في معسكر وجبهة المقاومة كان هناك قناعات راسخة بان حزب الله سيرد على توسيع اسرائيل لدائرة الإشتباك من العراق الى سوريا فلبنان،وخاصة ما جرى بالهجوم بواسطة المسيرتين الإسرائيليتين على هدف لحزب الله في الضاحية الجنوبية لم يحقق أي نجاح،حيث قصد نتنياهو توظيف ورقة الأمن في الإنتخابات الإسرائيلية،وبأن يصوت له الجيش بالنار في العراق وسوريا ولبنان،فمسألة الفوز في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة،مسألة حياة أو موت بالنسبة لنتنياهو،فمصيره إما رئيس وزراء للحكومة الإسرائيلية القادمة،او دخول السجن إرتباطاً بمسلسل فضائحه،وبنى رهاناته على ان حزب الله لن يرد على الضربة،وبالتالي يمكن ان يراكم ذلك في رصيده الإنتخابي،ويتمكن من تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة،معتقداً انه من خلال الضربات المحدودة،يمكن له ان يكسر الخطوط الحمراء وقواعد الإشتباك المتفق عليها في 16/أب/2006 وفق القرار الدولي رقم (1701)،ومتوهماً كذلك بان ضغوطاً داخلية لبنانية وعربية واقليمية ودولية ستمارس على لبنان والدولة اللبنانية،لكي تمنع حزب الله من الرد،ولكن كان واضحاً بأن الأمر قد حسم،فسماحة السيد حسن نصر الله في خطابه في مهرجان الذكرى الثانية لتحرير جرود عرسال اللبناني من دنس الجماعات الإرهابية،وفي كلمته في ذكرى الليلة الأولى لعاشوراء،اكد على أن الحزب سيرد على العمليتين الإسرائيليتين في بلدة عقربا السورية والضاحية الجنوبية،وبأن التهديد بالحرب والتهويل والتضخيم،حول ردة فعل اسرائيل القوية،والتي قد تعيد لبنان الى العصر الحجري،لم تثن حزب الله عن الرد،فالحزب لن يسمح بان يستباح امن لبنان،وان تفرض اسرائيل معادلات جديدة،يكون لها اليد الطولى،تقصف متى تشاء وتمارس العربدة في سماء لبنان،دون رد،يثبت قواعد الإشتباك ويعيد رسم الخطوط الحمراء المتفق عليها.
وقبل الإنتقال للحديث عن العملية التي رد بها الحزب في وضح النهار والتي لم تكن بالمفاجأة،او التي تحمل التضخيم والتهويل،لا بد لنا من القول، بأن ردة الفعل الإسرائيلية كانت في الإطار المستوعب والمتوقع،وبأن نتنياهو سيبتلع الضربة،وبانه بدون إبتلاعها سيذهب الى حرب مفتوحة يريدها،ولكنه يخشى نتائجها،ولكن وجدنا بأن تلك العملية التي كان هناك محور عربي ولبناني،يتمنى أن لا تتم،وشن هجمة غير مسبوقة على حزب الله،بانه اعجز من ان يرد،وبأن هذا الحزب فقط يطلق الشعارات والتصريحات الفارغة،ولن يجرؤ على الرد وسيبتلع الضربة الإسرائيلية،ولكن عندما جاء الرد من حزب الله،والذي دفع رجل بحجم "يائير جولان" نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق للقول بان حزب الله وعد وصدق بالرد،وجدنا بان الحملة على الحزب تكثفت فمنهم من قال بأنها اتت لحفظ ماء وجه السيد نصر الله،وبأن الرد لم يكن بالمستوى المطلوب،وبأن هذا الرد تعبير عن إفلاس حزب الله،ولم يتبنوا فقط الرواية الإسرائيلية،بأن ما جرى إستهدافه سوى دمى تم نصبها ووضعها في العربة المستهدفة،لكي يقفل الحساب مع حزب الله،بمعنى آخر حالة القهر التي ولدتها تلك العملية،عند العديد من الأطراف العربية،اكثر مما تولد عند القيادة والمجتمع الإسرائيلي نفسه،فعلى الصعيد الرسمي العربي وجدنا وزير خارجية مملكة البحرين خالد بن احمد،يعلن وقوفه الى جانب دولة "اسرائيل" الشقيقة بإعتبار ما قام به حزب الله عدواناً وحق اسرائيل في الرد عليه،وما يسمى بأمين عام جامعة الدول العربية ابو الغيظ،في تصريحه لمح الى تحميل حزب الله المسؤولية،بأنه لا يحق لحزب الله ان ياخذ لبنان الى حرب دون موافقة الدولة اللبنانية،وهي نفس اللغة التي جرى استخدامها في عدوان تموز/2006 من قبل اسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية،حيث بيادق قادة النظام الرسمي العربي المنهار،قالوا بأن ما قام به حزب الله من أسر للجنديين الإسرائيليين،هي مغامرة غير محسوبة،وبان الحزب يشن هذه الحرب خدمة لأجندات خارجية،والمقصود أجندات ايرانية،وهو لم يستشر الدولة اللبنانية،وهذه المواقف هي التي دفعت بالرئيس السوري بشار الأسد أنذاك للقول لهم يا أشباه الرجال،وجزء مما تعرض له سوريا اليوم من حرب عدوانية،فيه جانب ثأري وتصفية حساب شخصي مع الأسد من قبل المحميات الخليجية.
وفي قراءتنا لرد حزب الله لا بد من القول،بأن الرد لم يكن بغرض الثأر أو الإنتقام،بدلالات ان الحزب سمح لطواقم الإسعاف بإخلاء من هم في عربة " وولف" المستهدفة بصاروخ كورنيت الموجه،والرد الذي جاء بعد أسبوع من الإنتظار المؤلم وحالة الإستنفار غير المسبوقة،من حيث تصفير الأهداف ووضع الدمى داخل الآليات والعربات وغيرها،وإخلاء مناطق الحدود بعمق 4 – 5 كليومترات،وإلغاء اجازات الجيش وابقاء كل القوى العسكرية الإسرائيلية جوية وبحرية وبرية في حالة استنفار قصوى،إلا ان الحزب رد وفي وضح النهار،وكما وعد السيد نصر الله كان الرد من لبنان،وليس من مزارع شبعا المحتلة،بل من بلدة مارون الرأس المشمولة بقرار مجلس الأمن الدولي 1701،والذي يمنع على الحزب تنفيذ عمليات من تلك المنطقة،كما هو الحال في منع جيش الإحتلال من من شن هجمات عسكرية على حزب الله او أية قوة لبنانية أخرى،خرق يقابله خرق،وفعل يقابله فعل مضاد.
المهم تم استهدف عربة " الوولف" الإسرائيلية بالصاروخ الموجه،وحتى اللحظة لم يتم الكشف عن حجم الخسائر التي نتجت عن هذا الإستهداف،ففي الوقت الذي تنفي فيه اسرائيل وقوع خسائر بشرية،ربما نشهد في القريب العاجل بثاً لشريط مصور للعملية،مغاير لما تقدمه الرواية الإسرائيلية،بثاً ربما يثبت وقوع إصابات في طاقم الآلية،بما يعمق من ازمة نتنياهو وإحراجه ويخرجه من السباق الإنتخابي الإسرائيلي للفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة،وليس هذا فقط،بل سيجد نفسه على بوابات السجن بسبب مسلسل فضائحه من رشاوي وفساد وسوء ائتمان.
نتنياهو سعى الى تغيير قواعد الإشتباك من خلال الضربات المحدودة دون الذهاب الى الحرب الشاملة او المفتوحة التي لا يقوى على تحمل نتائجها وتداعياتها،ولكن المقاومة اللبنانية،أكدت بانها سترد،والرد علناً وجهراً وعلى رؤوس الأشهاد وفي وضح النهار،يكشف عن حزم وشجاعة ودقة في الإستهداف،رغم كل التحوط الأمني والعسكري الإسرائيلي،وكل ما فعله نتنياهو،هو إبتلاع الضربة المؤلمة والموجعة،وحاول قدر الإمكان الظهور مبتسماً،لكي يقلل من أهمية الرد ونتائجه ودلالاته الكبيرة من حيث التوقيت والمكان والهدف والقدرة على الإختراق والتنفيذ.
ما أفرزته هذه المواجهة النوعية والمحدودة،قالت بشكل واضح بانه لا إمكانية لتغيير قواعد الإشتباك القائمة،بضربات محدودة،وتغييرها يحتاج الى ذهاب الى حرب مفتوحة وشاملة، لا اعتقد بان اسرائيل جاهزة لها،ولو كانت قادرة على الذهاب لما توانت للحظة واحدة،فالمشروع المعادي يسجل هزائم على كل الجبهات،والمشروع المقاوم يسجل إنجازات وإنتصارات على كل الجبهات،والحرب الشاملة والمفتوحة،لن تكون حدودها وأهدافها تغيير قواعد الإشتباك وكسر الخطوط الحمراء،بل عملية سحق وإلحاق هزيمة شاملة بأحد الطرفين، هذا هو الاستحقاق الجوهري لفرضية الحرب المفتوحة والشاملة... انطلاقا من هذه الحقيقة يمكن مناقشة ردود الفعل الراهنة وتداعياتها
0 comments:
إرسال تعليق