كنت أجلس مع بعض الرفاق في سجن عسقلان، عندما سألني أحدهم عن أخي مجاهد وكيف استشهد أجبت: حكاية أخي قصة من قصص الأبطال الخالدين، لم يكن شيئاً عادياً وسهلاً بتاتاً، وكم أعتز بأن لي أخ شهيد ، بدأت القصة حين كنا عائدين مرهقين من العمل، مررنا بعدة حواجز للاحتلال، كانوا كل مرة ينزلوننا من المقطورة (السرفيسات)، كانت تجلس معنا فتاة صغيرة العمر وامها المسنة، على احد الحواجز انزلونا وقاموا بتفتيشنا ولم تقبلا الفتاة وامها ان يلمسهما احد الجنود، فضربهما الجندي.
ثارت حميّة أخي محمد فكيف تُضرب امرأة فلسطينية على يد جندي محتل أمام ناظرية؟
فما كان منه الا ان هجم عليه واوسعه ضرباً، لكمة وراء لكمة دون رحمة، وعندما تدخل بقية الجنود باشرت بالتدخل مع اخي، كان قد ضربهم بشدة واخذ سلاح احد الجنود واطلق الرصاص عليهم وأصاب العديد منهم، وفينا بعد أعلن عن مقتل أحدهم ، استطاع الهرب، قام الجنود المتبقيين باللحاق به واطلاق الرصاص عليه لكنهم لم يتمكنوا منه، سجنت انا وجميع الركاب الذين كانوا معي، وحوكمت بالسجن ثلاثة سنوات بتهمة تهديد سلطة الاحتلال.
في تلك الاثناء، كان محمد يبحث عن مأوى علماً بان صورته قد انتشرت في كل مكان وعرض على من يجده جائزة نقدية بقيمة عشرة الآف شيقل، هرب لفترة طويلة واخذ بتنقل بين الاماكن المتعددة وبطرق النقل المختلفة.
وبالنهاية، وجد اخي في حيّ شعبي قديم يبتعد مسافة كبيرة عن اجواء المدينة، مكث فيه فترة من الزمن، بات يبحث عن عمل لينفق على نفسه وليدفع اجرة البيت الذي استأجره في ذلك الحي، حاول البحث لكن دون جدوى حتى رآه احد الأثرياء جالساً على قارعة الطريق وسأله عمّا حل به، أخبره بقصته وعرض عليه ان يأتِ للعمل في قصره خادماً ويعيش معه به حيث انه وحدانيّ، لم يكن لديه خيار آخر ووافق على عرضه.
مضت ستة أشهر وهو يخدم سيد القصر، حتى أتت دورية شرطة للبحث عنه، وحالما علِم بذلك، اخذ يشكر سيد البيت ويحزم اغراضه للرحيل بأسرع وقت، لكن سيد القصر لم يرد رحيله واراد خبأته ورفض اخي ذلك؛ لأنه لم يرد إلحاق الضرر بالرجل، حزم امتعته ورحل.
رحل اخي الى مزرعة عمي، واخذ يعمل معه فترة من الزمن حتى قام عمي بالتبليغ عنه، لأنه فضّل المال والنقود على ابن اخيه.
في غضون نصف ساعة كانت الشرطة تحاصر المزرعة، وكانت اصوات المكبرات تعلو قائلة (سلم نفسك يا محمد، انت محاصر تماماً، لا مكان للهروب فكل المزرعة محاصرة)، لكن اخي فضل الموت شهيداً وبكرامة على ان يعيش في ذل الاحتلال والتعذيب، فبدأ بإطلاق النار من بندقيته البسيطة حتى استشهد هناك.
لا يعشق أخي قصص البطولة ، هو عاش كريماً ورحل بكرامة، لقد غار على بنات وطنه، الانثى خط أحمر وكم أنثى عانت وصبرت على شواهد القبور أو بوابات السجون، لقد سطر حكاية شرف.
0 comments:
إرسال تعليق