قصتي و"جائزة شربل بعيني" وما بينهما من حواجز/ د. هدلا القصار

 


هذه الجائزة التي حسدت عليها على مدى السنوات وحتى اليوم ما زال البعض يسألني عن كيفية الوصول إليها.... بهدف التسلق والتجمل.... كي يستحقوها.


بعد أن انتهيت من برنامج "تقوية مواهب الشعراء المبدعين الناشئين" من مجهودي الخاص عام 2016 والذي استغرق ستة أشهر بسبب يخص المبدعين الجامعيين الذين تكلل نجاهم بشهادة معتمدة "باسم سفيرة البيت الثقافي العربي الدولي في الهند/ فرع فلسطين" والذين نشروا جميع حلقات التدريب بكل تفاصيله حتى النهاية في صفحاتهم الفنية والإبداعية الخاصة، كل الشكر والتقدير للقائميم على البيت الثقافي العربي... الذين شجعوني معنويا وأدبيا بتعييني سفيرتهم في فلسطين لكي امنح هذه الكوكبة شهادة قيمة معترف فيها عالميا. 

وبعد أيام معدودة من نيلي قسطا من الراحة بعد هذا الانجاز الذي تكلل بعرس لم تشهده مدينة غزة من قبل، متحدية أعداء النجاح بالمثابرة والتصميم والصبر... وبالطبع بمساندة العديد من الأصدقاء من لجنة تحكيم وتدريب ومتابعة.. ولولاهم لم أكن أقوى على التصفيق بكف واحدة، فكل الشكر لكل من ترك بصمته على هذا البرنامج، وشكري بشكل خاص "لجمعية الشبان المسيحية" التي وقفت معنا وفتحت لنا أبوابها طوال فترة التدريب إلى ان انتهى بعرس لم يكن متوقعاً. 


الحدث المنقذ

بعدما أصابني اكتئاب شديد راح يلح علي هذا السؤال: ماذا بعد؟ 

وبينما كنت في حالة كسل تام، فتحت بريدي الالكتروني، واذ برسالة من "مؤسسة شربل بعيني" صاحب ورئيس تحرير"مجلة الغربة"، التي أرسل لها عبر البريد الالكتروني منذ العام 2006 نصوصي الشعرية، ومقالاتي الاجتماعية والأدبية ودراساتي النقدية... لم ارسم لنفسي أية مكافئة قد تأتي بخبر فوزي، وحصولي على جائزة شربل بعيني لعام 2016 "بعد ان رشح اسمك بين كتاب كبار، لتكوني من بين الفائزين لأعمالك الأدبية المتنوعة، وكإعلامية وشاعرة وناقدة، تركت بصمة مجهوداتها) فوجب تقديرك بهذه الجائزة.. 


ثم ذهبت الى صفحات جوجل للبحث حول هذه المؤسسة، التي منحتني هذه الجائزة حسبما  قرأت،  وانه لا  يحصل عليها إلا  القلائل القلائل والمتميزين كل سنة، فازدادت  فرحتي، وخرجت من حالة اكتئاب النجاح، إلى الدهشة وذرفت دموع الفرحة العارمة والمربكة. 


وبينما كنت غارقة في التفكير وتراكم الأسئلة "لما لم أكرم من مكاني / يا الهي كم هي الغيرة والحسد قاتل الإبداعات .../ كما كان التساؤل!؟ يا ليتني كنت في لبنان؟ بالتأكيد كان وضعي الأدبي سيكون أفضل بكثير من من يتجاهلون الناجحين والمتفوقين، ليس لأنني لبنانية في بلدي وإنما لان الشعب اللبناني يقدر الإبداع والعطاءات والاجتهادات حتى لو كانت من الزائرين او المغتربين، لا فرق بذلك.  


وبينما كنت في معمعة  الأفكار وصلني تفاصيل بطاقة الدعوة للحضور الى استراليا، لاستلامي الجائزة، ضمن احتفال سيقام بالوقت والتاريخ  مع زملائي. 

بكيت وبكيت وبكيت من الفرح لأنني شعرت ان هذه الرسالة بمثابة رد على ما كان يجول في فكري من تساؤلات علقت في الحلق فحمدت الله  لهذا القدر الجميل الذي أعادني لعام 2006 منذ بدايات نشري على الصفحات الأدبية..  حين وصلتني رسالة عبر البريد الالكتروني، لم استوعب فحواها للوهلة الأولى،  فأعدت الرسالة لصاحبها بكلمات شكر ومجاملة مبطنة ما بين بين  وإذ  يأتي الرد برابط يوجد فيه إضافة اسمي إلى"شعراء العالم"  مرفق الخبر برابط  الصفحة الذي يحمل صفحات بلغات  العالم فسعدت   كثيرا وشعرت أنني احلق في السماء.. وكانت بمثابة دفعي للأمام والتشجيع والانطلاقة ....


أما هذه الجائزة فكانت بالنسبة لي بعد سنوات طويلة من الصبر والتصميم على أن أتفوق على نفسي متحدية سنوات الجفاف الادبي...  ليكلل قلمي الآن نجاحي بأكبر جائزة منحت لي تقديرا وتعظيما ، وهي عبارة عن " برونزية مرفقة بشهادة تقدير، وكتاب يحضن دراستين لي، إحداهما  نشرت عام 2007 والثانية عام 2018 .

 لكن القدر حاول اللعب معي بإغلاق المعابر التي تفصل بين مدينة غزة وصحراء سيناء وصولا للقاهرة التي منها انطلق إلى مطار بيروت الدولي .


لكن هذه المرة وبعد محاولتي الخروج من هذا المأزق، حاولت الاستعانة " بابن شقيقي"  المقيم في استراليا، لاستلام الجائزة وإلقاء كلمة شكر.. بدلا عني، لاكتشف انه سيكون بهذا التاريخ خارج استراليا بحكم عمله . 

لكن الأديب الشاعر شربل بعيني،  وجد من سينقذ الموقف ويستلم الجائزة  بعد قراءة  ورقة الشكر.. وهي الفنانة التشكيلية "مارسيل منصور" ابنة فلسطين المقيمة في الضفة الغربية والتي كانت متواجدة في استراليا، لعدها تم تسليمها  لابن شقيقي بعد عودته إلى استراليا، الذي قام بإرسال هذه المجموعة إلى بيروت، حتى  يتثنى لي السفر بغية استلامها .

وبعد أن انتشر تسجيل حفل التكريمات لشعراء وأدباء... كنت اشعر بغصة وحرقة بين الفينة والأخرى لان لم يكتب لي القدر أن أكون بين هذه الكوكبة، ولأنني لم  المس دفء فرحتهم وفرحتي عن قرب،  ولم  أقرأ الكتاب الذي جمع قلمي مع أقلام شعراء يشار إليهم بالبنان، كما لم المس القلادة التي تمثل تتويج أعمالي الأدبية وعطائي واجتهادي  ومثابرتي ونجاحي دون مساندة  احد، غير حبر أنفاس قلمي وما يدفعني من صدق.

 

وهكذا مرت الأيام والشهور والسنين، التي تخللها عدة ظروف مانعة إلى أن أتى القدر المتردد بمفاجأته لتسهيل السفر في  شهر كانون الثاني من عام 2000  بينما كانت بداية الثورة في لبنان،  لكن كان من المستحيل أن أتراجع عن السفر،  كنت اعتقد وأفكر كما جميع  من في الداخل و العالم اجمع  "أنها ثورة أيام وتنتهي"  لكن القدر لم يترك لي الوقت كي احصل على ظرف ورقي يحمل  جميع ما ذكر  في الجائزة،  وانجاز  بعض الأمور والمعاملات  اللازمة،  لذا لم امكث في لبنان سوى  ثلاثة عشر يوما،  وهذا يعني لم  انسَ  بعد  عذابات السفر عبر" صحراء سيناء" ذهابا إلى القاهرة، لكن ما كان يعزيني أنني كنت أفكر كيف سأنشر خبر حصولي على الجائزة بعد ان مضت سنوات، ورحت انتظر عودتي لفلسطين، علني أجد مخرجا او طريقة لبقة ابرر بها  تأخير نشر خبر استلامي لهذ الجائزة. 


بين القاهر و غزة:

عدت إدراجي من مطار بيروت الدولي، إلى مطار القاهرة، لاستقل سيارة اجرة مريحة  تعبر بي صحراء سيناء المرعبة، وبما أن العودة إلى غزة يختلف تماما عن الخروج منها حيث نكون في مواجهة علة السفر والانتظار وفوضى  الأفكار  التي تسيطر على المسافر من عذابات تتوزع بين الوقت ونقاط التفتيش التي تستهلك من وقت المسافر العائد ما يقارب  نهارين وليلة ونصف ليلة، وما يليها بما يكسر مضجعك وينسيك أي شيء جميل تركته خلفك او عشته للحظات بين عائلتك وأحبائك، هذا إذا لم تدفع للحكومة مبلغاً قد يفوق 2000 دولار، لتخرج وتعود دون أي معوقات. وهذا ما لم اقبله، لأنه ابتزاز للمسافر بغية تعبئة جيوبهم على حساب الشعب بحجة انهم يوفرون راحة له.  وبما أني كنت اسمع من المسافرين عن عذابات المعابر لم أكن اصدق، لا بل كنت اشعر ان هناك مبالغة روتينية نسمعها بكل حديث او مصيبة، لكن هذه المرة شعر ان ما كنت اسمع اقل وصفا مما عشته وشاهدته.   

وهذا ما جعل السفر من والى غزة ، كالخارج  من الحرب، والعائد منتصرا اذا لم يعانِ من أي انعكاسات صحية نتيجة برد الصحراء القارس ليلا حتى في ايام الصيف، حيث ينام المسافر  في سيارة الأجرة التي تستريح حتى الفجر في صحراء سيناء  الأكثر رعبا في ساعات الليل، ناهين عن بردها   الذي يدخل العظام ويفتت الصبر  إلى أن تفتح بوابة معبر المصريين العاشرة صباحاً، لاستقبال المسافرين وحقائب السفر المستهلكة "وتجار الشنطة وباعة الأسواق التجارية" وصراخ  الموظفين على القادمين الفلسطينيين الأقل قسوة وأكثر أدباً  واقل صراخا، إلى أن نخرج  بعد عقاب معبرين.


العودة  إلى غزة  ومأساة الوقت والعوامل التي لعبت دوراً سلبياً:

حين وصلت ليلا إلى منزلي في مدينة غزة ألقيت بنفسي على السرير باستسلام تام، وبعد أيام قليلة شعرت بتعب وإرهاق وانقباض في القلب، ذهبت للطبيب! وإذ  به يحولني إلى المستشفى لإجراء بعض التحاليل والصور التلفزيونية. أجد نفسي بعد معاناة طويلة مستسلمة لرأي الطبيب، وأنني بحاجة إلى دعامة في "شريان القلب الرئيسي" بينما أوجه دهشة تساؤلي للطبيب كيف؟!  وأنا كنت امشي قبل أيام معدودة عشر ساعات يوميا لمدة عشرة أيام ؟!  يتخلل بينها ساعتان متقطعة على نصف ساعة، مستغلة  الوقت بزيارة صديقة ما. 

 لكن دون فائدة  من أن أغير وجهة نظر الطبيب، وإذ بعد العملية  بثلاثة أيام شعرت بتعب وألم اكبر وأقوى من ذي قبل،  ليكتشف أربعة أطباء بعد الاستشارات المنفردة وعرض الأوراق والتقارير أنني لم أكن بحاجة إلى "دعامة" وأن شرايين القلب في كامل حيويتها. ولم يكن ألمي سوى من برد الصحراء او إنني كنت بحاجة إلى قسطرة استكشافية وتنظيف الشرايين من الغبار فقط حسب تقرير الأطباء الأربعة الذي قابلتهم دون ان يعرف احدهم الآخر، والذي قرروا  أجراء قسطرة  أخرى للنظر بإمكانية سحب هذا "الهيكل" المتطفل من الشريان، لكن للأسف لم يتمكنوا من عمل أي شيء لاحتمال توقف نبض القلب...  لتصبح عمليتي خطأ طبياً بامتياز يجب الاعتياد عليه .


 وما زلت حتى اليوم اذكر الطبيب الذي وضع قطعة "الدعامة" وعدم اقتناعه بحجم الدعامة،  لكنه لم يتراجع كي لا يخسر أجرة القسطرة 500 دولار، من نسبة  طلب التحويل من مستشفى حكومي إلى مستشفى خاص، لاكتشف ايضا بعد ذلك انه من يكتب تقرير تحويل المريض يحصل على 500 دولار، والمستشفى كذلك لها نسبة أرباح من الدولة بشكل غير قانوني، والباقي لم يكمله لي صديقي دكتور الجراحة العامة عما يحصل في قصة تحويل المريض. إلى أن اعتدت على ما أنا فيه وتعايشت معه بتصميمي لإكمال حياتي كما كانت لم أتوقف عن الرياضة باختلاف الوسائل  والابتعاد عن التوتر والمنغصات.


  جميع ما ذكرت لعب دوراً كبيرأ بالإحباط وانشغالي عن نشر كلمة شكر وتقدير بعد استلامي الجائزة ومرفقاتها بسبب تكتم  بعض المراكز والمؤسسات التي حاولت تجاهل هذا الثناء لأنني نجحت وتفوقت وكُرمت ليس من خلالهم بطريقة او بأخرى كالاسترضاء والتذبذب والتقرب والتملق ... وما لا يذكر.

لكن اليوم وبكل فخر واعتزاز انشر ما حرمت من نشره على صفحتي وليس بالمشاركة.

أقول قولي واستغفر الله لي ولكم 



CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق