حول أدب الدكتورة نجمة خليل حبيب/ جورج الهاشم

ندوة  المركز الثقاقي الاسترالي العربي منتدى بطرس عنداري- 6 شباط 2019 

أن احيط بأدب الدكتورة نجمة حبيب في عشر دقائق فهذه عبقرية لا أدَّعيها. لكثرة ما كتبت من جهة ولأهمية كتاباتها من جهة اخرى. فللدكتورة نجمة سبعةُ أعمالٍ منشورة في كتب حتى الان، ولا شك ان الحبلَ على الجرّار. ولها أيضاً مقالاتٌ كثيرة منشورةٌ في صحفٍ ومجلاتٌ ومواقع الكترونية. من الكتب المنشورة ثلاثُ مجموعاتٍ قصصية: الأبناءُ يضرسون، ربيعٌ لم يزهر وجدَّتي تفقد الحلم التي كانت السبب في لقائنا اليوم. كما ان لها اربعةَ كتبٍ في البحث والدراسة والنقد والتقييم هي النموذجُ الانسانيُّ في أدب غسان كنفاني، من استراليا وجوهٌ ادبية معاصرة، رؤى النفي والعودة في الرواية الفلسطينية وقراءات نقدية في الشعر والرواية.                                                                                             
نجمة حبيب لا تكتب لمجرد الكتابة. أو لأنها تهوى الصعودَ الى المنبر. يحرِّكُها مشروعٌ كبير ركائزُه قيمُ العدالةِ والحقّ والحرية. من خلال قضيةٍ محورية تُعتبر من أهم  قضايا العصر: القضية الفلسطينية. أما قضيةُ المرأة وقضيةُ الطفولة، أو القضايا الانسانية بكل تجلياتها، فكلُّها تصبُّ في القضية الأم أو تتفرَّعُ عنها. القضية الفلسطينية عندها ليست للمزايدة أو للوصول، أو قضيةً تكتب عنها عن بعد. فنجمة عاشت المعاناة التي رافقتْ هذه القضية ولا تزال. وعاشت في قلب قضيتها. فالتهجير القسري طال طفلةَ كفربرعم، وطال عائلتَها وأقارِبَها وأصدقاءَها. ذاقت مرارةَ العيش في المنفى اللبناني رغم ذكرياتٍ كثيرة جميلة. تحسَّسَت الام شعبِها والمآسي الانسانية التي رافقت هذا التهجير فكان كتابُها الأول: النموذج الانساني في أدب غسان كنفاني. غسان، الشهيدُ الفلسطينيُّ الأول للكلمة المقاتلة، لم يستهوِ نجمة الا لأنه عبَّر عن معاناتها ومعاناة شعبِها في كلِّ ما كتبَ ورسم. لأنه صوَّرَ الواقعَ المؤلم بكلِّ مرارَتِه وقسوته. ولأن أعمالَه اقترنت بارادة التحدي والتغيير من خلال مشروعٍ ثقافيّ يمشي، جنباً الى جنب، مع المشروع السياسي.                                           
في الأبناء يضرسون، وربيعٍ لم يزهر، المجموعتين القصصيتين، لم تفارِقْها مأساةُ شعبها بل وصلّت الى براعمه التي عانت الأمرَّين. الطفولة الفلسطينية المعذَّبة أمام وحشية الاقتلاع من الجذور. تهجيرٌ الى لبنان على يد العنصرية الصهيونية، وتهجيرٌ داخلي من أحزمة البؤس الى أحزمة بؤس اخرى على أيدي عنصريين خارجيين وداخليين. هذه الطفولة، ولو لم تزهرْ في بداية القرن إلا أن التحدي لا زال مستمراً، والحلم يتجدد.                                  
                                                                                                                                                                     سنة 2006 كتبت: من استراليا وجوهٌ أدبية معاصرة. وكان هو المدخلُ الذي تعرَّفتُ من خلاله الى أدب الدكتورة نجمة حبيب. صحيح ان هذا الكتاب لم يعالجْ قضايا فلسطينية مباشرة، وصحيح انه كان جسراً حضارياً رائداً بين الأدب الأسترالي والأدب العربي، إلّا أن الهمَّ الفلسطيني أطلَّ برأسه من أكثر من محطة.  من بين الذين اختارَتْهم  لتتكلّمَ عنهم، الاديبة المؤيدة للقضايا العربية ايفا سالس. ابوها الالماني الأصل وُلدَ وعاش  في فلسطين. وتشرَّد سنة 1948 مع من تشرَّدَ من أهلها. وكان يتكلم بحبٍّ وإكبار عن فلسطين والفلسطينيين. والأهم أنها كتبت فصلاً كاملاً عن معاناة سكان استراليا الأصليين الذين حاول الاستيطانُ الأبيض نفيَهم من الذاكرة ومن الوجود بعد أن نفاهم من معظم أرضهم. هل تتكلم هنا فعلاً عن السكان الأصليين الاستراليين؟ أم أنها تتكلمُ عن مأساة شعبها؟ الألم هو الألم. والمعاناة الانسانية واحدة. ونجمة حبيب تعاطفت، في كتاباتها، مع كل المتألمين حول العالم. وكلُّ أديبٍ فلسطيني لا يحسُّ بمعاناة الآخر، لا يفهمُ قضيةَ فلسطين على حقيقتها.                       
  أما كتابُ رؤى النفي والعودة في الرواية الفلسطينية فعنوانه يتكلم عنه. هي تتكلم عن محنة النفي التي تعرَّضَ لها شعبُ فلسطين وعن رؤى العودة كما تجلَّتْ في رواياتٍ فلسطينية كثيرة. فالمنفى لم يكن عزلةً وتقوقعاً واجتراراً للأمجاد بل كان، قبلَ أيِّ شيءٍ آخر، خَلْقاً وابداعاً وعملاً متواصلاً للعودة. والعربي عامة، وهو المنفيُّ بشكل أو بآخر، يبرزُ في كلِّ مجال إذا توفَّرتْ له الظروفُ لذلك. والفلسطينيُّ المبدع، تحت الاحتلال أو في المنافي، يبقى مرتبطاً بالوطن وبقضيته. هذا الارتباط يظهر قوياً في كل كتابات نجمة كما يظهر في اهداء الكتاب الى شبيبة امتها حيث تقول: أملنا بمستقبل واعد بالتحرير والعودة.                     
أما قراءاتٌ نقدية في الشعر والرواية الصادر سنة 2017، فيسلِّطُ الضوء على أعمالِ كتّابٍ وشعراء محليين اضافة الى كتّابٍ وشعراء من العالم العربي. انه من الكتب القليلة النادرة، إن لم يكن الكتابَ الاول، الذي يتعرَّضُ لنماذج من أعمالٍ محليّة بالنقدِ والدراسةِ والتحليل الى جانبِ نماذج من أعمالِ كتّابٍ عرب معروفين في عالم الشعر والرواية والسيرة الذاتية. انه اعترافٌ موثَّقٌ من الاديبة نجمة حبيب ان الأدبَ المحليَّ لجاليتنا العربيةِ قد بلغَ سنَّ النضج،  وأصبح بمقدوره أن يجلسَ، مرتاحاً، الى جانب الادب العربي في اوطاننا الأصلية. ولا شك أن حقل دراسة الأدب العربي في استراليا هو حقلٌ واسعٌ وخصب بانتظار دراسات مستقبلية أخرى  جادة وشاملة تفيه بعضَ حقِّه. يبقى ان من شملَتْهم نجمة حبيب في هذه الدراسات يجمعُهم الهمّ الانساني، والفكر التنويري، وقضايا التحرُّرِ والحقِّ والعدالة المتمثلة في قضيتها المركزية: قضية فلسطين.                                                                             
   باختصار، نجمة حبيب تكتبُ عن المعاناة الانسانية أينما وُجِدَتْ. تكتبُ عن الطفولة المشوهة والمنسحقة بالحروب والمآسي. تبحث عن المرأة صاحبةِ الدورِ التنويري والتغييري في مجتمعها لتسلطَ الضوء عليها. تشغلُها قضيةُ شعبِها الذي تغذّيهِ دائماً بأمل التحرير والعودة. تكتبُ عن التفاعل الحضاري بين الشعوب. نجمة حبيب، الفلسطينيةُ الجذورِ والانتماء، اللبنانيةُ النشأةِ والثقافة، الاستراليةُ الاقامةِ والعمل، الانسانيةُ الهموم والتوجّه، هي أولاً وأخيراً، سفيرةٌ فوق العادة لبلادها فلسطين، كلِّ فلسطين، في عالَمِ الأدبِ والابداع.  

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق