سورياليات حقيقية/ د. عدنان الظاهر

 


 

1 ـ أخناتون القاهرة

في الأولِ من شهرِ الحبّ الثاني

زرنا مسرحَ نجوى مرآنا [ أينْ ؟! ]

غرباءَ الروحِ تقابلنا وشددنا أيدينا

كانَ المشهدُ مشحونا

شهداءُ الزورِ أحاطونا

عدساتُ التصويرِ أنارتْ أركانَ المبنى

فتعرّقنا حَرَجاً وتوارينا خَجَلا

مُستشفى القصرِ العينيِّ قريبٌ منّا

النيلُ قريبٌ كانَ وكانَ المجلسُ والشورى

الباعةُ والضجّةُ في ميدانِ التحريرِ 

عجلاتٌ صاخبةٌ مرّتْ وتظلُّ تمرُّ سريعاً عجلى

ضاعَ الليلُ وضِعنا فيهِ جميعا

كان الجوُّ لئيماً جدّا

ينفثُ نارَ فضيحةِ ما نُخفي 

ـ لا نُخفي إلاّ ما نخشى ـ

لم نلبثْ في البهوِ طويلا

الليلُ قريبٌ وحبيبي يتمشّى 

لقيانا الأولى قاسيةً كانتْ 

وكانتْ أقسى لقيا

هزّتنا هزّا

دكّتْ ما دكّتْ 

وهوى جسرُ النيلِ قريباً منّا

هل ثمّةَ مِنْ لقيا أخرى ؟

ـ سنرى ، قالتْ ... تلفِنْ ... إرسلْ إيميلا ...

مرَّ الأسبوعُ الأولُ هل مِنْ لقيا أخرى ؟

فكّتْ مرآتي شفراتِ خفايا ليلاتِ الرؤيا :

زُرْها أنتَ مساءَ السبتِ الآتي 

إحملْ للطيرِ الزاجلِ في شقّتها ما شئتَ وما يهوى :

بعضَ الحلوى وكتاباً مفتوحا

تقرأُ فيهِ حظاً معطوباً مشطوبا

لا تحزنْ لا تيأسْ وتشبثْ بالحلقاتِ الوسطى

المسرحُ مفتوحُ 

ينتظرُ الإذعانَ لشرطِ الأمرِ الملكيِّ السامي

يأتيهِ مختوما 

...

ماذا ستقولُ نبوءةُ ما قبلَ الألفِ الثالثِ للميلادِ ؟

حطّمْ نافذةَ الشارعِ وافتحْ سِفرَ مزاميرِ الأحزانِ

…تركوكَ وحيداً تسعى   


2 ـ أسيرةُ بغداد 

بغدادُ تدكُّ مفاصلَ وحدتها

دكّاً متصلاً دكّا

البردُ هناكَ ظلامُ

النومُ حرامُ

الضجّةُ خلفَ الأبواب السودِ

حارسُها يقتلها عشراً في اليومِ

( يقتلها حتّى في النومِ )

[ ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ / المتنبي ]

يشويها لحماً حيّا

يعرضها للبائعِ والجاري والشاري

في سوقِ مهازلِ عاصمةِ الأنوارِ

يفقأُ عينيها

يغصبها غصبا

فجراً ظهراً ليلا

وحشيٌّ متهمٌ بالقتلِ العمْدِ وسابقِ إصرارِ

 ( أرضُ الطفِّ بَراءُ ) 

لا صامَ الوحشُ ولا صلّى 

تنهشُهُ الكلبةُ إنْ ولّى والكلبُ

مجّدَكِ الكونُ وصلّى الربُّ

سيدتي ...

أسَروكِ وكنتُ أسيرَ مِجرّةِ ينبوعِ النورِ بعينيكِ

عرّوكِ ... ذبحوكِ ... قصّوا نهديكِ فما جفّ النهدُ

قتلوا جَسَدَ الإنسانِ وما قتلوكِ

تنتصرُ الدنيا فيكِ

رمزاً أبَديّاً للدنيّا ... أُمّا .

3 ـ أميرةُ سِدْني

دانت هاماتُ مجالسِ ذِكرى حُبِّ القُدسِ

دانت أفواجُ الحَرَسِ الملكيِّ عبيدا

ضبّاطاً وجنودا

التاجُ وغارُ التاجِ وزيتونُ الجبلِ العالي

ميزانُ قداسةِ قلبِ السيدةِ العصماءِ

بيتُ المقدسِ قِبلةُ ماضيها

دربُ الآلامِ طريقُ معارجِ غُربتها شرقا 

فلتبحِرْ غربا

النجمُ وراءَ مساربِ آثارِ خطانا

كوكبُنا في المهدِ

نترقبُ نورَ طلوعِ النجمِ الهادي

هيّا ... الوقتُ يضايقنا

الوقتُ يهددُ جبهتَنا

حَرَساً سريّاً راياتٍ وبنودا

فلنغلقْ أُسطورةَ عهدِ الريحِ العاتيةِ الشعواءِ

الدربُ عريضُ

الموسمُ ـ شئنا أو لا ـ آتٍ

يدفعُ للجبهةِ أحكامَ قيامةِ ميزانِ الحدِّ

حدّاً حدّا

والآجلُ الباقي يكفينا

عودي فالبيتُ ينادي :

موتكِ أو موتي في بيتي .

4 ــ أفروديت عمّان

أولاً : بحرُ اللونِ

الوردُ الجوريُّ عقيقُ 

متقّدٌ في نورِ كسورِ عروقِ الشذرِ الصافي

البحرُ مِرايا

بلّورُ الحَدقاتِ الزُرْقِ

اللونُ خفايا

مستترٌ في هِندسِ طيّاتِ الصدرِ

الحبُ خفيُّ

أسلكهُ درباً صعبا

البعدُ المرئيُّ سرابُ

الشهرُ صيامُ

الصيدُ حرامُ

جارت فيها أيامي

نُصْبُ الحبِّ يجورُ عليّا

لا يألو جَهدا

في هدمِ أساساتِ البنيانِ 

حتّى ما أبقى منّي شيئا

قَدَري هذا

لا راحةَ لي إلاّ فيها

صَنَماً منحوتا

ربّاً وَثنيّا

لاتاً ومَناةً أو عُزّى .

ثانياً ـ مملكة المعادن في البحرِ الميّتْ

الشذرُ عقيقُ يمامةِ جيدِ سفينةِ بنتِ السفّانِ

أيُّ ملاكٍ هذا

يُبحرُ أنّى شاءتْ أقدارُ سفائنِ عمّانِ 

ياقوتٌ ملتبسُ الأعراقِ بشقِّ المَدّةِ والجزرِ وميزانِ الموجِ البحري 

العينُ يواقيتُ بيوتِ النارِ الخضراءِ

أصلى فيها جذوةَ قُدّاسِ العذراءِ

( لا راحةَ لي إلاّ فيها )

أَملاً أو يأسا

ضعفاً أو بأسا

تدنو منّي

أتنفّسُ نيراني لَهَباً وشواظَ نَحاسِ

أفنى فيها شاءتْ أمْ لمْ

نَفساً نَفَسا

أنفاسٌ تهبطُ أو تعلو

بسُعارِ شراراتِ حطامِ سقوطِ الأجسادِ

حَدَقٌ في شكِّ عيونِ دلافينِ خليجِ النجوى

طوقُ الياقوتِ خدينُ ترائبها جِيْداً جِيْدا

نورٌ يتبادلُ أطيافَ اللون المكبوتِ السامي

أخضرُ عينيها مِشكاةُ الجوهرِ فالحبُّ عقيقُ 

وفراءُ الذئبِ زفيرٌ يعلو وشهيقُ 

الصدرُ الملكيُّ عَراءُ

النجمةُ في أعلى جبلِ الُحُسنِ رحيقُ

ودوائرُ حلقاتِ أناملها ختمٌ ممهورٌ وخُزامى

حرسُ المقصورةِ منذورٌ لصناعةِ بوّابِ

الموكبُ صوتٌ مكتوبٌ للعزفِ على أوتار مليكةِ عصرِ النارِ

جسرٌ ممتدُّ

من سبأٍ حتى قصرِ الحمراءِ .


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق