على مهلك معي رجاءً!!
لا تقذفني بسوء الظن بالإنسان، وأنت إنسان!
هكذا تقول الدنيا لي، وأنا في شيخوختي، دع الثورية لك، وظن خيرًا، ولا تسأل عن الخبر !!
هكذا جاءتني فكرة في ( الفيس بوك)، وقد سبقني دعبل الخزاعي بها، قبل ألف ومائتي عام - دعبل بين 148 - 246 هـ - بقوله:
ما أكثر الناس، لا بل مـــا أقلّهمُ*** الله يعلمُ أنّي لــم أقــلْ فندا
إنّي لأفتح عيني حين أفتحها*** على كثيرٍ؛ ولكنْ لا أرى أحدا
إليك أيّها الإنسان الفكرة، وهي إنْ قامتْ، أو قعدتْ، فكرة إنسان، والله الأعلم!!
الأصدقاء في ( الفيس بوك) يتذبذبون في صداقاتهم!!
والتذبذب في المواقف دون تروٍ، ظاهرة مألوفة لدى البشر، وليس بمستغربة، أو من العجائب، إثر القيل والقال، ومن هنا جاء دور الإعلام، والإعلام المضاد، لذلك قلت في قصيدتي عن الإنسان:
حتّى كهلتُ وأيّامي تعلّمني***في كلِّ ألفٍ من الآناس ( إنسانُ)!!
ومن هنا أيضا، أكد الطغرائي - بعد تجارب مريرة - في لاميته، بالاعتماد على النفس في قوله:
وإنما رجلُ الدّنيا وواحدُها*** من لا يعوّل في الدنيا على رجلِ
ضحكوا علينا!! إذ قالوا : السياسة مصالح!!
والحق كلّ الدّنيا مصالح، والمبادئ في ذمّة الله!! ...
لأن ( الأنا) غريزة في الإنسان، وتظهر جليّة في وقت الشدّة والضنك، والدفاع عن النفس، أو الجشع لسدّ حاجة يتلذذ بها الإنسان، أو يستحقها لسعادة أوسع، وتلذذ أكبرعلى حساب آلام الآخرين، وخصوصاً تحت شريعة الغاب!! والقوانين الصارمة هي التي تحدّ من جشع الإنسان ، وربما الأعراف الاجتماعية، والشرائع الدينية إلى حدٍّ ما، لا طبع الإنسان.
لذلك أنا أميل لـ (ألهمها فجورها)، والقرآن الكريم قدّم الفجورعلى التقوى، ومن هنا جاءت فكرة سلطة الدولة الصارمة عند توماس هوبز، وهو القائل: ( الإنسان ذنبٌ للإنسان) ، وكرر مثلها جان بول سارنر( الآخرون هم الجحيم)...!!
يحكى في التراث:
قال الملك لوزيره:
الطبع يغلب أم التطبع؟!!
قال الوزير: الطبع.
قال الملك لخدمه: ادخلوا السنانير إلى المجلس.
دخلت السنانير، وكل سنور يحمل شمعة، وتسير بإيقاع، ونظام، وعندما تصل لجلالة الملك... تنحني بإجلال واحترام، وتؤدي التحية والإكرام للملك الأغر الهمام!!
قال الملك لوزيره: أرأيت أيها الوزير الجليل؟! كيف غلب التطبعُ الطبعَ؟!! متى كان أبو هذه السنانير شمّاعًا فهيما؟!
قال الوزير : اسمح لي - أيّها الملك العظيم - ثلاثة أيّام لرد الجواب.
قال الملك: لك هذا.
ذهب الوزير، وأمر غلمانه، بجمع الفئران، ووضعها في كيس كبير!! فذهبوا وجمعوا له ما شاء الله من الفئران!!
ولمّا جاء اليوم الموعود، ذهب الوزير بكيس فئرانه لمجلس جلالة الملك المعظم، وقال له: ليُدخلوا - أيّها الملك المعظم - السنانير.... فأدخلوها بشموعها، وانتظامها، وتحيّاتها؛ ولم تكتمل المسيرة السنورية حتى أطلق السيد الوزير فئرانه... فرمت السنانير شموعها بالمجلس، وتركت التحيّة والملك المذهول، وطاردت الفئران، بطبعها الجوعان، وأخذت النيران تشبُّ في المجلس العامر يا فلان!!
فقال السيد الوزير لجلالة الملك: أريت كيف أن الطبع غلب التطبع؟
هذه هي الدنيا!! يا سادتي يا كرام!!
نعم الاعتماد على النفس، والتعلق بعون الله ، فهو المستعان في كلّ الأحوال، يقول الشاعر الجاهلي خداش بن زهير:
رأيت الله أكبرَ كل شيءٍ**** محاولةً وأكثرهم جنودا
ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، وهو مولانا ونعم النصير.
كريم مرزة الأسدي
0 comments:
إرسال تعليق