تشرَّبَ الفنَّان والمطرب السُّوري فريد الباشا بالإنشادِ الدِّيني بكلِّ حبورِهِ وحلَّقَ عالياً في فضاءِ الطَّربِ الأصيلِ




الموسيقى لغةٌ كونيّةٌ مُندلقةٌ مِنْ وميضِ النَّيازكِ وضياءِ النُّجومِ، ومِنْ هديرِ الرِّيحِ، وأمواجِ البحارِ في أوجِ اهتياجِها. تَبهَرُني عوالمُها الرَّحبةُ لِما فيها مِنْ تجلِّياتٍ رهيفةٍ تُبهجُ أعماقَ بواطني وخيالي، كأنَّها بلسمُ الرُّوحِ. تَشفي أحزانَنا المتناثرةَ فوقَ قِبابِ العُمرِ، وتُبدِّدُ آهاتِنا المتراكمةَ فوقَ صدورِنا على مَرِّ السِّنينَ. الموسيقى هبةٌ مُنبعثةٌ مِنْ أعالي السَّماءِ إلى مَنائرِ الأرضِ، وإلى مَنابعِ الرُّوحِ، هي طريقُنا الأبهى إلى هَدهداتِ قلوبِنا في ذُروةِ مآسينا وأفراحِنا وحياتِنا بمُختلفِ تلاوينِها المتناميةِ فوقَ خميلةِ الأرضِ.  

فريد الباشا، فنّانٌ فريدٌ مِنْ نوعِهِ في تجلِّياتِهِ المُبهرةِ، يُغنِّي غناءً مُبهرِاً، مُحلِّقاً في فضَاءِ الطَّربِ الأصيلِ، تشرَّبَ أصالةَ الغِناءِ مِنْ رحابِ الإنشادِ الدِّيني بكلِّ حُبورِهِ، مُتأثِّراً بالأغاني الأصيلةِ ومنها أغاني فريد الأطرش، يُغنِّي كمَنْ يُهدهدُ النَّسيمَ، لِما لديهِ مِنْ صوتٍ حَنونٍ ومُبهجٍ في أداءِ أغانيهِ، فيمنحُ المُستمعينَ إليهِ بهجةً غامرةً. حالما أسمعُ دندناتِ عَزفِهِ وأغانيهِ، أُحلِّقُ في فضاءِ حَرفٍ مُنسابٍ مِنْ مآقي الحُلُمِ البعيدِ، غِناءٌ مصفَّى مِنْ شوائبِ الحياةِ، كأنَّهُ يُهدهدُ قلوبَنا العَطشى إلى رِحابِ الفَرحِ، ترقصُ الرُّوحُ ألقاً وشوقاً إلى أزاهيرِ الصَّباحِ، تناغمٌ مُبهِرٌ في عزفِهِ وغنائِهِ الموشَّحِ بجمالِ الأداءِ، يشمخُ عالياً مثلما تشمخُ الرُّوحُ وهي في ذروةِ تجلِّياتِها. يُشبِهُ بسمةَ الطُّفولةِ، وهديلَ اليمامِ في صباحٍ ربيعيِّ مبلَّلٍ بأصفى جموحاتِ الغِناءِ. 

تَنسابُ أنغامُ موسيقاهُ إلى مراتِعِ ظِلالِ القلبِ، تُبهِجُ الرُّوحَ كأنَّها بلسمٌ شافٍ للقلوبِ العَطشى إلى أبهى مَرامي الجمالِ. يُغنِّي مِنْ أعماقِ جوارحِ الرُّوحِ، فيُنعِشُ قلوبَ مُستمعيهِ. كُلَّما استَمَعْتُ إلى تجلِّياتِ أنغامِهِ، رفرَفْتُ عالياً على إيقاعِ الفرحِ، وتبدَّدَ حُزني، وشمَخْتُ عالياً على إيقاعِ حَنينِ القلبِ. يُحلِّقُ بِنا عالياً في أصفى حَالاتِ التَّجلِّي كأنَّهُ في حالةِ ابتهالٍ مَعَ وهْجِ الإنشادِ بأرقى جموحاتِ الغِناءِ الأصيلِ، يرسمُ بسمةَ الفرحِ في قلوبِنا، فيطفحُ مساؤنا بهجةً وألقاً كأنَّنا في حالةٍ عناقٍ مَعَ منابعِ الجمالِ!

يمتلكُ الفنّانُ فريد الباشا إحساساً مُرهِفاً في فضاءِ الغِناءِ ودندناتِ العزفِ بمهارةٍ مُبهرةٍ على العودِ، يُعانِقُ عودَهُ بشغفٍ عميقٍ، كأنَّهُ صديقُ العُمرِ، مُداعباً رنينَ أوتارِهِ بكلِّ ابتهالٍ، ويصدحُ بأنغامِهِ وكأنَّ هذهِ الأنغامَ منبعثةٌ مِنْ خُدودِ حبيبةِ الرُّوحِ، ومُرفرِفةٌ في قُبّةِ الأحلامِ. عَشِقَ الموسيقى والغِناءَ مُنذُ باكورةِ العُمرِ إلى أنْ أصبحَتْ هذهِ العوالمُ فضاءَهُ الأسمى في سُلَّمِ العُبورِ في أنقى أرخبيلاتِ الحياةِ. توغَّلَ برغبةٍ جامحةٍ في أعماقِ الألحانِ ومنابعِ الأنغامِ، مُحصِّناً أهدافَهُ الشَّاهقةَ في عوالمِ الموسيقى، وبنى أبراجَهُ الفنِّيةَ الشّاهقةَ على أنقى صُروحِ الأحلامِ، إلى أنْ شمخَ عالياً في أزهى رحابِ التَّجلِّي، ونجحَ ببراعةٍ فائقةٍ في تحقيقِ مراميهِ الفنِّيةِ، لِما لديهِ مِنْ حِسٍّ فنِّي طافحٍ بالعذوبةِ في أداءِ أنغامِهِ وغنائِهِ السَّيَّالِ. 

هَلْ استمدَّ رهافتَهُ مِنْ حَنينِ اللَّيلِ، والنُّجومُ في أوجِ تلألؤاتِها، أمْ مِنْ تفتُّحِ براعمِ الشَّوقِ إلى إشراقةِ الصَّباحِ؟ يشدو صوتُهُ كما تشدو بلابلُ الحقولِ في ذُروةِ حبورِهمِ في ظِلالِ البساتينِ. يجمحُ بكلِّ اشتياقٍ نحوَ حبورِ الطَّبيعةِ البكرِ وأمواجِ البحارِ الهائجةِ. يُناغي صَفاءَ الصَّباحِ وانسيابيّةَ السَّواقي وهي تخرُّ في أزهى أيَّامِ الرَّبيعِ وهو مكسوٌّ بأزاهيرِهِ الفوَّاحةِ على هَفهفاتِ هبوبِ النَّسيمِ الملفَّحِ بأريجِ الشِّعرِ. تتراقصُ الموسيقى في خيالِهِ وفي تماهياتِ أحلامِ اليقظةِ في أوجِ انبعاثِها، تَحِنُّ القلوبُ إلى روعةِ الأغاني، مِثلما تهفو الأزاهيرُ إلى أنغامِ الموسيقى، حتَّى الطَّبيعةُ تَعشَقُ الموسيقى، فهي لغةُ الكائناتِ والنَّباتِ، تتماهى مَعَ هبوبِ النَّسيمِ الآتي مِنْ مرتفعاتِ الجبالِ. يصوغُ الفنّانُ ألحانَهُ مِنْ هبوبِ الرِّيحِ مَعَ صفيرِ الأشجارِ وزقزقاتِ العصافيرِ، فتولدُ الألحانُ مِنْ تَناغماتِ الطَّبيعةِ بكلِّ تلاوينِها المتطايرةِ مِنْ خِضمِّ الكائناتِ وتلاطماتِ أمواجِ البحارِ.

ترعرعَ الفنَّانُ فريد الباشا بكلِّ ما يحملُ في أعماقِهِ مِنْ هواجسَ فنّيّةٍ بينَ فضاءَاتِ الإنشادِ الدِّيني والألحانِ والأغاني الأصيلةِ في أجواءِ الفرحِ والمُروجِ المخضوضرةِ بنضارةِ النَّدى المتناثرِ فوقَ طراوةِ العُشبِ، واصطفى مِنْ أرقى الأنغامِ ما يناسبُ بهاءَ الإنشادِ والغناءِ الأصيلِ، وتشرَّبَ بماءِ القصيدةِ المجنّحةِ نحوَ زُرقةِ السَّماءِ في أوجِ انبلاجِ الأنغامِ، فوُلِدَتْ الألحانُ بينَ يديهِ مَصقولةً بحَبقِ الطَّبيعةِ الخلَّابةِ، ومَمْهورةً برقرقاتِ عُذوبةِ الماءِ الزُّلالِ، ومتطهِّرةً مِنْ الشَّوائبِ المتناثرةِ فوقَ خُدودِ اللَّيلِ وفوقَ مَنارةِ النَّهارِ، كابحاً بكلِّ ما لديهِ مِنْ جموحٍ الغبارِ الَّذي يُصادِفُهُ في رحلةِ العبورِ في أبهى آفاقِ الألحانِ مِنْ أوسعِ أبوابِها الموسومةِ بأشهى تجلِّياتِ الابتهالِ، واضعاً بصمتَهُ فوقَ أخاديدِ ألحانٍ مُتراقصةٍ في آفاقِ أحلامِهِ المُتهاطلةِ فوقَ دروبِ العُمرِ. 

بنى الفنّانُ عالمَهُ الفنّي بمهارةٍ عاليةٍ، مثلما يبني البُلبلُ عُشَّهُ فوقَ أعلى أغصانِ الأشجارِ، مُجنَّحاً نحوَ خمائلِ الفرحِ، والجَمالِ المُبهرِ، مُركِّزاً على أصفى فضاءَاتِ الغِناءِ، بانياً طموحَهُ خطوةً خطوةً بكلِّ ما فيهِ مِنْ شَغفٍ واهتمامٍ، مُبحِراً برغبةٍ عَميقةٍ في رِحابِ الأغاني الطَّربيّةِ الأصيلةِ، فتنامَتْ حَنجرتُهُ على أنغامِ الأصالةِ والقصائدِ المُعبِّرةِ عَنْ طُموحاِتِهِ، إلى أنْ حقَّقَ نجاحاً باهراً وحضوراً مُتميِّزاً، ووصلَ إلى أرقى فضاءَاتِ التَّجلِّي، متَّخذاً مِنَ الموسيقى والغِناءِ هدفاً أوَّليَّاً وأساسيّاً في حياتِهِ، وتعشَّشَ هذا الهدفُ في أعماقِ الخيالِ والرُّوحِ، وأصبحَ أحدَ منابعِ الفرحِ والطُّموحاتِ الشّاهقةِ في مَسارِ إبداعِهِ الفنِّي. 

لَمْ ينجرِفِ الفنّانُ إلى بريقِ الشُّهرةِ الفضفاضةِ ولم يتأثَّرْ بأيِّ إغراءٍ آخرَ، رغمَ أنَّهُ كانَ مُتاحاً لَهُ أنْ يحقِّقَ الانتشارَ مِنْ أوسعِ أبوابِهِ، لكنَّهُ فضَّلَ أنْ يحلِّقَ في فضاءَاتِهِ وعوالمِهِ كما يحلو لَهُ وعلى طريقتِهِ وبما يناسبُهُ، بعيداً عَنْ تكلُّساتِ الغُبارِ والمُنافساتِ الفاقعةِ، والمائلةِ إلى دَبقِ الاصفرارِ المكتنفِ بالاعوجاجِ عَنْ مَسارِ شَهيقِ الإبداعِ، كي يحافظَ على رفرفاتِ التَّحليقِ الأصيلِ في سَماءِ الغِناءِ الخلَّاقِ، ساطعاً مِثلَ نجومِ الصَّباحِ، وصادحاً مِثلَ تغاريدِ الطُّيورِ في قِمّةِ انبعاثِ الحُبورِ. فنّانٌ مَجبولٌ بحنجرةٍ حَنونةٍ ذهبيّةِ الانبعاثِ في تجلِّياتِهِ. ينجذبُ المستمعُ بكلِّ أحاسيسِهِ إلى أدائِهِ المُفعمِ بالدِّفْءِ والحنينِ، فتنفرشُ أمامَنا أجنحةُ الجمالِ على أقصى مَداها، شامخةً في لُبِّ الخيالِ، مُبهِجاً عوالمَنا برهافةِ الأداءِ، يُسحِرُنا بآفاقِهِ المجنّحةِ نحوَ أصفى ما في جموحِ الانبهارِ مِنْ ألحانٍ. يمنحُنا الغبطةَ في إنشادِهِ، فهو يمتلكُ رهافةَ الإنشادِ حتّى وهو يغنِّي أغانيهِ الطَّربيّةَ، تُقرِّبُنا الموسيقى إلى ارتقاءِ الرُّوحِ نحوَ مَعارجِ الصّفاءِ، وإلى ذُروةِ مرامي الابتهالِ، عندما تنبعثُ مِنْ مشاعرَ مُتماهيةٍ مَعَ منابعِ الجمالِ الخلَّاقِ.

يُغنِّي الفنَّانُ فريد الباشا بشغفٍ عالٍ الأغاني الإيقاعيّةَ الرَّاقصةَ، يؤدِّيها بمهارةٍ عاليةٍ، خاصّةً أنَّهُ يعزفُ ويغنِّي مَعاً، تموجُ في كيانِهِ أنغامُ الموسيقى، ومشاعرُهُ مجنَّحةٌ نحوَ أصفى جموحاتِ التّجلي، يترجمُ هواجسَهُ الهائمةَ في آفاقِ الخياِلِ، فترقصُ القلوبُ بكلِّ ابتهاجٍ على إيقاعِ الفرحِ وبهجةِ الانتعاشِ، ريشتُهُ رهيفةٌ كرهافةِ بهاءِ الفَراشاتِ وهي تُعانقُ بتْلاتِ الزُّهورِ، مُزغرِداً مِثلَ البلابلِ المغرِّدةِ في كَنفِ الطَّبيعةِ الخلَّابةِ، مُبتهلاً في آفاقِ الغَناءِ في فضاءِ الانبهارِ، يَستنهِضُ فينا حنينَ الزَّمنِ الجميلِ، المُتعانِقِ مَعَ أرقى الألحانِ، ومُستعيداً مَجدَ الغِناءِ الأصيلِ، ومُحلِّقاً بأدائِهِ الجميلِ مَعَ روعةِ الغناءِ الأصلي، وكأنَّهُ الفنَّانُ الَّذي غَنّى ما يُغنِّيهِ بأحاسيسَ مُبهرةٍ، مُحلِّقاً بكلِّ حبورٍ في فضاءِ الأحلامِ الوارفةِ، فيُهطِلُ علينا روائِعَهُ الفنّيّةَ فنزدادُ ابتهاجاً. تعانقُ الموسيقى ما يموجُ في بواطنِنَا وخيالِنا وذاكرتِنا، وتمسحُ الأحزانَ المتناثرةَ فوقَ جباهِنَا، وتُزيلُ عَنْ كاهلِنا آهاتِ غُربةِ الرُّوحِ. موسيقى معبَّقةٌ بحنينِ الرُّوحِ كأنَّها مُنبعثةٌ مِنْ رضابِ السَّماءِ!

اطَّلعَ الفنّانُ على الموسيقى الشَّرقيّةِ بعمقٍ، وغاصَ في أغوارِ فضاءَاتِ أنغامِها بكلِّ تفرُّعاتِ مقاماتِها، وأعجبَتْهُ الأغاني الأصيلةُ الرَّاقيةُ الّتي غنَّاها كبارُ الفنَّانينَ أمثالُ محمّد عبدالوهاب ووديع الصَّافي وفريد الأطرش وغيرُهم مِنَ الفنّانينَ المبدعينَ في رِحابِ الفنِّ الأصيلِ، وقَدْ غنّى الكثيرَ مِنْ أغانيهم وكأنَّهُ الفنّانُ الأصلي الّذي غنّى هذهِ الأغاني، ثمَّ راحَ يختارُ قصائدَ عميقةَ المعنى والمضمونِ، ولحَّنَها بنفسِهِ وغنَّاها ضمنَ فضاءِ الفنِّ الأصيلِ، بما يناسبُ مِساحاتِهِ الفنّيّةَ الحنونةَ، الّتي يُغدِقُها علينا ببهجةٍ عارمةٍ، فيُنعشُ قلوبَنا العَطشى لمرافئِ جمالِ الرُّوحِ. يعزفُ على أوتارٍ مُتناغمةٍ مَعَ أغصانِ الحَنينِ، وأنباضِ القَلبِ. يَشمخُ عَالياً في مَتاهاتِ الذَّاكرةِ ويذهبُ بِنا إلى واحاتِ الأحلامِ البعيدةِ، مُلملماً ما خبَّأناهُ في خَيالِنا المُزنَّرِ بأجملِ أنغامِ العُمرِ، الَّذي سمعناهُ على مَدى مَحطّاتِ العُبورِ في مُنعرجاتِ الحياةِ. مُهدهِداً أرقى ما في قلوبِنا وخيالِنا ومآقي الحَنينِ، راسماً فوقَ ليالينا أجنحةَ الفرحِ، كأنَّهُ يحملُ رسالةَ ابتهالٍ تُنعِشُ قلوبَ المُستمعينَ، راغباً أنْ يرسمَ فوقَ هِلالاتِ ذاكرتِنا أناشيدَ مُضمّخةٍ بأزاهيرِ النَّعيمِ!

تنبعثُ هذهِ الحساسيّةُ الفنّيّةُ في فَضاءِ تجلِّياتِ الغِناءِ وفي عُذوبةِ العَزفِ المُنسابِ مِنْ أناملِ هذا الفنَّانِ المُندَّى برحيقِ السَّوسَنِ البرِّي، إلى أنْ تربَّعَ فوقَ أبراجِ الشُّموخِ، لأنَّهُ مُشبَّعٌ بهذهِ الفضاءَاتِ الطَّافحةِ بالأصالةِ والمِرانِ الطَّويلِ، تهفو أنغامُهُ إلى ظِلالِ البيوتِ العتيقةِ المسترخيةِ في تجاويفِ الذَّاكرةِ، وظلَّتْ ترفرفُ عَبرَ العديدِ مِنْ محطَّاتِ الحياةِ، كي توشِّحَ ذكرياتِنا برنينِ النَّواقيسِ، وأجراسِ المَحبَّةِ وتَجلِّياتِ الإنشادِ بأرقى حبورِهِ وابتهالاتِه، كأنَّها مُنبعثَةٌ مِنْ حَفيفِ الأشجارِ المباركةِ، والمُعبّقةِ بأريجِ الأزاهيرِ الفوّاحةِ في مسارِ رحلتِهِ الفسيحةِ في دُروبِ العُمرِ الّتي قضاها باجتهادٍ وشغفٍ كبيرَينِ في صقلِ آفاقِ رؤاهُ وطموحاتِهِ مُنذُ أنْ شبَّ عنْ الطَّوقِ حتًّى الوقتِ الرَّاهنِ، فنراهُ مُحلِّقاً في فضاءِ العِناقِ الرُّوحي في ذُروةِ تألُّقِهِ، كأنَّهُ يُناجي أحلامَنا الهاربةَ مِنْ أوجاعِ هذا الزَّمان، زارعاً في قلوبِنا بهجةً غامرةً. غناءٌ مَمْهورٌ بألقِ الصَّفاءِ والعُذوبةِ، كأنَّهُ يبتهلُ لسموِّ السَّماءِ، عطاءٌ مُبهرٌ، مِنْ بهاءِ رهافةِ الحُلُمِ المُجنَّحِ نَحوَ رِحَابِ الأعالي. يؤدِّي أجملَ المواويلِ والعتابا بمختلفِ أنواعِها بتجلِّياتٍ شاهقةٍ، صوتٌ متعانقٌ مَعَ خمائلِ اللَّيلِ، كأنَّهُ يناجي قلوبَنا برهافةٍ مبهرةٍ، ويطهِّرُنا مِنْ أوجاعِنَا المتراكمةِ فوقَ هِضابِ العُمرِ. 

يُشبِهُ الفنَّانُ انبعاثَ القصيدةِ المُضرّجةِ بفضاءَاتِ السُّموِّ والابتهالِ، يُحاوِرُنا بعذوبةٍ مُبهِرةٍ عَبرَ روعةِ أنغامِهِ، وتجلِّياتِ صَوتِهِ المبلَّلِ برحيقِ أزاهيرِ الرُّوحِ المتعانقةِ مَعَ كنائزِ الأحلامِ، يرقُصُ الوترُ فرحاً وابتهالاً بينَ أناملِهِ، وينسابُ صوتُهُ مِثلَ حُلُمٍ متدفِّقٍ مِنْ أشهى واحاتِ الحنينِ، ويَزرَعُ في قلوبِنا الفَرحَ، ويأخذُنا إلى عوالِمَ تُبهِجُ القلوبَ، ويمسحُ الأحزانَ المُتعلِّقةَ في دُروبِ عُمرِنا المحفوفةِ بالأسى والأنينِ. غناءٌ مُبلَسمٌ بأريجِ المَحبّةِ ووئامِ الذَّاتِ مَعَ خَميلةِ الحياةِ، جموحٌ نحوَ فضاءِ عِناقِ القلبِ وشواطئِ الحُلُمِ البعيدِ، حتّى يصلَ إلى مرافئِ الطُّفولةِ والصّبا، ويذكِّرنا بأيّامِ الشَّبابِ في الوطنِ الأمِّ ونحنُ نتجلَّى على أصواتِ الطَّربِ الأصيلِ. يشمخُ شُموخَ النِّسرِ المُحلِّقِ بجناحَينِ قويَّينِ في أشهى هِلالاتِ العَطاءِ الخلّاقِ.   

يُبلسِمُ الفنَّانُ فريد الباشا بروعةِ أغانيهِ جوارحَنا الثَّخينةَ، ويَمحَقُ آهاتِنا الممتدَّةَ على مِساحاتِ السِّنينَ، ويهدهدُ أشواقَنا المتناثرةَ فوقَ تيجانِ أحلامِنا المزركشةِ بألوانِ الحياةِ، ويبدِّدُ شطراً غائراً مِنْ تلظّياتِ أحزانِنا، وآهاتِنا المتغلغلةِ في أعماقِنا في زمنِ تفاقُمِ الاشتعالِ المريرِ. تصبحُ الموسيقى بلسمَ الحياةِ في زمنِ الانكسارِ، وتشفي غليلَنا المشحونَ بلهيبِ الأسى، وترسمُ فوقَ جباهِنا معالمَ البهجةِ. بحسرةٍ حارقةٍ أتساءَلُ: لماذا ازدادَتْ قلوبُ الأوطانِ تصدُّعاً، وإلى متى سيغوصُ الإنسانُ في شفيرِ الانحدارِ؟ عجباً أرى، تزدادُ قلوبُ الأحبَّةِ تهشّماً، رغمَ كلِّ هذا البهاءِ في حُبورِ الأغاني. فريد الباشا هديَّةٌ مبهجةٌ للقلبِ والرُّوحِ في زَمنِ الانهزامِ وتراكُمِ القُبْحِ. أغدِقْ علينا يا فريد مِنْ رَوعةِ أغانيكَ وموسيقاكَ كي نتجلَّى عالياً ونعانقَ بكلِّ فرحٍ زُرقةَ السَّماءِ! 


ستوكهولم: أيَّار (مايو) 2024

صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق