غزّة هاشم والشهيد الحي فايز الحسني/ شوقي مسلماني


بعد سيادةٍ استمرّتْ قروناً بدأت السلطنةُ العثمانيّة تدخل طورَ انحدارِها حتى صارت تُعرف أوروبيّاً بإسم "الرجل المريض".

وكانت حصّةُ العرب من إنهيار هذه السلطنة، أو إنفراطِ عقدها، بعد هزيمتها المنكرة في الحرب الكونيّة الأولى، والأصحّ أن نقول "الحرب اللصوصيّة الكونيّة الأولى" هي إتّفاقيّة "سايكس ـ بيكو" التي قضت بتجزئة جناح "السلطنة" العربي على كلّ من الإمبراطوريتين في ذلك الحين  بريطانيا وفرنسا، وذلك بعدما تخلّت روسيا السوفياتيّة عن حصّة روسيا القيصريّة، بإعتبارها ليست إمبراطوريّة إستعماريّة، كما أفادت رسالة قائد الثورة البلشفيّة لينين إلى الشريف حسين، والتي ينبّهه فيها من خطر الإنكليز على بلاده وما يخبّئونه ضمن سياسة "فرّق تسد" الشهيرة والسيّئة السمعة. 

ولكن رأس الحربة في صدر العرب لم تكن إتّفاقيّة "سايكس بيكو" ـ سنة 1916 ـ وحدها ولا "وعد بلفور" ـ سنة 1917 ـ القاضي بإعطاء فلسطين ـ التي هي بلا شعب بزعمهم ـ لشعب بلا أرض ـ بزعمهم أيضاً ـ بل قبل ذلك  كان مؤتمر "كامبل بنرمان" الذي عُقد سنة 1907، وقد دعت له لندن وضمّ إلى جلالة بريطانيا كلاًّ من الدول العظمى في حينه فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا، والغاية كانت التباحث في خريطة العالم ولتأبيد سيطرة أوروبّا على منطقة "الشرق الأوسط" وبلاد العرب الآسيويّة والإفريقيّة. وهذا سيعني فيمابعد تأبيد الكيان المصطنع على أرض فلسطين المحتلّة، بإعتباره الحاجز أو المانع دون التقاء إرادات أبناء العرب مشرقاً ومغرباً من أجل النهوض والسيادة على أرضهم وممتلكاتهم أو ثرواتهم. 

ومن هذا المنطلق تُفهم على نحو أشمل وأدق هذه الفظاعة في دعم الإمبرالي الغربي ـ حلف شمالي الأطلسي ـ الذراع العسكريّة ـ لمستعمرة الصهاينة على أرض فلسطين، ومن هذا المنطلق نفهم هذا القتل وهذا التدمير وهذه الحرب الشعواء على غزّة، ونفهم لماذا يريد صهيوني مجرم  أن يبيد غزّة بقنبلة نوويّة، وصهيوني مجرم آخر يريد أن يبيد 2 مليون فلسطيني في غزّة جوعاً، ومجرم صهيوني ثالث يمزّق القانون الدولي ويرميه في وجه العالم، من دون أن يخشى صهيوني واحد لومة لائم. 

إنّها الإمبراليّة الغربيّة الفاقدة لكلّ أخلاق أو إنسانيّة، وتريد أن تفرض إرادتها، لا بالتنافس الحضاري علميّاً وإقتصاديّاً، بل بقوّة الحديد والنار، كأنّ العالم غابة لا يزال، وكذلك تزوّد كيان الصهاينة بأنواع أسلحة الإبادة وتحمي ظهره،  فلا تبعات ولا إدانة أو محاسبة حقيقيّة، بل العكس هو الصحيح، أي الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يرفع رأسه مسانداً لغزّة، فهو أقلّه معادٍ للساميّة. 

وبيننا في سيدني الفنّان التشكيلي فايز الحسني الذي دفع من أسرته ثمناً باهظاً على طريق القدس وطوفان الأقصى وفلسطين الحرّة من النهر إلى البحر، وهو ذاته أصيب بجراح ثخينة لا يزال يعاني منها، وأمّا من مجمل الأسباب فلأنّه فلسطيني يعتزّ بفلسطينيّته ويُجاهر بها فنّاناً مطبوعاً يحمل في حلّه وترحاله ريشة أعطته إيّاها طيور الفردوس، وعلبةَ ألوان أو أصباغ تتشكّل منها فلسطين إمرأة جميلة بأزيائها التراثيّة البهيّة متجلية في حقول وبيّارات الكرمة والبرتقال والزيتون، وكيف لا يكون ذلك والناس في العالم يقطنون أو يسكنون في أوطانهم إلاّ الفلسطيني، كما قيل وثبت، فإنّه تقطنه أو تسكنه فلسطينه التي كانت عملتها، قبل سرقتها سنة 1948، من أقوى عملات العرب، وكانت الليرة الفلسطينيّة في حينه تساوي 10 ليرات لبنانيّة. 

 وقال المناضل الأممي الشهيد البطل تشي غيفارا مرّة إن الغضب الذي يقف ضدّ الظالمين هو أعلى مراتب الحبّ، وقال المجاهد الأكبر يحيا السنوار "أبو إبراهيم" إنّ "مجانين غزّة لديهم من المخزون الثوري ما هو قادر على إسقاط الأقنعة وأن يقلب الطاولة" وأن يحطّم أنياب دراكولات الرأسمالية المتوحّشة بتعبير المفكّر من أصل مصري والراحل منذ بضع سنوات د. سمير أمين. 

الحياة لإبن فلسطين الشهيد الحي الفنّان التشكيلي والمناضل الجريح والصامد فايز الحسني "أبو رماح"، وأهلاً به بيننا في سيدني أخاً عزيزاً وصديقاً كريماً. الحياة لفلسطين كلّها أرضاً وشعباً بحدودها المعروفة قبل سنة 1948.. وألف لا مدويّة لحدود 1967. الحياة لمجانين غزّة الذين يتجرّأون على معسكر الأعداء من المسافة صفر. الحياة لأحرار العالم الذين يقولون لا للحرب الإباديّة على غزّة، والحياة لمنظّمة الفعل أو العمل الأسترالي التقدّميّة والإنسانيّة التي تقود مظاهرات سيدني أسبوعيّاً نصرة لأهلنا العرب في غزّةَ العزّةِ المنكوبة والصامدة في آن، والمنصورة والمنتصرة أخيراً. الحياة لحزب الخضر الأسترالي قيادةً وقاعدة في مواقفهم الجريئة، المناصرة والفاعلة بحق، وتدعو إلى وقف الحرب الإباديّة المعلنة على أطفال غزّة. الحياة لكم أيّها الحضور فيما الخزي والعار لرئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز العمّالي "كريس مينس" الملطّخة يداه بدماء أطفال وحوامل وشيوخ غزّة ـ وهو يظنّ خاسئاً أن الأستراليين العرب سينسون مواقفه المسعورة إذا ما حان موعد إنتخابات الولاية سنة 2027 ـ إنّ مواقفه، رافضاً الدعوة لإيقاف الحرب الإباديّة، من سينساها، ومن سينسى أنّه لا بدّ أن يُحاكم مع مناصري الإبادة كمجرم حرب، ومثله سكوت موريسون زعيم حزب الأحرار السابق وبيتر داتون زعيم حزب الأحرار الحالي؟، والخزي والعار للمطبّعين العرب أينما كانوا. 

ـ "من كلمتي في سيدني ـ أستراليا ـ تكريماً للشهيد الحي الرسّام الفلسطيني التشكيلي فايز الحسني".  

ـ الصورة من اليمين: فايز الحسني وشوقي مسلماني. 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق