عيد الجيش/ روميو عويس
CONVERSATION
في متحف بيكاسو/ ابراهيم مشارة
"إن أعظم ما أردت تحقيقه وجدت بأن الخط العربي قد سبقني إليه منذ زمن"
"أتقن القواعد كمحترف حتى تتمكن من كسرها كفنان"
"حب الوطن شيء جميل لكن لماذا يريدون له أن يتوقف عند الحدود؟"
"كل طفل فنان المشكلة هي كيف يظل الطفل فنانا عندما يكبر؟"
بابلو بيكاسو
في قلب باريس النابض بالتاريخ وبعبق الفنون وسحر الكلمات الشعرية غير بعيد عن شقة فيكتور هوجو في الحي المعروف ب الماري في الدائرة الثالثة بناية عتيقة تعود إلى القرن السابع عشر والمعروفة ب هوتيل سالي والتي بنيت بين عامي 1656 و1660 كانت في أول الأمر قصرا ثم غدت مدرسة ثم فندقا ودشنت متحفا عام 1985 بعد أن آلت ملكيته للدولة من وريثته جاكلين بيكاسو ويحتوي على 5000 أثر فني لأعمال بيكاسو: لوحات، رسومات، تصاميم منحوتات مراسلات ومقتنيات فنية شخصية للرسام خاصة اللوحات التي تتعلق بصديقه هنري ماتيس ، كتب وأفلام...
بيكاسو الذي ولد في مالقة الإسبانية في 25 أكتوبر عام 1881 وتوفي في موجان بفرنسا في 08 أفريل عام 1973 هو بلا جدال أعظم فناني القرن العشرين وأكثرهم تأثيرا في مسيرة العالم الفنية بالنظر إلى الكم الكبير لأعماله وللمسة الإبداعية التي طورت مسار الفن بشكل عام .
لا شك أن بابلو رويز بيكاسو المنحدر من عائلة متوسطة لأب فنان وأستاذ للرسم والتصوير وأمين المتحف المحلي كان يتوفر على العبقرية والحاسة الفنية تلك التي تعهدها والده فمما يروى أن أول كلمة نطق بها الصبي "قلم رصاص" أي يريد أن يرسم وفي السابعة من عمره أتم رسما كان والده قد بدأه لحمامة وحينها أدرك الوالد أن الإبن تفوق على أبيه فدفع به إلى كلية الفنون بمدريد التي سرعان ما مل تقاليدها وقوانيها فظل يهيم على وجهه يرسم الفقراء والغجر إلى أن تهيأ له السفر إلى باريس عام 1911 وباريس ملاذ الفنان وحلم الشاعر وفنن يأوي إليه كل عصفور غريد وحمامة ملهمة في باريس عاش حينا هيمنغواي وباوند ومرغريت ميتشل وطه حسين وصادق هدايت وغيرهم وفي باريس التقى بيكاسو بصديقه الأبدي ماكس جاكوب الشاعر لكن حياته الأولى هناك لم تكن هينة فقد عاش فيها الحرمان والفقر وفي غرفة السطح التي كان يعيش فيها ويرسم عرف اللحظات الصعبة حتى
أنه كان يحرق رسوماته لتدفأ الغرفة في قر باريس عرف بعدها بيكاسو المجد والشهرة والمال فقد كان أشهر رسام في العالم بعد ذلك وأحد الأثرياء الكبار وتظل صداقته لماتيس أحد أهم الصداقات في حياته وفي المتحف كثير من اللوحات التي رسمها ماتيس وهي من مقتنيات بيكاسو الشخصية.
في المتحف اللوحات التي تؤرخ للمراحل الفنية الأربع لبيكاسو المرحلة الزرقاء من 1901 إلى 1904 وسيمت بهذا الاسم لسيطرة اللون الأزرق عليها وهي لوحات يطبعها الحرمان والحزن حيث عاش بيكاسو الحرمان والفقر في أول مراحل حياته وتعاظم بعد وفاة صديقه كارولس كاساجيماس وأشهر لوحة تمثل للمرحلة الزرقاء لوحة "عازف القيتار"
المرحلة الوردية من 1905إلى 1907 وهي اللوحات التي تمجد الشبق ونشوة الحب والفرح به حيث احتفى بيكاسو بالمرأة ورسمها في أوضاع مختلفة وفي بورتريهات عديدة لعل أش لوحات المرحلة الوردية بورتريه جيرترود شتاين
ثم المرحلة الإفريقية من1908 إلى 1909 وقد استلهم الفن الإفريقي وأخيرا المرحلة التكعيبية التحليلية والتركيبية ولعل لوحة" أوانس أفينيون" وهي لوحة لخمس نساء مرسومة بطريقة تقشعر لها الأبدان.
قال جورج براك حين رأى رسومات بيكاسو التكعيبية:" لقد جعلني أشعر وكان أحدهم يشرب البنزين ويبصق على النار" وغني عن البيان أن الفن التكعيبي يتوسل في الرسم الأشكال الهندسية مصطنعا الكرة والأسطوانة خاصة شكلا تعبيريا أي ستة وجوه.
بين مونمارتر ومونبارس تشكلت حياة بيكاسو الفنية مع ماتيس جورج براك والشعراء أبولينير وأندريه بيرتون وهناك نشط سو ق التكعيبية تلك المدرسة التي غيرت معالم الفن في القرن العشرين.
في المتحف كثير من المراسلات بين بيكاسو وفناني العالم وسياسيه ومشاهيره فقد كان بيكاسو شيوعيا وحصل على جائزة ستالين على الرغم من إدانته للحرب وعدم مشاركته في الحرب العالمية الأولى والثانية وكذا الحرب الأهلية الإسبانية التي أدان فيها الاقتتال كما أدان الفاشية وفرانكو ولعل لوحة جورنيكا بالأبيض والأسود التي أتمها عام 1937 تجسد حقا مأساة الإنسان ومأساة الشر الذي تعد الحرب مظهره الكبير .
وهناك جانب لا يمكن نسيانه في حياة بيكاسو كما أرخ لها ذلك المتحف ونعني بذلك حضور المرأة في حياة بيكاسو فقد كان كما اشتهر عنه زير نساء ولعل المرأة خير ملهم للفنان لذا احتفى بها الشعراء والكتاب والرسامون ولا تجد شعرا يخلو من لواعج الهوى وتباريح الغرام ولا تجد قصة لا تتودد إلى الأنثى ولا لوحة لا تتجمل بجمال الأنثى ولا قطعة موسيقية لا تعزف على أوتار القلوب قبل أوتار العود فالحب قدر الفنان والمرأة منفاه الجميل الفردوس والمحرق في ذات الوقت غير أن بيكاسو أسرف على نفسه كثيرا فمن الآنسة فرناند اوليفير البوهيمية إلى أولفا خوخلوفا الروسية الراقصة إلى ماري تييز والتر العشيقة ثم الزوجة فرانسواز جيلوت التي ألفت كتابا عنوانه "الحياة مع بيكاسو "اشتكت فيه من خياناته إلى جاكلين روك الزوجة الأخيرة التي انتحرت عام 1985 والعديد منهن التي لا يتسع المقام لذكرهن.
حين كنت أقضي ذلك اليوم الجميل والشاعري في رحاب رسومات بيكاسو ظلت مقولة له ترن في أذني وتتغلغل في روحي تلك المقولة:" أتقن القواعد كمحترف حتى تتمكن من كسرها كفنان"
ففي المتحف كثير من اللوحات الكلاسيكية التي لا تختلف عن روائع دافنشي حتى أن لوحة كلاسيكية استوقفتني طويلا رسمها بيكاسو لما كان عمرة 17 عاما واقترب مني رجل وهمس في أذني: إن كثيرا من الزوار لا يتأملون تواريخ رسم اللوحات وأشار هذه مثلا لما كان فتى ألا ترى دلائل العظمة والتفرد والعبقرية من فتى صغير؟ وبالمناسبة فكثير من أدعياء الحداثة يخرجون على القواعد دون إتقانها هذا يكتب ما يسميه قصيدة نثر ولا يعرف حتى كتابة عروضية وذاك لم يقرأ كتابا قديما للجاحظ أو يفهم قصيدة لامرئ القيس ومع ذلك تراه ينحى باللائمة على التراث وهو جاهل جهلا مؤسسا تساهم جامعات العالم العربي اليوم في توضيبه في شهادة عليا إنه الجهل المؤسس والموضب في شهادة عليا.
قلت ذلك عطفا على خروج بيكاسو على قواعد الرسم الكلاسيكية لا لجهل بها ولكن رغبة في التحرر والإبداع وفتح طرق جديدة فالطرق المعبدة ليست جميلة دائما ولا مثيرة بل الدغل ساحر ومغري ومثير على الرغم من مخاطره.
سيظل بيكاسو منارة شامخة في الفن الحديث وستظل لوحاته منهلا لكل عشاق الفن الجميل والرائع والإنساني
CONVERSATION
كلمة الافتتاحية في توقيع كتاب "أنا أنا، وهم وهم" للأديبة كريستيان بلان/ بسكال بلان النشار
في كنف بلدية سن الفيل وضيافة رئيسها الدكتور نبيل كحاله، وصداقة وحفاوة مديرها السيد الاستاذ جورج مغامس، احتمعنا اليوم في هذا الصرح الثقافي الكريم، بدعوة من "كريستيان بلان" الأديبة التي خط قلمها قبل،
"أنا... أنا، وهم... وهم"،
الكتاب الذي حضرنا اليوم للتعرف إليه وبه، أربع مؤلفات أولها:
لحظة: - لحظة عمر رسمت طريق العمر...
انطلاقة الفراشاة: -حناحان منطلقان نحو الحياة...
النفق: -إدراك وتمعن بالشؤون الإجتماعية من كل جوانبها...
انتهاكات: -أصبع على الحقيقة التي غالبا ما يحاول الانسان تجاهلها من باب الحيطة والحذر...
عناوين تحاكي الفكر بوضوح، والمضمون والاسلوب مصقولان لخدمة المواضيع...
وقد نقلت الكاتبة، من خلال كتبها، تجارب جمة ومعرفة عالية، حصلتها عبر اختلاطها المبكر وانخراطها منذ صغر سنها بالجمعيات الاجتماعية والنشاطات والمخيمات التوجيهية، كما اشتراكها وتنظيمها وتدريبها لاحقا، لمن لحق واهتم بالشأن العام وبالأطفال بشكل خاص، فأصبح هاجسها الأول، الانسان، حقوقه واجباته واسلوب عيشه.
والآن، ههنا:
وقد دعتنا الكاتبة "كريستيان بلان" إلى توقيع كتابها:
"أنا... أنا، وهم... وهم" وفيه، به أنغام قلبها وروحها، يراقصان عقلها، على إيقاع الحلم من نافذة الواقع، وهي واقعية...
طرقت باب الشعر وصاحت "أنا... أنا،" ووضعت بين النظرات كما من الحيرة والتعحب حول من "هم... وهم" !، وما الذي تحاول "كريستيان بلان" توضيحه من خلال غزوها
ال"أنا...أنا، وهم...وهم" !،
فنسمع في عقولنا وقلوبنا القول الشهير ل ديكارت
أنا أفكر... آذا ... أنا موجود"...
تشعل "كريستيان بلان" نار الرغبة في الوجود وتتقصد إيقاظ النفوس النائمة، تحثها على اكتشاف "أنا"ها، وإحاطتها بالمودة والإحترام، وتقول: " أنا... أنا، بكل ثقة وتحب الآخر كنفسها.
هي... هي و"أنا"ها، أميرة، كريمة...
هي، التي دعتنا بكل حب لمشاركتها فرحة الكلمة الراقية، وقدمت كتابها هدية، الأديبة "كريستيان بلان" شكرا للدعوة وإلى المزيد...
CONVERSATION
في الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد.. المغرب القاطرة الاستثنائية/ حسن العاصي
باستثناء بريطانيا التي تَعتبر الجالس على العرش قائداً رمزياً للأمة ورئيساً للكنيسة الكاثوليكية، فإن الملكيات الأوروبية الأخرى يقتصر احتفالها بأعياد الجلوس على العرش ببروتوكول عائلي. حتى في الملكيات العربية فإن معظمها لا يحتفل بعيد الجلوس. لكن الأمر يختلف بصورة جذرية في المغرب، لأن عيد العرش تأسس وتم الإعلان عنه بإرادة سياسية للحركة الوطنية المغربية في ثلاثينيات القرن الماضي، التي أرادت بهذا الإعلان ترجمة الحراك الشعبي الوطني السياسي المقاوم للاستعمار وخططه وأهدافه وأطماعه. وهذه ميزة عيد العرش الكبرى في المغرب لأنها تعكس التحول في الوعي السياسي للمغاربة، وتعبر عن خيارهم في التمسك بالدولة الوطنية ووحدتها السياسية والجغرافية عبر رمزية الجالس على العرش الذي يعتبر عنواناً للسيادة. وبهذا أراد الشعب المغربي وقواه الوطنية أن يكون ردهم الواعي على المخططات الاستعمارية الفرنسية بصورة رئيسية، التي كانت تهدف إلى تقويض دعائم الدولة القائمة في المغرب.
ومما يلاحظه أي متابع ومراقب للوضع المغربي أن واحدة من أهم مميزات المملكة المغربية الشقيقة هي تلك العلاقة الوثيقة والروابط المتينة التي تجمع ما بين مؤسسة العرش الملكي وجلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين رعاه الله من جهة، وبين عموم الشعب المغربي الأصيل وشرائحه المتعددة من جهة أخرى.
وشائح العلاقة الشعبية مع العرش، تبدت بصورة جلية حين التف الشعب المغربي والحركة الوطنية حول العرش الملكي كرمز للوحدة الوطنية واستمراراً للدولة، واتضح أيضاً من خلال ما قدمه السلطان "مولاي بن يوسف" من تأييد ومساندة للحركة الوطنية في نضالها ضد المستعمر من أجل الاستقلال. حيث رفض الشعب المغربي رفضاً قاطعاً أي مساس بسيادة الوطن، وثار في وجه المستعمر البغيض الذي
حاك مؤامرة نفي السلطان والعائلة الملكية، وحاول تنصيب سلطان بديل، مما تسبب في اندلاع شرارة ثورة "الشعب والملك" في العشرين من آب العام 1953 دفاعاً عن العرش الملكي ووحدة البلاد وسيادتها، ولم تنتهي هذه الثورة إلا بعودة السلطان الشرعي من منفاه والإعلان عن بشائر الحرية والاستقلال.
لذلك تكتسي مناسبة عيد العرش المجيد بعهد جلالة الملك محمد السادس أمد الله في عمره، في ذكراها العشرين أهمية استثنائية في معانيها التاريخية والوطنية المتجذرة في نفوس المغاربة. إذ كان الاحتفال بعيد العرش في عهد الاستعمار واحد من أهم الأساليب التي تناضل بواسطتها الحركة الوطنية المغربية في ثلاثينيات القرن العشرين، بسبب دلالاته ورمزيته التي عكست وعياً مبكراً بأن أهداف الشعب والحركة الوطنية الشابة ومؤسسة العرش الملكي واحدة في التحرر من نير الاستعمار والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها، وأن هذا لن يتحقق إلا بالتفاف الجميع حول السلطان ومؤسسة العرش كضامن وعامل وحدوي.
مهندس الإصلاحات المغربية
منذ اعتلائه العرش العام 1999 أبدى جلالة الملك الشاب محمد السادس أدامه الله بعزه، حرصاً شديداً على البدء بإجراء تحولات متعددة وعميقة في بنية المجتمع المغربي من أبرزها وأكثرها تأثيراً على مسار المملكة، تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004 كتعبير عن الإرادة الملكية في صياغة مفهوم جديد للسلطة يقوم على طي صفحة الماضي، والتعويض عن الأضرار لذوي الحقوق، وإجراء عدد من الإصلاحات طالت المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وتعزيز حقوق الإنسان في المملكة.
المرأة المغربية ومكانتها وحماية حقوقها كانت في صلب مسيرة الإصلاحات التي قادها الملك الشاب، حيث تم إصدار مدونة الأسرة العام 2004 كخطوة تشريعية هامة جداً في طريق صيانة حقوق المرأة والأطفال، والدفع باتجاه تعزيز وضعية المرأة المغربية اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً، وكذلك الذود عنها بوجه كافة أشكال العنف. على صعيد القضاء وضع جلالة الملك محمد السادس قضية الإصلاح الشامل للقضاء في مقدمة اهتماماته، لما يحظى به القضاء من مكانة في ترسيخ دولة الحق والقانون، وضرورة فصل القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهذا ما يتضح بصورة بارزة في دستور عام 2011.
اقتصادياً، حقق المغرب تطوراً هاماً وملحوظاً في مختلف القطاعات الاقتصادية، وبذل جهوداً لتوفير مناخات ملائمة للاستثمارات الخارجية، وبناء منشآت اقتصادية ضخمة في أكثر من موقع، مثل ميناء طنجة، ميناء الدار البيضاء، بناء المدن الصناعية، تقوية شبكة الاتصالات، توسيع شبكة السكة الحديدية، إنشاء وتوسيع شبكة الطرق السيّارة، بناء وتأهيل وتوسيع المطارات ومحطات القطار بصورة عصرية. وجذب رؤوس الأموال الأجنبية التشغيلية في قطاع صناعة السيارات والطائرات، تحسين النظام التعليمي، الاهتمام بالأرياف وتحديثها.
وكانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد انطلقت في المغرب العام 2005، بهدف تقليل نسبة الفقر والأمية ومواجهة التهميش والإقصاء الاجتماعي، والاهتمام بالإنسان والأحياء الفقيرة. وتم تنفيذ العديد من المبادرات على مستوى كامل التراب الوطني للمملكة لتحسين مستوى معيشة المواطن، ودعم الفئات الأكثر حاجة وصعوبة. وتضطلع "مؤسسة محمد السادس للتضامن" بدور مهم في هذه المسيرة التنموية.
الخطوة السياسية الهامة والعميقة الأثر ذات الدلالات التي أقدمت السلطات المغربية على تحقيقها هي صياغة دستور جديد للمملكة في العام 2011، كاستجابة فورية للمطالب الشعبية للشارع المغربي الذي رفع شعارات الحرية والعيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، بعد أن شهدت عدة دول عربية حراكاً جماهيرياً يطالب بالإصلاح والتغيير. وهذا يدلل بصورة لافتة على ذكاء ودينامية مؤسسة الحكم المغربية التي حرصت على التقارب وتلبية مطالب الشعب في بناء دولة الحق والقانون.
بالرغم من الإنجازات الهامة المتنوعة والملحوظة التي حققها المغرب في كافة القطاعات خلال عشرون عاماً المنصرمة، إلا أن طريق التطور الاقتصادي والاجتماعي لا زال يفرض تحديات كبيرة أمام الجهات المسؤولة في المملكة، وهذا ما دفع جلالة الملك محمد السادس إلى الدعوة لتشكيل مشروع تنموي نموذجي حديث، يتجاوز الأشكال التقليدية ويؤسس لمبادرات تنموية إبداعية تجتهد في ابتكار حلول جديدة للإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية القائمة.
الثقل الأفريقي
انفتح المغرب بصورة لافتة في عهد جلالة الملك محمد السادس على القارة الأفريقية، حيث جعل جلالته القارة السمراء في محور اهتمامه وسياسته الخارجية، لذلك قام بعشرات الزيارات إلى العديد من الدول الأفريقية، كانت من نتائجها التوقيع على عدة اتفاقيات وشراكات اقتصادية، وأدى إلى تعزيز الحضور المغربي في المشهد الأفريقي، وصياغة علاقات جديدة مع العمق الأفريقي تقوم على قيم التعاون والمشاركة والتضامن والمصالح المشتركة. ولذلك قامت السلطات المغربية بتسوية أوضاع آلاف الأفارقة القادمين من بلدانهم والمقيمين في المغرب بصورة غير شرعية.
العلاقات العربية
سعى المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس حماه الله نحو بناء علاقات سليمة مع الدول العربية الشقيقة قائمة على احترام السيادة الوطنية، ومبادئ الأخوة المشتركة التي يفرضها التاريخ وروابط الدين والجغرافيا والتضامن والتآخي. وحرص المغرب على اتباع سياسة متوازنة غير منحازة في علاقاته العربية. وحازت قضية الأمن القومي العربي وتحقيق النهضة على اهتمام المغرب المؤهل أن يكون مستقبلاً قاطرة استثنائية إقليمية مهمة ونموذجاً يحتذى عربياً، خاصة في ظل التراجعات التي تشهدها عدة بلدان عربية.
المغرب وأوروبا والعالم
أصبح المغرب شريكاً استراتيجياً مهماً للاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية في عدة قطاعات اقتصادية وسياسية وأمنية. ويتعاون الجانبان بصورة وثيقة في مجال مناهضة التطرف والإرهاب، ومواجهة الفكر المتشدد، ونشر النموذج المغربي عن الإسلام الوسطي المعتدل. وقد نظم المغرب عدة منتديات ومؤتمرات في هذا السياق لمناقشة القضايا المرتبطة بالتحديات والتقدم المتعلق بالأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط ومنطقتي الساحل والصحراء، هدفها تقوية العلاقات وتعزيز التضامن.
كما تمكن المغرب من جذب استثمارات ضخمة خاصة في صناعة السيارات والطائرات وقطع الغيار. وارتبط المغرب بعدة اتفاقيات للفلاحة والصيد مع الاتحاد الأوروبي. ويتبنى المغرب سياسة تعتمد مقاربات اقتصادية وسياسية وثقافية وأمنية مع أوروبا لخلق شراكات مستقبلية تقوم بتهيئة بيئة فكرية وإعلامية للتعايش والتعاون بين شعوب المنطقة.
يبذل المغرب جهوداً لتفعيل دور التكتلات العربية والإقليمية مثل الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي كي تضطلع بدورها في تطوير العلاقات العربية-العربية من جهة، والعلاقات العربية- الأفريقية، والعربية – الأوروبية من جهة أخرى، لتجاوز كافة الخلافات والتعارض والإشكالات السياسية التي تعطل مسيرة التعاون والتنمية المشتركة.
على المستوى الدولي تبنت المملكة المغربية سياسة تدعو إلى تعزيز ثقافة الحوار بين الأديان خاصة بين الإسلام والمسيحية، وتوطيد أواصر الروابط الإنسانية المشتركة، ونشر خطاب المحبة والتضامن والتعاون والتعايش بين الأمم والشعوب. ومواجهة ثقافة العنف والتطرف الديني والإرهاب والإقصاء والأفكار المتشددة لدى كافة الأديان والشعوب والثقافات. إن هذه الرؤية للمملكة تستمد قوتها وتأثيرها من التاريخ والجغرافيا التي صنعت من المغرب موطناً للتسامح واحترام الآخر بغض النظر عن معتقده وعرقه، وتقاطع للثقافات الإنسانية المختلفة.
فلسطين في قلب المغرب
من أجمل الكلمات وأهم المواقف التي تسمعها حين تكون في المغرب، أن فلسطين ومدينة القدس قضية وطنية تهم الشعب المغربي وقيادته. مشاعر تعكس نبل وأصالة هذا الشعب الشقيق العريق الذي يحتضن ويدعم القضية الفلسطينية دون كلل أو ملل. إن فلسطين بقدسها وكافة أماكنها المقدسة احتلت موقعاً دينياً وفكرياً وروحياً راقياً قل نظيره في تاريخ البشرية، حيث هي مولد الأنبياء وملتقى الديانات السماوية. على أرض فلسطين نشأت أعرق الحضارات، وفي مدينة القدس مهبط الأنبياء ومسرى خاتمهم. ما من مدينة في التاريخ نالت هذا الاهتمام العالمي والإنساني النابع من وجدان البشرية وقيمها الحضارية والروحية، كما نالت مدينة القدس.
فمن الطبيعي أن تكون فلسطين ومدينة القدس محط أطماع المستعمرين قديماً وحديثاً، لما تتمتع به من مكانة دينية وتاريخية. لأجلها تم خوض الحروب الطاحنة على مر التاريخ، لذلك استنهضت -ولا زالت- فلسطين وقدسها همم الأمتين العربية والإسلامية. ولهذه الأسباب تبرز القضية الفلسطينية وفي صلبها قضية مدينة القدس في مقدمة القضايا التي تستحوذ على اهتمام الرأي العام العالمي منذ سبعون عاماً. إذن لا غرابة أن يترأس جلالة الملك محمد السادس رعاه الله لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي. فمدينة القدس كانت محط اهتمام ورعاية كبيرين من قبل الأشقاء المغاربة على مر التاريخ، وكان لها مكانة رفيعة لدى كافة السلاطين والملوك والمسؤولين الذين تعاقبوا على العرش في المغرب.
القدس المغربية
ارتبط المغرب بالقدس الشريف منذ الفتح الإسلامي، لأن الله أكرم هذه المدينة المقدسة حين جعلها أولى القبلتين بداية، ثم اختارها لإسراء ومعراج النبي محمد "صل" الذي قال "لا تشد الرحال إلا لثلاثـة مساجـد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هـذا" فتوافد على المدينة المقدسة آلاف الزائرين من المغرب. في عهد دولة المرابطين زار القدس الشريف القاضي "أبو بكر بن العربي" الذي جاء بصحبة والده الإمام "عبد الله" مبعوثاً من قبل "يوسف بن تاشفين" إلى "المستظهر بالله" العباسي. ومن أبرز الأعلام المغربية التي زارت مدينة القدس "الشيخ صالح بن حرزهـم، القاضي بدر الدين بن سعيـد، محمد بن سالم العزي، والرحـالة المغربي الشهير ابن بطوطة، أبي الحسن الواسطي، أبي عبد الله بن سالم الكناني، علي بن أيوب المقدسي، شمس الدين الخولانـي، محمد بن تباتة، والمقرئ صاحب نفح الطيب.
كما شارك المغاربة بقوة في كافة الحروب التي خاضها المسلمون لمدة قرنين، لاسترداد مدينة القدس من الصليبيين، خاصة في عهد "صلاح الدين الأيوبي" حيث كان المغرب تحت حكم دولة الموحدين يمتلك أسطول بحري ضخم، فأمر "أبي يوسف يعقوب المنصور" بتوجه مائة وثلاثون مركباً كان لهم دوراً مهماً في وقف زحف أسطول النصرانيين على الشام. وتطوع المغاربة في جيش "نور الدين زنكي" واستشهد العديد منهم في ساحات المعارك. ومنهم من آثروا البقاء في فلسطين لأداء واجب القتال وأنشأوا حارة المغاربة في أقرب مكان من المسجد الأقصى، ثم توسعت وأصبحت حياً يحمل نفس الاسم. ولا تزال الأوقاف المغربية قائمة للآن. كما أن ملوك الدولة المرينية التي خلفت دولة الموحدين في المغرب كانوا ينسخون بأنفسهم نسخاً من المصحف الشريف بخط أيديهم ويرسلونها إلى القدس والمسجد الأقصى وإلى الحجاز أيضاً.
استمر اهتمام الدولة العلوية بالقدس منذ بداية حكمها في القرن السابع عشر، ولم يتوانى أي من ملوك وسلاطين الدولة العلوية المجيدة عن إرسال الوفود المحملة بالهبات إلى مدينة القدس في كل عام حتى في أحلك الظروف الاقتصادية.
لم تنقطع هذه الصلة بين المغرب والقدس حتى أثناء وقوع المغرب تحت الحماية الأجنبية. فواصل جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله وقبله "مولاي يوسف" إرسال البعثات إلى الرحاب المقدسة. وقد أمر تغمده الله برحمته أن يتم فرش المسجد الأقصى بالسجاد المغربي الشهير أثناء زيارته لمدينة القدس أواخر خمسينيات القرن العشرين.
بعد النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني في العام 1948 وأدت إلى سقوط فلسطين في يد الصهاينة، قامت القوات الإسرائيلية بنسف الحي المغربي، وصادرت أملاك الوقف المغربي
حين قام الصهاينة بحرق المسجد الأقصى العام 1969 فإن أول من أدان الجريمة هو جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله ودعا في حينها إلى عقد أول مؤتمر قمة إسلامية في مدينة الرباط تمخض عنه تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي ذات القمة تولت المغرب بشخص ملك البلاد رئاسة لجنة القدس ومازالت رئيساً لها للآن، حيث قال جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بوافر رحمته حينها أن "يعتبر قضية القدس الشريف قضيته الأولى، وقضية كل مواطـن مغربي وكل مسلم في جميع أنحاء العالم"
فمن الطبيعي أن يكون جلالة الملك محمد السادس حفظه الله سبّاقاً إلى رعاية المدينة المقدسة، ومد يد العون للشعب الفلسطيني ودعم قضيته الوطنية. وتأكيد جلالته بكل مناسبة على أن القدس الشريف هي عاصمة الدولة الفلسطينية المرتقبة. ومطالبته أن تكون المدينة فضاءًا مفتوحاً لكافة الأديان ولتلاقي جميع الثقافات الإنسانية.
همسة وفاء
احتفال الأشقاء المغاربة بعيد العرش ليس مهرجاناً بروتوكولياً، بل إنها مناسبة وطنية تحتل مكانة في قلوب الشعب المغربي لما لها من دلالات رمزية عنوانها العلاقة الوثيقة التي تشكلت عبر التاريخ بين العرش الملكي وعموم الشعب المغربي، وهي الضامن الأهم لقوة المملكة ووحدتها في محيط إقليمي مشتعل بالأحداث، وواقع دولي مضطرب ومثقل بالصراعات.
نهنئ الأشقاء المغاربة ملكاً وحكومة وأحزاباً وشعباً بعيد العرش المجيد، ونرجو من الله العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك محمد السادس المساند والداعم للشعب الفلسطيني وراعي مدينة القدس الشريف، ونسأل المولى للمغرب العظيم – مغرب التعدد العرقي والجغرافي والثقافي – أن يظل بلداً حراً موحداً مشرقاً مزدهراً، ونتمنى لشعبنا المغربي العريق التقدم والرخاء الذي يستحقه.
CONVERSATION
حيرة / إسراء عبوشي
ل يصبح حبي شذرة الغد؟!
أضاء نجم حبنا فجاة
وقادنا لمسار لم نألف له دليل
اتبعت القلب
مرغما أو طائعا!
فهل ستعود لتنبش رماد الصور
من مدفئة شتاء لم يرَ أمانينا المعلقة على إدراج الريح
وقد حل الصيف
ولبس البحر إشراق وجهك
وثار لنبضك
اتيتني وفي بالك الف سؤال
وكان جوابي في حيرة عينيك
لم تولد أمانينا سفاحا
ولم تتخطى المعجزات
كنت في انتباهة حلم
خلسة تبادلني النظرات
فلا تكلني لشرودي
وضمني بخافقيك
اليوم وغدا واصنع لاجلي المستحيل
ورتب العمر من جديد
واتبع عينيك
عيناك اصدق منك
عيناك منارة القلب
عيناك حلم المسافرين بالليل الطويل
ومرسى الحياة
وانتباهة الزمان
عيناك قبلة القدر على جبين الروح والقلب ...
إسراء عبوشي
CONVERSATION
هل رعشة ميركل ستودي بها لترك الحكم؟/ أحمد سليمان العمري
انشغل الرأي العام الألماني الأسابيع السالفة بالوضع الصحي للمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" عندما انتابتها الرعشة الشديدة الملفتة للنظر بساقيها ويديها وشفتيها وجميع جسدها أثناء استقبال الرئيس الأوكراني "فولوديمير سيلينسكيج" يوم الثلاثاء 18 يونيو/حزيران أثناء وقوفهما أمام سريّة حرس الشرف الألمانية والنشيد الوطني. ولقد برّرت في اللقاء الصحفي الذي جمعها مع نظيرها الأوكراني أنّ سبب نوبة الرجفة التي انتابتها يعود لقلّة تناولها الماء في ذلك اليوم وحرارة الطقس. وهذا ما أدلى به الرئيس "سيلينسكيج" حيث قال أنها أثناء وقوفها لجانبه كانت بصحة جيدة.
لم تلبث كثيراً حتى عاودت ذات النوبة الدكتورة ميركل مرة أخرى وبشدّة يوم الخميس 27 يونيو/حزيران وتحديداً بعد تسعة أيام في برلين قصر "بيلفيو" عند تقديمها وزير العدل الإتحادي الجديد "كريستين لامبريشت" أوراق الإعتماد بحضور الرئيس الفيدرالي "فرانك فالتر شتاينماير"، حسب ما أفاد مصوّر من وكالة الأنباء الألمانية الذي عرض عليها كوبًا من الماء لم تقبله.
ما أن شارف الشارع على الإنتهاء من الحديث عن نوبات السيدة "ميركل" حتى فاجأتهم الثالثة أثناء استقبالها يوم الأربعاء في 10 يوليو/تموز رئيس الوزراء الفنلندي "أنتي رين" حيث أفاد شهود عيان أنّها أصيبت مرة أخرى بذات النوبة أثناء وقوفها على المنصّة والنشيد الوطني، غير أنّها لم تكن بشدّة النوبات اللاتي سبقن. وتعتبر هذه الحالة الثالثة المثبتة في غضون ثلاثة أسابيع.
لم تترك المستشارة الألمانية هذه المرة للصدفة بعد النوبة الأخيرة والمرفقة بهجوم المستائين من سياستها بشكل عام وآخرين استثمروا وضعها الصحي السيء حتى انهالوا عليها بوابل من العبارات المحرّضة على تركها الحكومة، فلجأت لخيار آخر أثناء استقبالها بعد يوم واحد من الحادثة الأخيرة رئيس الوزراء الدنماركي الجديد "ميتا فريدريكسن" نهار الخميس أمام مقر الحكومة في برلين، حيث جلست ومعها نظيرها جالس لجانبها أثناء النشيد الوطني الدنماركي والألماني.
يبدو أن السيدة "ميركل" قد أُجبرت على هذا التصرّف هرباً من احتمالية حدوث نوبة رابعة قد تثير زوبعة هي الآن بغنى عنها.
تفاوتت ردود الفعل سياسياً وشعبياً في بقاء المستشار "أنجيلا ميركل" في الحكم أو اعتزالها الأمر بين مدافع وآخر يطالب بفتح بوابة النقاش مثل رئيس المكتب الإتحادي السابق لحماية الدستور"هانز جورج مايسن" حيث نشر تغريدة على موقعة الخاص في تويتر عن ضرورة فتح حوار حول الحالة الصحية للمستشار ونوّه إلى أنّ صحة رئيس الحكومة ليست مسألة خاصة ومن حق الشعب الألماني أن يعرف ما إذا كانت المستشارة في وضع يسمح لها بممارسة مهامها السياسية أم لا. ويُعتبر "مايسن" واحد من الذين انتقد سياسة ميركل في الهجرة.
أمّا تعليق رئيس حزب الخضر "أنالينا بربوك" في مؤتمر صحفي غلب عليه التهكّم فيما يتعلق بوضع "ميركل" الصحي، الذي أثار غضباً شديداً عند الكثير والبعض وصفه بالجارح حيث قالت: "من الواضح أنّ صيف هذا العام وتبدّل المناخ له آثار صحية على المستشارة وأنّ الآخرى تتأثر أيضاً بدرجات الحرارة المرتفعة".
وفي الوقت نفسه ترى زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي "أنيغريت كرامب-كارنباور" نفسها مضطرة للتعليق على ما يتردّد حول الوضع الصحي "لأنجيلا ميركل" المتكرّر في مقابلة أجرتها أثناء وجودها في دولة الإحتلال حيث طمأنت عن وضع المستشارة الصحي الجيد من خلال المكالمات الهاتفية التي تجريها معها بشكل دائم، وقالت أنّ العالم ينظر إليها الآن بشكل خاص ومميز.
أمّا النائب والمتحدّث الرسمي بإسم الحكومة السيدة "أولريكه ديمر" فقد نفت وجود أي مشكلة صحية، وقالت أنّ المستشارة بحالة صحية جيدة، وليس هناك أي داعٍ للقلق.
وكذلك طمأنت "ميركل" الجهور في مؤتمر صحفي وقالت: "يبدو أنّني عانيت بعض الإرهاق لكنني بخير وكل شيء على ما يرام".
لم يكن الإعلام ورواد المواقع الإجتماعية بذات المزاج والتسامح الذي بدا من بعض السياسيين الألمان. فمثلاً راديو "أنتينه ميونيخ" أوكل قارئ الشفاه "جوديث هارتر" بفك الكلمات التي بدا أنّ المستشارة تحدّثت بها أثناء نوبة الرجفة التي كانت تعتريها في اللقاءات الثلاثة الأخيرة، وكانت النتيجة التي خرج بها الآخر هي: "أنا أستطيع أن أفعل ذلك". من الظاهر أنّها كانت تستعد لأي لحظة قد تنتابها النوبة لتعطي نفسها الشجاعة والثبات.
أمّا رواد مواقع التواصل الإجتماعي فكانوا أكثر حدّة وحيناً كراهية بحيث وصفهم مدير تحرير جريدة "فرانكفورتر ألجيماين" "بيرثود كولر" كالضباع تدور حول الجيفة، وهم سعداء لأن ميركل قد تكون صحياً في أسوأ حالاتها.
أمّا الإعلام الروسي فكان هو الأسوأ على الإطلاق، فالتلفزيون الحكومي بدأ البرنامج الذي يُظهر الفيديو بعنوان " بدأت ميركل ترتعش في لقائها مع سيلينسكيج". وقنوات تلفزيونية أخرى وصفت لقاءها مع "سيلينسكيج" بصدمة كهربائية وتعليقات على هذه الوتيرة.
الأمر فيما يتعلق بإستمرار حكومة المستشار الألمانية لم يُترك للصدفة أو لمزاج سياسي معارض أو غوغاء المواقع الاجتماعية، بل بيّنه ما يسمّى بـ الخدمة العلمية في البرلمان في عام 2014م فحدّد قواعد للحالات المرضية في حالات عدم تمكّن المستشار الإتحادي من ممارسة مهامه الرسمية بشكل مؤقت، فنصّ القانون على أنّ المستشار له الحق ومن واجبه تعيين نائب له بشرط أن يكون وزيراً فيدرالياً. والمعتاد أن يكون نائب المستشار هو سياسي في حكومة الائتلاف. حاليا هو "أولاف شولز".
سبق ومرضت "ميركل" مرتين، الأولى في عام 2011م بعد عملية جراحية في الركبة. والثانية في عام 2014م بعد حادث تزلج، لكنّها واصلت العمل من خلال المنزل وعادت بعد ذلك بوقت قصير إلى مكتبها.
أمّا رأي الأطباء حول حالة الدكتور "ميركل" فهي متضاربة نوعاً ما، فهناك من يقول قلّة السوائل وكثرة القهوة، وآخر يرجيء حالتها إلى الضغط النفسي والجسدي بحكم عملها. أمّا الطبيب الخبير الذي تحدّث في لقاء لصحيفة "فوكوس" "يعقوب بيرغر" أنّه لا يستبعد وجود مرض مزمن وليس بخطير، فشابهت حالتها "شلل الرعاش" إلّا أنّ رعشتها كانت بالنسبة لهذا المرض قصيرة، بالإضافة إلى أنّها استمرت بعد مرور النوبة بشكل طبيعي.
مع هذا وذاك لا تزال هناك علامة استفهام وراء أعراض الضعف المتكررة للسيدة "ميركل" وتقرير الطبيب الأخير، رغم أنّه لم يثبت أي حالة مرضية خطيرة، ولكنّه لم ينفِ بذات الوقت. ولو أخذنا النوبة التي حصلت معها أثناء زيارتها للمكسيك في عام 2017م بعين الإعتبار لوجدنا أنّ سؤال العامّة حول الرجفة التي تعتريها بين حين وآخر مبرّرة.
هل مناقشة الوضع الصحي للمستشار يجب أنّ يكون علانية؟ أم أنّ المسألة الصحية تعتبر أمراً خاصاً من حقّها هي وحدها الحديث عنه أو المطالبة من الرأي العام في الإحجام؟ لا أظنّ أنّ السيدة "ميركل" تعاني مرضاً خطيراً يهدّد صحتها في حال استمرت في مركزها.
لفت نظري أثناء متابعتي الصحف الألمانية حول الوضع الصحي "لميركل" وجود فقرة في القانون كانت لي مجلبة للضحكات "لا يحتاج المستشار الفيدرالي تقديم تقرير مرضي" فكم هي الأيام التي يعمل بها كثير زعماء العرب؟ ولو قارنا وضع "ميركل" الصحي مع كثيرهم لقلنا أنّها فتاة إبنة الـ 20 عام.
CONVERSATION
الاختراع العلمي عند عباس بن فرناس/ د زهير الخويلدي
"كان يجري التجارب، ليتأكد من صحة كل ما يتوصل إليه، ولم يكن يقتنع بظاهر الأمور فقط، كما كان يتحقق من الأمور قبل عرضها على الناس وإقناعهم بها"
ولد أبو القاسم عباس بن فرناس التاكرني سنة 810 ميلادي في رندة بالأندلس زمن قيام الدولة الأموية من عائلة أمازيغية ودرس في قرطبة التي توفي فيها سنة 887 ميلادي وكان مقربا من الساسة وموضع غيرة من الفقهاء وظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره وتبحر في الحكمة والشعر والعلوم وبرع في الكيمياء والرياضيات والفلك والفلسفة والموسيقى ولكنه اشتهر في مجال الاختراعات العلمية والصناعات المبتكرة.
لقد كان له السبق التاريخي والعلمي في صناعة أول قلم حبر وذلك بوصله باسطوانة مملوءة بالحبر وتمكن من صناعة نظارات طبية للرؤية المتفحصة واقتدر على تصميم ساعة مائية أطلق عليها تسمية "الميقاتة" وأوجد طريقة لاستخراج الزجاج من مادة السيليكا ولقد تمكن من تقطيع الأحجار بدل إرسالها إلى مصر.
لقد اخترع المنقالة وهي آلة لحساب الزمن ووصف للناس عدة أدوية من الأعشاب لمعالجة الأمراض وكان أول من أوجد طريقة في الأندلس لكي يفك بها ألغاز وصعوبة كتاب العروض للخليل الفراهيدي.
لقد بنى في بيته قبة كنموذج يحاكي به السماء صور فيها الأجرام والسحب والصواعق والبروق والرعود وقام بصنع ذات الحلق وهي مجموعة من الدوائر والحلقات التي تحاكي حركة النجوم والكواكب السيارة.
كما برع في صناعة الشعر حتى أنه أصبح شاعر الأمويين في الأندلس ولكنه اهتم كذلك بالطب والكيمياء والصيدلة وعمل على تطبيق ما يتعلم من معارف نظرية ويقوم بتجارب عديدة ولقد ابتكر رقاص الإيقاع.
لقد انتقلت جميع اختراعاته العلمية إلى الحضارة الغربية ولقد عرف في اللاتينية باسم Armen Firman وإذا كانت السخرية والاتهامات قد لحقته من أبناء ملته فإن الإعجاب والإشادة بعبقريته قد وسمت أعماله في الملل الأخرى وبالخصوص محاولته الجريئة في التحليق عام 880 ميلادي قرب قصر الرصافة بقرطبة ويعلن عزمه على الطيران بصناعة جناحين مثل الطيور ولقد تم اعتبار هذه التجربة الفريدة أول محاولة يتطلع إليها الذكاء البشري للسفر نحو الفضاء والإقلاع نحو الكواكب وعلى الرغم من فشل تجربته إلا أنها كانت بداية واعدة وانطلاقة فعلية نحو غزو البشر للفضاء الخارجي وكان ذلك قبل قرن ونيف من قيام الأنجليزي ألمر المالمسبوري بصناعة طائرة شراعية وتجريب عملية التحليق بين 1000 و1010م.
لم يقتصر اهتمام بن فرناس على دراسة الحكمة العربية وانما تعلم اللغة الإغريقية لكي يدرس الفلاسفة الإغريق ويتطلع على العلوم القديمة التي نقلت إلى الحضارة اليونانية ويعمل على ترجمتها إلى الضاد.
لقد لقب بحكيم الأندلس وكان أول العلماء الذين قدموا للحضارة العربية الكثير من الاكتشافات العلمية المبهرة وصنعوا للإنسانية العديد من الآلات الفلكية الدقيقة واشتغل بالرياضيات والموسيقى والأدب ولكنه تعرض للتكفير والنكران ولم يصلنا مما كتبه أو ترجمه شيئا يذكر وبقيت فقط حادثة الطيران تخلد اسمه .
بيد أن التاريخ أنصفه وأدركت البشرية قيمة اكتشافاته العلمية بعد قرون قتم اعتباره أول رائد فضاء عربي وأقيم له نصبا تذكاريا في بغداد وأطلق اسمه على مطار بطرابلس وعلى جسر يمر على النهر الكبير في قرطبة وعلى أحد الفوهات الصدمية على سطح القمر وتم افتتاح مركز يعتني بالطيران بمسقط رأسه رندة. فكيف ينعت بالجنون أعلم الناس في عصره؟ أليست هذه الاتهامات من علامات الحمق والبلاهة والجهل؟
CONVERSATION
استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية/ سري القدوة
ان المواقف الفلسطينية الثابتة والمبدئية والتي جاءت للرد على الهجمة الأميركية الإسرائيلية الشرسة، وفي ظل تطابق الموقفين الأميركي والإسرائيلي تجاه فلسطين، والتبني الأميركي لكافة القرارات والانتهاكات والجرائم الإسرائيلية التي ترقى الى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، لتستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء مشروعنا الوطني الفلسطيني، لقد جاء الرد العملي على ذلك من قبل القيادة الفلسطينية وكان واضحا بوقف الاتفاقيات مع الاحتلال الاسرائيلي، حيث نكون وبهذه القرارات دخلنا مرحلة بناء الدولة والاعتماد علي السواعد الفلسطينية وما احوجنا اليوم قبل وقبل فوات الاوان الى تجسيد الوحدة الفلسطينية، وهنا نثمن عاليا المواقف التاريخية الهامة للرئيس محمود عباس والقيادة والقرارات التي تم اتخاذها بوقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، لتضع الجميع امام مسؤولياتهم في التصدي للسياسات العنصرية التي تنتهجها حكومة الاحتلال ضد أبناء شعبنا ومقدساته الاسلامية والمسيحية خاصة في مدينة القدس المحتلة التي تتعرض لأبشع الانتهاكات من قبل سلطات الاحتلال العسكري والخطوات التصعيدية من اجل الاعلان عن ضم مدينة القدس وتهويدها، وسرقة الأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان وبناء الجدار، وهدم المنازل وتجريف المزروعات وقتل أبنائنا على الحواجز والطرقات بدم بارد، ومواصلة اعتقال الآلاف من أبناء شعبنا، وحصار أهلنا في قطاع غزة، بالإضافة الى نهب أموال شعبنا الفلسطيني لن تثنينا عن المضي في نضالنا المشروع ضد هذا الاحتلال الهمجي العنصري وصولا الى انجاز الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة شعبنا الى وطنه وفقا للقرار رقم 194.
ان الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب يتحملان المسؤولية الكاملة عما يجرى في الاراضي المحتلة بسبب سياساتهما وإجراءاتهما العدوانية والتنكر لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، واستبدالها بسياسة الاملاءات والعقوبات التي يرفضها الشعب الفلسطيني وقيادته، والتي أدت عملياً إلى الوصول لهذه القرارات وإلغاء تلك الاتفاقات الموقعة ما بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك فإن من حقنا الدفاع عن حقوقنا بالعيش بحرية وكرامة وبكافة الوسائل التي اقرتها المواثيق والشرائع الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان الدولية.
اننا امام مرحلة دقيقة وتاريخية هامة ولعل المطلوب اليوم من كافة القوى والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني الى الانخراط في دعم وتنفيذ القرار الوطني بشأن تلك الاتفاقات وتحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الفارقة، والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والتي هي بيت كل الفلسطينيين جميعا وفي اطارها يكون التجسيد الحقيقي للوحدة الوطنية القادرة على مواجهة الاحتلال وحماية الحقوق الوطنية في العودة وإقامة الدولة وعاصمتها مدينة القدس وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ان جماهير الشعب الفلسطيني التي تؤمن بحتمية الانتصار وتستعد للتضحية تعمل وبكل جهد ومن منطلق حماية انجازات الثورة وحماية تاريخ شعب فلسطين ومقدراته وارثه الكفاحي والوطني، علي توحيد فلسطين الارض والإنسان، والاستمرار في مقومات النضال الوطني من اجل ترسيخ معالم الدولة الفلسطينية والحفاظ علي الارث الكفاحي لشعبنا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ضمن مواجه الإرهاب والتطرف وحماية شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة واستعادة الوحدة الفلسطينية .
ان جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم لقادرة علي توصيل الرسالة والعمل علي تحضير الموقف وتجنيد كل الإمكانيات لحماية شعبنا وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال وحدة الموقف الوطني علي اعتبار ان مشاريع الوهم والتمر وصفقة القرن قد سقطت وأصبحت من الماضي ولن تمر المؤامرة علي الشعب الفلسطيني، وان الكل الوطني يعملون اليوم في نفس بوثقة النضال ويستمرون في مواجهة التحديات الراهنة والكل يعمل بروح العقل ووضوح الموقف من اجل وقف التدهور الحاصل في مستوى العلاقات الفلسطينية ووضع حد للانقسام والتجارة بالشعب الفلسطيني ومن اجل فرض قانون الوحدة الفلسطينية التي هي صمام الامان الوطني وتجسيدها عمليا علي ارض الواقع، بعيدا عن سيطرة بعض الإطراف المشبوه علي فكرة العمل وطبيعته، خدمة للاحتلال الاسرائيلي ومشاريع الوهم الامريكية التي تعمل علي دعم مشاريع سلام وهمية وتسعى الي ان يفقد العرب دورهم في عملية السلام من خلال انهاء الالتزام العربي في مبادرة السلام العربية، التي أطلقت في بيروت عام 2002.
ان الانقسام صحفة سوداء في تاريخ شعبنا ويتحمل مسؤوليته الاخلاقية والسياسية والوطنية كل من يقف في وجهة استعادة الوحدة الوطنية، ويعمق الانقسام، ويحاول الانتقال به الى الانفصال، ولم يستفد من الدروس والعبر طيلة السنوات الماضية التي كانت خسارة صافية للشعب الفلسطينية وربحا للاحتلال، عمل خلالها علي إحاكة المكائد والمؤامرات ودعم مشاريع الوهم وعزز الفشل من اجل ضياع القضية الفلسطينية.
اننا ندعو شعبنا والقيادة الفلسطينية الى توحيد الصف الوطني في موقف موحد قوي لا يلين ضد هذا الانقسام والظلام والاستبداد، فلم يعد هناك مجال للمتاجرة بشعب غزة وأهلنا الصامدين هناك، ولا بد استعادة الوحدة الفلسطينية ووضع حد لهذه المعاناة التي استمرت اكثر من عشره سنوات وفتحت المجال للعديد من الجهات للتآمر علي قضيتنا ومشروعنا الوطني الفلسطيني، وهذا يتطلب اساسا اتخاذ موقف عربي موحد وداعم لوحدة الشعب الفلسطيني وتمكين القيادة الفلسطينية من استعادة قطاع غزة وعودتها للشرعية الفلسطينية .
نتمنى ان نخرج من نطاق الصمت وان يكون هناك عمل وطني كبير من اجل استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكشف اللثام عن وجه هؤلاء الذين يتاجرون بالشعب الفلسطيني، وانه لعار يلاحق كل من يتاجرون بفلسطين من اجل المصالح الشخصية الواهية، فحان الوقت لشعبنا ان يقول كلمته وان يرتفع صوته عاليا في عنان السماء، من اجل استعادة الوحدة وحماية فلسطين والدفاع عن حقوق شعبنا في العودة وإقامة الدولة وتقرير المصير.
ان المطلوب اليوم من جماهير الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية في الوطن والشتات الالتفاف حول الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من تاريخ قضيتنا، والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، واعلاء شأنها في دفاعها عن حقوق شعبنا وثوابته الوطنية، ومواجهتها للمحاولات الأميركية الاسرائيلية الرامية الى تصفية قضيتنا، وأن شعبنا وقيادته قادرون على مواجهة ما يحاك ضد مشروعنا الوطني وقضيتنا العادلة.
CONVERSATION
هل غدت الرسالة الأدبيّة تعاني الضُّمور؟!/ سعيد نفّاع
تراودني منذ زمن الفكرة عنوان المقالة هذه على ضوء ما يشهده مشهدنا الثقافيّ من تداعيّات عصيّة على الإدراك، ويلحّ عليّ السؤال؛ ما هو موقع ومكانة ومضمون الرسالة الأدبيّة في النصّ الأدبيّ؟! وهل تُختزل قيمته منها؟
القصد ليس الرسائل الأدبيّة التي هي إحدى فنون الأدب، والتي شهد تراثنا القديم والحديث كثيرا منها، وحديثا مثلا؛ رسائل ميّ زيادة – جبران خليل جبران. القصد هي الرسالة، الهدف الأسمى، التي يجب أن يحملها النصّ الأدبيّ، وبمعنى آخر؛ القول الذي يجب على النصّ وصاحبِه غَرْفُه ومن ثمّ إيصالُه العطاشَ.
هذه المراودة استفحلت في الآونة الأخيرة على ضوء "التعويم" في سوق الأدب، انتاجا وأمسياتِ إشهار و\أو تسويق، ومواقعَ تواصل وهذه تنغِل نغَلا. فتقرأ ما تيسّر لك وتحضر من الأمسيات ما تيسّر أحيانا ل- "جيبك"، لتجد نفسك وفي الكثير ممّا قرأت ومّا سمعت تسأل:
أين الرسالة الأدبيّة في جلّ ما قرأت وسمعت؟! هل أصابها ضُمور؟! أو هل كشُحَ موقعُها ولم يعد لزهوّها مكان؟! أو هل غابت أو غُيّبت؟! أو ليس هذا ولا ذاك فهي حيّة في النصّ تُرزق، وإنّما تغيرّت بك أنت الأحوال وعدم إيجادك إيّاها هو لتوك في فهمك واستيعابك وربّما في ذائقتك؟!
يبدو لي إنّ ما يعتور حياتنا الفكريّة والوطنيّة والاجتماعيّة في العقود الأخيرة من ارتجاجات (درجة 7 وما فوق على سلّم ريختر!)، جعل الانكفاءَ شبهَ الكليّ نحو الذات ديدَنا وبالتالي أسقط على أدبنا آخذا إياه نحو مدرسة أو نظريّة؛ "الفنّ للفنّ" استراقا وتسرّقا وعلى الغالب كمَثَل الغراب والحجل، فتضعضعت مكانة الرسالة الأدبيّة، وقد اتخذ الكثيرُ من النصوص أشكالا لا تتعدّى الصناعة الفنيّة وإخراجَها وأداءها، وربّما اتخذتها هكذا من حيث لا ندري انسياقا وراء الارتجاجات في المُثل والقيم أعلاه، اللهم في لمحة في النصّ هنا وأخرى هنالك وضربةِ ريشة في اللوحة هنا ومثلِها هناك، وفي الكثير من الأحيان "تجمّلا"، فتجيء هذه اللمحات والضربات حشوا صارخا يسيء حتّى لمثل هكذا نصّ فنّه للفنّ.
حين أزمعت أن أخوض في الأسئلة\التساؤلات، والتخمين عن "التوك" في الفهم والاستيعاب والذائقة أعلاه، يمّمت شطر أدبيّات في الموضوع علّي أجد مِعوانا، فقرأت مقالة بقلم دكتورة؛ اسمها صفيّة الودغيري، تحت عنوان؛ "رسالة الأدب في المنظومة الأخلاقيّة"، تدّعي فيها أنّ:
"رسالة الأدب ينبغي أن تزرع في قلوب أبنائها الشعور بالمسؤوليّة التي تحتّم عليهم أن يتجشّموا الصّعاب، ويأمنوا على أنفسهم مصارع الفِتن... ويزرعوا قيمة الأدب أخلاقا وآدابا قبل الالتزام بقواعده تعبيرا وأداء."
وتضيف اقتباسا من أديب اسمه؛ عبد الله كنّون الآتي:
"رسالة الأدب العربي، رسالة مقدّسة يجب ألا تقتصر على الأغراض اللفظيّة، ولا المُتعة الذهنيّة، ولا المعاني الذاتيّة التي لا يشعر بها إلا الأديب المتكلّم نفسه، إنّها رسالة ومفهوم هذا اللفظ ممّا ينبغي ألّا يغرُب عن البال، فهو مهمّة تقتضي الهدم والبناء..."
تخلُص الكاتبة فيما تخلُص، إلى:
"العمل الأدبيّ تحوّل إلى فنٍّ خالٍ من جوهره، ومفتقر إلى رسالة تبثّ ثورة في أوصاله وتمدّه بصبيبٍ من دماء الحياة تعصف بجذوره الميْتة وتقتلعها من منبتها السيّء، لتفسح المجال لميلاد أدب عربيّ أصيل، يخدم قضايا الأمّة..."
لم أوافق الكاتبة في كلّ ما حدّدت في مقالتها وخلُصتْ إليه، هذا من ناحية، ومن الأخرى فقد تناولت هي وكما جاء في عنوان المقالة "الرسالة الأخلاقيّة" وأمّا أنا فأورد إبلي في ناحية أخرى لا تقلّ أخلاقيّة. ومع هذا، كلمات كثيرة كانت خطرت ببالي إجابةً وتناولا لتساؤلاتي أعلاه وكثيرة غيرُها تسرح في البال، غير إني وحين قرأت هذا رأيت أن أقتبسه، فهو يختزل جُلّ ما جال ويجول في خاطري نحو مورد إبلي؛ الرسالة في الأدب.
وأدّعي؛ أنّ الرسالة في النصّ الأدبيّ؛ هي الهدف الأسمى وبالتالي هي المقياس وهي المعيار لقيمته وقلّتِها، وقوّته وغيابِها، وأهدافه وضياعِها. الافتقار إلى الرسالة غيابا أو تغييبا، أو "كشوحها"، أو عدم وضوع عنوانها أو عدم وضوح ما نريد لهذا العنوان ومنه وهذا هو الأهم، كلّ هذه إن اعتورت النصّ تجعل من النصّ الأدبيّ "طقْع حَكِي" ومهما جمُل لبوسه بفاقع الألوان وعلا رَنينُهُ بمنغّم الألحان، فلن يشفع له لا جمال اللبوس ولا عذب الرّنين.
صحيح إنّه يحقّ للشاعر كما الكاتب، أن يشعَر ويكتب تنفيسا عن مكنونات نفسه وبثّ لواعجه الذاتيّة والشكوى وحتّى البكاء، ويكتب الماورائيّات في كل ما يشاء، ويكتب الوجدانيّات صبح مساء، ويُطلسم قدر ما شاء. ولكن عندما تصير نصوصه كلّها تدور في هذه الدوائر لا تتخطّاها، فما للناس وله ولمثل هكذا نصوص اللهم إن شاطروه ذاتيّاته؟!
نُدرة أو قلّة هم الناس الذين يعيشون لأنفسهم، الإنسان بطبيعته يعيش لنفسه وللآخرين، يعيش لدائرته الصغرى فالأوسع والأوسع. وِسُع دائرته واكتظاظها وتداخل أخريات معها يقررها، عند الميتافيزيقيّين، قدرُ هذا الإنسان والدور المنوط به من لدُن القوّة الأعلى في الحياة وتجاه الأحياء، وعند الفيزيقيّين، تقرّرها إرادته وخياراته في الحياة.
المُنتِج وفي سياقنا؛ باحثا كان أو مفكّرا أو كاتبا أو شاعرا أو فنّانا، وبغضّ النظر إن اعتبر نفسه من الأُوَل أو الأُخَر أو كان خليطا من هؤلاء ومن أولئك، دائرته هي أوسع كثيرا من ذاته، تشمله وتشمل الناس وحولها دوائر أخرى وأخرى؛ عائليّة ومجتمعيّة ووطنيّة وإنسانيّة. نصّه ليس ملكا له حتّى وهو في أدراجه متأهبّا للانطلاق، واختبار رقيّ ورفعة هذا النصّ ليس مواصفاته الأدبيّة النظريّة وإنما في الرسالة التي يحمل، فالأولى، المواصفات الأدبيّة، لن تنفع في النصّ بدون الثانيّة والثانية لا تنفع بدون الأولى وقد تنفع حتّى لو جاءت الأولى "مْبَهدَلة" بعض الشيء، ولنا في الكثير من المُبدعين مثلٌ.
هذا بارز عند بعض شعرائنا المعروفين، فإن رحت تقيس انتاجهم بالمواصفات الأدبيّة النظريّة ستجد فيه من المثالب الكثير، لكّن عمق وقوّة الرّسالة التي حمل إنتاجهم "بهّتا" كلّ خلل في المواصفات النظريّة، وبقيت هذه رهن اجتهادات الباحثين والنقّاد بعيدا عن عقول وقلوب الناس في معارك حياتهم؛ الهدف الأسمى للمُبدع.
النصّ ينغرف ويغرفُ معه الرسالة الأدبيّة من صخب الدائرة التي يولدان في فلكها وفيها يعيش مُولِّدُهما، وبحكم وطبقا لدور المُولّد يُغرفان من الصغرى فالأكبر. وحين يتعدّى الصخب محيط الدائرة الأصغر ويتداخل أو يتشابك في مساحات الدوائر الأخرى فالنصّ وحملُه يُغرفان من صخبها كلّها مجتمعة. إن اغتُرفت الرسالة هكذا فقد وضعت خطوتها الأولى في الطريق، وإن قارعت الصّخب ودون هوادة فهي بهذا تشقّ الطريق، وإن أضاءت الطريق فقد بلغت المأرب، وحينها يستطيع النصّ القول: "اللهم اشهد إنّي بلَغتُ" (بالفتحة دون الشدّة على اللام).
إنْ كان كلّ ما سقت أعلاه تعميما، فللتخصيص أقول؛ نحن المنتجين الأدبيّين العرب الفلسطينيّين في البلاد، ويصحّ ذلك على غيرنا من أبناء جلدتنا، نشأنا قرّاءً على أدب الرّسالة، وفي سياقنا؛ الرسالة الوطنيّة القوميّة المغروفة من رحم صخب حياتنا الوطنيّة والقوميّة، هذه الرّسالة نهضت بنا نهضة طائر الفينيق الذي جلبناه معنا من جزيرتنا كنعانيّين ويبوسيّين وفينيقيّين وعموريّين، وظلّ فينا وإن درست يبوس وأوغاريت تراجعا منّا، تحت أقدام الغزاة.
نحن ما زلنا نعيش قضيّة وطنيّة وقضيّة قوميّة صاخبتين بكلّ المعاني، وإن كان الصخب فيهما فيما مضى من صنع غرباء والأقرباء تضافروا على ردّهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فهو اليوم من صنع غرباء كثروا وتضافروا وأقرباء كثروا وتنافروا. هؤلاء الأقرباء هم نحن وما فينا من تخلّف ذهنيّ يصطخب، يزيده صخبًا ماديّتنا المستفحلة فغالبيّتنا العظمى تعيش "بحبوحة"، وإن وهميّة ستنهار كقصور الرمال على الشواطئ عند أول موجة تطالها، ولكنها تصطخب فينا؛ انكفاءً ذاتيّا وانكفاءً مجتمعيّا وبالتالي انكفاءً وطنيّا وقوميّا. هذا التخلّف الذهنيّ الممهور بماديّتنا ينخرنا اجتماعيّا وسياسيّا وهذا النخر يتناسب طرديّا وطنيّا، فطموحنا الوطنيّ، وكنتيجة حتميّة، يعيش قصورًا ذاتيّا بعد أن أفقده هذا التخلّفُ وتداعياتُه قوّة وآفاق الانطلاق.
هذا هو التحدّي الأساس أمام حملة القلم، فإن انكفأت أقلامهم في نصوصها في وجه هذا التحدّي؛ ضمورَ رسالة أو كشْح رسالة أو حتى غيبةَ رسالة، فهذا خطأ ما زال يمكن إصلاحه، ولكن إن حَمل الانكفاء "تغييب رسالة" فهذه خطيئة لا تُغتفر لا بل جريمة جزاؤها حرق الأقلام والأوراق وليكن الحبر الوقود.
أدّعي: إنّ الرسالة الأدبيّة روح النصّ الأدبيّ، هي أولا وآخرا القضايا الأساس في حياتنا، والقضيّة الوطنيّة ومعوّقات رقيّها هي قضيّتنا المركزيّة كانت وما زالت وتصطخب اليوم أكثر، وإن افتقد النصّ مثل هكذا رسالة، والرسالة ليست فقط قول هي قول وفصل قول، إن افتقدها قلّت قيمته وضعُفت قوّته وضاعت حاجته. هذا هو المعيار الأهم لرقيّ أي نصّ أدبيّ وقبل وفوق كل المواصفات الأدبيّة النقديّة وبالذات المستوردة منها.
هل نصوصنا الأدبيّة أو غالبيّتها اليوم، تعاني ضُمور هذه الرسالة؟! أو هل تقاسي غيبتها؟! أو تئنّ تحت تغييبها؟!
أترك هذا للقاريء، ولكنّي أدعو نفسي وأدعوه أن نقيّم العمل الأدبيّ طبقا ل-"الرسالة الأدبيّة" في النصّ الأدبيّ ومدى ارتباطها بال-"صخب" الذي نعيش وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا وسياسيّا واجتماعيّا، والأهم حين تحمل الرسالة مع الداء الدواء والهدم والبناء، وهذا لا يعني أن نهمل لبوس النصّ الأدبيّ، وإلا تحوّل الأديب إلى خطيب والنصّ إلى خُطبة، وللخُطب ناسها وإن أمكن أن يكونوا أدباء ولكن حينها بعباءة خُطباء!
CONVERSATION
تغَيَّر الانسان/ روميو عويس
1
ليش هيك تغيَّر الانسان؟
الجيران يبقو بالمضى اخوان
لا بغض لا غيره لا شوفة حال
لا حقد لا شماته ولا طغيان
عيال تربى بحب.. احلا عيال
الجيران قَلبُن كان ع الجيران
ولا بينهُن في مْحَلّ للشيطان
2
ما كان عنّا كروم وبساتين..
لكن ما فينا ولا بطن جوعان
الجيران كانو كلُّن محبّين !..
منهم سلال الخوخ والرمان
والآكدينيا.. والعنب.. والتين
وانواع خضره بيتنا مليان
ولا يوم جبناها من الدكان
3
واليوم يا خساره بوطنا الجار
صفّى لجارو يشتهي الحرمان
عيون الشماته والحسد من نار
ورجال عم تمشي ورا النسوان
وصارت الجاره من جارتها تغار
وبتحسدا ع العَقد.. ع الجزدان..
ع شعرها..عالاكل..عالمشوار
ع ولادها اللي أكتَرُن صبيان..
وبتطَلِّع عليها.. خبار.. خبار
وبتشلح عليها التهم الوان..
ومتل الولد رجّالها بيندار
ان ما اندار يا ستار.. يا رحمان
بتشبّعو نكد.. وحقد.. ونقار
وبتقلب النونه.. وع شهر زمان
بتحرمو من الطيِّب الغرار !..
4
تذكرت حكمه سمعتها من زمان
بهونيك جمله قالها ختيار:
" الفقر جامع والغنى فتّان "
فقرك غنى اخلاق يا لبنان
CONVERSATION
توفير الحياة الكريمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان/ سري القدوة
في ضوء ما يجري من مواقف متشابكة تتعلق بطيعة الحياة بداخل المخيمات الفلسطينية في لبنان حيث يعاني اللاجئون الفلسطينيون من أزمة بطالة مستشرية بين جميع الفئات العمرية، ووفقا لوكالة الأونروا في تقرير لها لعام 2019، ويعاني حوالي 36% من الشباب الفلسطيني من أزمة البطالة، ليرتفع هذا المعدل إلى 57% بين اللاجئين الفلسطينيين، ويعيش 174 ألفا و422 لاجئا فلسطينيا، في 12 مخيما و156 تجمعا فلسطينيا بمحافظات لبنان، وانه ووفقا للقوانين الدولية والتي تؤكد بان وضع الفلسطينيين في لبنان هم بالأساس يحملون صفة لاجئين وليس مقيمين بشكل طبيعي او قدموا الي لبنان بهدف العمل، وان ووفقا للقرارات الدولية فان الأمم المتحدة والأونروا مطالبين بالعمل على رعاية حياتهم وظروفهم المعيشية وفقا للقانون الدولي، وبالتالي لا بد من اتخاذ موقف بالضغط على الحكومة اللبنانية للتراجع عن قرار إجازة العمل وتوفير الحياة الكريمة للاجئين في لبنان .
ان معالجة الأزمة يتم عن طريق الحوار، وان المطلوب ليس بالصعب حيث الكل يجمع بان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يسعون فقط الي توفير حياة كريمة الى حين عودتهم الى وطنهم، ومن هنا فان مساندة تحركات اللاجئين بالمخيمات الفلسطينية في لبنان في إطار تحركاتهم الجماهيرية والشعبية السلمية يأتي من اجل حماية حقوقهم بالحياة الكريمة، وبات من المهم العمل من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية إطلاق سلسلة من الفعاليات الشعبية الهادفة لتحشيد الرأي العام المحلي والعربي والدولي وخاصة في الساحات الاوروبية، للضغط على الحكومة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة للاستجابة للمطالب المشروعة للعمال وأرباب العمل بوقف كل الإجراءات التي تتعارض مع مبدأ الحياة الكريمة وتتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية بما فيها حق العمل وتوفير متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة، ورفضاً لإجراءات وزارة العمل اللبنانية بحق اللاجئين الفلسطينيين .
ان وحدة الموقف والقرار الفلسطيني الموحد ووحدة الحركة الجماهيرية للاجئين والتي أعطت مؤشرات أن الوحدة الوطنية قادرة على انتزاع الحقوق الوطنية ومجابهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية بدءاً من إنهاء الانقسام ومخاطر تصفية الحقوق المشروعة في الدولة والعودة وتقرير المصير، وان منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والفعاليات الشعبية وأبناء الشعب الفلسطيني في لبنان يرفضون وبشكل مطلق جميع الاجراءات التي اتخذتها وزارة العمل اللبنانية بملاحقة أرباب العمل والعمال الفلسطينيين ومنعهم من مزاولة المهن المختلفة باعتبارهم عمالة أجنبية، بما يفتح الباب واسعاً أمام سياسة التجويع والحرمان والقهر وعدم العيش بحياة كريمة، وتأتي هذه الاجراءات في ظل استمرار تصاعد الاجراءات والضغوطات الأميركية والإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في إطار ما يسمى صفقة القرن الامريكية لتصفية الحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق العودة وتمرير مخططات التوطين والتهجير.
اننا نحي ونثمن مواقف ابناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان والتي تحركت بمسؤولية عالية لضمان الحفاظ علي حقوقهم ومن اجل توفير حياة كريمة لهم، والتأكيد على التمسك بالحقوق الفلسطينية والإيمان المطلق بعدالة النضال الوطني المشروع ومستعدا للتضحية والالتفاف حول القيادة الفلسطينية والتصدي لكل مؤامرات ومحاولات الشطب والاحتواء وطمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وان ابناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان يمتلكون من الخيارات الكثير من اجل اسقاط كافة المؤامرات والمشاريع التصفوية، ومن اجل استرجاع الحقوق الفلسطينية وحمايتها، والتصدي للمؤامرة الأمريكية الكبرى وما بات يعرف بصفقة القرن الامريكية التي بدأت عمليا بالتنفيذ بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة اليها، وما تلاه من استهداف الأونروا ووقف التمويل ومحاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية ماليا، ولاحقها مؤخرا تلك القوانين الغير مفهومة بحق ابناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان، وان تلك المؤامرات ستنتهي بالفشل ولا يمكن ان تنال من ارادة الشعب الفلسطيني وإصراره على نيل حقوقه الوطنية المشروعة.
أن الفلسطيني وعلى مدار اكثر من سبعين عاما وسنوات التشرد كان يحترم القوانين في لبنان ويلتزم بما تتخذه الحكومة اللبنانية من اجراءات ويلتزم بالقانون وبالتشريعات الحكومة اللبنانية، وهنا لا بد من مراعاة تطبيق القانون بشكل شمولي بما يضمن وقف كل أشكال التمييز والقهر والتعامل الغير إنساني، وأن اللاجئ الفلسطيني في لبنان يخضع للقوانين الدولية خلال تواجده في لبنان قصرا والذي عمل دوما علي ان يكون اكثر انتاجا وفعالية وتطوير للاقتصاد اللبناني، من خلال قوة التداول وحجم الاستثمارات والمصالح الاقتصادية والمساهمات الكبيرة والملموسة للشعب الفلسطيني في كافة الميادين، وكان اللاجئ الفلسطيني دوما هو عامل استقرار ليس فقط للاقتصاد اللبناني وانما في كل الميادين المجتمعية والامنية، وأن الوجود الفلسطيني في مخيمات لبنان هو وجود مؤقت، وانه لا يوجد فلسطيني واحد علي وجه الارض يقبل في التوطين مقابل حق العودة المقدس، ولا يمكن لمن كان ان يتنازل عن هذا الحق، وإنما يسعى الجميع للعيش بحياة كريمة في ظل البعد القسري عن الوطن واستمرار ظروف الحياة الصعبة بداخل المخيمات الفلسطينية، وضرورة وضع حد لإنهاء معاناة شعبنا المستمرة لأكثر من سبعين عاماً من التشريد والتهجير.
ان العمال الفلسطينيين هم موجودون في لبنان منذ النكبة، هم لاجئون يجب ان يتمتعوا حسب القوانين الدولية بنفس حقوق العمل المتبعة بالنسبة للعمالة اللبنانية، وان تحديد وحصر المهن التي يمكن ان يعمل فيها اللاجئون الفلسطنيون هو ليس الا تميز عنصري بات يستدعي العمل علي الغاء مثل هذه القرارات، وبات المطلوب تطبيق قانون العمل اللبناني على جميع العمال من اللاجئين الفلسطينيين والمساواة في الحقوق الاجتماعية والعدالة الانسانية، واننا نقدر عاليا ونثمن مواقف الحكومة اللبنانية الرسمية والشخصيات والفعاليات اللبنانية ووسائل الاعلام المتضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني والداعية لوقف السياسة التدميرية والتمييزية بحق اللاجئين، والتي تؤكد التماسك والدفاع عن حق الفلسطينيين في ممارسة حياتهم الطبيعية في لبنان، بما فيها الحق في العمل وإقرار حقوقهم الاجتماعية والإنسانية ورفض الممارسات العنصرية، ومراعاة الظروف الخاصة للاجئين الفلسطينيين باعتبارهم مقيمون فوق الأراضي اللبنانية بشكل قسري وهم جزء من شعب شقيق له قضية وعنوان، وليسوا أجانب.
CONVERSATION
غصّات: وعد صائب وغصة وادي الحمص/ جواد بولس
ستبقى صور نسف وتدمير بيوت الفلسطينيين سكان حي "وادي الحمص" في قرية صور باهر المجاورة لمدينة القدس، قابعة في الذاكرة كقابس يشحن صاحبه بشعورين مهينين هما الخوف والعجز ؛ فهدم البيوت العربية وتشريد أهلها كانا من مشاهد النكبة المروّعة، ثم ما تلاهما من عمليات قمع حرصت إسرائيل على الايغال في تنفيذها، لاعتقادها بأنها أنجع الوسائل لتدجين المواطن الفلسطيني ولتلقينه كيف عليه أن يعيش داخل حدود كهفه ويقبل بما يطعمه سيّده وبما يسقيه.
لكل مأساة زمانها وروحها ونزفها المختلف؛ وضحية؛ وقصة هذا "الوادي" تعكس خلاصة من سيرة السراب الفلسطيني الذي يولد، كحلم أبطال الملاحم، من اليأس، فيصير عثرة فعذابًا فزفرات فضياعًا.
كان الصباح فوقنا، في القدس ، أسود والوجع مهمازًا ينقر خواصرنا. السماء، كالقبور، جميلة وهادئة، فعبثًا نفتش عن معنى بين ثناياها وعن قطرة ندى. لا صوت في المدى إلا صدانا وتنهيدة ناي.
سبعون مضت والحروف ما زالت مدلّاة من أعناقنا كتمائم تسترضي آلهة تؤثر، كما كانت، رقصة النار على دمع البرتقال .. وخمسون طويت وما فتىء "اسماعيل" يفتش عن أبيه في الفيافي، و"اسحق" يمضي نحو حلمه النحاسي ويغزو أرض "الغرباء" مدجّجًا بالبرق وبالمزامير وبالسياط.
لقد استفزت العملية الاسرائيلية في "وادي الحمص" قلوبًا كثيرة لا مجال لتعدادها؛ لكنني سأتوقف هنا عند لافتتين بسبب ما تعنياه، لا لأصحاب البيوت المنكوبة فحسب، بل لمستقبل البلاد ومن سيبقى عليها أو من سيدفن في ترابها.
عقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماعًا طارئًا "لمتابعة أحداث جريمة الحرب الاسرائيلية المرتكبة بحق أبناء الشعب في القدس المحتلة، وتحديدًا في منطقة وادي الحمص وصور باهر" .
حمّل الدكتور صائب عريقات ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في أعقاب ذلك الاجتماع، إسرائيل والادارة الامريكية، المسؤولية عن جرائم هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين في القدس المحتلة؛ وأضاف بأن المنظمة "ستضع آليات لالغاء كافة الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني"؛ وأعلن، في تصريح يعدّ سابقة فارقة وبالغة الأهمية، بأن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "ستوقف التعامل مع جهاز محاكم الاحتلال الاسرائيلية باعتبارها أداة رئيسية لتنفيذ سياسات الاحتلال ولترسيخه".
لم يفصح الدكتور صائب عن أية تفاصيل عملية حول توقيت البدء بتنفيذ ذلك القرار، أو حول كيفية "التوقف عن التعامل مع جهاز المحاكم" وعن أية محاكم إسرائيلية سيشملها القرار. وعلى جميع الأحوال، يشكل هذا الموقف برأيي نقطة تحوّل جدّية في الموقف الفلسطيني الرسمي؛ قد تؤدي، في حالة تنفيذها الحقيقي، إلى تداعيات ايجابية، من شأنها أن تعيد لمفهوم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال بعضًا من مضامينه الوطنية الحقيقية الصائبة، وقد تنقله الى حالة كفاحية سياسية جديدة خالية من لبس المفارقات التي خلقتها مرحلة "الحمل الواهم"، لا سيما بعد تقويض حكومات اسرائيل لجميع الأسس التي أرستها "اتفاقية أوسلو" وبعد أن لاكت تلك الحكومات ما بقي من فتات ذلك العهد ولعقت، بشكل تام، جميع آثاره فأردت كل الآمال التي عقدت عليه.
لن يحتمل هذا المقال سرد تاريخ هذه المحاكم وما ارتكبته، خلال ما يزيد عن خمسة عقود، من موبقات بحقوق أبناء الشعب الفلسطيني؛ فهي، كما صرح الدكتور صائب، وجدت لتكون "أداة رئيسية لتنفيذ سياسات الاحتلال ولترسيخه" ؛ وقد كانت كذلك في ممارساتها اليومية.
على منظمة التحرير أن تمضي في تنفيذ ما أعلن باسمها، وعليها وضع برنامج واضح يفضي، بدون تسويف، الى وقف التعامل مع "محكمة العدل العليا الاسرائيلية" ومع جهاز "المحاكم العسكرية" على جميع تفرّعاته.
أخصّ، في البداية، هاتين الجهتين لدورهما التاريخي السافر والمثبت كذراعين أنيطت بهما، منذ ساعة انشائهما، مهمة تسويغ سياسات سلب حقوق الشعب الفلسطيني وترويض أبنائه واحتوائهم في "زرائب" ترفع على أبوابها، أمام العالم، رايات العدل، لكنها تعاملهم بتشاوف السيّد على عبده المسجون داخل أقبية القمع والظلم والاذلال.
لقد بنى سكان "وادي الحمص" بيوتهم في منطقة صنفتها اتفاقيات أوسلو كمنطقة( أ ) حيث لا تملك فيها اسرائيل صلاحيات في الشؤون المدنية على الاطلاق.
حصل الفلسطينيون على تراخيص لبناء بيوتهم من سلطة التنظم الفلسطينية وفقًا للاجراءات المتبعة في المناطق المصنّفة كمناطق( أ ) ؛ ورغم ذلك، اصدر قائد جيش الاحتلال أمرًا يقضي بعدم السماح لهم بالبناء هناك أو بالسكن في بيوتهم المكتملة، معلّلًا قراره بتهديد تلك البيوت لأمن اسرائيل بسبب قربها من جدار الفصل.
تظلّم المواطنون المحتلون أمام محكمة تسمّى "محكمة العدل العليا" في محاولة منهم لاقناع ثلاثة من خدمة مخططات الاحتلال، بأنهم، اي الملتمسون، أصحاب الحق والأرض، وبأن وجودهم، مع عائلاتهم هناك، لا يشكٌل خطرًا على أمن اسرائيل وعلى سلامة سكانها.
لم يصغ إليهم القضاة، لا بل عاملوهم بعجرفة كجنود يخدمون دولة اليهود. رفضوا الالتماس وأجازوا هدم عشرات المنازل المأهولة؛ فتفوّق أمن اسرائيل، مجدّدًا، على جميع الاعتبارات الانسانية، وتربع مكانه فوق جميع المواثيق الدولية؛ لأن القائد العسكري ، كما كتب القاضي مزوز ناسفًا ما تبقى من ركام "نرويجي"، يستطيع "انفاذ صلاحياته بذرائع أمنية حتى داخل مناطق ( أ، ب) وذلك يشمل حقه بتحديد امكانيات البناء لأسباب امنية وعسكرية". وأضاف جازمًا بوضوح "كل بناء يقام بعكس أمر عسكري اسرائيلي سيُعدّ بناءً غير مشروع وذلك حتى لو كان موقعه داخل مناطق (أ ، ب) فليس بوسع التصريح المعطى من قبل سلطة التنظيم الفلسطينية أن يمس أو أن يقلل من صلاحيات القائد العسكري" !
لقد قطع "مزوز" قول كل حليف أو خطيب؛ وبقيت غصة الوادي ووعد صائب .
غصة اسماعيل وشهادة يوڤال
عندما كانت الجرافات تهدم أحلام المواطنين، وكان الطغاة ينتعلون ضمائرهم، والناس يسعون ،كالطير، وراء أرزاقهم، وكنا في فلسطين نفيق على دبيب النمل في شراييننا، كتب صحفي يهودي من موقع "الغزوة" شهادته فقال : " أشعر بتعب نفسي كبير. أمضيت ليلتي في صور باهر. شاهدت بأم عيني كيف يدمرون لاسماعيل حياته ومأواه. اسماعيل رجل طيب وحساس. لقد خطط كل تفاصيل بيت احلامه.. هكذا أخبرني في الساعة الثالثة فجرًا وقبل وقوع الكارثة. حينها كانت أرجله ترتعد وكان يصلي ويتمنى، حتى آخر لحظة، ألا يهدموا البيت..
اختار لون الورد لخشب خزائن المطبخ وتأكد أن تكون جدران غرفة طفلته الصغيرة عازلة للضجيج وللبرد، فهو يحب ابنته كثيرًا. لقد ارسلها لتنام في بيت جدها وأبقى بجانبه أبناءه يترقبون مثله بخوف وصول الوحوش اليهم" .
اسمه يوفال وقد يكون صحفيًا مغمورًا في مجتمعه، لكنني أشعر بأن ما دوّنه سيبقى خرطشة كتبت بمداد من روح سيحفظها التاريخ دليلًا على تغوّل شعبه بعد أن "تمسكن فتجبّر وتنمّر" وشهادة على من هو القاتل ومن المقتول.
اقتحم عشرات من أفراد الشرطة البيت فكتب يوفال : "أرى كيف ملأ الغضب والمهانة عيني اسماعيل وعيون أولاده ؛ فعندما دفعنا الجنود بقوة الى الخلف، صرخ الأولاد فاقشعر جسدي واحمرت عيونهم من الغاز المسيل للدموع. احتضنهم اسماعيل وكان ينتفض ويبكي.."
"كان عنف الجنود فظيعًا؛ هدمت اسرائيل البيوت. اسرائيل العنصرية والمستعمرة ..إسرائيل التي اخجل أنا أن اكون مواطنًا فيها".
نفذ الاحتلال جريمته في وضح النهار، وتسابقت الشاشات على نقل الصور حتى تلاشت آخر حبة غبار في حلق العدم، وجلس الصيٌادون يحصون فرائسهم وفلسطين كانت متكئة على كتف الريح .. ابنة العاصفة وولّادة الزهر.
بدأت الشمس ترتفع فوق القباب الخضر، تجفف مطر العيون المتعبة وتسافر في رحلتها الأبدية بين وعد صائبٍ وغصة الوادي.
CONVERSATION
الوكالة المغربية للتعاون الدولي.. ذراع المغرب الإنساني/ حسن العاصي
تقدم الحكومة المغربية كل عام أماكن تعليمية مع أو بدون منحة في المؤسسات العامة للتعليم العالي والمهني لآلاف الطلاب العرب والأفارقة ومن دول أخرى مختلفة، بدافع تعزيز وتطوير العلاقات بين المملكة المغربية والدول الشقيقة والصديقة. ولهذا الهدف تأسست الوكالة المغربية للتعاون الدولي (AMCI) في العام 1986 كواحدة من أهم الأدوات الديناميكية المرنة والفعّالة التي يعتمدها المغرب الشقيق في تنفيذ سياساته المتعلقة بالتعاون الخارجي للمملكة. وتدير الوكالة أعمالها وأنشطتها بالتعاون والتنسيق الوثيق مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، كما تقوم الوكالة بعقد شراكات مع جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية المغربية وكافة إدارات القطاع العام. وتدير الوكالة وتشرف على تطوير وتوسيع وتعميق جميع علاقات المملكة المغربية الثقافية والعلمية والتقنية والاقتصادية مع دول العالم، وخاصة التعاون بين الجنوب جنوب، وتتابع الوكالة كافة المشاريع ذات الطابع العلمي والاقتصادي والأعمال الإنسانية التي يتكفل بها المغرب تجاه دول أخرى.
تقدم الوكالة المغربية للتعاون الدولي آلاف المنح الدراسية سنوياً يستفيد منها طلاب من دول أفريقية وعربية ومن دول أخرى، حيث يستحوذ الطلبة الأفارقة على حوالي 60 في المائة من المنح، بينما يذهب ما نسبته 35 في المائة للطلاب العرب، وخمسة في المائة لطلاب من جنسيات مختلفة، وتخصص الوكالة سنوياً مئات المقاعد الدراسية للطلاب الفلسطينيين للدراسة في الجامعات والمعاهد المغربية. ويدرس حوالي 30 ألف طالب أجنبي في المؤسسات التعليمية المغربية من حوالي 70 دولة. وتوفر الوكالة حوالي ألف سرير لفائدة الطلاب الأجانب من خلال الحي الجامعي الدولي الذي تضطلع الوكالة المغربية للتعاون الدولي بإدارته، بالإضافة إلى ما يوفره المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية من أسرة بمختلف الأحياء الجامعية.
وترتبط السفارة الفلسطينية في الرباط بعلاقات وطيدة مع الوكالة المغربية للتعاون الدولي، وشهدت هذه العلاقات تطوراً هاماً وملحوظاً، نتج عنه زيادة في عدد المنح المقدمة من المغرب للطلاب الفلسطينيين خلال تولي الدبلوماسي اللامع جمال الشوبكي مهامه سفيراً لدولة فلسطين في المغرب، حيث يدرس أكثر من 500 طالب فلسطيني في الجامعات والمعاهد المغربية في مختلف التخصصات. ومن المعروف أن عدداً من كبار المسؤولين والوزراء الفلسطينيين كانوا قد أكملوا دراساتهم العليا في المغرب الشقيق. وفي العام الماضي التقى السفير الشوبكي مع السفير محمد مثقال المدير العام للوكالة المغربية للتعاون، وفي حينها تناول اللقاء أهمية وسبل تعزيز وتطوير مستوى التعاون الثنائي في قطاعات التكوين وتبادل الخبرات بين الوكالة المغربية للتعاون الدولي والوكالة الفلسطينية للتعاون، وزيادة مستوى التنسيق في مجالات الطب والزراعة والبحث العلمي. وكذلك القيام بتنفيذ برامج مشتركة بين الوكالتين في القارة السمراء.
وتستقبل السفارة الفلسطينية في الرباط عبر بعثتها التعليمية ومسؤولها السابق الأستاذ محمد قديح والحالي الأستاذ قاسم الطلاب والطالبات الفلسطينيين منذ لحظة وصولهم إلى المغرب، وتتابع معهم التفاصيل المتعلقة باستكمال إجراءات تسجيلهم في الجامعات المغربية، وكذلك كافة القضايا الإدارية الأخرى من سكن وإقامة ونقل وتبديل.. الخ.
يلقى الطلاب الأجانب الذين يدرسون في المغرب الاهتمام والرعاية التامة من قبل الوكالة المغربية للتعاون الدولي، ويجد الطلاب الفلسطينيين في المغرب كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وطيب اللقاء الذي يتصف به الأشقاء المغاربة، وما عرف عنهم حبهم لفلسطين وشعبها وتعلقهم الروحي والديني التاريخي بمدينة القدس. وكذلك الدور الهام والمتواصل لأمير المؤمنين جلالة محمد السادس رئيس لجنة القدس في رعاية المدينة المشرفة وأهلها، وكان جلالته قد أمر بتخصيص منحة مالية لمدينة القدس خلال الشهور القليلة الماضية، وأمر بإرسال معماريين وصناع تقليديين مغاربة مهرة، لصيانة الأصالة المعمارية للمدينة وصيانة ترثها الحضاري والروحي. وهي مكرمة ملكية سامية لترميم بعض الأجزاء داخل المسجد الأقصى وفي محيطه، دعماً لصمود المقدسيين، ودفاعاً عن الوضع التاريخي لهذه المدينة، وتأكيداً على رمزيتها الدينية وهويتها الحضارية كمدينة للتعايش والتسامح بين جميع الأديان السماوية.
للوكالة المغربية للتعاون الدولي الشكر الكبير والامتنان والتقدير للدور الكبير المهم الذي تقوم به في استقبال ودعم ومساعدة الطلاب من مختلف دول العالم، وتوفر لهم كافة المستلزمات والظروف المناسبة لاستكمال دراساتهم في مختلف المؤسسات التعليمية المغربية. ولمديرها العام السفير الخلوق محمد مثقال كل الاحترام لجهوده العظيمة المهمة وإدارته الناجحة للوكالة.
للمغرب الشقيق كل الحب والوفاء لهذا العطاء المتواصل لفلسطين وشعبها وطلابها. ولأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أدامه الله ورعاه أسمى آيات التقدير والعرفان لمواقفه العربية والأفريقية والإسلامية المشرفة.
CONVERSATION
سيدة تشعل حريقا/ ماهر طلبه
دخلت سيدة مسرعة إلى المطبخ، ترتدى قميص نوم أزرق بالكاد يغطى أعلى فخذيها.. اخرجت طبق لحم من الثلاجة.. غسلتها بماء فاتر، ثم ألقتها فى حلة وأشعلت عليها البوتاجاز، مدت يدها لسبت البصل وانتقت بصلة كبيرة، نزعت عنها القشرة وغسلتها، ثم قطعتها حلقات وعرت حلة اللحمة، مررت بداخلها المعلقة مقلبة إياها، ثم القت بالبصلة عليها وغطتها من جديد..
رفع الأستاذ سيد يده عن الورقة، ترك القلم، خلع نظارته، ثم ترك جسمه يتحرك كيفما شاء.. أغلق عيناه لثوانى ثم فتحهما وعاد للورق..
أعطت للبوتاجاز ظهرها وبدأت فى تنظيف الخضار وتجهيزه وهى تدندن مع صوت نجاة الصغيرة يأتى عبر نافذة المطبخ وحيدة منسية من يومى منسية.. استدارت إلى حلة اللحمة، رفعت عنها الغطاء، أدارت بها المعلقة، ثم غطتها من جديد بعد إضافة الفلفل الأسود والقليل من المياه إليها وعادت للخضار والغناء.
طفل سيدة ربط على ساقها وأشار لها فى إتجاه الصالة.. سيدة المتعجلة لم تهتم، لكن الإلحاح الطفولى أجبرها على ترك ما فى يدها والذهاب فى أثره..
توقف الأستاذ سيد عن الكتابة وأمسك الورقة ليراجع الجزء الأخير من قصته، وشعر بأن شيئا ما فى هذا الجزء يدعو للقلق.. أشعل سيجارة وسحب نفسا عميقا منها وترك للدخان الزمن الكافى كى يصل إلى أبعد جزء من رئته قبل أن يطرده خارجها.
فى الصالة، كانت القطة الفزعة تقف فى المنتصف مهددة من يقترب.. سيدة أصابها الفزع.. "من ترك الباب مفتوحا لتدخل؟!!".. سيدة أسرعت للمطبخ وأحضرت المقشة، فتحت باب الشقة واستعدت للمعركة القادمة.
أمام هذا الجزء المشتعل من القصة، ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وذهب إلى المطبخ ليعد فنجان قهوة فى محاولة منه لتجديد نشاطه وإعادة ترتيب أفكاره.. تذكر أن سيدة تركت الحلة على النار وأنه ربما يكون هذا ما سبّب له القلق وجعله يتوقف، فإنتهى بسرعة من إعداد فنجان القهوة وخرج مسرعا لعله يستطيع تنبيه سيدة إلى حلتها المشتعلة تحتها النار.
حين عاد الأستاذ سيد إلى الورق كانت صالة سيدة قد تحولت إلى ساحة معركة حقيقية.. فالقطة هربت واختبأت تحت الكنبة، رفعت سيدة بياضة الكنبة وانحنت للبحث عنها
(حين انحنت سيدة اكتشف الأستاذ سيد لأول مرة أن معه فى الحجرة أنثى، الأستاذ سيد لم يعرف الأنثى إلا خلسة أو من خلف حجاب، لكنه والآن فقط يرى الأنثى كما لم يرها من قبل...).
شعر الأستاذ سيد أن ماء باردا يتسرب عبر مسام جلده كله، أن جسده يكاد يشتعل وأن أنفاسه تهرب منه.. فأخرج منديلا ومسح وجهه
نجحت سيدة فى أخرج القطة من بين الكراكيب المخزنة تحت الكنبة، لكن القطة أسرعت بالانتقال أسفل قطعة، فقطعة، فقطعة أخرى من الأثاث.. وسيدة فى أثرها.. تَرفع هنا وتُحرك هنا...
توقف الأستاذ سيد وأعاد مسح وجهه بالمنديل وشفط من فنجان قهوته شفطة لعله يستعيد أنفاسه وأفكاره التى تهرب منه.. (يجب أن تتوقف سيدة عن الإنحناء).
"كيف تَخْرُجُ القطة من البيت؟!!.. سيدة بمفردها، الصالة ممتلئة بالأثاث.. وتحت كل قطعة منْه علب وكراتين وكراكيب لا تحصى.. يجب أن يتوافر عنصر أخر.. لكن زوج سيدة لم يعد بعد من العمل، وطفل سيدة اعتبر ما يحدث لعبة يشارك فيها بالضحك فقط "..
نظرت سيدة تجاه الصغير الذى يضحك واحتارت هل تغضب منه أم أن الموقف فعلا يستحق أن نضحك له.. "والجيران غرباء غير مصرح لها بادخالهم الشقة.. ثم إنى لم أتعرف بعد على جيران سيدة مما يجعل من ادخال أحدهم كمنقذ لها خطأ بيّن فى البناء القصصى.. يجب أن يكون هناك حل، استراتيجية لطرد القطة للخروج من هذا المشهد العبثى والعودة من جديد إلى مجرى الأحداث الطبيعية، حيث المطبخ والبوتاجاز والحلة وسيدة المتعجلة لإنهاء الطعام"..
عند هذه المرحلة... توقفت سيدة مرهقة.. رفعت طرف قميصها ومسحت به وجهها....
(مرة أخرى يصطدم الأستاذ سيد بحقيقة الأنثى التى لم يراها من قبل، البياض المشرب بالحَمَار.. يشد منديله من جيبه، ويمسح حبات العرق المتسرب ويدير وجهه عن الصورة التى تقتله ويحاول أن ينشغل بالورق)
رغم تعب سيدة وارهاقها ويأسها من نجاح محاولة طرد القطة كلما طال الوقت إلا أنها تلمح السعادة على وجه الصغير فتشاركه اللعب كلما اقتربت منه.. أنزلت مخدات الكنب ومسانده على الأرض لتصنع منها حواجز تعوق حركة القطة وتحدد لها مسارا باتجاه الباب المفتوح، لعلها تجبرها على الخروج من الشقة.
وصل إلى أنفه رائحة لحم يحترق.. انحنت سيدة تضع المسند الأخير ..إنْتَبَهَ.."سيدة تشعل البيت دون أن تنتبه" ..
سيدة منهمكة تماما فى المطاردة.. حتى أن سحابة الدخان الأسود التى كادت أن تصطدم برأسها لم تلفت نظرها، ورائحة الشواء التى عبرت أمامها وأعاقت حركتها فاضطرتها إلى القفز من فوقها لم توقفها
ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وإتجه إلى النافذة، فتحها لعل أحدا من المارة يشم رائحة اللحم المحترق أو يلمح سحابة الدخان المتسللة عبر المطبخ والتى بدأت فى التكاثر، وهو يفكر فى مأزقه ومأزق سيدة التى تصنع حريقا وتفقد الغداء... سحب نفسا من الهواء النقى وفكر .. "يجب أن ينبهها أحد ولو مارٍ بالصدفة من أمام النافذة المفتوحة الآن.. يجب أن تتوقف عن الانحناء".. قال وأخرج رأسه من النافذة - يطرد الصورة المتجسدة أمامه.
CONVERSATION
جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة: سهام الدغاري ـ ليبيا/ كريم عبدالله
الأيروسية في القصيدة السردية التعبيرية
2 – نصّ الشاعرة : سهام الدغاري – ليبيا – بعنوان : أنساب بين أناملك حريراً.
يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل , الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للافكار والمشاعر .
مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهي بالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه , وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتابات متميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه , وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهي حينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيع الصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعمل على صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أن تُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميل وحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقد اصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدة السرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراسات النقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحف الورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن على ثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنية فيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .
فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراء السرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولو بشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّى هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعات التي يتطرقون اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا في كتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان في كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية , لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدة المستقبل لقدرتها على الصمود والتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .
سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعرية فيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .
انّ حضور الصوت النسائي في السرديّة التعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ ) كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذا الموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرة بالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا على مفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبة وممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائد تمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّة لتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كل الصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيري ونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيان النَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمسات الحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلا منتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابة الابداعية .
الأيروسية في القصيدة السردية التعبيرية
في كل يوم وفي أكثر ما يكتب في موقع السرد التعبيري تثبت السردية التعبيرية نجاحها وتطورها بصورة تجلب الانتباه , كل يوم يقفز الى الوجود نصّ سرديّ تعبيريّ يستحق التوقف عنده طويلا ويلحّ على المتلقي ان يقرأه قراءة ابداعية منتجة وليست قراءة استهلاكية سطحية عابرة , نجد بانّ هناك نصوصا بمستوى متطور لغة وفكرة وجمالية ورسالية وبناء , نصوص لا يجيدها الاّ كتّاب السرد التعبيري بعدما وجدوا انفسهم من خلال السردية التعبيرية بنموذجيتها المتطورة والباذخة العطاء . سنؤكد دائما وابدا بانّ السرد التعبيري لا يعني السرد الحكائي او القصصي إنما يعني تجلّي واضح لطاقات اللغة وتعظيمها ونقل للمشاعر العميقة والأحاسيس عن طريق خيال ابداعي جامح فيجعل اللغة كأنها قادمة مما وراء الحلم , انّ السرد التعبيري يعتمد على الزخم الشعوري العنيف والجامح ومحاولة ايقاظ مراكز الشعور والمشاعر في النفس وهذا يؤدي الى ان يتغلغل النصّ بأعماق النفس فنشعر بلذّة الارتواء من جمال اللغة وعذوبتها وتتحقق عملية التواصل ما بين الشاعر والمتلقي ويحث التفاعل الايجابي فيما بينهما وهذا ما نسعى اليه , نريد ان نخلق جسورا قوية وراسخة ما بين الشعر والمتلقي حتى يكون الاخير ايجابيا في قراءته ومشاركا في النصّ . انّ الكتابة الافقية اي كتابة القصيدة على شكل كتلة واحدة أصبحت واضحة الملامح وأصبح لها عشّاقها الذين أخلصوا لها ودافعوا ويدافعون عنها , لما تمنح الشاعر من أفق شاسع في الكتابة حتى يتمكن من صياغة كتاباته بحرّية مستعينا بالرمزية المحببة والخيال الشاسع والمشاعر النقيّة الصادقة القادمة من القلب لتدخل القلب دون استئذان وبمفردات عذبة تثير مشاعر المتلقي وتجعله يعيش في أجواء النصّ .
لازالت اللغة الايروسية خجولة في مجتمعنا الشرقي وكثيرا ما تكتب على استيحاء إلا ما ندر بسبب طبيعة مجتمعاتنا العربية والأعراف والتقاليد الاجتماعية والدينية والثقافية , لهذا نرى هنا وهناك لغة ايروسية تنزّ من هنا ومن هناك عن طريق الأدب النسوي او الذكوري , وربما تكون لغة تلوّح من بعيد الى هذا الادب عن طريق مفردة ايروسية او جملة واحدة في نصّ او نصّ كامل يحتاج اليها الشاعر بين فترة وأخرى في محاولة لإشباع ذاته او تحريك مشاعر الاخرين او تكون رسالة موجّهة الى مجهول او معلون يحاول ايصالها اليه .
إن الايروتيكية مذهب يعني الجنس والشهوة وقد خرج منه الأدب الايروسي , وتعود كلمة ايروتيكية الى كلمة EROTIC الانكليزية وهذه تعني المثير للشهوة الجنسية وكذلك تعود الى الكلمة الانكليزية EROTICISM وتعنى الاثارة والتهيّج الجنسي .
أما بخصوص نصّ الشاعرة : سهام الدغاري من ليبيا المعنون : أنسابُ بينَ أناملكَ حريراً , فنستشفُ من أجواء النصّ حالة من التصحر واليباس والعطش والكبت والحزن في نفس الشاعرة , حالة من التولّه والهيام الشديد والتعلّق بالذات الاخرى , وحالة من الرجاء والانتظار المرّ والموجع في نفس الوقت . فالشاعرة هنا كانت عبارة أرض جرداء منسيّة تكاثرت الأشواك فيها , وظلّت ترنو الى الأمطار علّها تزيح عنها كثبان الرمل وهي تزحو نحو وحدتها . من الملاحظ في هذا النصّ اللغة الزئبقية التي لا يمكن الأمساك بها كونها رجراجة سيّالة ناعمة , وكأنّ الشاعرة أرادت أن تقول بأنّها هكذا , وأنّ ملامح جسدها حين اللقاء سيكون بضّاً متورّداً اذا ما حضرت الذات الأخرى وغمرتها بالنشوة وأجّجات الشبق في ربوعها . العنوان يوحي لنا بكل هذا / أنسابُ بينَ اماملكَ حريراً / فنجد حالة الأنسياب العذب والأنامل وما ترمز اليه من الرقّة والنشاط والجنون وأخيرا نجد الحرير وما أدراك مالحرير ..! . في هذا النصّ نجد اللغة القابلة للأنسياب والحركية مما جعل النصّ زاخراً بالكثير من الحركة والغوص في أماكن بعيدة عن طريق الأنزياحات اللغوية العذبة والممتعة جدا , فمثلاً نقرأ للشاعرة .. أتقلب في أوردتك ، يذوب نبيذك في فمي ، وفي قلبي ألف نبضة تشتهيك ، تنتشيك ، توقظ الثمالة في أرضي ../ فهنا نجد المفردات / أتقلّب – الأوردة / يذوب – فمي / قلبي – تشتهيك – تنتشيك / توقظ – أرضي / .. جميعها تحكي عن حالة من الحركة والأنسياب الى أماكن بعيدة , لكن المقطع / يذوب نبيذك في فمي / نجده شديد البوح والشبق ومحمّلا بالايروسية الصارخة والمعلنة في نفس الوقت , وكذلك نجد في المقطع / توقظ الثمالة في أرضي / هذه اللغة الايروسية الجميلة والمنتشية بالشهوة والأشتهاء . ونفس الشيء نجده في هذا المقطع ايضا .. فينهض توقي المبذور في مسامك ، يأتيني محملاً بالورد والمطر ليغفو في حلمي جنة ../ نجد هذه الحركية والنشاط والأنبعاث والأنسيابية المترقرة , حيث ينتفض الجسد وينهض بعد طول السبات من خلال المفردات / ينهض – مسام / ياتيني – الورد / المطر يغفو – حلمي جنة / , فالمطر هو الغوث الذي تنتظره الشاعرة ليحطّم حالة الجفاف والتصحّر , تنتظره حتى تزهر أزهارها وتستفيق جنائنها البعيدة . ونفس الشيء نجده في هذا المقطع .. أستسقيه هوساً يبلل عروقي ، فيذرفني جنون لاتنضب مآقيه ../ من خلال هذه الأيروسية المنسابة عميقا الى أبعد الأماكن / الجذور / واحداث حالة من الجنون الجميل والنشوة . ثم نقرا للشاعرة هذا التوهّج اليروسي العذب .. يا رباناً يمسك بدفة القصيد ، تعاااااااااال لي ، وأفرد أجنحة الشوق شراعاً قزحياً وأملأ أقداح الريح ، بلل كل هذا الحريق ../ حالة التولّه والنداء والترجّي للذات الأخرى الممسكة بزمام القصيدة – الجسد والمسلّطة على جنائنه الفسيجة , ثم تأتي مفردة / تعاااااااااال لي / وكأن الذات الأخرى بعيدة جدا وما رسم مفردة تعال بهكذا شكل انما يوحي لنا بكل هذا البُعد والتنائي , انه التمزّق ما بين الرجاء والأنتظار , انه صراخ الذات وبصوت عال جدا وطلب اللقاء منها بالحضور وهذا لا يكتمل الاّ بالمفردة / لي / انها تريد امتلاك الذات الاخرى وان تستفرد بها خالصة لنفسها دون أي ذات أخرى والأمساك بها بقوة وعدم التفريط بها , ثم هي تطلب من الذات الأخرى ان تمتطي الريح وتفرد أجنحة شوقها على شكل شراع ملوّن باذخ العطاء والجمال , أن يأتي ويبلّل حرائقها المستعرة ويطفىء النيران . ثم تحتتم الشاعرة صوتها – صراخها بهذه الشبيقة والايروسية .. وحين تفيض من صوتي رائحة الآنين ،عرِّني من ذاكرتي ، دثرني بظِلك ، تناسل في ، ولاترخي يديك عن مدار خصري ، ودعني أصرخ تسعاً وتسعون آهة وعند المئة أنساب بين أناملك حريراً . / .. فحينما سيتمّ اللقاء مع الذات الاخرى سنسمع / الأنين / وهذه ايروسية عظيمة حيث يفيض هذا الأنين على سرير اللقاء المحموم , ثم ها هي تستغيث أن يعرّي ذاكرتها من كل الخراب واليباس والتصحر , وان يدثّرها ظلّه المنتشي بحضورها المشاغب , بوعدها تطلب منه أن يتناسل فيها وان تمتزج المياة الدافئة في لحظة الأمساك وبقوة للجسد المتماوج شبقا وجنونا ولوعة , ثم تطلب منه ان يتركها تنتشي وتصرخ بقوة وتقتلع كل الجذور اليابسة والقديمة من ارضها البعيدة , وعند ختام هذا المشهد المثير تطلب منه ان تنساب بين انامله كالينبوع المتعب من طول جريانه , ان تنساب كالحرير وهذا يعني أن الجسد سيكون منهكا ومتعبا ولكنه لمّا يزل يحتفظ بحريريته .
لقد استطاعت الشاعرة عن طريق البوح الأقصى / وهو طريقة كتابة تشتمل على تعابير شديدة البوح وتحمل أقصى أشكال ابراز المكنونات النفسية بكلمات وتعابير في أقصى درجات البوح / أن تتحفنا بهذا النصّ الأيروسي العذب , وان تمنحنا فرصة أخرى ان نسمع ونستمتع بجمالية الصوت ألأنثوي في القصيدة السردية التعبيرية .
النصّ :
أنساب بين أناملك حريراً
أتقلب في أوردتك ، يذوب نبيذك في فمي ، وفي قلبي ألف نبضة تشتهيك ، تنتشيك ، توقظ الثمالة في أرضي ، فينهض توقي المبذور في مسامك ، يأتيني محملاً بالورد والمطر ليغفو في حلمي جنة ، أستسقيه هوساً يبلل عروقي ، فيذرفني جنون لاتنضب مآقيه ، يا رباناً يمسك بدفة القصيد ، تعاااااااااال لي ، وأفرد أجنحة الشوق شراعاً قزحياً وأملأ أقداح الريح ، بلل كل هذا الحريق ، وحين تفيض من صوتي رائحة الآنين ،عرِّني من ذاكرتي ، دثرني بظِلك ، تناسل في ، ولاترخي يديك عن مدار خصري ، ودعني أصرخ تسعاً وتسعون آهة وعند المئة أنساب بين أناملك حريراً .
سهام الدغاري ـ ليبيا
CONVERSATION
الاشتراك في:
الرسائل
(
Atom
)
إقرأ أيضاً
-
بحكم أن الجزائر خضعت للحكم العثماني لمدة تفوق 300 سنة ( 1518 - 1830 ) هذه المدة الطويلة كانت كفيلة لانتقال الموروث العثماني إلى المجتمع ...
-
NA VEIA DO AMOR * POEMA DO POETISA BRASILEIRO : MARIA APARECIDA MARQUES SOUZA / BRASIL - * TRADUÇÃO FEITA PELO POETA TUNISIANO : MOHY C...
-
مشاركة : مفيد نبزو ـ مهداة إلى أمي ، وزوجتي ، وكل أمهات العالم . من القصائد المعتبرة عالميا ًمن أفضل ما كتب عن الأم ، فقد كتبها الشا...
-
أولا : الهدف الأساسي : إبراهيم " عليه السلام" هو أبو الأنبياء " عليهم السلام" وهو الجذر الشائع بين الشرائع السماوية (الأ...
-
التكوين القاعدي للباحث خليفة حماش الباحث خليفة حماش من مواليد قرية بوعزيز بمدينة برج زمورة ولاية برج بوعريريج ، هذه المدينة التي أنجبت ...
-
مع افتتاح بازار الإنتخابات الرئاسية في لبنان بدأت سبحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية منها المعلن سابقا وحديثا بالاضافة الى الترشيحات الكامنة ...
-
قال تعالى في مُحكم التنزيل : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَ...
-
(ملاحظة : لقد كتبت هذه المقالة التحليليَّة لكتاب (أيام فلسطينيَّة ) قبل وفاة الصديق الكاتب والمؤرح خالد الذكر الدكتور تميم منصور بعدة سنوات ...
-
ثديا المرأة أجمل ما فيها، وهما العضوان البارزان اللذان لا تستطيع المرأة - مهما حاولت - إخفاءهما، وهما من أكثر أعضائها شهوة وإثارة للرجل،...
-
وقفتُ فيما مضى، كظلٍّ يَتوكأ مُستندًا على نفسِه في ظهبرةِ الشّمسِ لادفئ كتابات بدأَ صقيعُ البَرْدِ ينالُ منها، ولأنَّ الأفياء تستهويني، وجدت...
0 comments:
إرسال تعليق