حقيقة معنى الانتصار/ صبحة بغورة



  بدأ الزحف المبارك نحو الشمال حيث الأرض وحيث الديار، مئات الآلاف لم يطيقوا صبرا فانتظموا فرحا ببدء مسيرة عودتهم إلى الحياة بينما التسلخات النفسية تنهش جسد الاحتلال . 

                        

لم تصمد نظريات المؤامرة أمام امتحان الزمن، فحينما تصير الأشكال عائقا أمام تظهير المضمون الحقيقي الذي تحجبه فلا مانع من تحطيمها، دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا في وقفة تماسكه البطولي أمام آلة القتل والتخريب، فأسقط الكثير من التصورات الأقرب إلى الأوهام، وحطم أسوارا عالية من الوصاية المسرحية فكان هو البطل الأوحد للعرض الملحمي تحت عنوان الصمود من أجل البقاء، وكانت المعاناة التي تجرع منها الشعب كل أنواع الألم وأشكال العذاب وعاش أجواء يصعب فيها التمني ولا يملك سوى الصبر سلاحا وأملا في هذه الحياةعندما فشل في سلك مسار البحث المضنى عن المعنى الحقيقي المخبوء بين الكلمات، وأبدا لم يترك وطنه للدخلاء، ولن يغادر وطنه للغرباء، لن يستسلم للمؤامرات .

لم يؤمن صغارهم أن زمانهم قد انتهي منذ زمن، لم يتراجعوا أمام مشهد من بكت خلف أطفالها حتى اقتنعت بموتهم وهي لا تملك قدرة إعادتهم إلى الحياة في قلبها بعد أن اختاروا الموت فيه. هل هم يستدركون ثورية في غير زمانها؟ الخطوات الملونة على المسار الأحمر أوجدت لدى صغارهم قبل كبارهم القناعة بأن الإعاقة هي إعاقة الفكر والروح وليست إعاقة الجسد، وأن لا شيء لدى الكيان يعرضه عليهم سوى مؤامرات خلخلة تفكيرهم في حقيقة هويتهم ، وأن لا خدمة يقدمها سوى كلمات المجاملة لإحداث الانبهار واختيار موقع الانتظار لإحداث فارق الدهشة الحضارية، ولكنه التعثر الملحوظ في مستوى التفكير وفي تواضع مستوى التعبير به هو الذي جعل كلمات المحتل مجرد إرهاصات. 

ليس منتظرا أن يجد العائدون بيوتهم بخير، لكنهم  سيقرِؤون أسرارها ، سيفقهون دعواتها أنها تفتح أطلالها للترحيب بهم لإعادة بنائها وعمارتها فمن أجل هذا اليوم فارق من فارقهم من الشهداء، وعاش من عاش منهم ليُشهد العالم على صور ذات حمولة وطنية ومعاني مؤثرة وعلى أن لا أحد منهم احتاج في فراق أحبابه المواساة، بل جعل الحمد على لسانه والشكر ، وجعل ابتسامته رسالة الرضا بالقضاء والإيمان بالقدر أمام من لم يتصرف يوما بمسؤولية أخلاقية. 

ليس هناك مفر من الاعتراف بحل الدولتين، بحق الشعب الفلسطيني بالعيش على أرضه ،لقد دقت المقاومة أوتار القدر عندما شحذت الهمم وصدقت النوايا وجددت العزم فكانت منبع القوةوروافد النجاح ومصدر النصر،فعانقت البطولات زهوا، وتذوقت رحيق الشهادة فرحا في خضم أجواء مفاوضات عالقة ووساطات متعددة متعثرة ،وعمدت أن ترى التباينات السياسية من كل جهة حتى تمكنت من بناء تقدير موقف صحيح بعيدا عن تجديد الذكريات والعيش بين الأطياف، فالواقع أصبح لا يتحمل عبء شحنة نفسية مائعة بعدما أصبح الفضاء الروحي فيه أكبر من مساحة الكلام، لقد بقيت غزة مدينة تُحصن نفسها بأدعية ساكنيها وبأرواح هائمة تحلق بقوة غيابها تباركهم ليصنعواعلى أرضهم حياة هم أسيادها ، وهذا هو المعنى الحقيقي للانتصار .

****

                       إلى كل من يهمه الأمر، قول حق في كلمتين وبس:

 لن يرسم حاضر الشعوب ويفهم واقعهم سواهم، ولن يحدد مستقبلهم ومصيرهم أجنبي من غيرهم ،وكل تدخل خارجي في مصائر الأمم مآله الفشل حتى ولو ادّعى صاحبه أنه شرطي المدينة أو حارس الحديقة . 


             غزة للفلسطينيين ، وسيناء للمصريين

هناك أوامر من عالم آخر بعيد موجهة  لدول ذات سيادة من أجل أن تتنازل عن جزء من ترابها الوطني لتمرير مؤامرة شيطانية ترمي إلى تشتيت الشعب الفلسطيني وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية بتفريغ قطاع غزة من أهله وتشريدهم ما بين مصر والأردن .. والأقرب أيضا تفريغ الضفة الغربية من سكانها الأصليين خدمة لمشاريع صهيونية استيطانية ، وبالتالي تشويه خريطة فلسطين المعروفة بنشر نجمة داوود على كامل مساحتها .

المخطط  إذن محدد ومعروف، ولكن غير مكتمل المعالم والأهداف، إن تمسك العالم الآخر بتنازل مصر عن سيناء لأهل غزة يدفع على الاعتقاد أن لدى الكيان المحتل عقيدة راسخة أنه كما استولى على فلسطين من أهلها ، فإنه قادر أن يعيد الكرة مرة ثانية إذا استوطن الفلسطينيون ولو جزء من سيناء المصرية ، سيختلق ما يكفي كي يسلب منهم أرض سيناء أيضا لأتفه الأسباب فيتحقق له مراده في التوسع غربا للتمتع بمياه عيون موسى الباردة، واستغلال مناطقها التاريخية وإمكانياتها الطبيعية للترويج السياحي ثم مشاركة مصر في إدارة قناة السويس واقتسام عوائدها .. وسيجري تطبيق المخطط بكل أريحية حيث لا تخوف بعدها من تساقط  صواريخ القسّام فوق رؤوسهم . المخطط  معلوم ومدعوم بالكامل من أطراف خارجية قوية جدا، عسكريا واقتصاديا لا ترى غرو من ضرورة تطبيقه وفي أسرع وقت.  لقد كان الأقرب للفهم أن يتم اقتراح توزيع كامل الشعب الفلسطيني على كامل التراب العربي خاصة في الدول التي تتمتع بمساحات إقليمية شاسعة وبموارد ضخمة وذلك عملا بشعار وحدة الشعوب والمصير المشترك.. ولكنه لا يخدم مخطط الكيان المحتل في سيناء تحديدا.

لا يمكن التصور بأن تتنازل مصر قيادة وحكومة وشعبا عن أرض سيناء حتى ولو كان هذا التنازل للأشقاء الفلسطينيين، لقد تمسك بها المصريون منذ فجر ما قبل التاريخ وروت دماؤهم أرضها جيلا بعد جيل ،إنها مسألة سيادة وكل من ينادي بغير ذلك خائن، وعلى كل من توحي له عرائس خياله المريض أن الأمر يُقضى ببضع مليارات من الدولارات وبوعود التكفل بجهود البناء والتعمير واهم ، فالغزاويون لن يتركوا أرضهم وأرض أجدادهم ، لن يتركوا التراب المروي بدماء شهدائهم ، لن يغادروا مقابر آبائهم وأبنائهم.. لن يذهبوا بعيدا عن أماكن المقدسات التي تعرفهم وألفتهم في كل صلاة ، غزة لأهلها وهذا القول الفصل .



CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق