الجولان لن يعود!/ جورج الهاشم

ارتاح المحاربون. أصدروا البيانات بعد اعلان ترامب الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان. تظاهروا. تضامنوا. وقفوا. تهجَّموا. زايدوا. برَّروا.  خَوَّنوا. توعَّدوا. هدَّدوا. رفعوا اليافطات وصرخوا الجولان عربي.  ثم عادوا الى النوم العميق. اثنتان وخمسون سنة وأسلحتهم، التي يشهرونها، صدِئة كخطاباتهم. والغريب أنهم مقتنعون أن بهذه الأسلحة نفسها، التي أثبتت فشلها على امتداد أكثر من نصف قرن، سيحررون القدس والجولان وباقي الأراضي العربية المحتلة.                                                                          
الحق في فقدان الجولان، حسب منطقهم، يقع على الامريكان، اسرائيل، العملاء، الخونة، الرجعية العربية، المؤامرة الدولية، عدم الامتثال لآحكام الله، الكفر والزندقة، المعارضة العميلة، التشكيك بمصداقية الرئيس القائد، وحكمته وبعد نظره ومخططاته طوييييلة الأمد. والحق على اوروبا والصين وروسيا والشرق والغرب. باختصار الحق، كما يقول المثل الدارج، على الطليان. أحدٌ منهم لم يدلّ على المسؤول الحقيقي.                                   
يهمّني مما تقدَّم أميركا واسرائيل ونظامنا العربي الحاكم المغيَّب عن تحمّل المسؤولية.           
فأميركا، باستثناء موقفها المقبول في أزمة السويس سنة 1956، ليس دفاعاً عن عبد الناصر وقتها، ولا حباً بمصر، او عداء لاسرائيل، بل لإزاحة النفوذ البريطاني/الفرنسي المحتضِر من المنطقة العربية كلّها والحلول محلّه، أخذت دائماً موقف الحامي الأوَّل لاسرائيل والشريك الكامل لها. وكلنا يتذكَّر الجسر الجوّي الأميركي سنة 1973، ومن لا يتذكّر فليقرأ. أميركا شريكة أساسية في جرائم اسرائيل في المنطقة. اسرائيل لم تتمرَّد على قرارات الأمم المتحدة الا بالدعم الأميركي. ولم تنجُ من المحاسبة الأممية الا بالفيتو الأميركي.  منذ قيام اسرائيل   وحتى الآن  استعملت أميركا الفيتو 43 مرّة لحمايتها. وفي مرّات كثيرة يصوِّت أربعة عشر مندوبا لصالح العرب وتبقى أميركا وحدها لتفرض الأمر الواقع بالفيتو المجحف. اذن أميركا هي الحامية الأولى والأهم، وفي مرات كثيرة الوحيدة لاسرائيل. وكل من يراهن على عدالة أميركا تجاه الصراع العربي الاسرائيلي واهم، أو لا يقرأ التاريخ، أو لا أدري ماذا. اذن لا جديد بالموقف الاميركي. الفرق هو الاسلوب بين رئيس وآخر. أما المضمون فواحد. أكثر من ذلك، وضع أميركا اليوم في العالم العربي وضع المهيمِن شبه المطلق على الساحة. لا يقف بوجه أطماعها شيء. خيرات العالم العربي الهائلة مغرية. نواطير هذه الخيرات ثعالب أميركية. اذن لا تتوقّعوا من أميركا الا الأسوأ. وصفقة القرن بانتظاركم.                      
                                                                                  
واسرائيل؟ ماذا تنتظرون منها؟ كانت أملاك اليهود في فلسطين، قبيل اعلان دولة اسرائيل، ورغم  استيلاء المنظمات الصهيونية على أراضٍ شاسعة بحماية الانتداب البريطاني، لا تتجاوز الستة بالمئة من أراضي فلسطين. اليوم اسرائيل تحتل 85% من اراضي فلسطين الطبيعية وتفرض حصاراً على ال 15 بالمئة الباقية، وتتحكَّم بها. وفوق ذلك تحتل أراضٍ من لبنان وسوريا والاردن. من ينتظر منها غير ما تفعل فهو واهم أيضاً. قامت اسرائيل، واستمرّت بالاغتصاب. وكلّما سنحت الفرصة ستغتصب. وتغتصب. وتغتصب. فأين الجديد اذن بالموقف الاسرائيلي؟ زد على ذلك أن المقاومة العربية الرسمية غير موجودة. على العكس فلقد أصبح لها علاقات علنية مع كثير من الأنظمة، وعلاقات سريّة مع الغالبية الباقية. قوّتها تضخَّمت بينما القوة العربية في الحضيض. ناهيك بالارادة. اذن اسرائيل ستستشرس أكثر، وشهية ابتلاع الأراضي ستزداد.                                                                  
النظام العربي الحاكم. الممانع والمنبطح. الدكتاتوري والدكتاتوري. يتّجه عكس التحرير. فالنظام الذي يجهِّل شعبه. يفقّره. يحشوه بالحقد والتعصب. يسد عنه منافذ الهواء. يمنع عنه الرأي الآخر. يمنع عنه خيرات بلاده، يرهن معظمها للخارج.  يمنع عنه الحياة الكريمة. يحاربه بلقمة عيشه، بسكنه، بمدرسة أولاده. يلاحق مفكريه. يسجن أحراره. يهجِّر معارضيه أو يغتالهم. ويجلس سعيداًعلى صدر شعبه لبقية العمر. ليس مهتماً بالتحرير.                        
أما بالنسبة للجولان، فمسؤولية تحريره تقع، بالدرجة الاولى، على النظام السوري الذي لم يتغيَّر طوال أكثر من نصف قرن. الحرب النظامية أثبتت فشلها مع اسرائيل وحليفتها الاولى أميركا. أما الحرب الشعبية فأثبتت فعاليتها في أماكن كثيرة من العالم منها:  ضد أميركا في فيتنام. ضد فرنسا في الجزائر. ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وضد اسرائيل في جنوب لبنان. أكثر من ذلك، أطفال الحجارة في فلسطين كادوا أن يركّعوا اسرائيل لولا أن تُسرع "أوسلو" لانقاذها. للتحرير طريق واحدة أصبحت معروفة يخشاها النظام العربي الرسمي أكثر مما يخشى اسرائيل. والذي لم يحرر، أو على الأقل لم يحاول أن يحرر، طوال نصف قرن. لن يحرر ولو عمَّر أكثر من لبيد. خاصة أن القرار الوطني في سوريا اليوم، كما في معظم الدول العربية، أصبح بمعظمه خارج الحدود.                                       
هذه الأسلحة الفاسدة التي استعملناها حتى الآن كانت السبب في خسارة القدس والجولان وكل فلسطين. وكانت السبب في استباحة الكرامة أيضاً. وما اصرارنا على استعمال هذه ألاسلحة نفسها الا  الدليل القاطع على ان المزيد من الخسائر قادمة. أما اذا أردتم استعادة الجولان وباقي الأراضي العربية المحتلة، واستعادة الكرامة، فلا بدَّ من تغيير هذه الأسلحة وتغيير حامليها أيضاً.                                                                                      
سدني في 22/04/2019                                                                                      

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق