منذُ ما يزيد على القرنِ بقليل، كان الأميركيُّ تشارلي شْـواب، أحد ألمع الأدمغةِ الإدارية عبقريةً في العالم في ذلك الوقت، الدارس في كليةِ سانت فرانسيس في حينه، والتي تحوَّلَ اسمُها إلى جامعةِ سانت فرانسيس، يعمل بوظيفة المدير التنفيذيّ لدى شركة كارنيجي للصلب في أميركا، ثالث أكبر مصنع في البلاد في ذلك الحين.
لاحظَ مستر شواب بأنَّ كميات الإنتاج تَـقِـلُّ يوماً بعد آخر، طلب من مدراءِ الأقسامِ أن يَـحـثّـوا عُـمّالهم على زيادةِ الإنتاج ، ففعلوا ولكنَّ الإنتاجَ ظلَّ يَـتَـناقص. تَـكرَّرت الـمُحَـاولات ولكنّْ دونَ جدوى.
حِـيـنها اتخذَ شْواب قراراً فريداً من نوعه، وغير مَسبُوقٍ لـِحَـلِّ تِـلكَ المشكلة التي استَـعْـصَتْ على مَرؤوسيه، فَـوقفَ عند نِـهايةِ الدّوام النهاري قُـربَ كُـوخِ الـحُـرَّاس، عِند باحَـةِ الـبَوّابـَةِ الرئيسيَةِ لِـلمصنَع، انتظر خروجَ كبير مراقبي ورديّـة عُـمّـالِ النهارِ الـمُـغادرين وَسألـهُ:
- كَـم طُـنِّ صَلبٍ أنـتَـجـتُـم في هذا النهار؟
- أجابَ الـمُراقِب : 20 طن صلب (الرقم تقديري).
دُونَ أن يَـنبـسَ بِـبِـنـتِ شَـفَـة، وبِـصَمْتٍ كامل، كَـتَـبَ شواب بالطبشورعلى أرضيةِ الـمَدخَـل الخرسانيةِ رقم 20 بِـحجمٍ كَـبيرٍ جِدَاً، وغادر الـمَـكان دُونَ النطقِ بِكَـلمة.
في تلك الأثناء، كان كبير مراقبي الورديَّـة الليلـيّـة الذي حضر للـتَّـو هو وعـمّـاله، يراقب ما يحدث فاستنتج بأن مستر شواب قصد خلق روح التحدّي والمنافسة بين كبير مراقبي الوردية النهارية وزميله كبير مراقبي الوردية الليلية، فَـهَـمْـهَـمَ بغضبٍ وعَـزَمَ بتصميمٍ وحَـزمٍ على قبول التحدّي، حَـثَّ عماله على بذلِ جهودٍ مُضاعفةٍ فزاد الإنتاج في تلك الوردية الليلية، وبينما هو خارج مع عماله صبيحة اليوم التالي محا الرقم 20 وكتب رقم 25 على أرضية مدخل المصنع.
تَـكـرَّرت مَـرَّات التحدّي بين كبيـرَي مُراقبي الورديَّـتين فـتكـرَّرت زيادةُ كميات الإنتاج.
ولَـكن، ما علاقة ما قام به مستر شواب خـرِّيـج إحدى أعرق الجامعات في الولايات المتحدة بما قامت به أم ياسر الأمّـيـة في قريتها الجبلية النائية؟
يَـقَـعُ منزلُ أبي ياسر في وسط قرية لا يختلف اثنان على روعة طبيعتها وارتفاع منسوبها عن سطح البحر، ولكن الخلاف يحضر بقوةٍ حين يصفها بعض من يعرفها بجارة القمر، بينما يُصِرُّ آخرون على أن القمر هو جارها.
بِـجانِبِ المنزلِ المتواضع جدا حظيرة قطيع الماعز، كان على أم ياسرٍ أن تكنس سمادَ القطيعِ يوميا لتكويمه في زاوية بعيدة عن البيت نسبيا، الـمُهمّة مُتعبةٌ وتَستَغـرِقُ وقتاً. دَأبَتْ على الطلب من ابنتيها الفتاتين الصغيرتين سعاد وأسمى مساعدتها في ذلك ولكنهما كانتا تتحايلان ولا تستجيبان لطلبها.
حينها لم يكن أمام أم ياسر من سبيل لجلبهما لمساعدتها سِوى باتباع طريقة مستر شواب، أي بالسياسة واللين، بل تفوقت عليه، وعلى طريقتها، فعمدت دون عِـلـمِ طِـفلتيها إلى نَـثْـرِ قِطَـعِ نقودٍ معدنيةٍ صغيرةٍ من فئةِ العَشرةِ قروش والخمسة وعشرين قرشا في أماكن متفرقة في الحظيرة، ولمَّحت لـهُـما بـأنّـها تَـجدُ نُـقودا في السَّمـاد بين الحين والآخر، بدأت الفتاتان تراقبان أمهما، وحين تحققتا من رواية الوالدة طلبتا منها أن تتولّـيا أعمال الكنس عنها لإراحتها.
عيحا في 06/04/2025
رائعة وممتعة وهادفة
ردحذف