السياسة الدفاعيّة المستحيلة/ جورج الهاشم

في لبنان لغط كثير حول السياسة الدفاعيّة. نتفق أو لا نتفق؟ هل يحق لحزب الله الاستفراد بقرار الحرب والسلم؟ هل النتيجة يتحملها الحزب وحده؟ أم كل لبنان؟ واذا كان لبنان كله، كما في العام 2006، سيتحمل نتائج أي قرار بالحرب، أليس من الأولى أن يشارك كلّه في اتخاذ القرار؟ والذين لم يجمعوا على أية قضية أساسية في الداخل، هل يمكن ان ان يجمعوا على قرار مصيري يتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية؟ وهل من ارتهن قراره السيادي للخارج بامكانه ان يكون سيادياً؟ وتكرّ سبحة الاسئلة: منها واقعية، جدّية، ومنها تهرباً من مسؤولية أصبح السمة الطاغية لمعظم قرارات القوى السياسية في لبنان. المطالبون بمناقشة السياسة الدفاعية لا يريدونها. والمتجاهلون لها لا يريدونها أيضاً.                                        
عندما يصبح عندنا دولة تحترم نفسها، وتحترم مواطنيها، وتحافظ على سيادة وطننا بعد عمر طويل. عندها  ستضع سياسة دفاعية مشتركة تحترم فيها رأي جميع مكونات لبنان. وبما انها لن تفعل، وبما ان جميع الأحزاب اللبنانية لن تقبل، لذلك سآخذ المبادرة وأدلّ على أهم العناوين لسياسة دفاعية مشتركة لا يريدها أحد:                                                           
أولاً: الولاء للبنان وحده، لا شريك له. وكل حزب يضع لبنان ثانيا او ثالثاً  أو عاشراً يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى. وهذه التهمة تشمل كل حزب يتلقى تمويلا خارجياً. أي أن معظم الأحزاب المسماة لبنانية لن تقبل بسياسة تدافع عن سيادة لبنان أولاً. فسياسة سيادية يُتَّفق عليها مع فرقاء سياديين. لا مع فرقاء مربط خيلهم في عواصم خارجية. وبالتالي لن يقبلوا بسياسة دفاعية مشتركة. ولكن سأتابع.                                                            
ثانياً: لا يحق لأي حزب أن يحارب بقرار منفرد خارج الحدود اللبنانية. كل من يحارب في الخارج يُعتبر مهدِّدا لوحدة لبنان واستقلاله،  ويُلقى القبض على أفراده فور عودتهم ويُحاكَموا ويُحاكم الحزب أيضاً. الحزب الملك لن يقبل بذلك، وبالتالي سيرفض السياسة الدفاعية. ولكن سأتابع.                                                                                           
 ثالثاً: تعود المقاومة لبنانية كما كانت وأوسع. سنة 1982 انطلقت المقاومة الوطنية لبنانية بوجه الاحتلال الاسرائيلي وأجبرته في مدة قصيرة على الانسحاب الى الشريط الحدودي قبل أن تتأسلم مع حزب الله، وبقرار ممانع. فالمقاومة يجب ان تكون لبنانية لتحظى باجماع لبناني. فالتصدي للعدو الاسرائيلي ليست مهمة حزب الله وحده، أو الطائفة الشيعية وحدها. محور الممانعة لن يقبل. وبالتالي سيرفض السياسة الدفاعية المشتركة. ولكن سأتابع.                
  رابعاً: نضع شعار "جيش، شعب، مقاومة " قيد التطبيق. جيش وطني مدعوم بقرار سياسي بالتصدي لأي اعتداء على السيادة الوطنية، مزوَّد بميزانية تمكّنه من تطوير امكانياته، ويكون في الطليعة قولا وفعلاً. ومقاومة وطنية لبنانية جامعة. تعمل بالتنسيق التام والمبرمج مع الجيش وبقيادته. وشعب يحتضن الجيش والمقاومة. هذا يعني ان لبنان سيصبح دولة ذات سيادة فعلاً، وهذا سيزعج معظم قوى الأمر الواقع وامتداداتها الخارجية، وبالتالي لن تقبل بسياسة دفاعية مشتركة. ولكن سأتابع.                                                           
خامساً: السياسة الدفاعية هي أساساً لصون الحدود، كل الحدود البريّة والبحريّة والجويّة، ومنع الاعتداءات عليها ومنها. وهذا يعني أن سياسة دفاعية ليست مقتصرة على العدو التاريخي الوحيد للبنان أي اسرائيل، بل يجب ان تشمل كل الحدود. يجب أن تشمل المعابر الشرعية القليلة والمعابر غير الشرعية التي عجز المسؤولون عن مجرد احصائها، فكيف بمنعها؟ المعابر الممسوكة من قبل قوى الأمر الواقع هي بمثابة نزيف دائم بجسم الوطن. ووطن لا يتجرّأ على اتخاذ قرار باغلاق جروحه النازفة، وعاجز عن ضبط معابره، الشرعية وغير الشرعية، لصالح الدولة، كيف نسأله عن وضع سياسة دفاعية جامعة؟ وقوى الأمر الواقع لن ترضى باعادة هذه المعابر للدولة وبالتالي لن تقبل بسياسة دفاعية. ولن اتابع.     
هناك أسباب كثيرة تمنع لبنان من أن يكون دولة ذات سيادة رغم الاحتفالات الفولكلورية بعيد الاستقلال كل سنة. ورغم التصاريح السيادية العنترية الاستهلاكية من هذا الفريق أو ذاك. ودولة ذات سيادة هي وحدها القادرة على رسم سياسة دفاعية تكون ترجمة لهذه السيادة. أما القوى المرتبطة بالخارج، أي خارج، فليست هي بالطبع من سيقدم على رسم سياسة سيادية تجبرها على فكّ هذه الارتباطات. وحتى تغليب المصلحة الوطنية العليا فكل سياسة دفاعية وانتم بخير. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق