راعي الماعز خبير طقس/ محمود شباط

بَعْدَ وَفاة عَمّهِ الّذي سَاعَدَهُ للعمل في شركة صيانة الطرق كسائق محدلة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، لم يبق من سند للفتى إبراهيم سوى الغريب الـمهندس الفلبيني آلـن، الّذي كان يقف بجانبه كلما حاول "القريب"مدير المشروع إنهاء عقد عمل إبراهيم كون الأخير "دجاجه غريبه" دون جناحين.
في ذلك "الكامب" الواقع في منتصف المسافة بين العاصمة الرياض وشمال المملكة، كان إبراهيم يقضي معظم وقته منعزلا مستمعاً لأشرطة تسجيل ترده من أهله في بلده لبنان، فيها بعض الأغاني والموسيقى، وهذا ما كان يغيض عبد الرحمن، زميله المتديِّن، أو هكذا كان يُـعَـرّف عن نفسه، إضافة إلى تهمة خطيرة مفادها بأن إبراهيم مشعوذ يتواصل مع الجن.
حين خفّت وتيرةُ العملِ قَـرَّرت الشركة تخفيضَ عدد العمالة، من ذلك الإبقاء على سائق محدلة واحد، فصار عبد الرحمن يحشد مؤيديه وأفلح في حيازة المنصب الوظيفي بعد أن أدّت مساعيه التآمرية إلى إدخال إبراهيم السجن.
تَـطَـوَّع المهندس الفلبيني آلن كي يُـشَكِّل سنداً لمن لا سند له، لشاب لا تجمعه به سوى زمالة العمل، وقبلها الإنساني، فذهب بصحبة مندوب العلاقات الحكومية والذي يُسمُّونه "مُعقِّب". وبعد شرح الموضوع بتفاصيله لموظف مكتب العمل، طلب مندوب مكتب العمل سماع أشرطة التسجيل، ثم توجه مع زميل له إلى السجن برفقة عبد الرحمن.
وبحضور آمر السجن، قال مندوب مكتب العمل لعبد الرحمن: استمعنا إلى أشرطة التسجيل ولم نعثر على ما يخل بالآداب، هَـلّا قلت لنا ما هي مآخذك عليها؟
-       ليس فيها كلام بذيء ولكنها ليست من ضروريات الحياة.
-       وماذا عن التهمة الأخرى؟ كيف عرفت بأن زميلك مشعوذ ويتواصل مع الجن؟
-       كان يقول لنا بأن الجوَّ سيكون ماطراً في اليوم التالي أو بعد عدة أيام وغالباً ما يتحقق ذلك.
توجَّه مندوبُ مكتب العمل بالسؤال إلى إبراهيم: بماذا تدافع عن نفسك؟ ممن عرفت تلك المعلومات عن الطقس؟
-       أستاذي نحن مجتمع رعي، تُـلـزِمُـنا الظروف المناخية الجبلية بالحفاظ على قطعاننا من البرد والمطر والثلج.
-       وما علاقة ذلك بسؤالي؟ هل توضح أكثر؟ ولم تقل لي بعد ممن تعلمت تلك الأمور عن الطقس؟
-       تعلمتها من أبي الذي علمه إياها أبوه، علينا بالفطرة أن نستشرف أحوال الطقس من خلال أنواع الغيوم وأشكالها، فإذا كانت الغيمة عالية متناثرة تشبه الريش فذلك يوحي باحتمالية هطول المطر أو سقوط الثلج بعد عدة أيام قليلة، وإن كانت كثيفة بشكل كتل بيضاء تشبه الدخان، تظهر بعد الظهر، فذلك يشير إلى طقس معتدل، ولكن إن بدأت تلك الكتل تتحوّل إلى داكنة وتتكاثر فذلك ينذر بِسُحُبٍ رَعدِيّـةٍ ومَطَرٍ غَـزيـر. أما إذا كانت الغُـيُـومُ رماديّـة تعوم على مَنسُوبٍ مُـنخَـفِضٍ فذلك يُـنْـبِـيءُ بِـهُطُولِ الـمَطَـرِ في وَقْـتٍ قصير.
بعد أن تواصل مندوب مكتب العمل مع مكتب الأرصاد الجوية وتحقق من صدق رواية إبراهيم، رفع الموضوع إلى رئيسه مع توصية بتبرئة إبراهيم وعودته لعمله.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق