قارئة الفنجان/ الاب يوسف جزراوي

من ديوان _ جثة تثأر من قاتلها_...قريبًا

في مقهى بضواحي مدينة الشام
وقفت أمامي فتاة كزهرةِ الأرجوان،
على وسادةِ فمهِا سرُ ينام
وفي عينيها نظرة اِستحسان!
سألتها:
هل ضلّلتِ العنوان؟!
أجابت: كلا...
أنا عرافة المكان.
......
جلستْ على طاولتي دون إستئذان
لتفسر لي أحلام المنام
وبين يديها الصاخبة بالرسومات
مبخرة يتطاير منها الدخان
فراحت تقرّأ لي الفنجان
بصوتٍ خافتٍ بين الزحام!
.......
صَمَّتت؛ تَمَعَّنت وقَرّأت
فشاحَت بوَجهَها عن قعرِ الفنجان 
كمن لدغُه الثعبان!
....... 
حدّقتُ بها مليًا
فلَمَعت عيناها الجميلتان 
بابتسامةٍ تكافح للظهور
ما بين الدموع،
وقالتْ:
تتلقى مكالمة من الغربة
تخَبَرَك أنَّ حياتك مليئة بالاسفار 
فليس من خيارٍ أمامك سوى الترحال 
فالوطن قد طوقته الأسوار.
.......
أكملتْ والخوف في عينيها:
عيناكَ مُلَبّدة بالأحزان 
ِوفنجانكَ يكتَظُّ بالأسرار
  فالأسفار ستمضي بك في مشاوير
ليس لها إقامة ولا استقرار
إلّا بعد حينٍ؛
كثورٍ اِستَلطَفَ حوتًا وتمنى الإبحار
 فترك يابسته وغرق في البحار
أو كطائرٍ بنى عشًا فوق السحاب
فجأةً عطست الغيوم
فسقطَ العشُ مُبَللاً بالأمطار.
.........
لديك من الإرادة والطموح والإصرار
لتجوب البراري والصحارى والوديان
وتَتَودّد لنخلةٍ وتتأمّل بحرًا
 وتداعب وردة الياسمين
لكنك ستشكم جراح غربتك
بملحِ الانتظار!
ولأوّل مرّةٍ سيحلو
 الصبر في عينيك؛
ولكن لا تفرح يا صاح
فالانتظار سيجلس على مقعدٍ بقربكِ
يثرثرُ كثيرًا ببلادةٍ
وينتظر بفارغ الصبر
مكالمة من وطنٍ
يدعى الانتظار!
.......
أسفارك حُبْلّى بالهموم
كجبلٍ على سفوحهِ الغيوم
فتتسكع في طرقٍ تتسعُ للغرباءِ
كعابرِ سبيلٍ ليس له إيابًا
تبحثُ عن مدينة
  نَاءت  عنها الدروب؛
بينما ظلّك المُنهك المسكين
يقتفي أثركَ 
ليمنحكَ ثوبًا
أحاكتُه الغربة على مقاسكِ!

 ........
لكن لا تبالي يا صاحبي
ستنجح ويضيء نجمك 
في سماء النّوى
وستحلّق كتبك بجناح الانتشار 
فوق مكتبات العديد من البلدان.

كما ستصادفك وجوه كثيرة
تبدو لك بريئة كالأزهار
ولكن أحذر؛
الناس نوعان:
أخيارٌ وأشرارٌ
فأوصد في وجوههم أبواب الطيبة
لكي لا تقول مع القائلين:  
إتق شرَّ من أحسنت إليه؛
فبعضهم سيقطف قطوفك الدانية  
 ويلقي بك كالحطبِ في النارِ.

........
يا فتى ما كلّ هذا الأسى 
لم أقرَّأ في عمري
 فنجانًا مثل فنجانك!
فدعني أقرُّأ لك حظًا آخر؟

وراحت يدها تلامس الحصى
فطأطأت رأسها 
كسنبلةٍ صفعها الإعصار
وعلى باب لسانها
تعثرت الكثير من الحكايات
حتّى صار الدمع
في عينيها كالأحجار
وقالت:
ستذهب كلّ ليلةٍ مُقّتاد
 لتقفَ على حافة غربتك 
تلوحُ لها برايتك البيضاء،
وتروي لقلمك رواية
فيها دموع وطنك
ونزف جراح الذات
حتّى يطلُّ الصباح
ليمسح عن ناظريك كحلِ السُهَّاد.
........
أعلمُ  
إنَّ الغربة لا تليق بك
لكنك ستمضي في سفرٍ طويل
ولن تستريح خيول ترحالك
فأحمل معك مبخرة وشموع صلاة
وحقيبة مدبوغة بكتاباتك
ولكن؛
إنْ تفتن بك مدينة
وتمنحك جنسيتها وحق المواطنة
لتسير على أرصفةِ طرقاتهاِ
فهذا يعني
إنَّ وطنكَ قد لفظك
قبل أن يلفظ  أنفاسه الأخيرة 
وإنَّ مدينةً أخرى وقعت في غرامك.
وليس على المغترب حرجًا في ذلك.
.........

نهضتُ من الطاولة وسألتها:
إيتّها العرافة 
ما هو برجك؟
وفي أيّة مدينةٍ تُقيمين؟
فأجابت:
الثور؛ 
ولكن هل تُسأل العرافة عن إقامة؟!.
رحلتْ ومعها الفنجان
تلَمَّلمُ رموشًا تكسرت
فوق  جفونِها النَاعِسة
لتتركني صاخبًا بأحاديثها!
........
نفثتُ دخان سيجارتي على خطواتها
وقلتُ لنفسي:
كذَّب المنجمون ولو صدقوا؛
لكن على ما يبدو
أنّها صَدَقت في قراءتها!!

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق