المقال هو عبارة عن رؤية معرفية شخصية لرصد سريع لأهم مظاهر الإلحاد وطرائق تجلياته الاخلاقية في عالمنا العربي المتدين وفق الأشكال والممارسات التي طرحها بعض الملحدين العرب في مواقع التواصل والبرامج التلفزيونية والتي بتصوري لا تختلف سلوكياً عما طرحه شيوخ التكفير ودعاة الإبادة الجسدية الا بالمظهر ...
الملحدون الجدد ليس لديهم خزين معرفي يتناسب مع حجم طروحاتهم ولا يعرفون كيف يستغلون الاخفاق الديني السياسي لأنتاج مشروع فكري رديف . لذلك بقيت تجاربهم نمطية منعزلة لم تؤثر في حركة العقل الجمعي الفكرية بل ان التيارات الدينية استطاعت ان تنتج بعض التجارب الفكرية البديلة التي حققت رواجاً وانتشاراً فكرياً بين أوساط الشباب تمزج بين الدين كمظهر إيماني وفكرة قابلة للتعايش مع الحداثة وبين الإلحاد كاختيار لا يخرج عن طوَّق الحرية الشخصية كمشروع المفكر الإيراني سروش والعراقي القبانجي في حين لم نشهد اي مشروع الحاديٍ يستطيع فرض ارادته القيمية ويتحول الى ظاهرة تستحق النقد والمتابعة والدرس . لذلك كتبت هذه السطور على عجالة لأني لا زلت اعتقد ان الفكر الالحادي الذي أنجب عباقرة العلم انعزل عربياً وتحول الى تجارب شخصية لا قيمة معرفية لها ولَم تنتج لنا فكراً منافساً كما حصل نهاية الألفية الماضية .
علاقتي بالحياة ادبية ، وعلاقتي بالأدب حياتية ، انا من الكتاب الذين يؤمنون بالفلسفة التطبيقية ، النظريات الثقافية عندي هي تعاليم حياتية ان لم تستطع ان تنتفع منها في حياتك فاهملها لاقيمة للمفاهيم ان كانت حبر على ورق .
- في بداية حياتي كنت ميالا للتصوف الديني الى حدٍ كنت اعتبر به بعض الكتيبات الخرافية التي يؤلفها بعض الجهلة مصادر معرفية قيمة . ولكني حين سنحت لي فرصة العيش بمجتمع استراليا العلماني بدأت أتحرر من قيود افكاري لأصنع افكاراً جديدة أستطيع ان اجد لها مضامين واقعية على اقل تقدير .تتفاعل مع الواقع أستطيع احل بها مشاكلي الذهنية والثقافية .
العلمانية التي فهمتها باستراليا هي ان تؤمن بفكرة قابلة للتطبيق وليس الايمان بالافكار القابلة للتغييب ، نقطة التحول الفكرية هذه قربتني من الوجودية بشكل مُلفت وبدأت اقتلع نفسي من واقعي القديم دون ان يحصل لي انفصام في الشخصية الأدبية في كتاباتي وعلاقتي الغير منقطعة مع القرّاء ، وهو مخاض مر به اغلب المثقفين في الدول الغربية وبالأخص الذين أجتروا آراء علي الوردي وتصنيفاته الطبقية للمجتمع العراقي وظلوا يعانون عقد الانتقاص الاجتماعية التي حولها الوردي من حالة بحثية الى حالة نفسية
مشكلة الوردي الحقيقية انه اعتبر المجتمع العراقي شعبة جامعية يتقارب مستوى الإدراك والفهم النوعي فيها بين جميع طلابها وبالتالي ستتحول استنتاجاته من افتراضات فلسفية الى شهادات تعليمية يحصل عليها طلابه متناسباً البون الإدراكي الشاسع بين طبقات المجتمع العراقي فضلاً عن نخب هذا المجتمع التي لم تستطع اقتلاع ارتباطها بمفاهيمها البيئية الا بانقلاب فكري كامل وتحول تشخيص الدكتور الوردي من علاج الى مرض مزمن . في هذه الحيثية بالذات .
- الإلحاد عندي مثلاً لا يختلف عن التكفير، التكفير ينطلق من نقطة استهزائية تسخيفية برأي وحرية الاخر ويحول هذه النقطة الى مشروعية فرض الرأي على الاخر حتى لو بذبحه وتصفيته جسدياً
.. الملحد يكفر المؤمن أيضاً الفرق الوحيد انه لايؤمن بالقتل والتصفية الجسدية لكنه يلغي حرية الاخر بالاعتقاد ويعتبره شخصاً منقوص الثقافة والوعي دون ان يستطع إيجاد حجج منطقية تثبت آراءه .
فالإيمان والالحاد ليسا جديدين على حركة الفكر الانساني لكنهما ظهرا مع ظهور النشأة الاولى للفكر الانساني ومحاولات فهمه لواقعه، ولم يحسم صراعهما للآن ( لا المؤمن استطاع إثبات وجود الله حسياً ولا الملحد استطاع إثبات عدم وجوده ) لذلك اي محاولة لإثبات رأي في جدلية غير ثابتة يعتبر تطويق للحرية الفكرية وهذا التطويق يمارسه المؤمن والملحد بأشكال مختلفة .
ما لا يفهمه الباحثون عن أسباب لجوء الحركات التكفيرية الى العنف من اجل السلطة هو الرغبة القوية لهذه الحركات بفرض ارائهم على المجتمع، السلطة تمنحهم أدوات فرض هذه الاّراء. لذلك الملحد الغير معرفي والذي لايؤمن بالفكر الليبرالي الحقيقي قد يساهم بخلق فرص انتشار التطرّف الديني اذا انعزل عن مجتمعه واعتبره مجتمعاً كافراً بالإلحاد كما يعتبر التكفيري المجتمع كافراً بالايمان
الفلسفة التطبيقية تمنحك فرصة تجنب هذه الإشكاليات ، انا شخصياً أفسر الإيمان على انه خدمة واحترام الناس والمجتمع لذلك اعتبر اي شخص يشترك معي بهذا التفسير هو مؤمناً وان كان ملحداً ! واعتبر التكفير الحقيقي هو قتل الناس والاعتداء على حرياتهم وان كان من يقوم بذلك امام دين .
- الإيمان بنظريات فكرية مطلقة هو محاولة لتعطيل العقل الانساني وإيقاف قدراته البحثية التي اثبتت التجربة انها وراء حالة التطور التكنلوجي التي نعيشها ، لا يوجد بتصوري اي نظرية مطلقة غير قابلة للبحث والنقد والتطور بمافي ذلك النظريات العلمية الدقيقة ، فكلما تطور البحث العلمي اكتشف نظريات متطورة قادرة على نسخ سابقاتها .واكتشاف آراء جديدة
وهذا هو حقيقة التواصل الثقافي الانساني وقدرة الحضارة على التنوع واكتشاف ذاتها بطرائق واشكال متعددة .
الفعل الحضاري لا يمكن ان يتحول الى ظاهرة دون قدرته على التفاعل ، لا يمكن اعتبار الأفكار أو التجارب الشخصية المرتبطة بواقعها وبيئتها اشكالاً معرفية متطورة دون قياس مستوى التأثر والتأثير النمطي .
لذلك لا تفرح كثيراً يا صديقي الملحد اذا ساهمت بإدخال مؤمن الى دائرة الإلحاد فالتكفيرون بنفس الوقت ادخلوا مئات الملحدين الى دوائر التكفير والتفخيخ .. صراع الأفكار ليس صراعاً شخصياً أو عشائرياً بل هو قدرة على منح الاخر مساحة للتفاعل لذلك ترى الملحد الاسترالي يفخخ نفسه ويفجرها في سوق شعبي في بغداد لأنه يعتقد انه اعتنق فكراً متفاعلاً ..
وهذا مظهر من مظاهر الإلحاد التكفيري ...
0 comments:
إرسال تعليق