العراق ومؤامرة الكتلة النيابية الاكبر/ كافي علي

انتهت الانتخابات العراقية للعام 2018 ودخل البلد في مرحلة الصراعات والسمسرة السياسية لتشكيل الكتلة النيابية الاكبر، حيث تهيمن الكتل الخاسرة على المشهد السياسي وتقدم شروطها للتنازل والانضمام إلى الكتلة الفائزة لأجل دعمها عدديا في تشكيل الحكومة .
انتهت الانتخابات وانتهى دور المواطن العراقي بعد استلاب صوته وتركه يدور حول معاناته وافتقاره إلى أدنى متطلبات العيش، حقه في رشفة ماء صالحة للشرب، وضوء مصباح يهديه في ظلمة عيشه. البلد العائم على بحر من البترول يعاني شعبه من انعدام الخدمات منذ اليوم الذي وطأة أمريكا وعملائها أرضه. عملائها الذين بعثرتهم المنافي وتاهوا في شظف عيشها، قبل أن يلملمهم بول بريمر ليكونوا اسياده وسياسيه. كيف يحمي الخائن وطن؟
اما إيران، الحليف الاستراتيجي لأمريكا في العراق، فتعمل كعادتها مع مرجعية النجف على تشكيل حكومة موالية لمشروعها الطائفي في المنطقة. لازال قاسم سليماني يتخذ من استراتيجية المحاصصة وقرار القاضي مدحت المحمود في وأد صوت الشعب بمؤامرة قانون الكتلة النيابية الاكبر وسيلة لتشكيل الحكومة، متجاهلا المتغيرات التي فرضتها المرحلة على الوعي الشعبي العراقي من جهة، والنهج الجديد للسياسة الأمريكية تجاه بلاده من جهة اخرى. جهود ستؤدي حتما للفشل، ليس بسسب تجاهله للمتغيرات، ولكن عدم قدرته على خلق عملاء جدد يمكن أن تستوعبهم المرحلة الراهنة. لم تتمكن مرجعية النجف وإيران من إيجاد بدائل مؤهلة لقيادة الدولة بعد سقوط سياسيهم في مستنقع الجريمة والفساد.
منذ انتهاء الإعلان عن نتائج الانتخابات وإيران تعمل على تشكيل حكومة محاصصة تمنح رئاسة برلمانها لموالي لها من السنة، ورئاسة وزرائها  لرجلها من الشيعة، أما رئاسة الجمهورية فمنصب فخري مقياسه حجم التنازلات التي يقدمها الحزبين الكوردين. 
دورة محاصصة سياسية جديدة، يكون الإرهاب تهمة المواطن السني الرافض للتدخل الإيراني في شؤون بلاده، واللطم والطقوس نصيب الشيعي المؤمن بمظلوميته، والأكاذيب والأوهام نصيب المواطن الكردي الحالم بالاستقلال. فإذا فاضت العاصمة بمياه الأمطار في عهد أول حكومة محاصصة شكلها قاسم سليماني مع مرجعية النجف، واحتل تنظيم داعش المدن السنية في الثانية، وشربت العوائل البصرية الماء الملوث في عهد الثالثة، ماذا ينتظر العراقي من سياسي سليماني بعد تشكيله الحكومة القادمة؟ 
لا انتخابات، ولاحرية وديمقراطية في العراق إذا لم يتم إلغاء صك عبودية الشعب الذي سلمه  القاضي مدحت المحمود لإعداء الشعب وسراق المال العام. 
الحرية تُؤخذ ولا تُمنح، لن يكون الشعب العراقي حرا إلا بالعودة إلى صوت الشعب وانتهاء مؤامرة قانون الكتلة النيابية الأكبر.
كتلة سائرون التابعة لمقتدى الصدر فازت في الانتخابات البرلمانية، ومن حقها وحدها تشكيل الحكومة، ليس بسبب الإيمان بقدرتها على قيادة الدولة، ولكن رضوخا لإرادة الشعب.  وإذا فشلت الكتلة في إدارة الدولة ومؤسساتها، من حق الشعب المطالبة باستقالتها والدعوة إلى انتخابات مبكرة. هكذا هي الديمقراطية، حكم الشعب واحترام وعيه في اختيار ممثليه، لا قتله بتدوير نفايات السلطة من المجرمين والفاسدين في المطبخ السياسي البائس لسليماني.
.من حق الشعب العراقي الذي اشترى حريته بالدم أن يكون له دولة مستقلة  محكومة بقانون يحفظ حق جميع طوائفه وقومياته، قانون يحمي الضعيف من القوي والأقليات من سطوة وهيمنة الأغلبية. قانون يجعل من العقال العربي والسروال الكردي، من العمامة السنية والشيعية، أزياء شعبية تأثيرها شخصي على المؤمنين بها، ووطني على المجتمع. يمكن للمؤسسة الدينية الشيعية في النجف أن تؤثر على التوجهات الشخصية للمواطن الشيعي، مثلما يمكن أن تلعب الأحزاب الكوردية على الوجدان القومي للمواطن الكوردي، لكن يبقى الشيعي والكوردي وغيرهم من مكونات الشعب العراقي بحاجة إلى دولة مستقلة وقوية تحتويهم، وإلى حكومة تدير دولتهم وتنظم علاقاتها الخارجية وشؤونها الداخلية  على أسس ومؤهلات وطنية لا انتمائات وولاءات طائفية وقومية عنصرية. كيف يمكن أن يحدث هذا والعراق محكوم بسياسة محاصصة تفرض بالقوة هيمنة القوي على الضعيف، والأغلبية على الأقلية؟

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق