حينما تـُحرم تايوان البريئة من الإشادة!/ د. عبدالله المدني

جاءت جائحة كورونا الحالية لتعيد تايوان المعزولة اعلاميا ودبلوماسيا إلى الساحة الدولية والمشهد الإعلامي منذ أن سحبت الصين البساط من تحت قدميها بالحلول مكانها كعضو دائم في مجلس الأمن بدءا من أكتوبر 1971 وبالتالي اعتراف معظم دول العالم ببكين كممثلة شرعية للشعب الصيني. وبطبيعة الحال واصلت تايبيه الإدعاء بأنها هي التي تمثل الشعب الصيني كما كان حالها منذ تأسيسها في العام 1949 على إثر خسارة مؤسسها الماريشال تشيانغ كاي شيك للسلطة في البر الصيني كما هو معروف، مع إصرارها على إستخدام إسم "جمهورية الصين الوطنية" كإسم رسمي لها.
سارعت تايوان إلى استثمار ما حدث مؤخرا لخصمها وجارتها الصينية اللدودة، من انتقادات دولية على خلفية تسببها في تفشي وباء "كوفيد ــ 19" في العالم، وعدم إلتزامها الشفافية فيما خص الإعلان عن الإصابات والوفيات مبكرا، مقابل إشادة العالم بها لمواجهتها الناجحة والسريعة للوباء وتمكنها من تجاوز تداعياته بأقل الخسائر الممكنة بفضل نظامها الصحي المتقدم ووعي شعبها المتحضر وخبراتها المتراكة من تجارب وبائية سابقة، ناهيك عن نظامها الديمقراطي القادر على التعامل مع الأزمات بشفافية وثقة. 
وكان ضمن ما قامت به المسارعة لمد يد العون إلى الدول المتضررة بالوباء عبر تزويدها جوا بشحنات من الكمامات والمعقمات وأجهزة التنفس الصناعية وغيرها، خصوصا وأنها برزت كدولة متقدمة صناعيا وعلميا وطبيا منذ أن كانت الصين مجرد دولة زراعية متخلفة، وبالتالي فبمقدور تايوان الصغيرة مساحة وسكانا لعب دور البلد المساهم في تخفيف آلام البلدان الأخرى، بما فيها دول أوروبية متقدمة ذات إقتصاديات كبيرة مثل إيطاليا وأسبانيا. حيث أعلنت الرئيسة التايوانية "تساي إينغ وين" في مطلع إبريل تبرع بلادها بعشرة ملايين قطعة من الكمامات الطبية ومعدات الفحص وغيرها، قائلة أن مصانع بلادها بدأت منذ شهر فبراير المنصرم بانتاج تلك الأشياء بكميات تتجاوز حاجتها الداخلية بكثير. 
المشكلة كانت في الأسم الرسمي الذي تصر تايوان على الإحتفاظ به وهو "الصين" وتضعه على طائراتها الناقلة للمساعدات الطبية إلى الخارج. كان من نتائج هذا أنه تمّ التعامل في أكثر من دولة أوروبية مع طائرات تايوان الناقلة للمساعدات على أنها طائرات مساعدات صينية، مما جعل آيات الشكر والامتنان وشهرة الكرم والانسانية تذهب للصين وحكومتها بدلا من تايوان، خصوصا وأن الطائرات التايوانية التي نقلت المساعدات تابعة لناقلتها الوطنية المعروفة بإسم "China Airlines"، فتم الخلط بين الأخيرة وبين الناقلة الوطنية للصين الشيوعية المعروفة بإسم "Air China"، ولاسيما في صفوف العامة غير الملمين بالتاريخ والجغرافيا خارج ديارهم، بل ممن لا يميزون بين الدولتين وشعاريهما الرسميين
إن ما حدث في أوروبا ــ وخاصة في إيطاليا ــ لجهة تقدير الصين والإشادة بكرمها وإنسانيتها، رغم مسؤوليتها عن انتشار وباء كورونا وما صاحب ذلك من ضحايا بشرية وتخريب للمصالح الإقتصادية وتعطيل للأرزاق وتأخير للعملية التعليمية وإغلاق لدور العبادة وتجميد للطقوس اليومية التي اعتادها مئات الملايين من البشر، مقابل إهمال الإشادة بالمبادرة التايوانية دفع أكثر من 400 ألف مواطن تايواني إلى التوقيع على عريضة يطالبون فيها الحكومة بحذف كلمة "الصين" من إسم ناقلتهم الوطنية كي لا يتم الخلط بينها وبين تلك العائدة للصين الشيوعية. أما المثير هنا فكان تأييد رئيس الحكومة التايوانية سو تسينغ تشانغ لمقدمي العريضة وجلهم من المطالبين باستقلال تايوان ومن رموز الإعلام الداعم للفكرة، موضحا أنه بالإمكان إتخاذ خطوات في هذا الإتجاه، على الرغم مما سوف يتسبب به الإجراء من تغيير حقوق الناقلة الوطنية لجهة التشغيل من وإلى وجهات معينة، دعك مما يلزم عمله من جهود جبارة للحصول على موافقة منظمة الطيران المدني التي يقوده اليوم مسؤول صيني من المؤكد أنه سيقف حجرة عثرة في الطريق وسيرفض منح الناقلة الوطنية التايوانية رمزا جديدا للتشغيل.
وإلى أن تتم الإستجابة لمطالب مقدمي العريضة أكد رئيس الحكومة أمام البرلمان التايواني أنه سيصدر أوامره لوضع عبارة "تايوان" بخط كبير على كافة طائرات الأسطول الوطني البالغ عددها 88 طائرة نفاثة (أكبر ناقلة وطنية في آسيا)، متبوعة بعبارة "تايوان تستطيع المساعدة"، وهذا ــ بطبيعة الحال ــ إجراء ديكوري لا تستطيع منظمة الطيران المدني الدولية أو رئيسها الصيني الإعتراض عليه.
وفي مقابل الدعوات المذكورة بحذف كلمة "الصين" من إسم الناقلة الوطنية أو تغيير الإسم إلى "الخطوط الجوية التايوانية"، ظهرت أصوات معارضة بحجة أن العملية سوف تلقي أعباء مالية بملايين الدولارات على كاهل الشركة لأنها ستتطلب إعادة طلاء كل الطائرات واستبدال كل إعلاناتها ومطبوعاتها وديكورات مكاتبها ومحطاتها حول العالم وأزياء طواقمها الجوية في وقت يعاني فيه قطاعي السياحة والنقل الجوي من كساد غير مسبوق، علاوة على أن العملية قد تثير بكين المستاءة أصلا من استثمار تايبيه الأوضاع الحالية لصالحها.

د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أبريل 2020 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق