هرمز القطعة األخيرة في شطرنج المضائق والممرات يحرص الرئيس األميركي دونالد ترامب في كل مناسبة على تذكير من يهمهم األمر، أو حتى من ال يهمهم األمر، بأن الواليات المتحدة األميركية أصبحت دولة مصّدرة للنفط والغاز، وما عادت تعتمد عل بلدان الشرق األوسط للحصول على احتياجاتها من الطاقة. وهو يتبجح بأن بالده يمكنها منافسة أكبر المنتجين في يفصل الرئيس بذلك السعودية وروسيا. ومع أن هامشاً مطاطاً العالم، قاصداً األميركي عن قول الحقيقة في كثير من القضايا اإلشكالية... إال أنه صادق مائة في المائة في هذه المعلومات بالذات. وعلى ضوء هذه الوقائع، يحق لنا أن نتساءل: لماذا هذه الهجمة السياسية واألمنية التي تخوضها واشنطن تحت شعار حماية حرية المالحة البحرية الدولية في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر ُعمان، طالما أنه ال صادرات أميركية للمصالح التجارية األميركية؟ حيوية من هناك، وال تهديد مباشراً القراءة األولية يمكن أن تعطينا الجواب التالي: المشروع األميركي الداعي إلى إنشاء قوة بحرية دولية لحماية حرية المالحة في الخليج هو جزء من مخطط المقاطعة الشاملة إليران، بما فيها الحصار االقتصادي الذي "تأمل" واشنطن في إما إلى ا أن يؤدي الحقا نفجار الداخل اإليراني، أو إلى عودة طهران "صاغرة" ً إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة! نحن نرى أن البعد اإليراني في هذا المشروع األميركي هو نتاج جانبي لمخطط استراتيجي أشمل له عالقة بالممرات البحرية الحيوية في أنحاء العالم، وبالتحديد في حوض البحر األبيض المتوسط والبحر األحمر والخليج العربي. قد تكون إيران في الواجهة، وربما تستخدمها واشنطن ذريعة مباشرة ألسباب متنوعة، لكن من المؤكد أن النتائج المتوخاة تتجاوز ملف العالقات األميركية ـ اإليرانية التي تدهورت بشكل خطير بعد قرار ترامب األحادي باالنسحاب من االتفاق النووي. كل ُمطلع على جغرافية العالم يدرك أن هناك مضائق وممرات بحرية حيوية جداً للمالحة، لكن ال يوجد أي مكان على هذه الكرة األرضية يفوق في أهميته االستراتيجية الممرات والمضائق المرتبطة بحركة النفط والغاز... ونقصد بذلك مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق. وكلها تقود من العالم العربي وإليه. ولسنا في معرض التقليل من أهمية مضيقي البوسفور والدردنيل في تركيا، لكنهما ال يتعلقان بمسار تصدير النفط والغاز من الدول المنتجة في العالم العربي والشرق األوسط. تح ّمل الناقالت العمالقة عبر مضيق هرمز حوالي 20 في المائة من االحتياجات الدولية النفطية وحوالي 25 في المائة من احتياجات الغاز المسيّل. يضاف إلى ذلك حجم التجارة التي تبلغ تريليون دوالر سنوياً... وهكذا نجد أنفسنا أمام الممر البحري األكثر حيوية وخطورة في العالم، ما يُف ّسر بعض جوانب التوتر ، والذي انضمت إليه بريطانيا مؤخرا لكن دعونا ال ً المتصاعد في تلك المنطقة . نتس ّرع في إطالق األحكام على ما بين طهران ولندن يجري حاليا ، فاإلفراج عن ً الناقلتين المحتجزتين لدى كل منهما قد يتم بطريقة أو بأخرى. ومع ذلك فإن الواقع االستراتيجي يتطلب قراءة مختلفة. الدراما البحرية المندلعة بين إيران وبريطانيا لم تبدأ بإقدام سلطات جبل طارق )تحت الحكم البريطاني( على حجز ناقلة نفط إيرانية عمالقة كانت في طريقها مطلع الشهر الماضي إلى شرقي البحر المتوسط عن طريق المضيق الدولي القصة بدأت فعليا إن أفضل مسار للناقالت ً الحيوي في جبل طارق. قبل أسابيع. اإليرانية المتوجهة إلى المتوسط هو عبر باب المندب، فالبحر األحمر، فقناة الً السويس وصو إلى المتوسط. لكن معلومات خاصة نشرتها الصحف األوروبية واألميركية قبل مدة أكدت أن القاهرة رضخت للضغط األميركي بحيث باتت مستعدة التخاذ إجراءات بحق السفن اإليرانية، بل أيضاً ضد سفن أخرى يُعتقد بأنها متوجهة إلى الشاطئ السوري. مصر أصبحت شريكة فاعلة في الحصار األميركي ـ األوروبي على سورية. القيادة اإليرانية طريق قناة السويس، وأرسلت بد ًال ناقلة لذلك تجنّبت من ذلك ضخمة تفوق قدرة السويس عل استيعابها لتأخذ المسار األطول حول إفريقيا القوات البريطانية. وقد ترددت إلى جبل طارق حيث تم حجزها من قبل وصوالً معلومات في مدريد تؤكد أن سلطات جبل طارق تحركت بناء على طلب أميركي، وأن هذه السلطات ما كانت لتتحرك لوال قرار حكومي بريطاني على لندن تنفي هذا المعلومات قطعياً أعلى المستويات. لكن ، وتصر على أن ما قامت به يلتزم معايير القانون الدولي... وهو األمر الذي ترفضه طهران بالمطلق. دعونا نعود إلى الخرائط: ـ مضيق جبل طارق تحت السيطرة البريطانية )واإلسبانية إلى حد ما(، أي هيمنة أطلسية. ـ قناة السويس، في ظل سياسة القاهرة الجديدة، تلتزم بالتعليمات األميركية في ما يتعلق بإيران والشام )وربما بغيرهما إذا تطلب األمر(. ويمكن أن تجد السلطات المصرية أية ذريعة لحجز السفن "غير المرغوب بها". ـ مضيق باب المندب خاضع للحصار من قبل السعودية وحلفائها اإلقليميين والدوليين، وإن كان الحوثيون ما زالوا قادرين على التاثير الضعيف في حركة المالحة هناك. ـ وحده مضيق هرمز يقع خارج السيطرة األميركية الكاملة، ألن إيران تمتلك من عناصر القوة المدعومة بالقانون الدولي ما يؤهلها لممارسة دورها الطبيعي في حماية المالحة الدولية في بحر العرب ومضيق هرمز والخليج العربي. لذلك بتنا نشهد زحمة "مشاريع" إلنشاء تحالفات دولية من أجل "ضمان حرية المالحة"، وكأن هذه المالحة لم تكن مضمونة من قبل! فهناك مشروع أميركي متعثر حتى اآلن بسبب رفض بعض الدول المشاركة فيه على الرغم من متعثر أيضاً الضغوط األميركية العلنية. وهناك مشروع بريطاني ـ أوروبي ألن األوروبيين مترددون خشية من وجود تنسيق بريطاني مع أميركا. وهناك "فكرة مشروع" روسية ال يتوقع لها النجاح، لكنها قادرة على عرقلة مشاريع اآلخرين. عبثاً أما الدول الخليجية نفسها فتبحث في ما تستطيع فعله أمام هذه الهجمة الشرسة من المشاريع! إذا وقع الصدام العسكري الذي ال يرغب فيه أحٌد بين أميركا وإيران، فلن يكون فقط بسبب الملف النووي أو البرنامج الصاروخي أو نفوذ طهران اإلقليمي. إنها معركة مضيق هرمز بوصفه القطعة األخيرة في لعبة إحكام الخناق على جدا، ليس ألميركا أو بريطانيا، بل للصين والهند ً الممرات المائية الحيوية واليابان وكوريا الجنوبية... وغيرها. من يقبض على مسار هرمز سيقبض على القسم األكبر من اقتصادات العالم. وهذه، في الواقع، هي المعادلة االستراتيجية النهائية.
الحزب السوري القومي الاجتماعي
موضية سدني المستقلة : موسى مرعي
0 comments:
إرسال تعليق