كلمة فيليب سالم في ندوة كتاب جان دايه: "البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية" في الرابطة الثقافية - أنطلياس

أقامت الحركة الثقافية - أنطلياس، ورابطة خريجي معهد الرسل - جونيه ندوة حول كتاب الباحث جان داية (البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية) في مسرح الأخوين رحباني في دير مار الياس، تحدث فيها: الدكتور أنطوان سيف أمين سرّ الحركة الثقافية، السفير الدكتور ناصيف حتّي عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الروح القدس - الكسليك، ليليان قربان عقل، غسان الشامي، جان داية، النقيب أنطوان رعد رئيس رابطة خريجي معهد الرسل - جونيه، والبروفسور فيليب سالم. وأدار الندوة المحامي معوّض رياض الحجل.
استهل سالم كلمته بتوجيه الشكر الى مؤلف الكتاب حان داية "الذي نقل الحوار بكل صدق وأمانة". وأكّد: "أن الكتاب ليس مشروعًا لبناء الدولة المدنية، بل مقدمة لهذا المشروع الكبير والهام. لذلك لم أدخل بقضايا تفصيلية، مكتفيًا بوضع الإطار الفكري والفلسفي للطريق الى الدولة المدنية".
وقال: أنا اكتب وأحاضر عن موضوع فصل الدين عن الدولة منذ العام 1975. كم يسرّني أن أسمع اليوم بعض رجال الدين ورجال السياسة يدعون الى الدولة المدنية في لبنان. وأنا أرى أن فصل الدين عن الدولة هو من منطلق الإيمان لا الإلحاد. ولم أدعُ الى "العلمنة" كي لا يُساء الفهم من البعض. أنا لستُ ضد العلمانية، لكن البعض يعتقد أن في العلمانية شيئًا من الالحاد وهذا غير صحيح. لذا ركّزت على موضوع فصل الدين عن الدولة لأن هذا الأمر من شأنه تحرير المواطن من الطوائف التي تكبّل اللبنانيين. أنا مؤمن بأهمية واحترام الدين، ولا أريد ضرب الدين بل أدعو الى تحريره من السياسة ليبقى نقيًّا وساميًا، لا تلوّثه السياسة ومصالح السياسيين. إنني أختلف عن كثيرين طالبوا بفصل الدين عن الدولة، فأنا أؤكد على أهمية الدين واحترام الأديان، ولا أدعو لفصل الدين عن الدولة لاضعاف الدين بل لتحريره من السياسة. 
أرى، ان هناك مشكلة في الشرق، لم تُثَرْ سابقًا، وهي قضية الإلتزام بين الفكر والعمل. لا يحقّ للمفكّر، أو لمن يريد صناعة وبناء مستقبل لبنان والعالم العربي أن لا يكون ملتزمًا بفكره، وبروحيّة ما يقدّمه من آراء وأفكار... من هنا كان حبّي واحترامي لأنطون سعاده، بالرغم من اختلافي معه اختلافًا جذريًا في موقع لبنان في الشرق والعالم العربي. أنا ملتزم من "جلدي الى عظمي" بالقضية اللبنانية والولاء للبنان وحده (ليس فقط أولاً) قبل أي ولاء آخر. من هنا تشديدي على فصل الدين عن الدولة ليكون ولاؤنا للبناننا الوطن وليس لطوائفنا. 
أنا أؤمن انه كلما غصتَ في المعرفة، كلما اقتربتَ من الله ومن أخيك الانسان. إن المعرفة والأبحاث العلمية علّمتني أنه لا يمكنك أن ترى كيف تعمل الخلايا والجسد، وأن لا تركع بالنهاية أمام هيبة الخالق. إن أكبر مشروع بحثي هو ما يتعلق بالـ(Human Geno Project) الذي يؤكد أن نسبة الإختلاف بالـ(D.N.A.) بين انسان وآخر هو 0.01  بالمئة كحدٍ أقصى. ورغم كل هذه القواسم المشتركة بين البشر فإن الحروب تشتعل ويقع كل هذا الدمار والخراب، ويحصل كل هذا العنف والإرهاب والكراهية.
إن لبنان هو أكثر دولة في الشرق مهيّأ لفصل الدين عن الدولة. لبنان هو الدولة الوحيدة في هذا الشرق التي لا ينصّ دستورها على دين الدولة، كما هو حال الدول العربية التي دين الدولة فيها هو الإسلام. كما ان اسرائيل لا يمكنها أن تقيم دولة مدنية لأنها تصرّ على الرجوع الى الوراء مرة أخرى، وتؤكد على "يهودية" الدولة الاسرائيلية. لذلك فإن لبنان هو المكان الأفضل والأنسب والأساسي في العالم العربي للبدء ببناء الدولة المدنية على أساس فصل الدين عن الدولة.

الجامعة والتربية
وحول دور التربية في بناء إنسان جديد قال البروفسور سالم:
الجامعات في لبنان قامت بدورها التعليمي، لكن العلم بقي طلاءً خارجيًا فلم تغيّر الجامعاتُ الانسانَ تغييرًا جذريًا وبالشكل المطلوب. الخطأ، أن هذه الجامعات لم تعرف جيدًا حقيقة معنى التربية. إن التربية ليست عملية نقل المعرفة من الاستاذ الى الطالب. وهي ليست بأن يذهب الطالب الى المدرسة أو الجامعة لنيل المعرفة. انها عملية تدريب العقل وترويضه وتحفيزه لصنع انسان جديد بمفاهيم جديدة تواكب التطورات والتحديات في السياسة والاجتماع والصحة، وبالتالي الإنفتاح على عالمٍ جديد وعصر متجدّد ومفاهيم أكثر حداثة وعصرية وإنسانية.
لا تستطيع أن تصنع إنسانًا جديدًا بشعارات قديمة بالية أثبتت فشلها وعدم قدرتها على مواكبة التطورات العلمية الحديثة. وأنا أطالب منذ سنوات عديدة بالعبور من فلسفة التربية، كما هي اليوم، الى فلسفة جديدة تؤمن بأن التربية هي عملية صناعة الانسان الجديد. 
المطلوب، إذًا، تغيير برامجنا وفلسفة التعليم العالي في لبنان والعالم العربي. والمؤسف أن هذه التربية تتراجع منذ خمسين سنة. من هنا تشديدي على فصل الدين عن التربية. 
وحول موضوع (الاحباط) في ميادين الحياة كافةً قال سالم:
فلسفتي في الحياة أن لا نعترف بشيء إسمه (الإحباط). تعلّمت من ممارستي في معالجة السرطان والأبحاث فيها أنه ليس هناك حائط مسدود أبدًا. لم أرَ، خلال خمسين عامًا، مريضًا أستطيع أن أقول له: انتهينا، لا أمل!
ان الفلسفة التي "تقطع" الأمل للمريض أو للمواطن هي أخطر فلسفة.
نحن اليوم نواجه في لبنان وضعًا سياسيًا مأزومًا تلبّده غيوم الحقد والأنانية والمصالح. هناك غيوم سوداء وظلمة كبيرة. لكنه علينا جميعًا أن نحدّق بهذا الضوء الخافت البعيد، ونمشي باتجاهه، ولا نخاف الظلمة. أخطر أمرٍ هو الإحباط، والاعتقاد بأننا لا نستطيع أن نفعل شيئًا. هذا غير صحيح. إن من كانوا ضدّ الدولة المدنية، يدعون اليوم الى قيام مثل هذه الدولة. كل شيء قابل للتغيير والتنفيذ.
نحن نؤمن بأنفسنا، ونؤمن بعملية التغيير، وسوف ننجح. لنا وطن واحد اسمه لبنان، لا يمكن أن نتركه مهما كان أمره أو مرضه أو وضعه. نحن نقول لهذا الوطن: لا تَخَفْ نحن هنا. ولكي يكون لهذا الكلام معنى يجب أن يعمل كل واحدٍ منّا في إطار عملية التغيير لفصل الدين عن الدولة، لأنها البوابة الرئيسية للوصول الى قيام الدولة المدنية الحضارية.
لدى لبنان مقومات انسانية وجغرافية ومُناخية استئنائية. نحن شعب عظيم في دولة فاشلة. يجب أن نحوّل هذه الدولة الفاشلة الى دولة تليق بلبنان العظيم.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق