في ديوانه الجديد " النوافذ لا تركع للرياح" والذي يحمل الرقم 7 الصادر في العام 2018 عن المركز الفني للطباعة والإعلان والنشر "cap" طرابلس لبنان ويقع في 95 صفحة من الحجم الصغير، يواصل غسان منجّد ثورته على الغربة من خلال إصراره على الكتابة والشعر والبقاء على تماس مع اللغة العربية رغم زمن الغربة الطويل في استراليا الذي يعانده، فنراه في الاهداء الذي خصصه لأمه فيقول: : ما كتبت كلمة إلا ورأيت أمي. تعيدني إلى الزمن الجميل… زمن أمي الجميل" (ص11) وكأن غسان يريد أن يجعل اللغة هي الوطن المستقرّ في فكره وشعره وأحاسيسه، وينقش على رصيف الليل خيبته كما يقول في ص13 لأن حلمه كوكب يمرّ مرور الكرام ص14. يواصل الشاعر سرده على هذا المنوال حين يقول: " أمدّ يديّ لأتلقى عنوان تشردي" ص14.
على الرغم من تعدّد العناوين في الديوان الموزّعة بين الوطن، الحنين، الأم، المرأة، الصداقة، الطفولة، الشهوة والحب الذي يأخذ الحيّز الأوسع من الديوان، لكن القارئ يدرك أن الشاعر لا يقطع حبل السرّة الذي يربط بين قصائده، ففي قصيدة أملاح تخرج من جسدها يقول: "فتذكّر أنه مجرد أملاح \ خرج بحره منه\ وإختفى "ص19.
وفي قصيدة الأنس الأخير ص 20 يقول: كلُّ الذين مرّوا من هنا لم يؤنسوني ويتساءل: هل إختفيت ولم يرني؟ أم إختفى داري ونساني؟
للمرأة حصّتها، فهي التي تُسكر كلماتها بخمرتها، ففي قصيدة سيدة النساء ص29 يقول: "كل شيء فيك يمطر خمراً" هذا الخمر الذي يحوّل الشاعر إلى زلزال صامت عندما يقرأ قصيدة نهديها حتى تنزف عيناه نهوداً، متأوهاً من وجع الذكريات إلى أن يراود الحنين فيقول : "أظن أن ساعة الحنين إلى \ زفاف الشمس حانت" ص 37. ومع ذلك يعود إلى نقائه حتى يراها تغسل عريها بماء الشمس ص 43.
يستعمل منجّد أسلوب التكثيف كأنه يريد أن يقتصد بالمساحة، لكن ذلك التكثيف يتفجّر في معاني قصائده التي تفيض على جوانب الديوان، حيث يشعر القارئ أنه أمام أشعار قوية بمدلولاتها وعمقها وسلاستها، فنراه يقول عن المرأة : " كم كانت إمرأة وهي ترشّ \ على شبابيك الشمس برق كحلها \ وتجعل من سريرها بحيرة غناء! ص 51.
في ص 54 يخاطبها قائلاً: " لي فيكِ نجمة لا تنطفئ \ لي فيكِ طفولة شاطئ \ لي فيكِ رئةٌ وأعضاء \ ولي فيكِ أغصان وأضواء…
ومن صوره التي لا يمكن إلا التوقّف عندها، عندما أصبح العشق عنده جنون يقول: "تضاء مصابيح جنوني \ عصير عطر إمرأة قتلها العشق… ص 57.
على هذا المنوال يواصل الشاعر، فيأتي بحمام الثلج ويجعله حارساً لنداه ص 63.
وفي قصيدة سؤال بلا جواب، يخاطب الشاعر حبيبته قائلاً: " لا تسألي السنابل عنّي \ أنا حقل يحمل تاريخ عينيكِ … ص 65
وفي قصيدة لك أنت يقول: "العشق كل العشق لك" ص 67.
في ص 78 يقول: " أضيئي عينيّ بلهيب النهود".
يواصل منجّد جنونه حتى أنه يريد أن ينتحل صفة شيطان: "دعوني أنتحل صفة شيطان/ لتكتمل مسيرة الإيمان" ص80.
وينتهي به الأمر مسافراً. ففي قصيدة إغتراب ص 86 يقول: "مسافر \ أول المكان \ جرح \ وآخر المكان بكاء \ وحلمه مكسور كشراعه \غريب عن غربته وخوفه يزداد يوماً بعد يوم متسائلاً: " هل سأولد خارج سور الدنيا". ورغم ذلك يصر على عدم الاستسلام او التراجع لان نوافذه لا تركع للرياح.
0 comments:
إرسال تعليق