يا عازفَ النايِ الوحيدَ أمامَ واجهةِ البنفسجِ خذْ هموميَ واعطني وهجَ الأصابعِ أو خلوَّ سماءِ روحكَ أيُّها الطيرُ الشريدُ، تعبتُ وانهارتْ قوايَ ولم أجدْ في الاستعارةِ يا أخي أحداً سوايَ، لمن تغنِّي في نهارِ الزمهريرِ لغيرِ جمرِ البردِ والمطرِ الذي يهمي بغيرِ توقُّفٍ؟ خذْ صرختي، قلقي، صدى روحي، وهاتِ خلوَّ قلبكَ واستراحتكَ الأخيرةَ مثلَ جنديٍّ على جذعِ الصنوبرِ راحَ يحلمُ بالحبيبةِ، والحروبُ تمرُّ تحتَ خطاهُ أو قدميهِ.. صدِّقني بأنَّ الوردَ يكذبُ وابتساماتِ النساءِ هنا معلَّبةٌ ودمعُ العابرينَ، وفي دمي وترٌ يدندنُ.. أينَ يا قلبي سيأخذكَ الحنينُ؟
*
بالحدسِ أكتبُ ما أُحبُّ وأقرأُ الأشياءَ
أو أدعو غريباً جاءَ من أقصى المدينةِ
كي يشاركني تأمُّلَ وردةِ اللبلابِ
وهيَ تمدُّ في ترفٍ ضفيرتها كأنثى
لم تجدْ أحداً يشاركها غناءَ الفجرِ والبُنَّ المعطَّرَ
أو يشبِّهُ عصفها بالزعفرانِ..
يشمُّ في يدها عبيرَ الهالِ..
بالحدسِ الجميلِ أُعيدُ ترتيبَ القصيدةِ
كلَّما أبصرتُ شخصاً صارَ نصَّاً ضائعاً مني
فهل لو صرتِ أنتِ قصيدتي
أو كنتُ أسكنُ في شتاءِ مجرَّةٍ منسيَّةٍ وحدي
سأرقصُ تحتَ أمطارِ الذهولِ بلهفةٍ عطشى
كمشتاقٍ لمشتاقٍ وأُشعلُ في حدائقِ عاشقٍ غيري كطاغورٍ
شموعي السرمديَّةَ في تفتُّحِ كلِّ أزهارِ الكناية؟
*
تهبُّ الميجنا من جهةِ الشمالِ
عصافيرَ صغيرةً بحجمِ قطراتِ المطرِ
أو عاصفةً من زهورِ الليمونِ
في طوافها لم تجدْ غيرَ تلويحةِ قُبلٍ ضائعةٍ
لحبيباتٍ منسيَّاتٍ
ولم تعانقْ سوى أصابعَ أجراسٍ في ديرٍ بعيدٍ
الميجنا روحُ امرأةٍ تكفِّرُ عن وصالٍ لم يحدثْ
أو حُبٍّ لم ترتكبهُ أبداً
في كلِّ شتاءٍ تحتشدُ قمصانها بالناياتِ المندلعةِ
وبالأسماكِ المضيئةِ والينابيعِ الجوفيَّةِ
الميجنا نداءٌ غامضٌ على من نحبُّ
وردةٌ يابسةٌ من الريح
تنامُ في جيوبِ ملابسنا
في خزانةٍ مهجورة
*
ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا طريقَ ولا وصولْ
هيَ رغبةٌ أبديَّةٌ.. عطشٌ وهاويةٌ..
وسرٌّ لانزلاقِ يدي إلى الجسديِّ في المعنى..
ارتقاءُ الماءِ والروحيِّ في حبقِ الجليلْ
أُكتبْ لكي تنجو.. يهبُّ صدى حمامٍ زاجلٍ
أُكتبْ لكي تنسى كوابيسَ الحياةِ
أُكتبْ لتحلمَ أو لتعشقَ..
فالكتابةُ مثلَ فعلِ الحُبِّ أو وجعِ المخاضِ
وما القصيدةُ غيرُ زادكَ في المتاهةِ
غيرُ نايِ جبالكَ الأُولى..
ومتَّكأٌ لحورياتِ شمسِ البحرِ..
هل يكفي صدى تنهيدةٍ جوعى فتاةً في الفلاةِ
يشوقها قمحٌ من القُبلاتِ أو عنبُ الخليلْ؟
ماذا سأكتبُ والكتابةُ لا تريحُ القلبَ من حُبٍّ
ولا تشفي من الأحلامِ...
أو من رعشةِ الليمونِ في آذارَ
أو لوزِ الغيومْ
يا ليتني كومبارسُ في فيلمٍ قديمٍ
ليتنى أحدُ الهواةِ المولعينَ بجمعِ أسماءِ النساءِ أو الطوابعِ
والتسلُّلِ في الظلامِ إلى رؤى هوميرَ أو وجعِ النسيمْ
*
أمدُّ يدي لأقطفَ عن غصونِ الريحِ تفَّاحةْ
أنا الطفلُ اللجوجُ
وكلُّ أُنثى ذئبةٌ بريَّةٌ في الليلِ
تخمشُ زهرةَ الليمونِ
تطردُ عن نوافذها نوارسَ لهفتي
وصدى صراخِ السندبادِ
تشبُّ فيهِ الرغوةُ البيضاءُ من وحمِ الزنابقِ
أو يئنُّ البحرُ في ناياتهِ ويضمُّ ألواحهْ
*
ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تقتفي ظلَّهُ
في ربيعٍ كهذا الربيع المصابِ بداءِ الكورونا؟
ما الذي ينبغي للقصيدةِ أن تتقاسمهُ من فُتاتِ النهاراتِ
أو تتنادى بهِ من شظايا الصدى في الطلولْ؟
علَّمتني الهشاشةٌ كيفَ أُداوي جراحي...
فما ينبغي للفراشةِ في جسدي أن تقولْ؟
وأنا لم أعشْ لحظةً في بيوتِ قصائدَ شيَّدتها
خارجَ الشِعرِ كانتْ حياتي
وبريَّةٌ للأُنوثةِ كانتْ على مدِّ عينيَّ
أعدو وراءَ السرابِ وبي عطشٌ لا يزولْ
ما الذي ينبغي أن تعلِّمني
زهرةُ النهدِ إيَّاهُ.. بعدَ الذبولْ؟
*
سيرةٌ شعريَّة
نمر سعدي من بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها.
يتميز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة، يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة، موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة، عربية وشرقية، ومنها العامة، أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي، ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة.
نمر سعدي واحد من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة، وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية، وقصيدةَ النثر.
كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007.
صدرَت له الدواوين الشعرية التالية:
عذابات وضَّاح آخر / 2005 / مطبعة فينوس/ الناصرة
موسيقى مرئية / 2008 / منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
كأني سواي / 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب / 1 كأني سواي / 2 نقوش على جناح نورسةٍ زرقاء/ 3 أزهار أولى ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
يوتوبيا أنثى / 2010 / منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
ماء معذَّب / 2011 / منشورات مجلة مواقف / الناصرة
وقتٌ لأنسنةِ الذئب / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة
تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة
وصايا العاشق / 2014 / دار النسيم للنشر والتوزيع / القاهرة
موسيقى مرئية / طبعة ثانية / 2015 / دار سؤال/ بيروت / لبنان
رمادُ الغواية / 2017 / دار الانتشار العربي/ لبنان/ بالتعاون مع نادي الباحة الأدبي / المملكة العربية السعودية
استعارات جسديَّة / 2018 / دار العماد للنشر والتوزيع ومركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافية / مصر
تقاسيم على مقام الندم / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر
غبارُ الوردة (نثر) / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر
كحلُ الفراشة (نثر) / 2019 / روافد للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر
تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية، ونشر قصائده ومقالاته في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية مثل كيكا والندوة العربيَّة والحوار المتمدِّن والمثقَّف وديوان العرب وجماليا ومركز النور، وفي المجلات والصحف المحلية مثل الشرق ومواقف والإتحاد وكل العرب والأخبار وفصل المقال والحياة الجديدة بالإضافة إلى نشرهِ في مجلات وصحف العالم العربي المرموقة مثل الدوحة القطرية والنهضة السورية والأهرام المصرية والقدس العربي وعكاظ السعودية والخليج الاماراتية والعرب اللندنية والعربي الجديد والنهار اللبنانية وغيرها.
كما أنَّ لمجلة الكلمة الالكترونية التي تصدر في لندن ويحرِّرها الناقد المصري الكبير الدكتور صبري حافظ دوراً هاماً في التعريف بتجربة نمر سعدي الشعريَّة من خلال نشرها لقصائدهِ ونصوصه النثرية ودواوينه.
صدر في مطلع عام 2019 عن دار "روافد للنشر والتوزيع" في القاهرة / مصر كتاب نقدي بعنوان (ذاكرة لازوردية) "قراءات وشهادات في تجربة نمر سعدي الشعريَّة" لمجموعة من المؤلفين.
0 comments:
إرسال تعليق