فخامة الرئيس جبران باسيل/ جورج الهاشم

 اسمح لي أولاً أن اخاطبك بدون ألقاب الفخامة والسيادة والمعالي في بلد لم يبقَ فيه من الفخامة والسيادة والمعالي الا الألقاب. وثانياً نحن في استراليا لا نتعامل بعملات منقرضة، لذلك سأخاطبك باسمك فقط مسبوقاً بعبارة السيِّد التي تساوي بين الجميع، رغم ان طبقتم السياسية ترفض المساواة بينها وبين المواطنين كما في البلدان التي تحترم نفسها. وبصفتي ابن منطقة البترون الانتخابية التي تمثّلها في مجلس النواب، يهمني أن يكون حسن إدائك هو ما سيؤهلّك لتمثيلنا مرّة اخرى، وربما مرّات. أراك تضحك في سرّك من سذاجتي وتقول: متى كان حسن الإداء هو معيار النيابة والوزارة؟ أعرف. وأعرف أكثر أنك أتيت بشعارات تركت انطباعاً ان حزبك سيكون مختلفاً: تغيير، اصلاح، محاربة فساد، شفافية، حرية، ديموقراطية، سيادة وغيرها من الممنوعات في واقع السياسة اللبنانية.                                                            
زعامتك لا تدين، حتى الآن على الأقل، لكفاءاتك الشخصية. فلو كان غيرك من تزوَّج بابنة الجنرال، لكان  هو في مكانك اليوم في رئاسة التيّار وفي النيابة والوزارة. ولكنت أنت اليوم مثلي مهاجراً ضائعاً "بين تذكرتين" كما يقول صديقنا الشاعر فؤاد نعمان الخوري، او متظاهراً أمام احدى السفارات  مطالباً بمنحك تأشيرة خلاص من وضع لا يُطاق، أو رقماً في خانة هذا الزعيم أو ذاك، أو ربما عاطلاً عن العمل في بلد لا يهتمّ بمستقبل أبنائه. أو لو كان للجنرال وريث ذكر، في مجتمع ذكوري مشوَّه، لما وصلت الزعامة اليك بهذا الزخم. ليس عيباً يا عزيزي، أن تتزوّج من سيدة مثقفة، جميلة، كشانتال عون، وليس عيباً أن تكون صهر الجنرال وتستند الى رصيده الواسع. العيب كل العيب ألا تطوِّر هذا الرصيد وتضيف اليه أو أن تستعمله مطية فقط للوصول. والعيب كل العيب ألا تستعمله لتحقيق أحلام مئات آلاف الشباب اللبناني، وكنت واحداً منهم،  في العيش الكريم في وطن العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان بعيداً عن المحسوبية والتزلف وهدر الكرامات على أبواب الزعامات.     
 أعرف أنك تسعى جاهداً لترث عمّك في رئاسة الجمهورية كما ورثته في رئاسة التيار. وهذا سعيٌ مشروع سأساعدك لأدلك الى أفضل الطرق للوصول اليه. هناك أساليب كثيرة للوصول. ولكن سأتحدّث عن اسلوبين: اسلوبك المتّبع حتى الآن وربما سيحقق حلمك ويجعلك مثل كل رؤساء الجمهورية اللبنانية السابقين الا واحداً. واسلوبي الذي سيجعلك هذا الواحد وربما أكبر بكثير. اسأل أي لبناني من هو الرئيس الذي حاول ان يضع لبنان على طريق الدولة الحديثة؟ من هو الرئيس الذي استعمل الكفاءة لبناء الوطن وبنى المؤسسات من أجل ذلك؟ لأتاك الجواب دون أي تلعثم: فؤاد شهاب. طبعاً لفؤاد شهاب مساوىء في طريقة ادارة البلد، ولكن سيبقى للتاريخ أنه الوحيد الذي حاول ان يضع لبنان على طريق الدولة المدنية الحديثة.      
اسلوبك حتى الآن لا يختلف عن اسلوب أي زعيم آخر: شراء حاشية بالتوظيف. نفخ التمثيل الشعبي وشراء ممولي اللوائح بالمراكز. ملء الوظائف الشاغرة بالأتباع والمؤيدين. التلزيم بالتراضي. المحاصصة. الاصطفاف الطائفي. ممالأة القوي والاستقواء به على الأضعف. وأنا الأقوى في طائفتي ...الى آخر المعزوفة. هذا الاسلوب ربما يحملك الى رئاسة الجمهورية ولكن أية جمهورية؟ سيذكرك التاريخ رقماً كما ذكرَ غيرك وربما أضاف: آخر رئيس لجمهورية فاشلة لم يهتم أحد من سياسييها بانقاذها.                                                 
أما اسلوبي، لو اتبعته، فسيبني وطناً يترحم عليك بعد ألف عام. وستذكر كتب التاريخ: هو الرئيس الذي بنى مجداً لوطن. أما التفاصيل فسهلة وليست صعبة عليك أبداً. سأذكر بعضها:
   ضع مبادىء أساسية تكون واضحة لك ولمعاونيك. وحاسب من يخرج عليها ولو كنت  انت نفسك. فالنظام والقانون فوق الجميع.                                                         
  اخرج من لعبة المحاصصة. أرجوك لا تطالب بحصة للمسيحيين لن يحصلوا عليها بل ستصل الى الحاشية والأتباع. انها أقصر الطرق الى الخراب. مهما أخذت لن تأخذ كما أخذ زعماء المسيحيين بعد الاستقلال. أو بالأحرى زعماء الموارنة. كانوا هم الأقوى. يأخذون الحصة الأكبر ويوزعون ما تبقى على زعماء بقية الطوائف. ولأنهم لم يبنوا وطناً كان المسيحيون من اوائل المهاجرين. وكانت الحرب المدمرة. وعمَّ الخراب. الدرس الأول هو ان المحاصصة لا تبني وطناً بل تؤسس لحروب مستمرة.                                      
   اخرج من لعبة المناصفة. فبأي منطق، والمسيحيون لا يبلغون ثلث سكان لبنان، تطالب بالمناصفة؟ ألا تخشى أن يستأنف المسلمون العد؟ ألا تستطيع أن تستلهم طريقة أخرى تنصف جميع اللبنانيين وليس فقط المسيحيين؟ المناصفة ليست اعطاء نصف الوظائف للأتباع والمحازبين باسم المسيحيين، بل هي غبن لمعظم اللبنانيين. والغبن لا يقود الى بناء وطن بل الى تدميره.                                                                                           
   ضع الرجل المناسب في المكان المناسب.  الكفاءة يجب ان تكون الأساس. فالمواطن لا يهمه ان يكون هذا الموظف محسوباً عليك أو على غيرك. أن يكون مسيحياً أو مسلماً. المواطن يهمه ان يقوم الموظف بمهمته خير قيام. وموظف كفوء يعني دولة تحترم نفسها.
   اعتمد المناقصات الشفافة في التلزيم. فلماذا التلزيم بالتراضي؟ التلزيم بالتراضي اصبح في لبنان مرادفاً للسرقة؟                                                                             
   اعتمد على مستشارين أكفاء وأصحاب ضمائر حرّة ولا يمسحون الجوخ. فكل مستشار يوافقك كل الوقت اطرده وابحث عمن يقول لك نعم ولا. وليس نعم ونعم.                       
حاسب نفسك قبل المحيطين بك. فاذا استلمت وزارة كوزارة الكهرباء مثلاً. واذا استمرّت في تسجيل الخسائر وتشكيل العبء الأكبر من الدين العام. اخرج الى الناس وقل لهم بصراحة لماذا؟ قل لهم ان مافيات المازوت والموتيرات مثلاً، أو شركاء المحاصصة هم من يمنعون اضاءة لبنان وتحويل الكهرباء الى مؤسسة رابحة. أو قل انك لست جديراً بادارة هكذا قطاع واعطِ الوزارة لمن هو قادر على ادارتها. ولو فعلت لأحترمك الناس أكثر.                    
اعطنا مثلاً عن وسع صدرك واحترامك للرأي الآخر في حزبك أولاً لنثق انك ديموقراطي. لا تستعمل "مقصلة" المحكمة الحزبية لتقطع رؤوس معارضيك.                                
هناك خطوات كثيرة جيدة تقوم بها ولكنها ناقصة. خذ مثلاً مؤتمرات الطاقة الاغترابية. رغم ان توصياتها تأتي غالباً معلّبة فأية توصية نُفِّذتْ؟ ومن يتابع تنفيذ التوصيات؟ وانتخاب المغترب؟ مبادرة رائعة. هل وضعتها مرة واحدة للمناقشة في واحد من هذه المؤتمرات؟ واذا كنت تمنع مناقشتها في مؤتمرات المغتربين فكيف ستسوِّقها؟                                   
اذا نجح عهد الجنرال فالطريق ستكون أسهل أمامك للوصول الى قصر بعبدا. ولكن ثلاث سنوات لا تبشِّر بالخير. أكثر رئيس شحن الناس بالاحلام هوالرئيس عون. وكانت الخيبة على مقدار الشحن. لا تقل لي: هو يريد ان يعمل ولكنهم لا يَدَعونه. واتفاق الطائف سحب صلاحياته...  معكم ثلث وزارات لبنان. وانت تعلم سلطة كل وزير في وزارته. طبّقوا اصلاحاتكم في وزاراتكم أولاً ان كنتم بالفعل تريدون الاصلاح والتغيير.                       
صوت الناس الذي يملأ الساحات هو صوت حق. لا تقل لهم هذه شعاراتي. طبِّقها ان كنت صادقاً: ابتداءً من استقلالية القضاء، ووزارة العدل كانت ولا زالت في عهدتكم، وانتهاء بقانون انتخابي عادل وبناء الدولة المدنية الحديثة، دولة العدالة الاجتماعية، التي تتسع لجميع أبنائها.                                                                                               
أخيراً هل تستحقون فرصة اخرى؟ 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق