المجتمع العراقي والعربي بأمس الحاجة لمثل هذه المقالات الراحمة الرحيمة العافية السمحة ، وهي من مكارم الأخلاق العربية والإسلامية والإنسانية بعد الموجات الإرهابية الحاقدة واللئيمة المُخَطط لها لتجزأة العراق الحبيب وتمزيق وحدة الأمة وعراقتها وأصالتها، وإننا بالمرصاد والعزيمة رغم المؤامرات اللئيمة!! 1 - المقدمة ( والمعيدي ما ينسى سالفته...!!) :
تكلمنا في حلقة سابقة عن الرحمن ، الرحيم من أسماء الله الحسنى ، وأزيدك اليوم ( العفو) منها !! ، فالله هو العفو الغفور الرحمن الرحيم ، هل تأملت عمق المدلول ؟ وهل أدرك أولئك ما أسمى (العفو) عند العرب والمسلمين حتى أوصله الإسلام إلى درجة الربوبية ؟ والحق الرحمة تؤدي إلى العفو ، والعفو يرتبط بقيم أخرى كثيرة عظيمة، في أولها الشجاعة والكرم التسامح، والصفح، والتجاوز، والغفران، والحلم ، فهو من فعل النفوس الكبيرة العظيمة ، ما لهم كيف يحكمون؟؟ !!
كيف نؤمن بالرحمن ولا نترحم ؟!!
كيف نؤمن بالرحيم ولا نرحم ؟!!
كيف نؤمن بالعفو ، ولا نعفو؟!!!
كيف نؤمن بالغفور ، ولا نغفر؟!!!!
لو كان فكر الإسلام كما يفكرون ، وحكم النبي الكريم (ص) كما يحكمون ، لما وصل الإسلام أبواب مكة ، ولما طال به المقام إلى هذه الأيام !! يا سادة يا كرام ، وأنتم أيّها اللئام!!
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم **** يا امة ضحكت من جهلها الامم
2 - معنى العفو : جاء في لسان العرب : عفا في أَسماءِ الله تعالى العَفُوُّ وهو فَعُولٌ من العَفْوِ وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ يقال عَفَا يَعْفُو عَفْواً فهو عافٍ وعَفُوٌّ قال الليث العَفْوُ عَفْوُ اللهِ عز وجل عن خَلْقِه والله تعالى العَفُوُّ الغَفُور وكلُّ من اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ عنه قال ابن الأَنباري في قوله تعالى عَفَا الله عنكَ لمَ أَذِنْتَ لهُم مَحا اللهُ عنكَ مأْخوذ من قولهم عفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها وقد عَفَت الآثارُ تَعْفُو عُفُوّاً لفظُ اللازم والمُتَعدِّي سواءٌ .
معنى عَفَا في وفي المعجم الوسيط عْفا عَفْواً، وعُفُوًّا، وعَفَاء: زال وامّحى. يقال: عفا أثرُ فلان. وـ الشيءُ: خفي. وـ الأرضُ: كثر نباتها فغطّاها. وـ الماءُ: لم يخالطه شيء يكدّره. وـ الريحُ الأثرَ: محته ودرسته.
أما الصحاح في اللغة فمعنى عفا في العَفاءُ بالفتح والمدّ: التراب. وقال صفوان بن محرز: إذا دخلتُ بيتي فأكلتُ رغيفاً وشربتُ عليه ماءً فعلى الدنيا العفاء. وقال أبو عبيدة: العفاءُ: الدروسُ، والهلاكُ. وأنشد لزهير يذكر داراً:
تحمَّلَ أهلها عنها فبـانـوا *** على آثارِ من ذهب العَفاءُ
وهنالك معنى آخر للعفو: عفا محى، وعفا أعطى، هذا من عفوِ مالي.. أي من حلالهِ وطيِّبهِ، أعطيته عفواً.. أي من دون سؤال، فمن معاني العفو العطاء، والمعنى السلبي المحو، والمعنى الإيجابي العطاء ، ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) (99 النساء)
وقال تعالى:﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ) (149النساء)
وكما ترى جاء العفو متلازماً مع المغفرة ، ومع القدرة ،فهو الغفور، أي لم يعاقبهم ، أما العفوّ فأنساهم الذنب كلَّه، وهذا منتهى الكرم ، وكما يقول المثل المأثور( أن تخلَّقوا بأخلاق الله) ، فإذا كان الله عفواً ينبغي أن تكون أنت وأنا والمسلم الصحيح ، بل الإنسان الصحيح ، عفواً.
والحق أنّ العفو ينطبق على المخطئ والمسيء بمسامحته ، والتجاوزعن معاقبته أو معاملته بالمثل والعَفُوْ من صيغ المبالغة، والعَفُوْ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وهي صفة من صفات الله كما ذكرنا ، فكيف ونحن نتكلم عن أبرياء يُقتلون ، ويُغتصبون ، ويُنتهبون دون ذنب اقترفوه ، أو جرم قاموا به ، عندك الحساب ، ومنا الكتاب !!
3 - معنى السماحة والتسامح :
جاء في اللسان : سمح : السماح والسماحة : الجود . سمح سماحة وسموحة وسماحا : جاد ; ورجل سمح وامرأة سمحة من رجال ونساء سماح وسمحاء فيهما ، ورجل سميح ومسمح ومسماح : سمح ; ورجال مساميح ونساء مساميح ; قال جرير :
غلب المساميح الوليد سماحة *** وكفى قريش المعضلات وسادها
وفي الحديث : يقول الله عز وجل : أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبادي ; الإسماح : لغة في السماح ; يقال : سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم .
السَّمَاحَة في الاصطلاح تطلق على معنيين الأول: بذل ما لا يجب تفضلًا ، الثاني : في معنى التَّسامح مع الغير، في المعاملات المختلفة، ويكون ذلك بتيسير الأمور، والملاينةالتي تتجلى في التيسير وعدم القهر
4 العفو في القرآن الكريم ( آيات مختارة) :
اليس من حقّنا أن نتساءل : أين سياسة العفو التي رسخت في وجدان الأمة وتراثها منذ العصر الجاهلي ، وكرّس مفهومها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، وتاريخنا المجيد؟ من علم العربي سياسة القتل والحقد والاغتصاب والتدمير مَن؟؟؟!!! العفو في القرآن والسنة والشعر ، وسأذكرالآيات القرآنية الكريمة كما نزلت على الرسول الكريم (ص) ، دون تأويلات ولا اجتهادات ولا تفسيرات إلا كمعلومة ، لتعدد الآراء ومسارب النقل وطرق السند ، سوى أنني سأشير إلى المعاني الإنسانية السامية حين نزولها ، وعصر رسولها .
قال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )( الأعراف 199)
هذا أمر رباني للرسول الكريم (ص) ، ومهما اختلفت التأويلات والاجتهادات ، لم تُنسخ الآية ، يذكر الطبري في تفسيره " أمرًا بأخذه ما لم يجب غيرُ العفو, فإذا وجب غيره أخذ الواجب وغير الواجب إذا أمكن ذلك. فلا يحكم على الآية بأنها منسوخة، لما قد بينا ذلك في نظائره في غير موضع من كتبنا " .
قال تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور22)
ذكر ابن كثير في تفسيره : هذه الآية نزلت في الصديق ، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ، فإنه كان ابن خالة الصديق ، فلما نزلت هذه الآية إلى قوله : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) أي : فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا . ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة
قال تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ( آل عمران 134)
ذكر ابن كثير في تفسيره، حيث قال: قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ... أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.... إلى أن قال: فقوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل، ثم قال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد. وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقامات الإحسان...
انظر رجاء قول ابن كثير (يعفون عمن ظلمهم ) ، فكيف بهؤلاء الإرهابيين التكفيريين ، يظلمون ، بل يقتلون ، ويغتصبون ، وينهبون الأبرياء ، ومن الشيوخ والنساء والأطفال ؟ سؤال نظن أنه سيبقى بدون جواب منهم !!
ويقول الله سبحانه وتعالى :
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) . ( فصلت 34 ، 35 )
في تفسير (الطبري) " وقوله: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك ، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء ، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم ، ويلقاك من قِبلهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله . "
5 - عفو النبي ، والعفو في السنة :
كان رسول الله (ص) يولي اهتماماً بالغاً بالأخلاق والقيم الإنسانية ، ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، ولأنه المثل الأعلى في سمو الخلق وكرم الطباع وسماحة النفس (وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم: 4 ( ، ألتف حوله الناس من جميع الأجناس والطيقات ، من قبل ومن بعد ، وفي حياته استطاع أن يستقطب أعداءه وخصومه .
ويتمثل العفو النبوي العظيم في أعظم صوره، وأكرم تعامل حين فتح الله للمسلمين مكة ودخل النبي (ص) الكعبة ثم صلى عند المقام والناس مضطربون خوفاً، ينتظرون ما يقضي به الرسول الكريم عليهم، وهم الذين آذوه واضطروه للخروج من بلده - فوقف النبي (ص) ليقول كلمته وقد حبس أهل مكة أنفاسهم خوفاً ورعباً فإذا بالنبي (ص) يقول لهم : (يا معشر قريش!! ما تظنون أني فاعل بكم... قالوا : خيراً.. أخ كريم وابن أخ كريم - قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء).
هذا هو العفو في الإسلام في أسمى معانيه الإنسانية ، وكان المعشر كفاراً بالإسلام والله ، كيف عفا الرسول الكريم (ص) عنهم ، وهذه سنة نبوية مشهورة متواترة متفق عليها بالإجماع ، أين التكفيريون والإرهابيون والطغاة منها ، وهذا لا يعني العفو عن المجرمين القتلة ، وسيأتيكم الخليفة عمر بن الخطاب ( رض) وحكمه !!
صدق رسول الله ( ص) حين قال ذات يوم : ( إن الله يغفر ولا يعير ، والناس يعيرون ولا يغفرون)
، ولكن في حديث آخر رسم خطاً للمسلمين لكي يسيروا على نهجه : ( ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات؟ قالوا : نعم قال (ص) تحلم على من جهل عليك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ) .
6 - العفو والمروءة والوفاء والشهامة بين الخليفة عمر بن الخطاب وأبي ذر الغفاري (رضي الله عنهما ) في عصر الرسالة ، أين الإرهابيون والتكفيريون والطغاة منها في عصرنا الأليم!!
جاء شابان يقودان رجلاً إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس، فأوقفوه أمامه،فقال عمر: ما هذا؟
قالا: يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا
قال: أقتلت أباهم؟
قال: نعم قتلته،
قال: كيف قتلتَه؟
قال: دخل حصاني في أرضه ، فزجره فقتله .. فدخلت عليه ورميته بحجرٍ فوقع على رأسه فمات،
قال عمر: النفس بالنفس ، لا بد أن تُقتل كما قتلت أباهما
قال الرجل: يا أمير المؤمنين ، أسألك بالذي رفع السماء بلا عمد أن تتركني ثلاث ليالي ، لأذهب إلى أهلي ومالي فإن لي فيهم شؤون كثيرة ..
قال عمر: مَن يكفلك أن تذهب إلى أهلك ثم تعود إليَّ؟
فسكت الناس جميعًا ، إنهم لا يعرفون اسمه ولا داره ولا قبيلته ، فكيف يكفلونه؟ وهي كفالة ليست على أموال ، ولا على عقار ، ولا على شي بسيط ، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف
فسكت الناس وعمر مُتأثر ، لأنه وقع في حيرة ، (هل يقدم فيقتل هذا الرجل أو يتركه فيذهب بلا كفالة فيضيع دم المقتول؟
وسكت الناس ونكَّس عمر رأسه والتفت إلى اهل المقتول وقال: أتعفوان عنه؟
قالا: لا، مَن قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين
قال عمر للقاتل : الا يوجد من يكفلك أيها الرجل؟
فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته..
وقال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله
قال عمر: هو قَتْل
قال: ولو كان قاتلاً !
قال: أتعرفه؟
قال: ما أعرفه
قال: كيف تكفله؟
قال: رأيت فيه سمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب. وسَيَفِي بعهده إن شاء الله،
قال عمر: يا أبا ذر، أتظن أنه لو تأخَّر بعد ثلاث أني تاركك؟
قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين
فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليالٍٍ ، يُهيِّئ فيها نفسه ، ويُودع أطفاله وأهله،.. وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليُقْتَص منه ، لأنه قتل
وبعد ثلاث ليالٍ لم ينسَ عمر الموعد ، وفي العصر نادى في المدينة: الصلاة جامعة
فجاء ابناء المقتول ، واجتمع الناس ، أتى أبو ذر وجلس أمام عمر
قال عمر: أين الرجل؟
قال: ما أدري يا أمير المؤمنين .
وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمرُّ سريعة على غير عادتها ، وقبل الغروب بلحظات ، إذا بالرجل يأتي ، فكبَّر عمر وكبَّر المسلمون معه .
فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك
قال: يا أمير المؤمنين، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى، ها أنا وجئتُ لأُقتل يا أمير المؤمنين .
فقال عمر : أين كنت ؟
فقال الرجل : والله كان هناك أموال معهودة عندي لغير المسلمين ، وخشيت أن يُقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس .
فدهش عمر بن الخطاب من قوله ، ثم نظر لأبا ذر و قال : لماذا ضمنته يا أبا ذر ؟
فقال أبو ذر: خشيت أن يُقال: لقد ذهب الخير من الناس.
فوقف عمر و قد ظهر عليه التأثر.
وقال لابناء المقتول: ماذا تَرَيَان؟
قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه ووفائه بالعهد، وقالوا: نخشى أن يُقال: لقد ذهب العفو من الناس.
قال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته.
7 - الإمام علي (ع) : من أقواله ، وقيمة دستوره ووصيته إلى ( مالك بن الأشتر) :
قال الإمام (ع) " أعقل الناس أعذرهم للناس"
"أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة"وقال :
وسياسة الإمام علي (ع) ، ومنهجه في الحكم ، وخطبه في جميع المجالات باتت معروفة عالميا بالدستور العلوي ، وقد علق المفكر المسيحي جورج جرداق على هذا الدستور بقوله :
" فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلاوتجد له مثيلا في دستور ابن أبي طالب ثم تجد في دستوره ما يعلو ويزيد "
اما الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان فقال :
" قول علي ابن أبي طالب :
يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كل المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية "
وبعد أشهر من قوله اقترح عنان أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي إلى مالك الأشتر. اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، بعد مدارسات طويلة، طرحت هل هذا يرشح للتصويت أم لا، وقد مرت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي . "
وموقف الإمام علي (ع) من قاتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم ، ووصيته للإمام الحسن (ع) بشأنه ، كتبت عنه وعنها في كتابي عن تاريخ الحيرة والكوفة والنجف ، وباتت معروفة ، ونهج آل البيت غير خافٍ عن جميع المسلمين وعن الإمام جعفر الصادق (ع) : "لأن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة "
فالعفو من القيم العليا في الشريعة الإسلامية ، لا يؤاخذ الله به من عمله ، ولا يعاقب صاحبه ، وكلمة الإمام واضحة بهذا الشأن ، لأنه ليس بذنب ولا جرم ، وإنما فضيلة و منقبة .
أقول أين كنّا في تفكيرنا الإسلامي الإنساني ، وأين أصبحنا ، أو يراد منّا أن نكون بعد يقوم به الإرهابيين والداعشيين التكفيريين !!
8 - ملامح من العفو في الشعر العربي :
حسان بن ثابت يرثي النبي الكريم (ص) ذاكراً رحمته وعفوه ورشده وهداه وعطفه :
يدل على الرحمن من يقتدي به *****وينقذ من هول الخزايا ويرشدُ
إمام لهم يهديهم الحق جاهداً ** ** معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم ****** وإن يحسنوا فالله بالخير أجودُ
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله *** *** فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبيناهم في نعمة الله وسطهم **** ** دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيزٌ عليه أن يجوروا عن الهدى * حريصٌ على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه ** **** إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
يقول الإمام الشافعي :
لما عفوت و لم احقد على احد *** أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته **** ** وأدفع الشر عني بالتحيات
و أظهر البشر للإنسان أبغضه **** كما ان قد حشى قلبي محبات
الناس داءٌ و دواء الناس قربهم *** و في اعتزالهم قطع المودات
بشار بن برد يقول :
وللموت خير من حياة على أذى ****** يضيمك فيها صاحب وتراقبه
أخوك الذي لا يتقص الدهر عهده ** ولا عند صرف الدهر يزور جانبه
فخذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه****** ولا تك في كل الأمور تجانبه
ويُروى لامرئ القيس البيت الآتي ، وأرى فيه مسحة إسلامية ،
فخذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه *** ولا تك في كل الأمور معاتبا
إن صحت الرواية ، فإن بشاراً ضمن بيت الملك الضليل كلّه ، لأن صدر البيت نفس صدر البيت الأخير مما أوردنا لبشار ، وعجز البيت جعل منه البشار صدر بيته المشهور ( إذا كنت في كل الأمور معاتباً ، ومن الجدير ذكره أن حماد الراوية وخلف الأحمر الراويتين المشهورين ، كانا من معاصري هذا البشار ، وبينهم المشاكسات قائمة ، والله الأعلم !!
أبونؤاس يطلب عفو ربّه آخر حياته :
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً ** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن**** فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجــا **** وجميل عفوك ثــم أني مسلم
وهذه الأبيات للحسن بن وهب ، وتنسب الثلاثة الأولى منها لعلي بن الجهم أيضاً ، وكلاهما عاصرا المتوكل العباسي ، وقيل الأبيات في حقّه :
ما أحسن العفو من القادر *** لا سيما عن غير ذي ناصر
يا غاية القصد واقصى المنى *** وخير مرعى مقلة الناظر
ان كان لي ذنب ولا ذنب لي ***** فماله غيرك مــن غافر
أعوذ بالـــــــود الذي بيننا ***** أن تفــسد الاول بالاخر
جاء في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي : وهذا البيت من قصيدة للفند الزمّاني، قالها في حرب البسوس؛ أورد قطعة منها أبو تمام في أول الحماسة، وهي :
صفحنا عن بني ذهل *** وقلنا: القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجعـ ** ن قوماً كالذي كانوا
وما كان ولا كانوا !!
9 - أقوال عربية مأثورة عن العفو :
" من عفا ساد ، ومن حلم عظم "
" العفْوُ عند المقدرة من شيم الكرام "
" التثبتُ نصف العفو"
" أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه "
قال المهلب بن أبي صفرة : "خير مناقب الملوك العفو"
ومن مشهور الحكم قولهم : " ما قرن شيء إلى شيء أفضل من حلمٍ إلى علمٍ، ومن عفو إلى مقدرة "
" يقول ابو حيان التوحيدي "من عاشر الناس بالمسامحه، زاد استمتاعه بهم.
ويقول ابو قلابه الجرمي " إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر جهدك ، فان لم تجد له عذرا ، فقل : لعل له عذر لاأعلمه. " والحق معه ،فقد قيل : " لعلّ له عذرٌ وأنت تلومُ "
ونحن نقول : أيها الناس نحن وصلنا إلى زمن نطلب فيه العفو للأبرياء ، بل للعاجزين والمعوقين والشيوخ والأطفال والنساء والمرضى ، نكرر قولنا ولا نخشى الملل ، لأن " النار ما تاذي إلا رجل واطيها "، اسمعو وعوا ، وإلا إليكم من عرف عصره ، فانتشر شعره ، وضاق أمره !!!
10 - - وأخيراً هذه المظفريات العراقية في زمن الردة ، وسوق النخاس ، لعلهم يتقون !!!!:
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده
هل عرب انتم
واراكم تمتهنون الليل على أرصفة الطرقات الموبوءة أيام الشدة
هل عرب انتم..!!
والله أنا في شك من بغداد إلى جدة !!
0 comments:
إرسال تعليق