رسالة مفتوحة الى الشيخ بطرس حرب: لماذا تترشح؟/ جورج الهاشم

عفواً على السؤال. فأنت تعودت أن تأمر فتُطاع. لم تتعود على أن يحاسبك أحد. وهكذا تعّود معظم زملائك من كل المذاهب والطوائف والاحزاب. تدَّعون العيش في نظام برلماني ديموقراطي حر. وهذه كذبة كبيرة لأن النظام الذي لا يحاسب مسؤوليه ليس برلمانيا، ولا ديموقراطياً، ولا حراً  أبداً. فكم من نائب ووزير ورئيس ومسؤول كبير سرق أموال الشعب، وانت تعرفهم أكثر مني، وقضى حياته متنعماً بما سرق. صحيح أنك كنت من المطالبين بقانون من أين لك هذا؟ لا أدري إن كنت لا تزال تصرّ عليه. ولكن من احترم نصاً لقانون في وطني؟ ألم تسمع ما قاله الساخر الكبير، الراحل جلال عامر؟ "الوطن هو هذا المكان المقدَّس بالنصوص والمكدَّس باللصوص".                                                        
                                                                                      
  وعفوا على السؤال مرة أخرى لأن أتباعك "الديموقراطيين جداً" سيثورون ويهددون بعظائم الامور. وهكذا حال كل الاتباع الى أي فريق انتموا. هناك فرق كبير بين التابع والمؤيِّد. فالتابع لا يسأل. يغمِّض عينيه ويعبدك ظالماً أو مظلوماً. أما المؤيِّد، وانا كنت كذلك، فينظر ويراقب ويحلل ويقارن ثم يدعم. هذا الدعم ليس لمدى الحياة. يمكن أن يسحبه إذا ظهر ما يستوجب ذلك. ولقد ظهر.                                                                      
الشيخ بطرس حرب ورث الزعامة عن عمِّه النائب الراحل الشيخ جان حرب وانتُخب نائباً عن منطقة البترون سنة 1972. ومنذ ذلك الحين احتكر زعامة تنورين ومنطقة البترون لأكثر من 46 سنة. كان نائباً طوال هذه المدة باستثناء دورة واحدة. لم يسقطه أحد بل قاطع كما فعل معظم الزعماء المسيحيين وقتها. استلم وزارات كثيرة مهمة و انضمّ الى طاولة الحوار كممثل عن المسيحيين. أكثر من ذلك اعتبره الكثيرون زعيماً وطنياً معتدلاً وطُرِح اسمه مرشحاً رئاسياً في أكثر من مناسبة.                                                       
                                                                                                                                                                                                                             بعد هذه المقدمة السريعة لماذا هذا السؤال؟                                                      
أنا أعرف ان المرشح في نظام برلماني ديموقراطي حر، خاصة إذا قضى كل هذه المدة في العمل العام، عليه أن يقدم الى ناخبيه ما يقنعهم بجدارته ليستمر في تمثيلهم. الشيخ بطرس حرب ليس مرشحاً جديداً. لا يمكنه ان يقول لنا: لو انتخبتُ نائباً هذا ما سأفعله. بين يديه سجل من زعامة عمرها قرابة نصف قرن. فليفتحه وليقل لنا خلال هذه السنوات الطويلة هذا ما فعلته لتنورين ولمنطقة البترون وللبنان وللمغتربات. وبناء على ما حققتُ أطلب تجديد ثقتكم بي لاتابع. لكنه لن يفعل. لا أدري لماذا. أو ربما أدري. ولكن، فليسمح لي الشيخ بطرس، وليسمح لي أنصاره، أن أفتح هذا السّجل وأنقل عنه مقدار ما تسمح به معلوماتي. وبالمناسبة هذه المعلومات قابلة للتصحيح إذا تبيَّن العكس.                                      
                                   
ماذا قدَّم لتنورين؟                                                                                  
السيطرة على قرار تنّورين من خلال السيطرة على مجلسها البلدي. وعلى معظم مؤسساساتها. التربع على عرش قرية من أشد القرى حرماناً في لبنان. هو زعيم الضيعة الخالية من المشاريع الحيوية. لا بل هو المدافع الأوّل عن إبقاء المشاريع بعيدة عن تنّورين. حارب مشروع بناء سد للمياه في تنّورين رغم منافعه الكثيرة لأبنائها  المزارعين بغالبيتهم ولأبناء المنطقة. مما اضطر أهالي بلعا وشاتين للانفصال بلدياً عن تنّورين لتحقيق المشروع. هو زعيم تنّورين الملوثة مياهها، المحفرة طرقاتها، شبه المهجورة.  الخالية من حديقة عامة أو حمّامٍ على طريق أو فندقٍ أو مطعمٍ على مدار السنة، أو برّادٍ لمنتجاتها وهي بأشد الحاجة اليه،  أو معمل لمنتوجاتها الزراعية. لا يوجد في تنّورين مجارير الصرف الصحي مما لوَّث الكثير من مياه تنّورين، ومن بينها مياه نهرها المعروف بنهر الجوز... تنّورين، طبيعياً، واحدة من أجمل المناطق اللبنانية. ويمكن أن تصبح واحدة من أشهر  وأروع الأماكن السياحية في لبنان لو توفَّر لها قيادة تهمها المصلحة العامة.  
بطرس حرب نائب منذ 46 سنة، ووزير لدورات عديدة. من حقنا معارضته أو موالاته. ولكن ليس من حق التابعين أن يمنعوا انتقاده أو معارضته. فإذا كانوا يرون فيه "هدية السماء لتنّورين وهدية تنّورين إلى العالم" كما تقول إحدى اليافطات خلال المعركة البلدية، فأنا أرى فيه تأخر تنّورين وتراجعها، والسبب الرئيسي في فقرها وعدم لحاقها بالبلدات الأخرى إنمائياً على الاقل.
باختصار لم يقدم  الشيخ بطرس لتنورين إلا بعض المحاسيب والازلام وبعض الموظفين في الادارات  والوزارات التي استلمها. معظمهم قد انتهت مدة "صلاحيتهم" وهم بتعبير الوزير وائل أبو فاعور "غير مطابقين". وهذا ما يفعله معظم الزعماء في لبنان على كل حال.
ملاحظة: لا أكتب عن بطرس حرب من باب العداء السياسي بل من باب الندم لأني ساهمت بنشر الصورة المزيفة التي يرسمها عن نفسه، ويرسمها أتباعه عنه ويصدّقونها.  ولتعرفوا كم كنت مخدوعاً ببطرس حرب الرجاء قراءة ما جاء عنه في كتبي: محطات ومواقف من سيرة مهاجر، جمعية تنّورين بين الأمس واليوم وكتاب المطرود. (تجدون كتاب المطرود على الفايس بوك: جورج الهاشم – آراء ومواقف)

ماذا قدَّم لمنطقة البترون؟
من ساواك بنفسه ما ظلمك. لا أعرف مشروعاً حيوياً  عاماً واحداً في أي مكان من قضاء البترون تحقق بفضل الشيخ بطرس حرب. ومن يعرف فليخبرنا. 

ماذا قدَّم للبنان؟
لقد طرح بطرس حرب نفسه كرجل الاعتدال  والحوار والديمقراطية والوحدة  الوطنية وحقوق الانسان ورجل النزاهة والشفافية ورجل المؤسسات ورجل القرار المستقل والحقوقي المشرِّع... فهو محاور من الطراز الاول، وهذا ما خدعني فانضممت الى لجنة أصدقائه سنة 1997 التي أشرفت على زيارته  لاستراليا، ثم إلى لجنة أصدقائه مجدداً سنة 2009 نروِّج لإعادة انتخابه. رغم علمي التام بسجلّه الذي يشكو الفقر المدقع بالنسبة الى المشاريع العامة في تنورين والمنطقة. ولكن تبيَّن لي بالملموس أن كلام السياسي في لبنان يمحوه الواقع المعاش، ويمحوه العمل على الارض. و "انجازاته" في وزارة الاتصالات، مع زميله عبد المنعم يوسف، تعطي دليلاً على الفرق الشاسع بين الكلام والتنفيذ. هذا مع الاعتراف ان هناك بعض المشاريع والقوانين الهامة التي ساهم بها مثل يوم العلم.


ماذا قدَّم للجالية التنورية في استراليا؟
أما في أستراليا، وبعد أن كانت نسبة التأييد له بين أبناء تنّورين مرتفعة جداً (فوق التسعين بالمئة) تراجعت اليوم إلى أدنى مستوى لها. لكنه في المقابل مكَّن سيطرة أتباعه على "قرار تنّورين" الاغترابي ولو على جمعية ممزقة، مشلولة، مهجورة ولكن المهم أنها مطواعة لا تسأل ولا تسائل. وهذا الموضوع بالذات هو محور كتابي الجديد "المطرود" و الذي صدرفي أيلول 2017  وفيه الكثير من التفاصيل. هذا النوع من السياسيين، بعد أن أوصلوا لبنان الى المستوى الذي تعرفون، ساءهم أن ننمو نحن بعيدين عن سلطتهم، ونكبر  وننفتح ، ونعمل لكل تنورين ولكل لبنان، ونساهم في مشاريع عامة حيوية، فاستعملوا أتباعم لإعادتنا الى الحظيرة. وأحد أسباب غضبتهم علينا لأننا سألنا عن المبالغ المالية التي جُمِعت خلال زيارته الاخيرة لاستراليا لبناء ملتقى الكبار في تنورين الفوقا قرب القصر البلدي حيث وضع الوزير وائل ابو فاعور الحجر الاساس. اختفى المبلغ، وطار البناء ثم استأجرت السيدة زوجته مكاناً آخر لذر الرماد في العيون. هذا النوع من السياسيين يدَّعون تمثيل المغترب، فألحقونا انتخابياً بهم.  وهذه أكبر جريمة يقترفها لبنان المقيم بحقنا. المغترب يجب أن يساهم ، سياسياً، كما يساهم في مجالات اخرى عديدة وخاصة اقتصادياً في انماء لبنان. ولكن ليس من خلال هكذا سياسيين بل من خلال ممثليهم الذين تنتخبهم الجالية، من بين ناشطيها، ليمثّلوا مصالحها وتطلعاتها وأمالها وآلامها وأحلامها. ولهذا الموضوع مكان آخر على أي حال.
للأسباب أعلاه، ولغيرها الكثير، أسأل معالي الشيخ بطرس حرب لماذا تترشح؟ ألم يحن الوقت، لك ولأمثالك، الذين فشلوا في بناء وطن، أن يتنحّوا جانباً، ويعتذروا من الشعب اللبناني، ويعطوا المجال لغيرهم  أن يحاول؟ باستثناء بعض التوظيفات المرتبطة بشخصك، وباستثناء بعض التنفيعات فـَ 46 سنة عجاف لا تؤهلك أبداً لنمنحك ثقتنا مرة جديدة. 
هذا لا يعني أنك لن تنجح. فاحتمالات نجاحك واردة خاصة إذا تسلَّقتَ، كما العادة، على أكتاف خصوم الامس. فمن أجل نجاحك فأنت مستعد، كما معظم السياسيين، للتحالف مع "الشيطان" لتصل الى الندوة النيابية. وطالما أن القوانين قد وُضِعَت لخدمة هذه الطبقة السياسية، فلا أمل للبنان بوضع قدميه على طريق المستقبل.
عزيزي الشيخ بطرس. لو نجحت في الانتخابات، أو لم تنجح، سيتذكرك اللبنانيون أنك واحد من هذا الطقم السياسي  الذي أوصل لبنان الى هذا المستوى من القبح والفساد والمحسوبية والتشبيح. طَبَقتكم السياسية ، يا شيخ، أعطت لبنان اسمه الجديد: بلد النفايات!  
نجحتَ أو لم تنجح، قلا أمل للبنان إلا عندما تصبح قوانينه بخدمة شعبه. وعندما تصبح أنت، وكل المسؤولين، تحت القانون.
ولك مني، على المستوى الشخصي، أطيب التمنيات بصحة جيدة وعمر طويل.

المخلص لتنورين ولكل لبنان
جورج الهاشم
(مغترب من تنورين في استراليا)

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق