قراءتي السابعة في ديوان شربل بعيني الغربة الطويلة: زهر أسود، وقصائد أخرى/ محمود شباط



لن نخاف على شمس الكلمة من الانطفاء طالما بقيت نجوم شربل بعيني تومض في سماء الإبداع. هذا من الجانب المضيء.  

أما من الجانب المعتم، وسوءِ حظِّ العبارة الجميلة الصحيحة، فأبوابُ الأدبِ والشّعرِ مُشَرَّعَةٌ على مَصَاريعِها لكلِّ "مَن هبَّ ودبّ"، مُتَفَلِّـتة، ليس فقط من ناحية المستلزمات الأولية للإملاء ولقواعد الصرف والنحو، بل من ضوابط الذوق والعقلانية والمنطق عبر منصَّات التواصل الإجتماعي، حيث لا حسيب ولا رقيب.

يَـتَـفاقمُ وضع الفلتان والعبث في منشوراتٍ ضعيفةٍ ركيكة المضمون فقيرة المبنى والمعنى، على الأخصِّ حين يستحوذُ عرضُ أحَدهم لصورةِ صحنِ فُول أو منقوشة زعتر، مع عِـدَّةِ حبَّات زيتون وبَصَلة، على كَـمٍّ من الغباء والاستحسان والتعليقات والتَـمَـلُّق. وحيث يغرق أرباع المثقفين في وحل هذرٍ يتوهَّمونه دُرَراً ثمينةً من جواهر الأدبِ والشِّعر.

شعر ونثر شربل بعيني يقول لأولئك لكم عالمكم ولي عالمي.

  في قصيدة "زهر أسود" ينعى شربل أحلامه بوطنٍ مُتَخَيَّلٍ أفضل، طالما ظلَّ تذاؤب بعض الحكام هو الحاكم، يصرع الأحلام المُلوَّنة ، أو يُحيلها إلى تطلُّعاتٍ خديجة تُفَرِّخُ زهراً أسود". ينبرها شاعرنا باستفهام إنكاريٍّ تعجبي يعكسُ صورةَ واقعنا الحالي المُرّ في لبنان:

".. وعَمِ تْهَنُّوني

بأحلام ضاعِتْ قَبْل ما تُولَد

وْهَـرْبِتْ مِنِ خْيالي ومِنِ جْنوني

وزَرعِتْ وَهم مَجنون بِعيوني

فَرَّخ زَهرْ أسْوَد"

ألا تحمل عبارة، "عم تهَنّوني" في رحمها و في عمقها استنكار وتعجُّبَ المتنبي في قصيدته الشهيرة:

"ماذا لقيتُ من الدنيا وأعجبهُ / إني بما أنا شاكٍ منهُ محسودُ".


أما عن سماحة شربل بعيني الإنسان، فما عَلِمْتُه من خلال قراءتي لوقائع نُشرت في موقع الغربة عن طعنات تعرَّض لها من بعضٍ مِمَّنْ كان من المفترض أن يكونوا أصدقاءه، فعاتبهم بكبر وصفح بكبر:

حوّشْتْ نار ونُور مِن عُمري

ووزَّعت باقات الزَّهر ع النّاس

النَّاس خَانُو ويَـبَّـسو زَهْرِي

هَالــْ كنتْ حَاسِبْ صَعْبْ إنُّو يْـباس

تَارِي اللّي عَاش الغَدر 

بْـيِـدْبَحْ بـِـ ضِفْرُو ... الـزَّهْـر.


 رغم وجع طعنة خنجر الغدر، تعالى شربل بعيني واشرأبَّ محلقاً في مسارات النسور، وجَسَّدَ كبره وقدرته في العضِّ على الجرح ، وعلى رشق الورد على من رشقه بالشوك، كما لو أنه استمدّ عنفوانه من شعر إيليا أبي ماضي الذي قال:

" وإذا تَحَرَّقَ حاسِدُوهُ بَكَى وَرَقَّ لِحَاسِدِيهِ

كالورد يَـنْـفَحُ بِالشَّذى حَتّى أُنُوف السَارِقِـيه"


ثمة الكثير من الأزاهير بأنواعها في رياض بقيّة قصائد الديوان. يستعرض فيها شاعرنا حبه لبلدات شمالية وفي مناسبات متنوعة. وكما تطل الشمس من بين غيوم خريفية، تطل مِن بَينِ ثنايا شِعرِ شربل بعيني نواقيسُ "ردَّني إلى بلادي"، أو رجع صدى حنين طَـرَفَـة بْـن الْـعَـبْـد لأطلالِ محبوبته خَـولَـة: 

لِـخَولَـةَ أطلالٌ بِـبُرقَةِ ثهْـمَدِ

تَـلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظَاهِرِ الـيَـدِ.


نلتقي إن شاء الله في مقالتي القادمة عن ديوان "عالم أعمى" الذي أهدانيه الشاعر بتاريخ 13/03/2011 ، وكان هذا الإهداء كالعادة شعراً وجدانياً صادقاً وجميلاً، وبخط يده:

عالم أعمى ... شعري الحرّ

كلُّو ثورة وكَـرّْ وفَـــرّ

بْـحـطّو بْـإيـدَك يا محمود

باقه ورقَّـه ... وهمسة سـرّْ

محمود شباط

عيحا في 20/04/2023

 



CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق