الحُدودُ تَرِسمُهْا الدِماء: أولُ الغيثِ قَطْرَةُ مَاءْ ... وأولُ الحَربِ قَطْرَةُ دم 4/ زياد السبعاوي

الجزء الرابع
خامساً : إستهداف الشيعة في نينوى :
كُنا قد أوردنا إستقالة محافظ نينوى اللواء الركن غانم البّصو ثم استقال أو اُقيل قائد شرطة نينوى اللواء ق.خ الركن محمد خيري البرهاوي  حيث تم استبداله وتلاشت أخباره لتبدأ سلسلة من التداعيات التي تعصف بالموصل
ليكون الحاكم الفعلي والمتنفذ في مقدرات مدينة الموصل ومحافظة نينوى نائب المحافظ (خسرو كوران) أما منصب المحافظ الذي شغله (دريد كشمولة) فكان كما يقول المثل (حديّدة عن الطنطل) ولمحاولة إقناع الشارع الموصلي أن أبن الموصل هو الحافظ و (مركتنا على زياكنا) ... ما يعنينا هنا بدء مرحلةٍ جديدة وهي الإستهداف الطائفي للشيعة في الموصل ومما لا يخفى أنه ما من قبيلةٍ أو عشيرةٍ عربيةٍ إلاّ وفيها الشيعة والسُنّة بل الأكثر من ذلك أن البيت الواحد والعائلة الواحدة تجد فيها قسمٌ من الإخوة سُنّة والقسم الآخر شيعة وأحياناً ربُ الأسرة سُنّي والزوجة شيعية والعكس صحيح وهكذا هو الحال مع التركمان و الشبك .
إلاّ أن الذي حدث من تداعيات طالت عُرى النسيج الإجتماعي بعد عام 2003 وتحديداً في الموصل بعد إجتياحها من قبل الأمريكان والبيشمركة يُحتم علينا أن نتمعن جلياً في الأمر فالبرغم من دوامة العنف والإغتيالات التي كانت تحصد السُنّة بإعتبارهم ( إما كُفّار أو مرتدين) موالين لقوات الإحتلال  وكُلٌ له تصنيفه فهذا (ضمن الأجهزة الأمنية من جيشٍ وشرطة) يتترس بهم الأمريكان ، وهؤلاء موظفون مدنيون ولكنهم يستلموا رواتبهم من الغازي الأمريكي وأؤلئك مدرسون ومعلمون وأساتذة جامعة يُدرسون اللغة الإنكليزية فضلاً عن اللغات الأجنبية العالمية من لغات (الكُفار من أهل الصليب ) والقائمة تطول ... لكن ثمة أمرٍ طارئ برز على السطح تجسد في الإغتيالات المُمنهجة التي تستهدف الشيعة بإعتبارهم (روافض) كُل هذه التصفيات في زمنٍ كانت فيه مدينة الموصل طيلة السنين التي أعقبت هيمنة الأمريكان والبيشمركة على مقدراتها تخضع لحضر تجوالٍ شاملٍ وأوامر بإلغاء غطاء صندوق السيارة الخلفي أو رفعه نهائياً أو تركه مفتوحاً دائماً وغالباً ما تشهد المدينة حضر تجوال بعد الثانية ظهراً وفي أحسن الأحوال تخف حركة المشاة والسيارت المدنية قبيل الغروب لتغط الموصل في هدوء وسكينة يخيم عليه الخوف والرعب من المجهول والويل والثبور لمن يفكر أن يخرج من بيته إذ سيكون هدفاً لنيران الدوريات المشتركة ، أما الحالات المرضية فالسبيل الوحيد هو الإتصال بالرقم المخصص للحالات الطارئة فكُلٌ يوصد باب منزله على أفراد عائلته في ظل أجواء القلق من المداهمات التي غالباً ما ينتهي الحال معها بإستيلاء القوة المداهمة على كُل ما إدخرته العوائل لسنين طوال ... ولكن لا ضير ؟؟؟!!! فقد إعتاد أهل الموصل ترديد بعض العبارات : ( منزوعة ، الحمد لله بالمال ولا بالعيال ، ربك يعوض ، الله أعطى وربك يرزق ، حوبتنا عند الله ما تضيع ...........)
ما يعنينا هنا أن إستهداف الشيعة من عربٍ أو تركمان أو شبك كان بوتيرة معينة أو كما يقول المثل : (إضرب المربوط يخاف المفّلت) فأحياناً يتم قتل وتصفية شاب مسكين (مجنون) من الشيعة الشبك كما حدث الأمر في حي عدن ( لا بيها ولا عليها ول بالعِيْر ولا بالنفير) أو شيخٌ (طاعنٌ في السن) تركماني شيعي والكل تقول (لا حول ولا قوة إلاّ بالله) وتتساءل لماذا ...؟؟؟!!!
ورغم حالة حضر التجوال التي نوهنا عنها والظروف المحيطة بها تغط الموصل في سُباتٍ إجباري لتستفيق المدينة وقد كُتب على جدران المنازل وأبواب البيوت (شيعي مطلوب للقتل) و(البيت لا يُباع ولا يؤجر) وهنا يحق لنا أن نسأل أو نتسائل مَنْ يجرؤ على الخروج من بيته وكل شيءٍ يتحرك هدف لنيران الدوريات المشتركة ...؟؟؟!!! 
الأمر الذي شكل وازعاً ودافعاً لهجرة الشيعة إلى مناطق سهل نينوى شمال شرق الموصل بدءاً من منطقة كوكجلي وطوبزاوة ووصولاً إلى قضاء الحمدانية –قره قوش-  وناحية كرمليس وبإتجاه الغرب حيث ناحية برطلة ومناطق الخزنة وتيس خراب ثم قضاء بعشيقة وامتداداً حتى غرب الموصل بإتجاه مناطق (سادة وبعويزة ثم الرشيدية وشريخان العليا والسفلى ثم الكُبة-القُبة- أو بإتجاه جنوب الموصل إلى قرى علي رش وما جاورها ...) وكل المناطق التي ذكرناه والتي أصبحت ملاذا آمناً للشيعة أصبحت تخضع لنفوذ وهيمنة كُردستان بعد أن تم انتزاعها من محافظة نينوى ، وهكذا تم إفراغ الموصل من شيعتها ...؟؟؟!!!
سادساً : إستهداف المسيح الآشوريين في الموصل :
مما لا يخفى أنّ الآشوريون هم بُناة مجد العراق وصُنّاع تأريخه ولا زالت مدينة الفاو ثغر العراق الباسم تحتضن كتابات تُجسد شيء من تلك الملاحم حيث كانت الفاو بسبب موقعها الاستراتيجي مسرحاً للعديد من العمليات العسكرية ، فأوضحت مصادر تأريخية إلى أن الفاو شهدت محاولة من قبل العيلاميين لاحتلالها في العصور القديمة ولكنهم فشلوا في ذلك بعد أن خسروا المعركة التي دارت بالقرب من نهر الكرخ أمام الجيش الآشوري القادم من العراق وقتل قائد العيلاميين وخلفت هذه المعركة نقوشاً
 ما زالت محفورة على ألواح من المرمر تحذر أهل عيلام من معاودة التحرش بالعراق وتبدأ بعبارة (من هنا مر ملك العراق العظيم)  ولا زالت الذاكرة الموصلية رغم تدمير آثارها ومعالمهم لكنها تحتفظ بالإرث العظيم من حضارة الآشوريين ومن عاش في الموصل الحدباء يُدرك كم هي رائعةٌ وشائج الاّخوة والصداقة والعلاقات الإجتماعية مع المجتمع الآشوري المسيحي المُتسامح المُسالم الذين ارتبطنا وإياهم بِعُرى ووشائج مهما عصف بالعراق من أحداثٍ وكوارث فلن تنفصم تلك الروابط والأواصر وهكذا هو الحال مع الجميع .
ما يعنينا هنا شهدت الموصل حملةٌ مُمَنهجة طالت أبناء الطائفة المسيحية ، ولكن الشارع الموصلي ولكثرة ما يراه من جثث ومشاهد للقتل والموت لم يلتفت للأمر في بادئه ، تلقيت إتصالاً من صديقي وجاري الذي وفقه الله فاشترى قصراً مشيداً في أحد أحياء مدينة الموصل فإذا به يُلّح في طلب حضورنا نحن جيرانه ويستدعينا بإصرارٍ لزيارته في قصره الجديد ، وإزاء هذا الإلحاح توجهنا نحن الجيران برفقة عوائلنا للإطلاع على الإصرار العجيب ؟؟؟ فإذا به يفاجئ الجميع أن العديد من جيرانه المسيح قد لقوا مصارعهم وقتلوا غيلةٍ بل لم تسلم حتى النساء المسيحيات من غائلة الغدر والقتل ...؟؟؟!!!
وطلب مساعدة الجميع في نقل عفشه ومرافقة عائلته حتى الوصول إلى قضاء الحمدانية (قره قوش) توسلنا كثيراً دون جدوى وكان له ما أراد ودعناه وأهله في مستقره الجديد والدموع تُسفح على الخدود ... وبعدها بأيامٍ أوصلنا جارنا الآخر إلى ناحية القوش رغم أن كل الجيران تعهدوا بالسهر على حياته وأهله ولكن ذهبت هذه التوسلات أدراج الرياح وهكذا هاجر المسيح مُلجئين إلى ( قضاء قره قوش ، قضاء تلكيف ونواحي كرمليس وبرطلة وباطنايا والقوش ... وهي أقضية ونواحي الغالبية المطلقة للطائفة المسيحية  ولكنها تخضع لسيطرة وحكم ونفوذ البيشمركة والأحزاب الكُردية ) وهكذا تم إفراغ نينوى من كل المسيح والشيعة والشبك لتبدأ المطالبات بإعلان محافظة في شمال شرق نينوى تقطنها الأقليات وتسيطر عليها الأحزاب الكردية تحت إسم محافظة (سهل نينوى) ...  
سابعاً : التواطؤ مع إسرائيل :
لإدراك حقيقة ما جرى ويجري وما سيؤول إليه الحال في مدينة الموصل الحدباء ومحافظة نينوى خصوصاً وفي العراق بشكلٍ عام  نستعرض التقرير الخطير الذي نشرته وكالة وايــن مــادســون عن محاولات إسرائيلية بالتعاون مع مسؤولين أكراد لتوسيع استيطان ديني كجزء من خطط (إسرائيل التوراتية الكبرى) في شمال العراق وفي مناطق يبسط الأكراد سلطاتهم عليها حسب ما جاء في التقرير، أن للموساد الإسرائيلي دوراً في تهجير المسيحيين وفق عقيدة استرجاع أراضي يهودية تأريخية ويقول وايــن مــادســون أن الأسرائيلين يوجهون أنظارهم الآن إلى أجزاء من العراق التي تعتبر بأنها تشكل جزءاً من (إسرائيل الكبرى التوراتية) وأن إسرائيل تخطط لنقل آلآف من اليهود الأكراد من إسرائيل وبينهم بعض أكراد إيران لإعادة توطينهم في مدينة الموصل وفي مناطق أخرى تحت ستار الحج إلى المزارات الدينية اليهودية هناك واستعرض الكاتب الأمريكي أسباب الاهتمام الخاص الذي يوليه الإسرائيليون لأضرحة الأنبياء ناحوم ويونس ودانيال وكذلك حزقيل وعزرا في ألقوش، الموصل ، كركوك ، بابل و ميسان(العمارة) موضحًا أن الكيان الصهيوني ينظر إلى هذه الأضرحة والمدافن على أنها جزء من إسرائيل الكبرى التوراتية حالها حال القدس والضفة الغربية التي يسمّيها ( يهودا والسامرة ) ووفقا لمصادر كردية فأن الأسرائيلين يعملون مع الحكومة الإقليمية لكردستان للقيام بعملية (دمج ) الأكراد وغيرهم من اليهود في مناطق عراقية تقع تحت سيطرة الحكومة الإقليمية وتقول المصادر الكردية والعراقية أن الموساد الإسرائيلي يعمل بالتعاون مع المؤسسات اليهودية والشركات الإسرائيلية السياحية بصورة وثيقة للتقدم بمطالبات بـ ( أملاك يهودية) قديمة عائدة إلى إسرائيل في العراق ويستخدم الموساد نفوذه في المنطقة باعتباره يشارك بقوة في تدريب قوات البيشمركة العسكرية الكردية !!؟؟
وقد كتب رامي جورج توما مقالاً تحت عنوان : المسؤولين الكرد في العراق والأستيطان الصهيوني مواقف تحت المجهر تم نشره في الحوار المتمدن بالعدد 3522 بتأريخ 21 / 10 / 2011 م
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=280471
ونعرج هنا إلى جانبٍ مما كتبه رامي جورج توما حيث يقول بالنص :
قد لاحظ العراقيون من الأكراد والعرب والتركمان أن الأسرائيلين الأكراد شرعوا في شراء الأراضي في كردستان العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق في آذار 2003 م خاصة تلك التي تعتبر بأنها أملاك يهودية تأريخية  ولأخلاء سكان تلك الأراضي التي يعتبرها الإسرائيليون أملاكا تأريخية لهم يقوم عملاء الموساد الإسرائيلي ومرتزقتهم بشن اعتداءات إرهابية ضد الكلدان المسيحيين وبصفة خاصة في نينوى وأربيل والحمدانية وبرطلة وتلسقف وبطناية وباشكية والقوش والموصل وأربيل وقره قوش وعقره وغيرها، وألصقاها بتنظيم القاعدة بغية تهجيرهم بالقوة وإفراغ المنطقة التي تخطط إسرائيل للاستيلاء عليها، كما أن الأسرائيلين يتلقون مساعدة في خططهم من مرتزقة أجانب في المنطقة تدفع رواتبهم دوائر المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة التي تساند عقيدة المسيحية الصهيونية ويدخل الإسرائيليون ومساندوهم من جماعة المسيحية الصهيونية العراق عبر تركيا وليس عن طريق بغداد
وتتفق تلك الاعتداءات التي يرتكبها الإسرائيليون وحلفاؤهم من المرتزقة مع ما ترتكبه القاعدة وما يسمون بالجهاديين الإسلاميين الآخــريــن والهدف الذي يسعى إليه الإسرائيليون من وراء هذه الاعتداءات هو أجلاء المواطنين المسيحيين الكلدان من تلك المناطق في الموصل وما حولها والمطالبة بالأراضي على أنها أراض يهودية توراتية...؟؟؟!!!
 وفي يونيو عام 2003 سارع وفد إسرائيلي لزيارة الموصل وقال إن إسرائيل تنوي بمساعدة مسؤولين أكراد فرض نوع من السيطرة الدينية على ضريح نوح في الموصل وضريح ناحوم في القوش - سهل نينوى كما تجد النشاطات الإسرائيلية لإستملاك الأراضي المساندة والدعم من الفصيلين الكرديين الكبيرين على السواء؛ أي الإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطلباني وأبنه قباد الطلباني الذي يعمل ممثلا للحكومة الإقليمية في واشنطن حيث يقيم مع زوجته شيري غراهام وهي يهودية، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني رئيس الحكومة الإقليمية لكردستان وقال الإسرائيليون أن الحجاج الأسرائيلين والإيرانيين سوف يأتون عبر تركيا إلى الموصل والتصرف بالأراضي التي كان يعيش فيها اليهود كأملاك تأريخية لإسرائيل، والعملية التي ينفذها الإسرائيليون و المسيحيون الصهاينة أنما تعد شبيهة بمسار عملية أجلاء الفلسطينيين واقتلاعهم من الأراضي الفلسطينية التي كانت خاضعة للإنتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية وإحلال اليهود مكانهم ....
أما عن نشاط الموساد فقد نشر موقع نبض العراق وعن ذات التقرير أو الدراسة التي أشرنا إليها آنفاً ما يلي :
http://mustafaaliraqi.blogspot.com/2009/06/blog-post_1327.html
أفادت الدراسة بأن "إسرائيل" نشطت منذ بداية احتلال العراق عام 2003 بنشر (ضباط الموساد) لإعداد الكوادر الكردية العسكرية والحزبية الخاصة بتفتيت العراق، كما يقوم الموساد (الإسرائيلي) منذ عام 2005 داخل معسكرات قوات البيشمركَة الكردية العراقية، بمهام تدريب وتأهيل متمردين أكراد من (سوريا وإيران وتركيا) كما يقوم الموساد (الإسرائيلي) بمساعدة البيشمركَة الكردية بقتل وتصفية واعتقال العلماء والمفكرين والأكاديميين العراقيين (الُسنّة والشيعة والتركمان) بالإضافة لتهجير الآلاف منهم، بغية استجلاب الخبرات (الإسرائيلية) وتعيينها بدلاً عنهم في الجامعات العراقية- الكردية بالإضافة لسرقة الموساد والأكراد الآثار العراقية وتهريبها إلى المتاحف (الإسرائيلية)عبر شركات الخطوط الجوية (الدنماركية، والسويدية، والنمساوية، و....) كما أسس الموساد (الإسرائيلي) بنك القرض الكردي الذي يتخذ من مدينة السليمانية التابعة لكردستان العراق مقراً له ومهمة البنك المذكور السرية تقتصر على شراء أراض شاسعة زراعية ونفطية وسكنية تابعة لمدينتي الموصل، وكركوك الغنيتين بالنفط بغية تهجير أهلها الأصليين- العرب والتركمان والآشوريين- منها بمساعدة قوات البيشمركَة الكردية
نكتفي بهذا القدر وسنتطرق في الجزء الأخير عن موقف علماء الأكراد وقادتهم عبر التأريخ من دولة كُردستان الكُبرى ثم نتطرق إلى حالة اللّا حرب واللّا سلم بين الأحزاب الكردية ونختم مقالنا أو بحثنا برؤيتنا الإستشرافية لما سيتمخض عنه الحال في نهاية المطاف 

    

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق