حكايات ليال ملاح: حمى الليلة الثامنة: الزلزال/ رحال لحسيني



"شهرزاد" ترتعش وترتعد، جسدها يهتز متعرقا فوق سريرها البني، لون خدودها المشرقين باهت، أسنانها تصطك كبَرَد يتساقط على صخر شاطئ مظلم وبعيد، شفتاها اللامعتان شاردتين من خواء بياض حل بذهن متعب، دموع تنهمر خفيفة فوق مقلتيها كشلال صامت، العينان مغمضتين تشابكت رموشهما من غزارة البلل.

لا زالت تنوء من شدة حمى ساخنة تفتك بصدغيها وهلال حاجبيها، وجيدها وكل وجدانها. وجهات تتبدى أمامهما غير واضحة المعالم. زمجرة غامضة قادمة من الأسفل، تصم الآذان، قططا تموء وتفر نحو المجهول. سواري تمايلت وتشققت، نوافذ صفقت من هول زمهرير عاصف، مبان دافئة هوت من حركة رجة وصوت هادر، أوان قديمة وصور وجدران تساقطت. 

عاصفة غبار أحمر يتطاير على امتداد البصر، صرخات خوف متراكم في الصدور والثغور، أبرياء يستنجدون تحت الركام، جرحى يئنون من ثقل الحطام، بعضهم ابتسم، لم ينبس ببنت شفة، ارتقى في لمح البصر. مكلومون مصدومون من هول الفاجعة، يفترشون العراء مذهولين، غير مصدقين.

أطفال أتعبهم البكاء من صدمة اليتم والغم ورعب جامح أحاط بهم من كل اتجاه "يوشوشون لبعضهم" يقفزون يمرحون ويتراقصون "لا أحد يستطيع التكهن بما سيحملونه من نذوب في كياناتهم الضعيفة غدا".

"شهرزاد" لا زالت تشعر بثقل الحكاية، أديم الخراب يخيم على ثنايا روحها، يجثم على أنفاسها شجن فتي وأسى على "من رحلوا".. من هاجرت أحلامهم في زمهرير شتاء فائت وكبرياء ثلج ناصع الحب، وشح ماء ودواء ودفاتر وأقلام ترسم هواء عزلة جامحة تختبئ خلف جبال متعجرفة.

"الأطلس" يزداد نقاء ورونقا. جموعا عاتية تحج إلى أعالي خيالها، تحمل بسمات الدفء والمؤن، خيام وطائرات وشاحنات وقوافل عشق وحنين وصور وبهارات بؤس يضيق بها وجدانها.

"شهريار" يشتاق لنهار جديد، يحمل شغبه إلى روحها، يواصل وضع منشفات الماء البارد على جبينها، يجفف عرق ملامحها، يحاول إيقاظها... ينتظر استعادتها لوعيها ليتمم الحكاية


سطات، 1 أكتوبر 2023

/////

* يتم تعميم حكايات الليلة السادسة والليلة السابعة فيما بعد

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق