أيّتُهُا العراقيّةُ... أيُلامُ قلبي لو هَتف أهواكِ؟/ الأب يوسف جزراوي


تقيّحت أجسادنُا على جدرانِ الغربةِ الصماء؛
غربةٌ  اقتلعتنَا من تقويمِ الوطنِ بحياء.
نادينا الوطنَ فلبت العراقيّة النِداء،
كقاربٍ للنجاةِ والفداءْ.
في لجُّةِ البحارِ  العاتيةِ الأنواءْ
تفيضُ نهرًا من الخصوبةِ والعطاءْ،
ينهلُ من سلسبيلهِا الأبناءْ، بعد أن روت ظمأ الغرباءْ.
في غربةٍ، الليلُ ليس له مخارجْ
أطلت علينا وهي تنشرُ  المباهجْ،
العراقيّةُ قاموسٌ، الفجرُ منه اِنبلجْ
تصالحَ فيه الفصيحُ والدارجْ.
هي تيّارُ جيلٍ ونمطُ حياةْ ،
ربطت المهجرَ  ببلدِ المعاناةْ.
خابَ مَن ظنَّ أنّها سهلةُ المقارنةْ ،
كمن يظنُّ بقفزةٍ يُحطمُ المقاربةْ.
خطبت ودَّ القُرّاءِ بكلِّ مودةْ.
صفحاتهُا زُجاجةُ عطرِ الأحبة.
نشرت عن كلِّ حادثٍ حديثًا.
وزعت صفحاتهِا كالخبزِ على الجياع.
لها نهجٌ نيّرٌ ، لا يُعارُ ولا يُباع.
من العراقِ جاءت تسميتهُا، تشعُ بتنوعهِا ومصداقيتهِا،
يتنسّمُ العراقيونَ عبيّرهَا، كالهواءِ الفسيحْ.
فما ماتت جاليةٌ، العراقيّةُ  صوُّتُها.
صحيفةٌ...  قرأتهَا كلُّ الصحفِ
غنوةٌ ...غنتها كلُّ الاغانيِ
وردةٌ.... لا تزالُ بمفردهِا حديقةً
رأيتُ في شموخهاِ مآذنَ الوطنِ وقببَ الكنائسِ ومعابدَ الصابئةِ الأنيقة.
صفحاتُها محبةْ
عناوينُها ياقوتْ
كُتّابُها فيروز الصباح
سُطورهُا
مضيئُةٌ كالمرايا
نقيةٌ كندائفِ القطنْ، كثلجٍ ندفتَ به السماءْ
شهيقُهُا فسيلةٌ من نخيلِ العراقْ
زفيرهُا نفحُ الريحانِ والنعناعْ
رائحتهُا كطعمِ قبلةِ بغدادْ.

غصوني تعشقُ جذورهَا، هي أوّلُ المعلقّاتِ وآخرُ  الحبيباتِ
وكيف لا ؟ وهي مَن
خبزت لنا رغيفَ الوطنِ في بلادٍ جائعة للمهاجرينْ.
الجبلُ متهمٌ  برفضِ الإنحناءْ
والنخلةُ متهمٌة بالتشبثِ بالجذورْ
والعراقيّةُ متهمةٌ بولائها للحقْ،
ولكن:
الذهبُ لولا النارُ ما دُعي ذهبًا
والخبزُ  لو  جمرُ الحطبِ  ما أُستُعذبَ طعمًا
والعراقيّةُ لولا  مصداقيتهُا لمَ استمرت عقدًا.
ختامًا....
 بعد أن فتشتُ في معاجمِ اللغةِ
ونخلتُ ابجديةَ الوطنِ
وتنزهتُ في كتُبِ الأدبِ والبلاغةِ
فما اسعفني قلمي إلا بهذهِ الكلماتِ:
مُنذُ الغسقِ الغافيْ حتّى خيوطِ الفجرِ  الأوّلى ، كنتُ أستجديَ الشمسَ شروقًا،
لأن النورسَ الطائرَ على ضفافِ العراقيةِ يستسمحكم  عُذرًا ليبوحَ:

آهٍ.... لو يُحسنُ الصمتُ الكلام، لأخبركم  عمّا اخفتُه حناجرُ الأقلامْ
وعن أمنياتٍ نعيشهُا في كنِفِ الأحلامْ
لحدثتكُم عمّا فعلتُه بنا الأيامْ
وعمّا فعلتُه بِنا  حُروبُ القائدِ وحصانةُ الساسةِ وأطماعُ الحُكّامِ،
أسرَّ البعضُ منها الكاهنُ البغدادي لقرّائهِ على صفحاتِ صحيفةٍ خلدتها الأعوام.
هي أولُ العصفِ وأولُ الضوءِ وأخرُ القبسِ،
عراقيّةٌ مُنذُ الأزلِ حتّى الأبد،
يتأرجحُ إبداعُها على قممِ الليلِ قمرًا.
خالدةٌ في القلوبِ وفي دفاترِ الأيام منبرًا.
أيّتُهُا العراقيّةُ... أيُلامُ قلبي  لو هَتف أهواكِ.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق