نوح ونِمْرود، أحيدان والقدس/ ترجمة ب. حسيب شحادة



Noah and Nimrod, Ahidan and Jerusalem

بقلم إبراهيم فيّاض ألطيف (1903-1983)


جامعة هلسنكي


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך א’ עמ’ 45–47.


نوح

وُلد نوح بن لمك في الشهر الأوّل، في شهر الربيع، ومسقط رأسه شنعار. في يومه الرابع عشر ظهر نجم المذنّب في السماء وعامود نار من المساء إلى الصباح، أُعجوبة كانت.

أتى شيوخ الأرض ورؤساء الأسباط إلى آدم أبيهم وقالوا له: قُل لأبنائك ما هو حُكم هذا النجم وما عمله؟ أجاب آدم:   سيأتي فيضان على الأرض ليهلكَها، ويغرق كلّ حيّ وكلّ البشر، كلّ أشجار الغابة ستُقلع، وستُمحى جميع الحدائق والبساتين، ويقفر كلّ شيء، بلا سكّان.

عندما كبُر نوح، سلّمه آدم ثلاثة كُتب: كتاب الأعاجيب. كتاب النجوم، وكتاب الحروب. بارك آدمُ نوحا: ستخرج منك ثلاثة شعوب، ومنها ستتفرّع كلّ الشعوب واللغات، وخصام يقع بينها طوالَ الوقت؛ إذا علا سبط، سقط الثاني وصار عبدا له. وهكذا، سترتوي الأرض من الدماء حتّى يحلّ يوم السلام لكلّ حيّ.

تعلّمنا أنّ نوحًا الصدّيق هو التاسع، بعد آدم أبينا وأبي البشر، وظهرت يومَ ولادته علاماتٌ عجيبة، ولا أحدَ عرف سببَ ذلك، خرِبتِ الأرض أمامَ الله. لم يكن في ذلك الجيل إنسان قادر على محبّة أخيه، وفعل الجميعُ المحرّمات. لا أحدَ درى ما يفعله.

قصّ عليّ أحد الخبَراء المعاصرين في المدراش/التفسير، قصّة طريفة عن نوح عليه السلام وهي: عندما كان أبونا آدم في جنّة عدن متمتّعًا هناك، لم يعرف لا الخير ولا الشرّ، وفي الوقت ذاته، تعلّم سرّ الاسم الصريح، يهوه، من الملائكة، بعد أن أذِن له ربّ العالمين. والله اشترظ عليه بألّا يعلّمه لأيّ من نسله، باستثناء واحد تظهر على جبينه عندَ الولادة علامة.

حينما خرج آدم من جنّة عدن، وأخذ يفلح الأرض، بدا له أنّه سيكون هناك فيضان عظيم وهائل في العالم، وستمتلئ الأرض بالماء وتموت كلّ البشر، مخلوقات هذا العالم.

تذكّر آدمُ أنّ ثمّة عهدًا بينه وبين ربّه بألّا يقضي على البشر أجمعين. آنذاك، وُلِد له ابنان، قايين وهابيل. وولد له ابن ثالث وسمّاه شث. وفي كلّ مرّة نظر فيها آدم إلى شبه وصورة ابنه، ما وجد على جبينه العلامة التي ذكرها الله.

لذلك عرف آدم أنّ ابنه لم يكن مقدّرًا له/مُعدًّا أن يعرف ”سرَّ الاسم“. وُلد لهم الكثير من الأحفاد وأبناء الأحفاد،انوش، قينن، مهلّليل، يرذ حنوك الذي سار مع الله وفقد، وبعد ذلك مثوشلح ولمك. ولم يرَ آدم على جميعهم العلامة التي توقّعها. تعجّب آدم جدًّا وقال في نفسه ”ليس القادر انسانا فيكذب“ [العدد 23: 19، في الأصل: האם وفي التوراة לא؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الثاني: سفر اللاويّين سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب،2001، ص. 312–313]. هرِم آدمُ جدًّا بمُرور الوقت، وأيقن أن لا مناصَ من الموت، ومنذ خروجه من جنّة عدن، عرف آدمُ هذه الضربة المحزنة.

فجأةً، جاء الأحفاد وبشّروا آدمَ أنّ ابنًا وُلِد للمك. خرج آدم ونظر إلى قُبّة السماء فرأى عجائبَ وعلاماتٍ في السماء. أظلم العالَم وكسفتِ الشمس. جاء آدمُ إلى بيت لمك وطلب رؤية المولود. رأى العلامة التي انتظرها سنواتٍ طويلةً على جبينه وقال:  ”هذا يسلّينا من اعمالنا ومن شقاء ايدينا من الارض التي لعنها الله“ [تكوين 5: 29؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 22–25].

كبُر نوح، أخذ بالفلاحة، غرس الأشجار والكروم، ولم ينتبه لأعمال الناس حولَه، بل ثابر في عِبادة الهه، وطلب من الأقارب التقرّب من عبادة الباري، في كلّ مكان وصله. ولكن لا أحدَ منهم سمِع وأخذ بعبادة الله. عزم الله على القيام بثورة في العالم. أنزل على السكّان فيضانًا عظيمًا لإغراق الجميع. بقي نوح ومَن معه في السفينة/فُلْك فقط، بنوه وزوجاتهم وزوجته، للحفاظ على الذُّرّيّة/السلسلة التي خرج منها النبيّ الكبير، موسى بن عِمْران.

أمره الله أن يصنع سفينة/فُلْكًا واستغرب كلّ جيرانه من منظرها/منظره. صنع نوح سفينة كبيرة لتتَّسعَ له ولعائلته، ولكلّ أصناف الطيور والحيوانات والدبيب والبهائم. بكتابتي هذه اِستعنت بالتوراة، بسفر الأساطير وبشرح سفر التكوين/السفر الأوّل بقلم الحكيم سلامة بن مرجان الدنفي من القرن الثامن عشر.


بناء صهيون = چفنه = القدس/أورشليم

في أيّام نوح بن لمك، قام رجُل مِقدام اسمه أحيدان بن برد، من بني توبل/توبال قايين، وبنى قلعة عالية على تل مرتفع،  وأطلق عليها اسم صهيون، ووضع في القلعة حجرًا مربّعًا كبيرًا وعاليًا منحوتًا ونقش عليه نُقوشا.

كلّ من جاء وشاهد الحجر عن بُعد، تعجّب جدّا. وُلد لأحيدان ابنُ اسمه أسور، وهو أتمّ بناء صهيون بعد موت أبيه وحصّنها بسور حولَها. 

عُرِفت في تلك الأيّام في بابل، چفنه ابنة نعمه، بجمالها الفاتن الفريد، ولم تكن هناك حينذاك أيّة فتاة تفوقُها جمالًا. بعث أسور بن أحيدان ملائكةً إلى بابل، وأخذوا چفنه زوجةً لابنه. أقام أسور أربعةَ تماثيل في القلعة، واحد من الذهب ، وواحد من الفضّة، وواحد من النحاس، وواحد من الخشب الأسود، ووُضعت على التماثيل حجارة مرصّعة بشكلَي القمر والشمس، فارتفعت وانبثقت مثل أنوار السماء إضاءة.

عيّن أسور أربعمائة كاهن لخدمة التماثيل. وأهدى كلَّ هذا الهيكل لچفنه، وحوّل اسم قلعة صهيون لبيت چفنه أي أورشليم/القدس. أتى جميع أبناء ذلك الجيل إلى ذلك المكان لعبادة آلهتهم والسجود للتماثيل. بقي عامود الهيكل قائمًا حتّى أيّام إقامة المسكن في شيلُه، في العام 261 لدخول بني إسرائيل أرض ميراثهم. 


نِمْرود 

انتمى نِمْرود إلى أُسرة نوح الصدّيق، من نسل ابنه الثاني حام، كما ورد في التوراة: ”وبنو حام كوش … وكوش 

اولد نمرود هو ابتدأ للكون جبارًا قنوصًا في عالم الله… وكانت اولى مملكته بابل“ [تكوين 10: 6, 8, 9, 10؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 40-43]، وميخا المتنبىء سمّى بابل أرض نِمْرود.

يذكر معلّمونا بأنّه ألقى إبراهيم بأتون النار: وأسقط إبراهيمَ أبانا في أتون النار.

تروي أُسطورة من العصور الوسطى، بأنّ نمرود البطل، كان قد مكث أيضًا في قرية بلاطة المجاورة لمدينة نابلس، بجانب الشارع المؤدّي إلى القدس. كتب الجغرافيّ المسلم، ياقوت الحموي، في سنة 1250 بالتقريب عن قرية بلاطة: واليهود، أي السمرة، يقولون هنا ألقى نِمْرود بن كنعان إبراهيمَ بالنار. في الواقع، يقول العلماء إنّ ذلك حدث في بلاد بابل، العراق، والله وحده عالم بالحقيقة.

احدُ الرحّالة العرب، الذي زار البلاد في العام 1689، يقول بأنّه شاهد في نابلس بنايةً قديمة شبيهة بالسرداب، مطمور قسم منها تحت الأرض: ويقال إنّ نمرود/النمرود مدفونٌ فيها؛ وإلى اليوم يُشار إلى المكان المسمّى ”النمرود“، وبداخله مَقبرة آبائنا في حارة راس العين بنابلس. وقد أطلق العربُ اسمَ نمرود، على تلّ قديم في سهل بيسان بالقرب من ضفتي الأردن. وسُمّيت كذلك باسمه قلعة منذ القرون الوسطى، قلعة نمرود في شمالي البلاد، في مرتفعات الجولان، المطلّة على فضاءات سهل الحولة. 

****

لابان/لبن بن ناحور في التوراة وفي التقليد 

Laban Son of Nahor in the Torah and Tradition

بقلم فؤاد منير ألطيف الدنفيّ (1928-2001)


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך א’ עמ’ 48–49.


شخصيّة لابان/لبن الحقيقيّة

يشعر الكثيرون من  هذه البلاد، بالأهمية الكبيرة في بحث وتحليل حيوات آباء الأمّة، والشخصيّات المقرّبة منهم الواردة في التوراة. كتابتي هذه، تفصّل سيرةَ حياة لابان/لبن بن ناحور، في أيّام أبينا يعقوب عليه السلام. 

لابان/لبن بن ناحور الآراميّ، ابن صحراء سوريا ومدينة حرّان/حاران، شخصيّة عظيمة، ولقاؤه بيعقوبَ حصل بعد حادثة دحرجة يعقوب للحجر من على فُوّهة البئر ليَسقي رُعاة لابان/لبن غنمَهم.

علاقة عائلة أبينا يعقوب، بعائلة لابان/لبن بن ناحور كانت وطيدة، غير منفصمة، وتجسّدت ليس بالقَرابة فحسب بل بنمط حياة مشابه وآداب أصيلة. ومنذ اللقاء العَرَضيّ، أوضح يعقوب لراحيل ابنة لابان/لبن الصلة العائليّة ”وخبّر يعقوب راحيل ان اخا ابيها هو وان ابن ربقة هو...“ [تكوين 29: 12؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 133]، ليحيطَها علمًا بأنّهما أخوان هدفًا وإيمانا. كما أسرعت رفقة في أيّام إبراهيم لتبشّر لابان/لبن بقدوم إليعزر، كذلك ركضت راحيل لتبشّر لابان/لبن أباها بمجيء يعقوب. هنا نشهد كرمَ الضيافة، في أفضل التقاليد المتّبعة حتّى يومنا هذا.

إنّها بالفعل عادة قديمة وتقليد قديم. الترحيب بالضيف بابتسامة عريضة وإسباغ حُسن النيّة والشعور بالأمان. أثبت لابان/لبن ثانيةً قَرابتَه بعرضه على يعقوب الإقامة عنده. وبعد مرور بضعة أيّام، أصرّ لابان/لبن بأنّ يكون السكن المشترك مَشْروطًا بقبول يعقوب الأجر منه.

عادة أُخرى قديمة من زمن لابان/لبن، ما زالت باقيةً في طائفتنا حتّى اليوم، وهي تتمثّل بقضيّة استبدال راحيل- عبء عمل يعقوب الشاق ّ- بليئه، التي بالرغم من جمالها، إلّا أنّها لم تكن بجمال راحيل الباهر. وقد عبّر عن تلك العادة لابان/لبن في قوله: ”… لا يُصنع كذلك في مواضعنا اعطاء الصغيرة قبل الكبيرة“ [تكوين 29: 26؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص، 133].

إنّ وليمة الزِّفاف التي نُقيمها اليوم بقدْر كبيرٍ من البهاء والروعة،  أصلها تلك الوليمة التي أقامها لابان/لبن عند زواج يعقوب من بنتيه.

لابان/لبن- إنسان يَرَعُ/يخاف إلهَ العِبرانيّين

إضافة للإسهاب المعروض هنا حولَ قِصص الخِلافات بين لابان/لبن ويعقوب، والتي بلغت ذُروتَها بهروب يعقوب عائدًا إلى وطنه، من الجدير التأكيد على شخصيّة لابان/لبن، في الإجابة عن السؤال:  هل كان عابدًا لله أم عابدًا للأوثان.

لا شكّ أنّ لابان/لبن عبَد إله العبرانيّين، من كلّ قلبه ونفسه. وهذا ما يُثبته التقليد السامريّ على ضوء عاداته وأقواله. إنّه لابان/لبن، الذي انطلق لاستقبال إليعزر عبد إبراهيم وقال له: ”ادخل يا مباركا من الله/ادخل تبارك الله“ [تكوين 24: 31؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص. 104-105]؛ وهو مع بتّوال أبيه ردّا على قصّة إليعزر بشأن رفقة، ”من الله خرج الامر“ [تكوين 24: 50؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص. 108-109]، هو الذي قال ليعقوب: ”ان الآن وجدت حظا عندك تفاءلت وباركني الله بسببك“ [تكوين 30: 27؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص. 141]؛ ”ليس رجل معنا ناظر الله شاهد بيني وبينك“ [تكوين 31: 50؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص. 153]؛ ”اله ابرهيم واله ناحور يحكم بيننا اله ابرهيم...“ [تكوين 31: 53؛ اُنظر حسيب شحادة، أعلاه، ص. 153]. 

الأَسْطُرلاب الذي كان لابان/لبن مُمسكًا به، ما كان سوى كُتب عن النجوم والأبراج المدعوّة في عصرنا باسم كتب الفلك/فلكيّة، وهي موجودة اليوم لدى السامريّين، وهي مبنيّة على حسابات دقيقة لحركات النجوم والقمر، بحسب معطيات جُغرافيّة. وبموجب هذه المعطيات، تجري حسابات لما سيحدث من أحداث ذات تأثير كبير. ووَفْق التقليد فإنّ  كُتُب الأَسْطُرلاب القديمة، كانت لدى لابان/لبن، وهذا التقليد، تلقّاه آباؤن ونقلوه لنا جيلًا إثرَ جيل. 

****

هذا تاريخ حنوك

This is the History of Enoch

جمع وكتب بالعربيّة الكاهن  الأكبر عبد المعين صدقة (1927-2010)


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך א’ עמ’ 42–44.


مؤلِّف كتاب الأساطير (مدراش سامريّ على التوراة من القرن العاشر للميلاد على أبعد حدّ) مجهول الهُويّة، كتب حين كبُر حنوك بن يرذ وصار عمره ثلاثة عشر ربيعًا شرع بتعلّم كتاب الأعاجيب، الذي تسلّمه آدم من الملائكة. كان هذا الكتاب منقوشًا على أربعة وعشرين حجرًا من المهاء/الجَزْع. اثنا عشر حجرًا لأيّام الرضا (رحوته) والاثنا عشر حجرًا الأُخرى لأسباط إسرائيل ولتاريخ عُبّاد الإله العلّي، الحجارة كانت موشّاة بصدر أهرون الكاهن. حجارة الرضا الاثنا عشر هي للآخرة، للدولة الثانية.

تربّى حنوك على يد شيخه آدم الأوّل، بحسب قول صاحب كتاب الأساطير. عندما سمِع آدم عن فساد أبناء قايين، ذهب إليهم من مكان سكناه، البادان (6 كم شمالي نابلس). ذهب الاثنان، آدم وحنوك إلى ساحات المدينة، لأنّ لمك بن متوشال/متُوشائيل انتقل إلى هناك، بعد قتله لجدّه قايين.

هناك قرأ آدم الأوّل على ذُرّيّته كتاب الأعاجيب، الذي يمدح شرف بني إسرائيل  ويتنبّأ بالأعاجيب التي ستحصل لهم، قبل انتصارهم المظفّر على أعدائهم، ثمّ إقامة الدولة المستدامة.

كما قصّ آدمُ عليهم، عن الشرف والبهاء اللذين سيحظى بهما، مطيعو الله العظيم، وماذا ستكون آخرة كلّ المؤمنين به من جهة، وغير المؤمنين من جهة ثانية. آخرة غير المؤمنين، الإبادة والضياع لفشلهم في الحياة.

رفض بنو قايين الاستماعَ لتحذير آدمَ الأوّل، ولكلّ ما قاله لهم. غادر آدمُ وحنوك ابن حفيده بجزع شديد، وعادا إلى البادان. وعندما رأى حنوك ردّ فعل أبناء قايين، عرف جزاءهم وجزاء كلّ من لا يُطيع وصايا إلهه، أمّا هو فآمن بكلّ ما تعني هذه الكلمة من معنى، بكلّ ما قاله لهم آدم شيخه. هو لم يترك آدم ولو للحظة واحدة. كان ابنَ خمس وستّين سنةً عندما ذهب مع آدمَ للقاء أبناء قايين، وكان قد أولد ابنه مثوشلح.

جالسَ حنوك آدمَ الأوّلَ وعبدا الله، وسار في طريق خالقه. وهو أقام مذبح جدّه في جبل جريزيم، وتنسّك لإلهه. كرّس نفسَه لعبادة الله ثلاثمائة سنة كاملة كما ورد: ”وسلك حنوك في طاعة الله بعد ايلاده مثوشلح ثلاثمائة سنة“ [تكوين 5: 22؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 23]. 

لكن مَرْقِه [مرقه عمرم سيرد، القرن الرابع للميلاد، Marcus باللاتينيّة، فيلسوف، أعظم شاعر ليتورجيّ، لقّب بمؤسّس الحكمة، أوّل الحكماء، ونعته المؤرخ السامريّ  أبو الفتح بينبوع الحكمة. بحساب الجمّل يساوي اسمه الاسم משה أي 345، ولا يجوز لدى السمرة تسمية أحد بالاسم موسى لعظمة كليم الله، انظر تثنية 34 : 10. عرف مرقه بعمله الشهير الميمر أو السفينة بالآراميّة وأصدره بن حاييم في العام 1986 مشفوعًا بترجمة عبريّة وتعليقات لغويّة. في العام 2015 صدرت ترجمة عربيّة للميمر بأحرف عبريّة، بقلم الكاهن الأكبر عبد المعين صدقة. هنالك ترجمة بالإنجليزية بقلم John Macdonald]، رضوان الله عليه، كتب أنّ حنوك عاش ثلاثمائة وخمسًَا وستّين سنة لأنّه أُغْوي في آخر حياته لعبادة الأوثان. 

في هذه الفترة، وُلِد لمثوشلح ابنٌ سمّاه لمك، ثمّ ولد للمك في الشهر الأوّل ابن سمّاه نوحا.  وعندما بلغ من العمر أربعة أيّام، أظهر الله آيةً/معجزة في السماء كعلامة.  رأى  السكّان الآية ووجِلوا جدّا. ذهبوا بسرعة إلى آدمَ أبيهم، إلى مدينة بادان، المسماة آدم المدينة، للاستفسار عن هذه الظاهرة.

كتب مؤلِّف كتاب الأساطير - قام آدمُ بوفرة حكمته، وبشّر بمجيء الطوفان. ووعدهم آدم وعدًا قاطعًا أنّه، طالما أنّ حنوك حيٌّ يُرزق، فلن يخرّبَ الطوفان الأرض. 

في يوم وفاة حنوك أتى جميعُ أبناء آدمَ إلى أبيهم الأوّل، إلى آدم، إلى المكان المسمّى ”سفره“ أي جبل جريزيم، مقابلَ نابلس، ووجدوه ينوح على وفاة حنوك، والنائحون معه هم أبناؤه شث وانوش وقينن ومهلّليل، يرذ أبو حنوك ومثوشلح ابن حنوك.

مات حنوك يوم أربعاء. كان البكاء على موت حنوك شديدًا، فوصل نبأ وفاته إلى أحيدن بن توبل قين الساكن في حبرون/الخليل. وكان أحيدن ورعًا وخبيرًا بسفر العجائب. جاء مسرعًا إلى المدينة سفره، على جبل جريزيم للمشاركة في الحداد على حنوك، ورثائه الذي أقامه آدم وبنوه. 

حفر كلّ المتجمّعين قبرَ حنوك بمكان يُدعى يسكر (= عسكر، عين سكر)، الكائن شرقيّ جبل عيبال مقابلَ جبل جريزيم، بيت إيل. ومعنى الاسم عيبال هو الحِداد/الحزن لأنّه كان مكانًا مخصّصًا لدفن الأبرار الصدّيقين. 

جبل جريزيم هو ملجأ الثقات/الأُمناء الصالحين. وقد دُفن كلُّ واحد منهم، على بعد ألفي ذراع منَ المكان الذي كان يعيش فيه. والنار الحارقة لم تلمس جسده البتّة.

هذه أعمال حنوك التي قرّبته من الله، سبحانه وتعالى: 

أ) استقامتُه، أمانته، المحافظة على دينه.

ب) اشترك مع آدمَ بجولة إقناع بني قايين وبوعظهم أخلاقيّا.

ج) إقامة مذبح جدِّه آدمَ، وتقديم القرابين عليه. 

د) عبادة وحدانيّة الله، كشيخه آدمَ تماما. لم يكن هنالك من بلغ ذُروة عبادة حنوك لله، سوى نوح.  

هـ) مسيرته في طريق ملائكة الله بتنسّكه، مدّةَ ثلاثمائة سنة، أي ثلاثة أضعاف مدّة تنسّك آدمَ الأوّل.

صفوة القول، أُخصّص بضع كلمات لتفسير الآية/العدد عن حنوك ”إذ تولّته الملائكة“ [تكوين 5: 24؛ اُنظر حسيب شحادة، ن. م./نفس المصدر ص. 22–23]. لا يمكن تفسير هذه الآية بأنّ حنوك لم يمُت، وبأنّ معنى الآية غير مرتبط بالمرّة بالموت. معنى الآية يرمز إلى السير برفقة الله، بطريقه وصوْن أحكامه ووصاياه. معنى الكلمة ואיננו/وفُقد [ن. م.] هو الدالُّ بجلاء على الموت الطبيعيّ. كان هذا الموت الطبيعيّ الأوّل، بعد قتل قايين لهابيل وبعد لمك لقايين. 

في النهاية، قُبر حنوك بحضور عدد كبير. حتّى الملائكة اشتركت بجِنازته، كما اشتركت لاحقًا بجَنازة موسى بن عِمْران، عليه السلام. ذُكِر أنّ موسى مات مثل حنوك، وقيل عن حنوك أيضًا ”لم تكلّ عيناه ولم تذهب طراوته“ [تثنية 34: 7؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين. المجلّد الثاني: سفر اللاويّين سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب،2001، ص. 626-627]. بالنسبة إلى والديه وشيوخه مات شابًّا بعُمْر مجموعه ثلاثمائة وستّون عامًا فقط، عليه السلام.

أعود وأذكر أنّ مَرْقِه كتب أنّ حنوك، في آخر حياته، عبد آلهة أُخرى، ولذلك قُصِّرت سنوات حياته بأكثرَ من جميع آبائه والآباء بعده إلى نوح. 

هذه أسماء الصالحين/الصدّيقين الذين بكوا/ناحوا عليه وذكر عمرهم وقت الرثاء:

آدم كان ابنَ 887 سنة.

شث بن آدم كان ابنَ 755 سنة. 

انوش كان ابنَ 652 سنة.

قينن/مالك كان ابنَ 562 سنة.

مهلّليل كان ابنَ 492 سنة.

يرذ كان ابنَ 427 سنة.

مثوشلح ابنه كان ابنَ 67 سنة.

آدم كان ابنَ 222 سنة عند ولادة نوح. وكان عمر آدم الأوّل زمن الطوفان 822 سنة. هذه التواريخ مستمدّة من التوراة. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق