جابر بن حيان / كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعل ص 8 )).
                                
                                
                               مصدر العلم
أنى للإنسان أن يعلم الذي يعلمه ؟ هذا سؤال ما إنفك الفلاسفة يسألونه ويحاولون عنه الجواب. أفيكون في فطرة الإنسان وطبعه المجبول أن يهتدي إلى العلم من تلقاء نفسه لو واتته الظروف المناسبة ؟ ذلك ما أخذ به سقراط الذي كان على إعتقاد بأن العلم كامن في الإنسان ولا يحتاج إلا إلى من يحركه بالأسئلة الموجهة فيخرج العلم من حالة الإضمار إلى حالة الظهور. أو من حالة الكمون إلى حالة العلن. أو بالمصطلح الفلسفي من حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل. ولو كان الأمر كذلك لكان التعلم ضرباً من ضروب الكشف عما هو خبيء في النفس وليس هو بإكتساب شيء يأتي إلى نفس المتعلم من خارجها. ولكانت عملية التعليم لا تزيد على عملية التوليد. ويعبر جابر عن هذا الرأي بقوله إن المتعلم عندئذٍ " يكون مبتدعاً للأشياء من نفسه في أول الأمر بطباعه / كتاب التجميع / مختارات كراوس ص 376 - 376 “. لكنه لا يجعل هذه الصفة عامة في كل إنسان على حدٍ سواء بل يقصرها على من يصفهم بالإعتدال. والإعتدال عنده معناه توازن العناصر التي منها يتكون الشخص المعين “ فالشخص المعتدل هو الذي يستخرج الأشياء بطبعه ويقع له العلم بالبديهة في أول وهلة ". ويستطرد جابر نقلا عن فورفوريوس ( فيلسوف إسكندراني من مدرسة الأفلاطونية الحديثة. عرف بشرحه للمنطق الأرسطي / 233 - 304 م ). " إن من كان هذا سبيله - هو سقراط الحكيم -
فإنهم لا يشكون أن كثيراً من العلم وقع له بقليل الرياضة. وأن ذلك بالطباع / كتاب التجميع ص 377 ". أي أن رياضة قليلة أو قلْ فاعلية وجهداً قليلين كانا يكفيان لتحريك علم كثير في نفسه. لأن العلم كامن هناك بالفطرة ينتظر ما يحركه فيتحرك.
العلم بالفطرة إذن أحد المذاهب المختلفة في تفسير التعلم. 
ومذهب آخر يقول إن العلم إنما يكون بالتلقين. فما في فطرة الإنسان علم لا بالقوة ولا بالفعل. فهي على حد العبارة التي قالها الفيلسوف الإنجليزي جون لوك ( 1632 - 1704 ) : تولد صفحةً بيضاء ثم تأتي العوامل الخارجية عن طريق الحواس فتخط عليها آثارها ومن هذه الآثار المخطوطة يتكون علم الإنسان. ومن بين هذه العوامل الخارجية بل  من أهمها هو المعلم، والوالدان هما بمثابة المعلمين. 

يذكر جابر هذين المذهبين في مصدر العلم : المذهب القائل بأن العلم لَدُني ينبع من الفطرة. والمذهب القائل إن العلم آتٍ كله من الخارج بالتحصيل والتلقين. ثم يضيف إليها مذهباً ثالثاً يقع بين بين : وذلك أن يكون في نفس المتعلم إستعداد للتلقي. ثم تجيء العوامل الخارجية فتستخدم ذلك الإستعداد الفطري. فالفطرة ليست علماً ولكنها تهيؤ لقبول العلم. وإذن فلا بدَّ في الأمر من داخل وخارج معاً. وهذا هو بعينه ما يقوله القائلون بضرورة الوراثة والبيئة معاً في عملية التربية. 
إلا أن جابراً يستخدم لغة أخرى غير هذه اللغة فيعبر عن الحقيقة نفسها بقوله :
" إن العلم لا يكون بالبديهة ولا بالتعليم من الصغر، بل يكون على البديهة / التجميع / مختارات كراوس ص 377 ". فهو يقول عن العلم إنه( بالبديهة ) في الحالة التي يكون فيها موروثاً بالطبع. ثم يقول عنه إنه ( على البديهة ) حين لا يكون الموروث بالطبع إلاّ إستعداداً فقط. وعلى هذا الإستعداد تأتي المؤثرات من خارج. وإن جابراً ليختار من هذه المذاهب الثلاثة مذهباً وهو هذا الذي يجمع بين الإستعداد والتلقين مؤكداً أن “ النفس لا تكون عالمة أولا بالضرورة " أي أنها محال عليها أو تولدَ مزودة بالعلم كاملا لكنها مستعدة للتقبل بطبيعتها فهي “ قادرة فاعلة جاهلة “  أول الأمر ثم تُراض بعد ذلك بفضل قدرتها وفاعليتها فيتحول الجهلُ علماً. 

لكن ما مصدر التلقين عند جابر ؟ 
من ذا الذي كشف له عن الحقائق فتلقفها وتمثلها بفطرته القابلة القادرة ؟
ها هنا نجده يصرّح في أكثر من موضع بأن مصدر علمه هو النبيُ وهو عليٌّ وهو سيدهُ جعفر الصادق وما بين هؤلاء جميعاً من أبناء الأسرة الشريفة. 
وهو يقول “ تأخذُ من كتبي علمَ النبيِّ وعليٍّ وسيدي وما بينهم من الأولاد منقولاً مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى أن تقوم الساعة / المقالة الحادية والعشرون من كتاب الخواص الكبير / مختارات كراوس ص 315 “.
وفي موضعٍ آخر يقول " فوالله ما لي في هذه الكتب إلا تأليفها والباقي علم النبي صلى الله عليه وسلّمْ / المقالة الرابعة والعشرون من كتاب الخواص الكبير / مختارات كراوس ص 317 “. 
... وعلى هذا الضوء نفهم اسم الكيميا لماذا أُطلِقَ على مثل هذه الأبحاث التي قام بها جابر : فهي لفظة مُعَرَّبة من اللفظ العبراني كيم يهْ، ومعناه إنه من الله ( الصفدي في شرج لامية العجم/ مأخوذ عن كتاب كشف الظنون / مجلد 2 صفحة 341 ).))

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق