الحالة الأولى:
كل واحد يبدو على الهيأة ذاتها، هي هي، لا تتغير منذ وجد أول رجل، ووجدت أول امرأة، وتكوّن بينهما أول احتراق في مرجل الشهوة الطازجة. يتعريان، يشتعلان، ويطفئان النّار بالماء. وهذا كل شيء، إنه ليس كل شيء، هذا عنوان عام، وثمة تفاصيل أخرى.
ينظران، يتمتعان، يقتربان، يتلامسان، يلتحمان ظاهرا وباطنا ويندمجان، يؤلفان موسيقى راقصة ويبتهلان، يسكنان الغابة، ويصنعان البيت، وهذا كل شيء. إنه ليس كل شيء. إنه السطر الأول من حكاية طويلة الأمد.
يتعرّفان، جسدان، مشدودان، طبقان، طبق عن طبق، صامتان حينا وحينا ضاحكان، باسمان، وربما هما مشدوهان قريبان جدا ومفترقان، يبتعدان في لحظة، وفي أخرى يعودان يأتلفان، يرقصان كلما شدّ العصب الحي أركانهما، ويؤلفان موسيقى السماء ويدلفان إلى ما بعد أبعد من مركز الدائرة. وهذا كل شيء. إنه ليس كل شيء، إنه الفقرة الأولى من كتاب الخليقة الأول، حيث كلّ الرّجال يقرؤون، وكل النّساء قارئات، وحيث الفطرة تكتب الفكرة الأولى.
ينسيان، يتحولان أغنية بفم الملائكة، يذهبان عميقا في اللامكان، في اللازمان، لا يعترفان بالتاريخ، لا مجاز لديهما ههنا ولا استعارات هناك، لا هناك أيضا ولا هنا، كل شيء قد توحّد وانمحى وصار شيئا آخر. إنه كل شيء. ليس كل شيء. إنه متن الكتابة في دفتر الله المفتوح على دفتيه لكل الداخلين إلى الله بالحب، الخارجين عن القانون ولا يرون سوى بهاء الملتقى.
لا ينتهيان، كأنهما اللغة، المعنى، واللفظ، والجملة، والسياق والدلالة، لا يدركان من الحكمة إلا سطرها المجهول، لا يبدأان إلا من المعجم المعجون بالكلمات، يعودان للأبجدية ذاتها، فيريان تطور اللغات في كل سطر. الكلمات ليست تنتهي، المعاني ليست عاقرا، الألفاظ محامل معنى لم يولد بعد، والسياق كأنه مولود على عجل، والدلالات غامضة. ولا شيء غير ذلك. إنه كل شيء إذن. ربما، وربما ليس كل شيء، ثمة أشياء أخرى، بقيت في النّفوس، ولكن...
الحالة الثانية:
لماذا تكون الكلمات في الحب والحرب أكثر شبابا؟ ألأن الفرق غير كبير بينهما؟ ألأن من يطفئ الحرب هي النّساء؟ ألأن الرّجال همُ همُ منذ أول أن انتبه الرّجال إلى أن بإمكانهم إشعال الكون بشهوة منتصبة؟
كلّ الرّجال واحد، كل النّساء واحدة، والفرق أكبر من مقاييس البيولوجيا، ومبحث الوراثة تحديدا. ليس الرّجال شجرا وليست النّساء ثمرا، كل النّساء شجر كلّ الرّجال ثمر، والفرق لن يمر دون أن يشتد حرف الرّاء في وقفة حائرة.
كلّ الرّجال واحد، كل النّساء واحدة، لا فرق بينهما سوى في الحرب، الرّجال منذ بدء الخليقة حطب الحرب، والنّساء من يُشوى بها، الرّجال من يحملون العمر زنبقة على أكتافهم، والنّساء ترثي الزنبقة عندما تسقط في أرض المعارك المحتدمة.
لا شيء يجعل الرّجال زنابق أو بنادق غير النّساء، ولا شيء يجعل النّساء بيارق حرب ومنارات سلم غير الرّجال. الرّجال عموما لا يستحقون النّساء، لا في الحرب ولا في الحب، إلا بمقدار ما في الأرض من زنابق صامدة، وبنادق صلبة طاهرة. والنّساء لا تستحق الرّجال لا في الحقول ولا في الطلول إلا بمقدار ما في النّهر من ماء، وما في الكرم من خمرة.
كلّ الرّجال واحد، كل النساء واحدة، لا فرق بينهما سوى في الحب، الرجال منذ اللحظة الأولى يختمرون في الكأس الأولى من النشوة، والنساء تعصر الغيم في الدفقة الدافئة، ويبقى الحبّ معلقا هناك على اليدين، فينضجان معا برشفة فائرة، وتكتمل الدوائر كلها في دارة واحدة.
الحرب تكتب كل شيء؛ الرّجال إلى هاوية الغياب، والنّساء في شهقة سافرة، ولذا: كلّ الرّجال واحد.. كل النّساء واحدة.
0 comments:
إرسال تعليق