أدب الاعترافات برأيي المتواضع، من أصدق ألوان الكتابة الأدبية الإبداعية، لأنه الأكثر على البوح والتعبير الأدق عن مشاعرنا وأفكارنا وعواطفنا وأنفسنا وعن الآخرين بكل الشفافية. ولكن غياب هذا الأدب في ثقافتنا العربية يعود إلى انعدام الجرأة والشجاعة لدى الكاتب نفسه اولًا، وثانيًا لعدم توفر التربة الصالحة لنموه، نتيجة ثقافة المجتمع و" الثالوث المحرم "، فضلًا عن طبيعة هذا المجتمع المحافظة المنافقة البعيدة عن الصراحة.
وأول ما يتبادر إلى أذهاننا عند الحديث بما يتعلق بأدب الاعترافات رواية " الخبز الحافي " للكاتب المغربي محمد شكري، بالإضافة إلى كتاب " الأيام " لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي يحكي فيه عن سيرته الذاتية، ويحفل باعترافات كثيرة ومزيج بين الواقعي والمتخيل.
ومن نافلة القول أن أدب الاعترافات في الثقافة العربية تحول إلى سيرة ذاتية، وهناك من يستعيض عن اعترافاته من خلال الكتابة عن سيرته الشخصية، وهذا نجده في أعمال بعض رجالات السياسة والفكر والمجتمع، ومثال على ذلك نوال السعداوي وشريف حتاتة وفخري لبيب.
وهناك من جعل من رواياته تجسيدًا لشخصه وسيرته الشخصية كما فعل الروائي عبد الحكيم قاسم في روايته " أيام الإنسان السبعة "، وإبراهيم أصلان في روايته " صديق جدًا ".
وبالإضافة لكتاب " الأيام " هنالك بعض الاعمال التي تعتمد على رصد تجارب وحقائق واقعية غير متخيلة ومغايرة لطبيعة المتخيل السردي، منها " أيام معه " لكوليت خوري التي كشفت فيه عن علاقتها بالشاعر نزار قباني، و"مذكرات طبيبة " للدكتورة نوال السعداوي، و " وأوراق العمر سنوات التكوين " للويس عوض، وهؤلاء جميعًا لم يسلموا من انتقاد المجتمع لهم.
وفي المجمل، أدب الاعترافات هو نوع من المذكرات الشخصية، وكتابة ذات طابع ذاتي تتحدث عن الانا في علاقتها بعالمها الخاص، والتعبير عن مكنونات الكاتب وتجاربه وخبراته وتطلعاته ونظراته العميقة لنفسه، وهذا يحتاج إلى طاقة عالية والكثير من الثقة بالنفس والشجاعة لتعرية دواخله وكشف أسراره، ويظل اعتراف الكاتب والفنان المبدع مختلفًا عن أي اعتراف آخر.
0 comments:
إرسال تعليق