نومادولوجيا الحدث وغراماتولوجيا الفرق بين دولوز ودريدا/ د زهير الخويلدي

" كل شيء يتوقف على قيمة ما نفكر فيه وعلى معناه. إن لدينا دائما الحقائق التي نستحقها تبعا لمعنى ما نتصوره ولقيمة ما نعتقده"1[1]

جيل دولوز (1925-1995) فيلسوف رحال بامتياز ويعود ذلك إلى كونه مؤسس النومادولوجيا في تاريخ الفلسفة وأدب البورتريه والفيلم الفلسفي من خلال الفرجة على الأزمنة المتحركة والأمكنة المستكشفة، لقد أصبحت صورة الفيلسوف معه مرتبطة برحلته وسيرته الذاتية في الحياة ولا تقتصر على تجربة تدريس الفلسفة واللقاءات والأفلام التي أجريت معه وصار الفكر الفلسفي زرع الروزومات على مسطح المحايثة.

لقد اشتغل دولوز مدرسا للفلسفة منذ 1950 في وضعية مساعد للعديد من الأستاذة الكبار المشهورين ولكنه أنتج دراسات تاريخية حول كانط وسبينوزا وبرجسون ونيتشه وهيوم وجمع مونوغرافيا لامعة حولهم، ولم يجد فرصته الاستثنائية إلا عندما التحق بالمكان الذي تركه ميشيل فوكو في المركز الجامعي التجريبي لفانسان الذي مكث فيه الى حد 1987 وقدم فيه مجموعة من الدروس عكست كلها اهتماماته في بناء فعالية فلسفية مستقلة تدور حول الإبداع الفني والفعل السياسي وتبذل مجهودات من اجل إعادة الاعتبار للذات وتفكر في الحرية وتهتم بالعلوم وتحاور علم النفس التحليلي وفرويد وتجعل من قضية الزمن مسألة بارزة.

لقد ألف دولوز منذ 1962 كتاب نيتشه والفلسفة ووقع سنة 1967 رائعة الفرق والمعاودة وفي سنة 1969 منطق المعنى وبعد ذلك صاغ بدأ تأليفا مشتركا مع طبيب نفساني اسمه فليكس غتاري أثمر أولا كتاب ألف سطح وبعدذلك في سنة 1991 كتاب ما الفلسفة؟ ولكنه تفاعل مع الأركيولوجيا في كتاب فوكو عام 1986.

لقد تعامل فرانسوا زورا بيشفيلي مع فكر دولوز بوصفه فلسفة الحدث بامتياز أين طور فيها تفكير فارقيا في الاختلاف وجابه العقلانية مدافعا على الحياة في جميع أبعادها مناصرا الرغبة والكثرة والصيرورة ولقد أبدى احتراما كبيرا لكل الرحالة والبريين والمشردين من المفكرين الأحرار وأرسى النومادولوجيا.

في هذا السياق " يقول الوجود عن نفسه انه من الصيرورة والواحد من المتعدد والضرورة من الصدفة ... هكذا إنها ميزة الإثبات أن يعود أو الاختلاف أن يتولد من جديد. العودة هي وجود الصيرورة ، الواحد هو وجود المتعدد، والضرورة هي وجود الصدفة: وجود الاختلاف بماهو كذلك، أو العودة الدائمة"2[2]

إذا كان جيل دولوز هو أول فيلسوف قد كتب بغزارة عن السينما والصورة وثمن الفرق والاختلاف وحدد الفلسفة بكونها فن إبداع المفاهيم فإن جاك دريدا (1930-2004) كان قد واصل هذا المجهود الاستثنائي وما بعد الحديث وفق نبرة لغوية عائدة إلى نيتشه وهيدجر ومتأثرة بهوسرل ومرلوبونتي وفوكو وريكور وغادامير وتنغرس في الأدب والغراماتولوجيا واعتمد على التفكيك في تعامله مع الميتافيزيقا وضد نزعة التمركز العرقي والصوتي والعقلي التي أخفتها الثقافة الغربية عن الأنظار تحت مسمى التقنية الذاتية للسيطرة على العالم وفي المقابل اتجه دريدا نحو الرسم باحثا عن الحقيقة ونحو الصداقة مؤسسا للسياسة وشرع حق الفلسفة بصورة كونية وحق الضيافة بين الشعوب والثقافات بواسطة الترجمة والمثاقفة الفنية.

لقد كانت انطلاقة جاك دريدا الفرنسي الجنسية والجزائري المولد من كتاب حول هوسرل بعنوان الصوت والظاهرة وفي سنة 1967 ألف أبرز كتاب له وعنونه بالكتابة والفرق وأحدث به ضجة في الأوساط الباريسية أدت إلى ثورة الطلاب لم تفهم إلا في عام 1972 حينما أخرج كتاب هوامش للفلسفة وزاد عليها في سنوات التسعينات أطياف ماركس والحق في الفلسفة وسياسات الصداقة وبطاقة بريدية وتاريخ الكذب.

 لقد تحول دريدا الى وجه مألوف على الصعيد العالمي بعد رحلته الى الولايات المتحدة الأمريكية وترجمة أعماله من الفرنسية إلى الإنجليزية ولكنه كان قد درس الفلسفة لمدة طويلة في المدرسة العليا بباريس وناضل من أجل نشر الفكر الفلسفي في الأوساط الثقافية والشعبية وفي مختلف الفضاءات التربوية في بلده وأشرف من هذا المنظور على تكوين أساتذة الفلسفة وأسس فرق بحثية حول تدريس الفلسفة وأسس المعهد الدولي للفلسفة الذي استدعى إليه كل الدول والجمعيات المحبة للتفلسف سنة 1979 في جامعة السوربون.

لقد صرح جاك دريدا حول علاقته المهنية بالفلسفة واندراجه العضوي في رسالة التفكير والالتزام بالقول التالي:"أنا أعلم الفلسفة، وأحاول أن أعلم شيئا له علاقة بما أكتب. عليّ هنا أن أتبنى استراتيجية للتعليم"3[3]

لقد تميز فكر دريدا بالفنومينولوجيا التي تعلمها عن هوسرل وهيدجر وبعد ذلك أخضع كل الأنساق الفكرية لتفكيك معمق وتحطيم جذري وخلخلة للأزواج الميتافيزيقية التي ظلت مسلمات ضمنية للفلسفة الغربية، وكان همه الأساسي ملاحقة اللاّمعنى وتقصي شروط إمكانه بالحفر في الظواهر والانفتاح على التخوم.

لهذا "وجب علينا أن لا نقتصر على التعايش مع كل وسائل العنف الضرورية لعمليات الصنع وانما أيضا أن نتخلص مما صنعنا، كما نتخلص من شيء لم نتوفق في صنع متوسلين في ذلك بوسائل الهدم"4[4].

لكن كيف جعل دريدا من مساءلة نص الآخر الفتحة التي يطل من خلالها على انغلاق الأنا و يفكك ذاته؟

الإحالات والهوامش:

[1]  جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، مجد، بيروت، طبعة ثانية، 2001. ص133

[2]  جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، مصدر مذكور، ص241.

[3]  جاك دريدا ، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، دار توبقال، الدار البيضاء ، المغرب، طبعة1988،ص54.

[4]  جاك دريدا ، المصالحة والتسامح وسياسات الذاكرة ، ترجمة حسن العمراني، دار توبقال، الدار البيضاء ، المغرب، طبعة2005،ص 56.

[1]  جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، مجد، بيروت، طبعة ثانية، 2001. ص133

[2]  جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، مصدر مذكور، ص241.

[3]  جاك دريدا ، الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، دار توبقال، الدار البيضاء ، المغرب، طبعة1988،ص54.

[4]  جاك دريدا ، المصالحة والتسامح وسياسات الذاكرة ، ترجمة حسن العمراني، دار توبقال، الدار البيضاء ، المغرب، طبعة2005،ص 56.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق