أمّا بعد : !!
مسكينة هذه البيئة، نسكن في أحضانها، ونبصق على وجهها، نستظل بفيئها، ونحرق مع الحارقين أسلاف أسلافها، نروم أنْ نشمّ أريجها العبق، وننشر في أجوائها عوادم الحرق، لم تبق لدينا أنهار تروي بساتينها الباهية، ولا حدائقها الزاهية، سوى آبار نفط جارية، وبطون خاوية، وجيوب خالية !! وصحارى شاسعة ، تهبُّ منها كثبان رمال ٍغابرة، وترى معظم الناس - ولا أستثني نفسي - مشرقين مغربين غافلين، يهيمون لاهين، و في كلّ وادٍ ساهين، يقولون ما لايفعلون، ويفعلون ما لا يفقهون... ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ...!!
الطبيعة بنيت على توازنات دقيقة، لا تعرف للفوضى مكانا، ولا للعبث آمانا، والإنسان وحده - والله الأعلم - هو العابث المرتاب من عواقب عمله، والعاقل الغافل عن غياهب جهله، خلق الله الأكوان بنظام متناهي الدّقة، " ومنْ آياتهِ أنْ تقومَ السماءُ والأرضُ بأمرهِ"( الروم :25 )، وتقبع مجرتنا درب التبّانة في أحد الأكوان، وما مجموعتنا الشمسية إلاّ حبـّة رمل، تستقر في إحدى أذرعها، تجري لمستقر ٍ لها ، وكلُّ شيءٍبحسبان، " إنّّا كلَّ شيءٍ خلقناهُ بقدر ٍ" ( القمر : 49).
ومن هنا نجد للماء، ولثاني أوكسيد الكاربون، والأوكسجين، وبقية الغازات ومجموعة المعادن دورات في الطبيعة، يجب أن تحترم نسبها، وللغطاء الحيوي بمملكتيه الحيوانية والنباتية، وكائناته المجهرية توازن معلوم، وتسلسل محسوب، كائنته النباتية الخضراء معامل إنتاجه، وحيوانته مستهلكة أولى وثانية وثالثة حسب تسلسل مصادر غذائها المقسوم، ومجهرياته ما بين محلل ومركب للعضويات والمعادن، تارة تسبب الأمراض وتارة تتبادل المنفعة، وأحيانا تقع ظواهر دوافعها غيبية خفية، كالزلازل والبراكين والفيضانات والحرائق والحروب والأمراض الفتاكة ... للحد من إزدياد عدد الكائنات الحية، ومنها النوع الإنساني عندما تبلغ أعدادها القمة، كما يقول علم البيئة، ولله في خلقه شؤون !
ويأتي السيد الأنسان بعقله أو عبثه، سيان عن علمه أو جهله، ليتدخل - طوعاً أو جبراً، خيراً أو شرّاً- بمشيئة خلق الله ومخلوقاته , تارة رجاؤه يصيب، وطوراً أمله يخيب، وربما تخرج الأمور عن إرادته، فتنتشر الإشعاعات النووية، وتزداد نسبة الغازات السامة و الخانقة، و تطفح السوائل المبيدة الفاتكة، وتكثر أنواع الجراثيم القاتلة أو المسببة للأمراض، لذلك يستوجب على الإنسان أن يراقب البيئة بحذر، ويخطو بتأن، ويعمل بجد لإعادة الأمور إلى جادتها المرسومة، وخططها المعلومة، ونظافتها المعهودة، ولا يمكن لهذه الأمور أن تستقيم إلا بتظافر الجهود ما بين السلطة بجميع مؤسساتها، والشعب بكافة مكوناته، والوعي البيئي المحسوس والفعل الفردي والجمعي المدروس، من خلال تشكيل حزب بيئي عراقي فاعل ومدعوم ، على غرار الأحزاب الخضراء في الدول المتحضرة، ليرتقي بالمهام الصعبة والشائكة لبيئة عشوائية... ملوثة...شاحبة ...متصحرة إلى قمم السلطات التنفيذية ، والتشريعية، وحتى القضائية، مادام الحزب هو مجموعة منظمة من الشعب، لها أيدولوجيتها، وهدفها السياسي للوصول إلى السلطة التى تلتفت بالدرجة الأولى إلى بيئة العراق المتدهورة في جميع المجالات عقب الصراعات والديكتاتوريات والحروب،
ولا ريب سيفتح هذا الحزب أمام جميع أبناء العراق الحبيب، بعيداً عن الدوافع السياسية الضيقة والطبقية، والمناطقية، والنزعات الطائفية والإثنية، ببساطة لأنه لا يرتكز عليها أساسا، ولاينهل من منابعها، ولا يصب في روافدها، لأبعاده الوطنية الخالصة، وقيمه الإنسانية الرفيعة، ولكن له رأياً فيها، وحلولا لها، هل سيبادر أبناء العراق الغيارى على مستقبل بلدهم الزاهر المزدهر بمثل هذا ؟!!
سؤال سيبقى جوابه بأيدي العراقيين القاطنين في البلد الحبيب - أنا غير مشمول بالدعوة؛ لأنني أسكن خارج العراق، وفي آخر الدنيا!!- وهي مجرد فكرة روادتني عقبى مداخلتي على محاضرة عن البيئة العراقية، ومسؤولية المجتمع عنها، والله المستعان في كل زمان ومكان !!
0 comments:
إرسال تعليق