بَيْرُوتُ: لَكِ مِنْ بَغْدَادَ السَّلاَمُ/ الأب يوسف جزراوي

بَيْرُوتُ 

لَا تَنْتَحِبي وَلَا تَحْزَنِي 

فالحُزْنُ لَا يَلِيقُ بِكِ

ولَا تُطَأطِئي رأسَكِ

بَلْ قِفي سَامِقةً

 لأشَمَخَ بِوِسَامَةِ حُسْنِكِ

فإنّني مَا رَأَيْتُ السِّوامِقَ

إِلَّا فِي النَّخْلَةِ وَالأَرْزِ

........

بَيْرُوتُ يَا أَرْزَةَ الرَّبِّ

بِالأمْسِ  الْبَعِيدِ

يَوْمَ احتُلَّ بَلَدِي

جَرَى عَلى عَاصِمَتي دَمْعَي

بَكِيتُ، نَعَمْ

وَلَكِنّي بَكِيتُ عَلَى نَفْسِي

لَأَنَّ مَدِينَةَ السَّلاَمِ

غَدَتْ مَدًّا أبْعَدَ

مِنْ مَدِّ يَدَيْ

وَطَيْفًا لَا أَرَاهُ إِلَّا

في النَّوْمِ أوْ الْخَيَالِ

 وَهَأَنَذَا أمْسَيْتُ أَبْكِيَكِ

مُنذُ سَمِعْتُ صَوْتَكِ الفيروزيَّ

يُدوِّي وَيُجَلْجَلُ فِي غُرْبَتي

مُنْسَابًا بِحُزْنٍ إلى أذنيّ

حَتَّى أجَّجَ الشَّجَنُ بِصَدْرِي

ومُسْبِلاً مَاءَ الدَّمْعِ بَيْنَ جُفُوني

عَسَى الدَّمْعُ يُطفِئ نِيرَانَ مَرْفَأكِ

.........

بَيْرُوتُ يَا تُفَّاحَةَ المُدُنِ

دَعْينِي اِسْتَحْضَرْ لَكِ

فَوَاجعَ شَقِيقتِكِ الكُبْرَى

قِدِّيسةِ الْعَواصِمِ بَغْدَادَ

الَّتِي لطَالَمَا بَكَتْ وأَبَكَتْنِي

لتُلقي عَلَيْكِ السَّلاَمَ والمُؤَاسَاة:

أُخْتاه؛

إنّـا تَقاسَمَنا المِحْنَةَ

فَقَدْ اِسْتَوْدَعَونا مُتفجِّراتٍ

فائِضةً عَن حاجَةِ مَوْتِنا

ولَكِنَّنا كَطَائِر الفينيقِ

يَنْهَضُ مِنْ  الرَّمادِ..

وَدَعْينِي أيْضًا يَا بيروتوس*

اسْتَذْكَرْ لَكِ الشَّآمَ

الَّتِي صَارَتْ وَطَنًا لِي

يَوَمَ تَاهَ وَطَني وَضَاعَ

فِي سَاحَاتِ الحُرُوبِ

لِأَنَّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ

 تَنْعَى إِلَيْنا نَفْسَها

غَيرَ أنَّها ما تَزَالُ

تتَكَلَّفُ نَبْرَةَ الْحَيَاةِ

فِي أحَادِيثِ الْمَوْتِ!

.........

 خَاوِيَةٌ  شَوَارِعُ بَيْرُوتَ يَا بَغْدَادُ

إِلَّا مِنْ الحُطامِ والرَّمادِ

 وَمَقْهورةٌ حَولَ الْعَالَمِ كُلُّ القُلُوبِ

فَقَدْ تَعِبَتْ مِنْ صَوْتِ الحُرُوبِ 

وَدَوِيّ الانْفِجارِاتِ حَتَّى الأطَيارُ

فَالطَّيْورُ لَا تُحلِّقُ فِي حَضْرَةِ الدُّخَانِ

أمّا الرَّصيفُ المَائيّ عَافَتْهُ

أشرعتِ السُّفُنُ البيّضاءُ

وَغادَرَتهُ القَوَارِبُ والبَحَّارةُ

فيَا مَنْ تبغونَ رَحِيلاً فِي سَفِينَةٍ

تَاهَت بِها السَّبلُ

 قَبْلَما  تُبحِرونَ  صَوْبَ الْمَرْفَإِ

 تذكَّرَوا أَنَّ  المِينَاءَ

مُثْخَنٌ بِأَحْلامِ الشُّهَداءِ

وَدَمُهم الأبَكَمُ يَصرُخُ

كَمْ هوَ  الَّليْلُ طَوِيلٌ

فِي الأمكِنَةِ النَّكْباءِ

لَكِنَّ لُبْنانَ سيَظَلُّ مَنَارَةً

فِي الأفقِ تَلَوحُ

أحلامُهُ تتثاءبُ ولَا تَنَامُ

أمّا عاصِمتُهُ بَيْرُوتَ

فهي تَمرَضُ ولَا تَمُوتُ.

________

* بيروتوس... هوُ تسميةُ بَيرُوتَ فِي القُرُونِ الوُسْطَى.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق