تعودنا بالسنوات الماضية على تصريحات وأعمال لرجال في السلطة الفلسطينية تجاوزت الخطوط الحمراء حتى تلك التي حددوها بأنفسهم وتخطت ايضا الاجندة الوطنية المتفق عليها وخرجت عن الاجماع الوطني الفلسطينيي. ما نراقبه من شهرين على الأقل تخطى كل الحدود المتاحة وما صدر في الأيام الاخيرة من أوامر لبعض الأجهزة ألامنية وما تم بثه عبر وسائل الاعلام من تصريحات مشينه لأشخاص محسوبين على رأس الهرم السلطوي متزامنا مع تصعيد الصهاينة حملتهم على الأقصى الشريف وقدس الكرامة تجاوز كل ما كنا نتوقعه.
بدأت رحلة التجاوزات الخطرة في الحملة الفاشلة لمطبخ الرئاسة بالإجهاض على منظمة التحرير بمحاولتهم لعقد مجلس وطني بعيدا عن كل القوانين والاعراف الوطنية. الطريقة والحيل التي أُتبِعت بينت للقاصي والداني ان هؤلاء يتبعون أجنده لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالمصلحة الوطنية العليا. لحسن حظ الشعب الفلسطيني تم الإجهاض على هذه المحاولة، ولو للوهلة الاولى، مع قناعتنا التامة انهم لن يستسلموا، بل سوف يقتنصوا الفرصه القادمة لتمرير مشروعهم، مشروع غرفة العمليات الامريكصهيونية بالقضاء على الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بتقزيمهم لدور م ت ف ومؤسساتها وهدم ما تبقى منها وتحويل الصراع الصهيوني الفلسطيني من صراع سياسي وجودي الى مشكلة انسانيه اقتصاديه يتم حلها بإرضاء الطرف المظلوم بفتات مادي زهيد.
في هذه الأيام نحن امام مشهد مُخزي اخر من مشاهد مسرحية المطبخ. قوات أمنية سلطوية تُزَج بأمر من فوق للتصدي للجماهير الفلسطينية والفصائل الوطنية التي تحتج في شوارع المدن الفلسطينية على جرائم الاحتلال الصهيوني واعماله الاجراميه ضد مقدسات شعبنا وامتنا وضد اطفالهم وابناءهم العزل. كيف نفهم هذا الاندفاع وهذا الانزلاق المدمر؟ هل هي زلة ام انها استراتيجية جديدة لهرم السلطة وطباخيها؟
هذه ليست المرة الأولى التي تتصدى القوات الأمنية الفلسطينيه لأبناء شعبها في شوارع فلسطين المحتلة. محاولات الأجهزة الأمنية منع المظاهرات بأشكالها المختلفة أن كان ضد الاحتلال او ضد تصرفات السلطة او ضد الانقسام ومحاولات تقزيمها له تاريخ طويل وصل ذروته في الحرب الصهيونية الاولى على غزة. رغم هذا التاريخ المشين لتصرفات الأجهزة الأمنية إلا انه خطأ شنيع ولا يغتفر أن قمنا بتحميل عناصر الأجهزة الأمنية مسؤولية ما حصل. علينا ان ندرك حقيقة واضحة مفادها ان عناصر الأجهزة الأمنية ومعظم قياداتها لا تتصرف دون أمر سياسي من فوق. كل المسؤولية عن هذه الأعمال المشينة التي تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية تتحملها القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية. عناصر الأجهزة الأمنية هم من أبناء الشعب الفلسطيني المناضل لهم عائلاتهم ولهم تاريخهم المناضل وأنا على قناعة تامه بأنهم بأكثريتهم الساحقة ممتعضون ومستائون مما هم مجبرون على القيام به، الا ان قوت عائلاتهم ومصير ابنائهم مرتبط بوظيفتهم بالاجهزة الامنيه وهم بصراع يومي بين الوظيفة وقوت العائلة والواجب الوطني الشريف.
ما تقوم به قيادة السلطة الفلسطينية من تحركات ليس استراتيجية جديدة بالتعامل مع الوضع المأساوي الذي يزداد يوماً تأزماً في فلسطين المحتلة. وهو ايضاً ليس تخبط سياسي كما يدعي البعض. ما تقوم به السلطة من كتم للغضب الجماهيري وملاحقة. " المشاغبين" من نشطاء وفصائل مقاومة وصحافيين هو تجسيد وتنفيذ كامل للتنسيق الأمني مع الاحتلال نزولا عند رغبة الدول المانحة التي تعطي تعليماتها للسلطة وقياداتها عبر رجالها الموجودون برام الله .
برأينا ونحن لسنا وحدنا، بل هو ايضا رأي خبراء فلسطينيون وعرب واجانب كثيرون، ان التنسيق الأمني الذي ألقى عليه الرئيس محمود عباس عباءة القدسية ووضعه فوق كل المصالح الوطنية المتفق عليها اصبح الكابوس اللاجم والقيد المحكم للحركة الوطنية الفلسطينية ونضالها ضد الاحتلال الصهيوني. من البديهيات انه من حق أية قيادة لشعب ما ان تتخذ الاستراتيجية التي تراها مناسبة لتحقيق أهدافها السياسية ضمن رؤيتها للواقع، والشعب يحاسب هذه القيادة ويقيم استراتيجيتها بالانتخابات. هذا هو الوضع الطبيعي في الأنظمة الديمقراطية والشبه ديمقراطية، لكننا في فلسطين المحتلة بعيدون سنوات ضوئية عن هذا الواقع. القيادة الفلسطينية من رئاسة السلطة ومجلسها التشريعي فقدوا شرعيتهم، كما يراه الدستور الفلسطيني، منذ سنوات. رغم تربعهم على عرش السلطة دون استفتاء ودون محاسبة ومع هذا الاختراق الدستوري الصارخ الا انهم لم يحملوا أنفسهم حتى عبء المحاولة لشرح "استراتيجيتهم" بالتعامل مع "اصدقائهم" لابناء شعبهم، واكتفوا، الرئيس محمود عباس ومطبخه بالقول: ان التنسيق الأمني مقدس!! لا بل اكثر من هذا؛ أحداً منهم لم يشرح للشعب على مدار السنين كلها ما يحصل حقاً في التنسيق الأمني مع الاحتلال وما هي حدود هذا التنسيق ان وجدت أصلاً! وما منفعة هذا التنسيق والاحتلال جاثم على صدور شعبنا ويلهم من ارضنا!
لا حاجة لان يكون القارئ خبير سياسي وأمني ليفهم حقيقة التنسيق الأمني. الكل يعرف ان هذه الجلسات التنسيقية ليست جلسات دردشة واحتساء القهوة بين الطرفين. نظرة سريعة على صفحات الانترنت لوزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة حربها ومواقع مخابرات الجيش " "walla تمكن كل شخص الاطلاع وبوضوح كامل على ما يجري حقيقةً ضمن التنسيق الأمني. منذ سنة 2011 تعقد سنويا بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني اكثر من 320 جلسة، اي بمعدل جلسة يوماً ان استثنينا ايام العطل عند الطرفيين. في هذه الجلسات يتم سنويا، حسب معطيات المواقع الصهيونية، تنسيق حوالي 1100 عملية أمنية.
التنسيق الأمني كما هو متعارف علية في العلاقات الدولية اداة سياسية - أمنيه لتوثيق الأمن والاستقرار العام بين دولتين صديقتين بتبادل المعلومات الأمنية التي تخص البلدين ومصالحهما، وهو أيضاً اداة وقائية لردع تٓأزُم الصراع واحتدامه بين كيانين متواجدان في حالة هدنة من النزاع او الحرب الدائرة بينهم. السؤال المطروح هنا: أية حالة تنطبق على فلسطين المحتلة وجارتها اسرائيل الصهيونية؟
اذا اعتبرنا تصريحات الرئيس محمود عباس حول " أصدقائه الاسرائليين" كلام عسلي لترطيب الأجواء بين خصومين ليس الا، لوجب علينا ان نستنج ان فلسطين المحتلة وإسرائيل دولتان لا تربطهما علاقات صداقة وشراكه حقيقية ومصالحهم الوطنية متضاربة. هذا استنتاج بديهي لعموم ابناء الشعب الفلسطيني والنتيجة الواقعية ان اي تنسيق أمني بينهما يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا. لكني أشكك انه ايضا استنتاج بديهي لعدد لا بأس به من الرجال في قمة الهرم السلطوي.
الحالة الافتراضية الثانية لارضية التنسيق الأمني هي ان فلسطين المحتلة وشعبها في نزاع وحالة حرب مع الدولة المغتصبة، اسرائيل، الا ان الكيانين وقعوا اتفاق هدنة بينهم ووجب التنسيق الامني بين الطرفين لكي لا يتأزم الوضع الأمني وينتقل الى صراع مفتوح بين القوات العسكرية للطرفين ينتج عنه قتل للأرواح ودمار للبنية التحتية على الجهتين! اذا اعتبرنا ان اتفاق اوسلو هو اتفاق هدنة على الطريق للوصول الى اتفاق سلام كامل فيجب ان تعني الهدنة، وفق المعايير الدولية، وقف وتجميد اعمال العداء باشكالها المختلفة في هذه الفترة . الواقع في فلسطين المحتلة يظهر لنا صورة مختلفة عن هذا السناريو. في فترة "الهدنة" والتي بدأت سنة 1993 شنت اسرائيل ثلاث حروب على فلسطين المحتلة ( حربين على قطاع غزة وحرب على الضفة الغربية) ودمرت قطاعات باكملها وقتلت الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني اضافة الى مصادرة مساحات شاسعة من ارضة واستوطنت داخل الاراضي المحتلة وسلبت مصادره الطبيعية وخطفت الآلاف من ابناءه العزل وسجنتهم خارج وطنهم. كل هذا خروقات لأي اتفاق ممكن ان نسميه "اتفاق هدنه" وخرق لكل المواثيق الدولية. نستنتج من هذه الحقائق ان اسرائيل لا تعتبر ان بينها وبين فلسطين المحتلة اتفاق هدنة لذا وجب طرح السؤال على للرئيس عباس ومطبخه : لماذا ما زلتم متمسكون باتفاق نقضه الطرف الاخر منذ ساعاته الاولى وداس على بنوده مراراً وتكراراً? ولماذاوما زلتم متمسكون بالتنسيق الامني معه؟ لماذا تتصدون لكل محاولة عسكرية وشعبية لمقارعة الاحتلال?
اسأله وجيهه اعتقد انها تدور برأس كل فلسطيني ورأس كل محب للشعب الفلسطيني ومناصر لقضيته.
0 comments:
إرسال تعليق