كأنه يشاهد من بعيد/ رحال لحسيني



يغالبه النوم، متعب أيضا هذا اليوم، لا مجال لبعض الراحة أو حتى للتذمر أمام زملاء يتوجسون من تعبير أحدهم عن عدم قدرته على الاستمرار في مثل هذه اللحظات العصيبة التي يمر منها جسده النحيل، أو إعلان اشمئزازه من ظروف عمل قاسية، مرهقة وغير إنسانية بتاتا.

كأنهم يعاقبون أنفسهم على اضطرارهم للقبول بوضع بائس ومزمن، وتجرع إهانات تتلوها إهانات أكثر قوة، والتعود على تجليات عبودية جديدة يخضعون لها. 

(كما يصف ذلك بينه وبين نفسه).

***

أصوات محركات آلات ضخمة على ما يبدو، تهدر من بعيد، أدخنة يخترق بياضها بعض السواد، تصعد إلى الأعلى بسرعة، كأنها تفر من سجن ساخن يوجد في الأسفل.

أحيانا تتلاعب بها الرياح، وتطوف بسماء المدينة المجاورة.

صاحب العمل (الباترون) يقترب بسيارته من بوابة المصنع، يتوقف على بعد بضعة أمتار منها. يكره أن تصله روائح تنبعث من هناك. ينادي رؤساء عماله، يوزع عليهم حصصهم من تقريع يومي مروع، ويأمرهم بإنتاج أكثر.

لا يستطيعون رفض ما يتعرضون له من هوان، أو القول إن صحة عدد من عمالهم في تراجع مستمر، وبأنهم يحتاجون بدورهم لزيارة الطبيب أو الاستفادة من الدواء أو بعض الحليب لتفادي تأثير الروائح والغبار على صدورهم المتخنة بالكحة، أو من أنهم يعملون ساعات عمل غير محددة تقريبا.

لا يتمتعون براحة كافية ولا أجر مناسب حتى يستطيعوا مواجهة تكاليف العيش التي تزداد غلاء كل يوم.

غرباء يرتدون بدلا رسمية وربطات عنق فاقعة اللون، يظهرون على متن عربة تحمل شعار إدارة ما، يطوفون قرب المعمل.ثم يتوقفون قرب شجرة وافرة الظل على مشارف زقاق مؤد إلى داخل المدينة.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق