عشر سنوات من الحصار ورافقتها ثلاث حروب على قطاع غزة الذى لا تتجاوز مساحته 360كم مربع وتجاوز عدد سكانه مليوني نسمة ونيف. هذا وتخضع اليوم غزة لرغبات ورؤية يمينين الطرف الأول من يحكمها وهى حركة حماس وتتحكم بمصير بسكانها، والطرف الثانى من يحاصرها ويُمعن بإيذائها وهى حكومة إسرائيل اليمينية، ولكل منهما برنامجه وأهدافه في غزة . فعلى اليمين الأول حركة حماس التى تُذكر الجميع في كل مناسبة بفوزها بالانتخابات وشرعيتها وحقها في الحكم والذى انتهت مدته منذ سنوات، وتحاول بكل الطرق الابقاء على سيطرتها على غزة وتقيم تحالفات مع قطر وتركيا لإطالة عمرها السياسى في قطاع غزة، وعلى اليمين الآخر حكومة يمينة إسرائيلية متطرفة لا ترى حق للفلسطينيين بإقامة دولتهم إلا وفق حساباتها الأمنية ورؤيتها التوراتية، وهو ما ترتأيه بإقامة دولة فى غزة مع أى سيناريو يضمن لها إلغاء فكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وذلك وفق رؤية ترامبية وتوافقات عربية . ودولة غزة مشروع شارون الذى سعى لتطبيقه لإقامة الدولة اليهودية الكبرى فحسب الرواية اليهودية أن غزة ليست جزء من أرض إسرائيل الكبرى كحال يهودا والسامرة(الضفة الغربية )، والمخطط قديم بإقامة دويلة غزة والسماح لإقامة ميناء بحرى وممر مائى، والضفة الغربية تتحول إلى كانتونات تتمتع بحكم ذاتى أشبه الى روابط القرى . وفى لقاء ترامب نتنياهو الأخير أكد الطرفان أن هناك حلول أخرى للصراع الفلسطينى الاسرائيلى خلاف حل الدولتين .
ومع استمرار الانقسام السياسى لعل الظروف مهيأة، خاصة أن الانقسام أصبح أمراً واقعاً يتعامل العالم من خلاله مع حركة حماس بغزة، وهذا ما شهدناه في فتح بعض الدول العربية علاقات مع حركة حماس بغزة لتخفيف معاناة سكان غزة أو لمصالح أمنية لوجستية مقابل غياب دور حكومة التوافق الوطنية. وهنا يأتى الدور القطرى الذى استخدم ببراعة الاستثمار بثنائيته الاعلامية والاقتصادية في مزيد تدعيم الدور القطرى السياسى كقوة مرنة إقليمية يحسب لها حساب، وقد نجح في وضع قطر وبقوة كلاعب إقليمى في قضايا الاقليم، لكنه اليوم يواجه مقاومة حقيقية من قوى صلبة اقليمية تتصادم مصالحها السياسية مع المصالح السياسية لقطر، وهو ما دفع قطر للتركيز اليوم على الجانب الاقتصادى أكثر من الجانب الاعلامى، ويتجلى هذا التركيز الاقتصادى اليوم بأوضح صوره في الدور القطرى الذى تلعبه قطر في الشأن الفلسطينى وتحديداً في قطاع غزة التى تملك قطر فيه بادئ الأمر حصة من استثمارات الغاز الدولية في حقل غاز عزة باعتبارها تملك ما يزيد عن 10% من شركة برتش غاز العالمية والتى تملك ما نسبته 60% من حقل غاز غزة . ولقد استثمرت قطر في غزة العديد من المليارات في البنية التحتية ومشاريع الاعمار مستغلة حليفتها حركة حماس في قطاع غزة ومستغلة الحصار المفروض على القطاع، والذى جعل منها المستثمر الفعلى الوحيد هنا القادر على تمرير استثماراته، كذلك مستفيدة من علاقاتها السياسية الحميمة مع إسرائيل وذلك في إيجاد موطأ قدم اقتصادى وسياسى يخدم الدور الإقليمى المستقبلى لقطر كقوة إقليمية مرنة وفاعلة في أحداث الاقليم . إن المصلحة القطرية في غزة لا تستند لأى أيديولوجية تنظيمية أو سياسية بقدر ما تستند لمصالح اقتصادية في غزة المستقبل التى ستشكل لا محال نقطة هامة في مجريات الأحداث المستقبلية نظراً لموقعها الجغرافى ووضعها الجيوسياسى في مستقبل الصراع الفلسطينى والعربى الاسرائيلى، ونظراً كذلك لما تخفيه الخرائط الجيولوجية لدى كبريات شركات الطاقة العالمية من ثروات داخل الحدود البحرية لغزة، وربما داخل غزة نفسها والتى بلا شك طلعت على جانب منها الحكومة القطرية نظراً لتواجدها الاستثمارى في العديد من شركات الطاقة العالمية ومنها شركة برتش غاز سالفة الذكر .
مخطئ من يظن بإقامة دولة بغزة على أساس أنها محررة، فقد تكون محررة فقط من دوريات الجيش الاسرائيلى على الأرض، ولكنها عملياً محتلة براً وبحراً وجواً ومغلقة بمعابر حدودية مفاتيحها بيد اسرائيل باستثناء معبر رفح ومراقبة على مدار الساعة بطائرات الاستطلاع وبكافة الوسائل الاستخبارتية، وكل ما تحتاجه غزة يتطلب تنسيق مع إسرائيل سواء تنقل مواطنين أو كهرباء أو محروقات أو مواد تموينية أو مواد بناء أو دواء وكافة احتياجات ومساعدات غزة تمر عبر الموافقة الاسرائيلية، وقد تبرر حركة حماس فصل غزة عن الضفة الغربية بفعل الجغرافيا والاحتلال الذى يفصل بين المنطقتين الجغرافيتين وإن كان هذا صحيحاً، ولكن الانقسام والشرخ السياسى زاد من انفصالها ويزداد ذلك الفصل مع طوال سنوات الانقسام، وهنا فى غزة حكومة ظل وأجهزة أمنية وجهاز قضائى وديوان موظفين وسيطرة تامة على كافة الوزارات والعلاقة مع السلطة بالضفة الغربية علاقات تنسيقية تفرضها الحاجة ليس إلا فهى مستقلة دون الاعلان عن الفصل .
هذا المخطط لو كُتب له النجاح فإنه سيكون الفصل الأخير من قضيتنا الفلسطينية التى قدمت آلاف الشهداء وعلى رأسهم ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين. والرفض والاستنكار الفلسطينى الرسمى والشعبى لا يكفى يجب الذهاب بتجاه خطوات عملية تجاه هذا المخطط القاضى بإنهاء قضيتنا الفلسطينية بدولة لا تلبى تضحيات شعبنا الفلسطينى العظيم بل تلبى طموحات اليمين الاسرائيلى المتطرف .
إن السياسة هى فن إدارة المصالح السياسية لخدمة المصالح الاقتصادية وزيادة النفوذ وهى لا تعرف ولا تعترف بأى مصالح أيديولوجية إلا في خدمة النفوذ السياسى والاقتصادى، ولا مكان للسذج ولا للضعفاء فيها ولا عزاء لنا نحن الفلسطينيون .
أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية
Political2009@outlook.com
0 comments:
إرسال تعليق